الخميس 28-03-2024 11:52:16 ص : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للاصلاح.. قراءة في البنية الفكرية والمحددات السياسية (الحلقة الثالثة)

الإثنين 07 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / فهد سلطان

  

دخلت اليمن في عزلة كاملة عن محيطها العربي والإسلامي؛ منذ اعتلاء الإمام يحيى حميد الدين (1869- 1948م) عرش الحكم فيها عام 1918م، ودخلت معه البلاد في حقبة مظلمة شديدة السواد، والقتامة. وستفشل كل الجهود والمحاولات في فتح نافذة للضوء؛ لإنقاذ البلاد ومحاولة إلحاقها بالعالم من حولها.

طال أمد العزلة ضمن سياسية صارمة، وخاصة بعد أن استتب له الحكم بشكل كامل مع خروج الأتراك من اليمن، وهنا ستدخل البلاد في حروب داخلية وخارجية، وستخسر اليمن كثيراً على كل المستويات.

لقد فشلت كل المحاولات في إقناع الإمام بالتخلي عن مشروعه الظلامي القائم على الجهل والخرافة، وبعد مرور عقود من الحوار والنقاش واستنفاد كل وسائل الإصلاح والإقناع التي اتخذها الأحرار، لم يكن بداً من تغيير النظام ولو بالقوة، فكانت ثورة 1948م (1)، وهي النقطة التي ستبرز الدور الأولي لطلائع الحركة الإسلامية، ملتحمة بجهود وطنية أخرى، لتنظيمات وقوى سياسية يمنية.

لعبت شخصيات كبيرة دوراً محورياً في جملة من الوقائع والأحداث التي مهدت للثورة، والتي كان لها أثرًا كبيرًا في التأثير على الأوضاع سياسياً واجتماعياً، وكان للشهيدين محمد محمود الزبيري وأحمد محمد النعمان دوراً واضحاً في هذا السياق، بزغ منذ أربعينيات القرن الماضي.

 

وسائل التغيير في فكر الحركة الإصلاحية اليمنية

اعتمدت الحركة الإصلاحية اليمنية على مفاهيم واضحة في الدعوة والتربية، والقول بالتي هي أحسن، والتعامل مع الحكام باللطف واللين، وعدم استفزازهم، أو الدخول معهم في حروب ومواجهات مفتوحة. فليس الغرض هو القفز إلى الحكم والتغيير بالقوة والعنف، بقدر ما هو تحقيق العيش الكريم للناس، وتوفير مستوى من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، الذي يمكنهم من العيش بسلام، ويجعلهم في موقع قادر على عمارة الأرض وبنائها، وتحقيق الاستخلاف بمفهومه الحقيقي.

وهنا، حاول اليمنيون بشتى الطرق والوسائل السلمية لفتح نافذة للنور، وكسر العزلة المفروضة على البلاد، وكان لسفر عدد من الطلاب الدارسين إلى عدد من الدول العربية كمصر والعراق أثرا كبيرا في اكتشاف الواقع الذي تعيشه البلاد وبين الدول التي قطعت أشواطاً نحو التقدم وتمدين شعوبها، فاليمن منزوية هناك جنوب الجزيرة العربية، بلا أي حراك فكري أو ثقافي، تقاسي الأمراض الفتاكة كالفقر والجهل والمرض.

كان الغرض من موقف الأحرار ونضالهم في ثورة 1948م الدستورية، هو إعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة تحد من الجبروت الجاثم على صدور الناس لأكثر من أربعة عقود، ضمن نظام ثيوقراطي رجعي متخلف. وتذكر كثير من المصادر وكتب التاريخ، جملة من الوقائع والأحداث والمحاولات مع الإمام يحيى طرحت بشتى الطرق، للعدول عن هذا المسار المتخلف والذي لا يليق بشعب كاليمن، وكانت كل المحاولات تبوء بالفشل.

وفي كل المراحل السياسية لم تكن "الحركة الإسلامية الإصلاحية اليمنية" إلا تعبيرا عن ضمير المجتمع وعقله الجمعي، وانعكاساً لواقعه السياسي وأساسه العقيدي والقيمي ونسيجه الفكري، وتراتبيته الاجتماعية. هذه السمات انعكست على طبيعة المشاركة واتجاهاتها، فقد كان رواد الإصلاح في الحركة الإسلامية منخرطين بصورة تلقائية في نوع من المشاركة تقوم على التعايش مع النظام والسلطة والسياسة في شمال اليمن على وجه الخصوص، وقد كانت علاقة تعايش إيجابية اتكأت مسوغاتها ومبرراتها إلى هوية المجتمع التي كان الإسلاميون يسعون إلى تثبيتها وليس استنابتها (2).

 


أبو الأحرار محمد محمود الزبيري

يعد محمد محمود الزبيري (1910م - 1965م) أحد أبرز رجال حركة الأحرار اليمنية التي قارعت الإمامة، ومثلت الخط الإسلامي المتنور في أبهى تجلياته، فهو شاعر وثائر وسياسي، وعلى مستوى عالٍ من الثقافة والوعي. فور عودته إلى اليمن في عام 1941م قادماً من مصر، أودع السجن بسبب أول خطبة تعرض فيها لنظام الإمام يحيى، ولم يخرج إلا في عام 1942م، وبعدها اتجه مباشرة إلى تعز ومنها إلى عدن، وأنشأ "حزب الأحرار" عام 1944م، ثم غيّر اسمه بعد عامين إلى "الجمعية اليمنية الكبرى" (1944م - 1948م)، وكان رئيس تنظيم الاتحاد اليمني (1953م - 1962م).

عاش الزبيري فترة حرجة من تاريخ اليمن، وهي فترة المملكة المتوكلية اليمنية (1918م - 1962م)، التي كثرت فيها الصِّراعات والثورات، وحينما شبت ثورة الدستور عام 1948م في اليمن عاد من عدن إلى صنعاء وزيراً للمعارف، وعندما فشلت وطورد، ورفضت الدول العربية استضافته فاتجه إلى باكستان، وحينما شبت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن، عاد مرة ثانية وزيراً للتربية والتعليم في العاصمة صنعاء.

وفور قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م التي أطاحت بحكم الإمام أحمد، استدعى الضباط الثوار الأستاذ الزبيري؛ لعلمهم أن مجيئه ومشاركته في الحكم يضفيان على الحكم شرعية كانوا بحاجة إليها، خصوصا أن الثورة لم تنته من خصومها من الملكيين الذين كان لهم الكثير من الأنصار بسبب الصبغة الدينية والفكرية التي تربع عليها.

وأثناء عودته واستقباله بحفاوة، عين بعدها مباشرة وزيرا للمعارف في حكومة الثورة، ثم نائبا لرئيس الوزراء وعضوا في مجلس الثورة حتى استقال عام 1964م؛ وما إن تعمقت التدخلات الخارجية وأدخلت اليمن في حرب أهلية، حتى سارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل، واشترك في مؤتمرات الصلح بين اليمنيين في "كرش" و"عمران"، كما تولى رئاسة مؤتمر "أركويت" بالسودان عام 1964م.

خرج الزبيري وبصحبته بعض رفاقه ومنهم الأستاذ عبد الملك الطيب صاحب كتاب "التاريخ يتكلم" الذي أرخ لتلك الفترة بأمانة علمية، والشيخ عبد المجيد الزنداني (الذي استدعاه الزبيري من القاهرة وقتل الأخير وهو على مقربة منه)، والأستاذ محمد الفسيل، داعيا إلى إنشاء حزب الله، هادفا إلى إيجاد صحوة تصحح المفاهيم الخاطئة التي أوجدتها الملكية والثورة على السواء؛ فقد كان يقول: "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت".

 

هامش:
1- يدور جدل حول التسمية لهذا الحدث بين ثورة وانتفاضة وانقلاب، كون الثلاثة التعريفات تنطبق عليها (مصرع الابتسامة، حميد شحرة، ص 15).
2- حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي: الواقع والمستقبل ص 162.
3- حزب الأحرار اليمنيين (الموسوعة الحرة).