الخميس 18-04-2024 06:17:31 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن.. أهداف سياسية واقتصادية وأبعاد عسكرية وإستراتيجية

الإثنين 17 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد

 

في خطوة من شأنها تعزيز الوحدة الإقليمية في وجه العديد من التحديات التي تهدد المنطقة، أعلنت السعودية، الأربعاء الماضي، عن الاتفاق على إنشاء كيان يضم الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، يضم السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن والصومال وجيبوتي، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار، ومنع القوى الخارجية من القيام بأي دور سلبي في المنطقة.

وجاء الإعلان عن الاتفاق على إنشاء هذا الكيان في الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، التي ألقاها في مؤتمر الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، المنعقد الأربعاء الماضي في العاصمة السعودية الرياض، وأوضح الجبير أن فكرة الكيان مبادرة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار في المنطقة.

 

- دوافع إنشاء الكيان

تزايدت خلال السنوات الأخيرة حدة التحديات والأزمات التي تعصف بمنطقة المشرق العربي، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الخطر الذي تشكله الجماعات الإرهابية والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، مما استدعى من الدول الفاعلة في المنطقة وذات الثقل الاقتصادي والعسكري أن تبادر إلى إنشاء تحالفات سياسية وعسكرية لتعزيز الوحدة الإقليمية ومواجهة التحديات التي تهدد الجميع، بداية من تشكيل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لمواجهة الانقلاب والتمدد الإيراني في اليمن، ثم إنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وأخيرا تشكيل كيان يضم الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.

ويكتسب كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن أهميته من الأهمية الاقتصادية والأمنية للبحر الأحمر وخليج عدن وبينهما مضيق باب المندب، الذي يعد واحدا من أهم المضائق البحرية في العالم، وتمر من خلاله -ومن خلال خليج عدن والبحر الأحمر- معظم صادرات نفط المنطقة، كما أنه يشرف على أهم طريق للتجارة العالمية يربط بين الشرق والغرب.

وتزايدت الأخطار التي تهدد المضيق وطريق التجارة الدولية المارة عبره خلال السنوات الأخيرة، بدءا من تنامي ظاهرة القرصنة، ثم خطر الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى خطر المليشيات الشيعية، من بينها جماعة الحوثي التي سبق أن استهدفت بعض السفن التجارية في البحر الأحمر بالقرب من المضيق، وهددت أكثر من مرة بإغلاقة، تنفيذا للتعليمات الصادرة من طهران، التي هددت هي الأخرى بإغلاق مضيق هرمز، بهدف الإضرار بتجارة تصدير النفط الخليجي وأهم طريق للتجارة الدولية.

كما أن إنشاء كيان للدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يأتي بعد أن مالت بوصلة الصراع بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية الصاعدة إلى السيطرة على المضائق والبحار، وباتت القواعد العسكرية والأساطيل البحرية للقوى الكبرى والقوى الصاعدة تنتشر في مختلف البحار والمحيطات والمضائق البحرية في العالم التي تحولت إلى ميدان للنفوذ العسكري، بعد أن أصبح للقوات البحرية دورا فاعلا في الصراعات والحروب والهيمنة على المناطق الحيوية والإستراتيجية في مختلف أنحاء العالم.

ولهذا، فقد بادرت السعودية إلى تشكيل كيان (تحالف) للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، بهدف تحييد هذه المنطقة الإستراتيجية عن الصراعات الدولية والإقليمية، وتحصينها من خطر الجماعات الإرهابية، وتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار في المنطقة.

  

- أهداف سياسية واقتصادية

هناك عدة أهداف سياسية واقتصادية يسعى كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن إلى تحقيقها، لعل من أهمها ترميم التحالفات السياسية المتصدعة، وإعادة ترتيب الوضع الأمني في المنطقة بعد أن تعرض لهزات عنيفة، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي ثم الثورات المضادة لها، وتحولها في بعض البلدان إلى حروب أهلية، ثم الأزمة الخليجية بفعل خلاف بعض دول الخليج ومصر مع دولة قطر، فوجدت إيران في ذلك فرصة مناسبة لتعزيز مكاسبها السياسية وتوسيع تمددها العسكري في بعض البلدان العربية، والعمل الدؤوب لتصدير ثورتها الخمينية من خلال تحريض الطوائف والجماعات الشيعية الموالية لها على السلطات الرسمية وادعاء المظلومية كمبرر لنشاطاتها التوسعية والتخريبية.

كما أن الكيان الجديد يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين دوله من جانب، وحماية أهم طرق التجارة الدولية المارة عبر خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر من جانب آخر، خاصة أن إيران لجأت خلال السنوات الأخيرة إلى استخدام المضائق البحرية كورقة ضغط في مفاوضاتها مع بعض الدول الغربية بخصوص برنامجها النووي، من خلال التهديد بإغلاق مضيق هرمز ودفع حلفائها الحوثيين للتهديد بإغلاق مضيق باب المندب، وذلك ردا على الضغوط الغربية عليها والتهديد بفرض حصار عليها من شأنه منعها من تصدير نفطها للخارج.

  

- أبعاد عسكرية وإستراتيجية

تنتشر في البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة بالقرب من مضيق باب المندب، العديد من الأساطيل والسفن الحربية للعديد من دول العالم، بذريعة حماية سفنها التجارية، وبدأ هذا الانتشار منذ أن تزايدت ظاهرة القرصنة بالقرب من مضيق باب المندب قبل نحو عشر سنوات، وذكرت تقارير إعلامية غربية أن إيران كانت تدعم القراصنة بهدف الإضرار بصادرات النفط السعودية، في الوقت الذي كان فيه تنظيم القاعدة يدعو أتباعه للتوجه إلى جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن واستهداف السفن التجارية وناقلات النفط المارة عبر مضيق باب المندب، باعتبار ذلك إحدى الوسائل الفعالة في حربه مع خصومه.

ولذا، يمكن القول بأن كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يكتسب أبعادا عسكرية وإستراتيجية، ذلك أنه لا بد أن يكون لهذه الدول حضور عسكري إشرافي على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، وإقناع الدول ذات الحضور العسكري هناك بسحب سفنها البحرية أو تقليص عددها. كما أن تعدد الدول ذات الحضور العسكري البحري في خليج عدن والبحر الأحمر، في ظل اضطراب العلاقات الدولية وتبدل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية، من شأنه جعل أمن المنطقة تحت رحمة صراعات وتحالفات القوى الأجنبية.

ويعني ذلك أن أمن واستقرار دول الكيان الجديد يقتضي أن تنسحب السفن البحرية والقواعد والأساطيل الأجنبية المتواجدة بالقرب من مضيق باب المندب، على أن تتولى هذه الدول حماية السفن التجارية، وبالتالي، فهذه الخطوة من شأنها وضع حد للتدخل السلبي في المنطقة من قبل القوى الأجنبية، وتحييد المنطقة من أي صراعات قد تنشب بينها، ومن ثم تحويل المنطقة إلى مسرح لمواجهات عسكرية بينها.

  

- ماذا ستستفيد اليمن؟

في الحقيقة، لقد تحول الموقع الإستراتيجي لليمن إلى لعنة عليها على مر التاريخ، ذلك أنه بدلا من أن تستفيد البلاد من هذا الموقع، إلا أنه جعلها عرضة لأطماع القوى الأجنبية الغازية، للاستفادة من مميزات هذا الموقع. وبعد نهاية عهد الاحتلال الأجنبي، لم تظهر في اليمن حكومات قوية تنجح في استغلال الموقع الإستراتيجي للبلاد، بما من شأنه تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم.

ومع عودة الأخطار التي تهدد اليمن وتهدد مضيق باب المندب الذي تشرف عليه، وتهدد أيضا طريق التجارة الدولية المارة عبر خليج عدن ثم المضيق فالبحر الأحمر، فإن تشكيل كيان للدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن من شأنه تعزيز دور اليمن الإقليمي كأحدى دول هذا الكيان، كما أن هذا الكيان سيعزز فرص التعاون الأمني والعسكري بين اليمن ودول الكيان الأخرى، خاصة أن اليمن أصبحت في واجهة الأحداث والتصدي للنفوذ الفارسي في البلاد والمنطقة والذي أصبح يتسلل من بوابة المضائق البحرية للإضرار باقتصاد دول المنطقة، خاصة تجارة تصدير النفط الخليجي.

ويمكن القول بأن اليمن ستكون الأكثر استفادة من الكيان الجديد، كونه سيعزز حضورها في محيطها العربي والإقليمي وسيعيدها إلى حاضنتها العربية والإقليمية، وسيحميها من المخاطر التي تهددها بسبب موقعها الإستراتيجي من خلال التنسيق والتعاون مع دول الكيان، بالإضافة إلى الاستفادة من تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الكيان.

  

- محاولات سابقة

إن فكرة إنشاء كيان إقليمي تستفيد منه اليمن كان قد أطلقها رئيس الشطر الشمالي لليمن إبراهيم الحمدي، الذي اقترح إنشاء نادٍ للدول المطلة على البحر الأحمر، لكن الفكرة انتهت بعد قتله.

ثم أحيا الفكرة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، لكنه وظفها توظيفا سيئا، بعد أن أعلن تشكيل دول تجمع صنعاء في عام 2002، والذي ضم كلا من اليمن والسودان وإثيوبيا ثم الصومال فيما بعد، واعتبرت إرتيريا أن هذا التحالف موجه ضدها، كونه يضم الدول التي لها خلافات معها.

لكن محللين سياسيين حينها رأوا في التحالف مجرد تعبير عن حنق الرئيس الراحل علي صالح من دول الخليج التي عرقلت انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي بذريعة أنه لم يتأهل بعد للانضمام، وأن الفجوة الاقتصادية كبيرة جدا بين اليمن ودول مجلس التعاون، فأراد علي صالح تشكيل تحالف بديل مناوئ لمجلس التعاون الخليجي، وممارسة ضغوط من خلاله على الدول الخليجية لتقبل بالعضوية الكاملة لليمن في النادي الخليجي، وهو ما فشل فيه، ولم ينجح التحالف حينها في تحقيق أي شيء يذكر.