الجمعة 29-03-2024 01:03:39 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للإصلاح.. قراءة في البنية الفكرية والمحددات السياسية

الأحد 16 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - فهد سلطان

 


أولاً: البنية الفكرية
دراسة "فكر" حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومعرفة "المحددات السياسية له" تلزم دراسة الجذور الفكرية الأولى للحزب، وأماكن التأثر والتأثير في مسيرته الفكرية والسياسية، كما أن المحددات السياسية للحزب -أيضاً- يمكن دراستها بعد ذلك بوضوح أثناء وبعد إقرار التعددية السياسية والحزبية؛ مع إعلان الوحدة اليمنية في 22مايو/أيار 1990م.

 

الحركة الإسلامية اليمنية
"يمثل الإصلاح الامتداد الطبيعي للحركة الإصلاحية اليمنية المجددة، وهو -في الوقت نفسه- يمثل الصيغة النهائية للحركة الإسلامية المعاصرة في اليمن".(1)
تعود هذه الفقرة إلى كتاب "الإصلاح الفكر والمسار"، والذي ظهر في عام 1998م، للأستاذ محمد عبد الرحمن المقرمي، وقدم للكتاب رئيس الهيئة العليا للإصلاح -حالياً- الأستاذ محمد عبد الله اليدومي. ورغم أن الإصلاح استفاد من مدارس كثيرة إسلامية في العالم الإسلامي، وتأثر بها في لحظات معينة -كما سيأتي بيانه- إلا أنه يظل يمني المنبع والجذور، وشأنه في ذلك شأن كثير من الأحزاب والتيارات السياسية اليمنية والعربية والإسلامية أيضاً، والتي تتأثر في لحظات سياسية معينة بمن حولها، ولا إشكال في ذلك، إذا كانت الفكرة لم يطالها الذوبان أو تخرج عن إطارها الأساس.

 

محمد بن إبراهيم الوزير
تعود جذور المدرسة الإصلاحية التجديدية اليمنية المعاصرة، من عهد بروز الإمام المجدد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير (775 هـ - 840 هـ) والذي وصف بأنه مجدد زمانه بلا منازع، وحامل لواء محاربة التقليد دون هوادة أو لين. ويصفه علماء عصره، بأنه كان متمكناً في علوم العربية، وعلوم القرآن كافة، وعلوم السنة النبوية، والتاريخ، وغيرها من علوم الآلة، وأحدث فارقاً كبيراً في زمانه وبعد رحيله.
أثنى عليه الإمام الشوكاني بقوله: إنه ممن يقصر القلم عن التعريف بحالهم، وكيف يمكن شرح حال من يزاحم أئمة المذاهب الأربعة في الاجتهاد، ويوازي أئمة الأشعرية والمعتزلة في مقالاتهم، ويتكلم في الحديث بكلام أئمته المعتبرين، مع إحاطته بحفظ غالب المتون، ومعرفة رجال الأسانيد شخصاً وحالاً وزماناً ومكاناً، وتبحره في جميع العلوم العقلية، والنقلية على حد يقصر عنه الوصف.
ويضيف الإمام الشوكاني: "فهو من الشخصيات التي تلقت معالم تفكيرها من القرآن والسنة النبوية، وقد بلغ من معرفته بالسنة وعلومها ما جعله أبرز علمائها في عصره بلا منازع، فتحول من مذهبه الزيدي -الذي نشأ وترعرع عليه- إلى إيثار العمل بأدلة الكتاب وصحيح السنة، نابذاً التقليد وراء ظهره، وداعياً غيره إلى طرح أقوال الرجال، التي ليس عليها براهين ولا أثارة من علم، والرجوع لمصدر الهداية كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام".


وهذا الموقف الجديد الذي بدا به الإمام المجدد بن الوزير، دفع علماء عصره التقليديين، لا سيما شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم، لإعلان الحرب عليه والعداء له، بل وأشهروا القدح والتجريح بحقه، واتهموه بمخالفة إجماع أهل البيت في مسائل كثيرة، وألبوا عليه العوام، وتحمل في سبيل مواقفه التجديدية مشاقا عديدة.


ولشهرته وغزارة علمه، فقد ترجم له الإمام الشوكاني، والسخاوي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وصاحب "مطالع البدور"، والوجيه العطاب اليمني، والشريف الفاسي المالكي في كتابه "العقد الثمين". رآه الحافظ ابن حجر فانبهر به وهو صغير. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "إنباء الغمر": "كان مقبلاً على الاشتغال بالحديث، شديد الميل إلى السنة". وقال صاحب "مطالع البدور": "ترجم له الطوائف، وأقر له الموالف والمخالف".
يلخص الإمام الشوكاني رأيه فيه بكلام مختصر يقول فيه: "والحاصل أنه -ابن الوزير- رجل عرفه الأكابر، وجهله الأصاغر، وليس ذلك مختصاً بعصره، بل هو كائن فيما بعده من العصور إلى عصرنا هذا، ولو قلتُ: إن اليمن لم تنجب مثله لم أُبعِد عن الصواب، وفي هذا الوصف ما يحتاج معه إلى غيره". (2)
وقد فتح فكر الإمام العلامة بن الوزير التجديدي الباب واسعاً لظهور علماء بارزين بعده، واستطاع أن يفتح نافذة للنور في لحظات الظلام الدامس، التي اعترت العالم الإسلامي بسبب شيوع المذاهب والاكتفاء بالتقليد لها فقط، وأثر في ظهور علماء آخرين في شتى مجالات المعرفة الدينية، وإن كانت لم تبلغ شهرته لاعتبارات كثيرة، أنها آثرت السلامة في المواجهة مع أرباب التقليد.

 

فكر ابن الوزير في محاضن الإصلاح
لكتب وأفكار المجدد العلامة ابن الوزير دور أساسي ومحوري في المحاضن التربوية "للحركة الإسلامية اليمنية"، وستدخل ضمن المناهج التعليمية بعد الوحدة، وخاصة في المؤسسات التي كان يشرف عليها حزب التجمع اليمني للإصلاح كالمعاهد العلمية. وستنشر كتبه بشكل واسع، وتتواجد في أغلب مقرات الحزب، والمساجد والمكتبات العامة، وستعاد طباعتها في آلاف النسخ، وتشرف عليها مكتبات ودور نشر تتبع الحزب أو مقربة منه بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

هوامش
1- الإصلاح الفكر والمسار صـ18.
2- التحف في مذاهب السلف.