الثلاثاء 23-04-2024 09:45:13 ص : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مسجونون سابقون: انتشار التعذيب في السجون التي يديرها متمردون يمنيون

السبت 08 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - بقلم: ماجي ميشيل (ترجمة خاصة)
 

 

أطلقت وكالة أسوشيتد برس تحقيقا استقصائيا مهما عن تعذيب المختطفين في سجون الحوثي، وهذه ترجمة غير رسمية قام بها موقع الإصلاح نت ليقف الرأي العام اليمني على جانب صغير جدا من مأساة اليمنيين التي يعيشونها في عهد الانقلاب الحوثي الذي قوض الدولة اليمنية وقوض معها كرامة اليمن واليمنيين.

مأرب - اليمن (أ ف ب)
فاروق بعكر، أحد الأطباء العاملين في مستشفى الرشيد، كان في دوامه الرسمي في اليوم الذي تم فيه إحضار رجل ينزف إلى غرفة الطوارئ أصيب جراء طلقات نارية وعليه آثار تعذيب. لقد تعرض هذا الرجل للجلد على الظهر والتعليق من معصميه لعدة أيام.
وقد علم بعكر أن المريض قد تم تركه ميتاً على جانب طريق خط سريع بعد اعتقاله في إحدى السجون التي يديرها المتمردون الحوثيون الذين يسيطرون على شمال اليمن.
أمضى بعكر ساعات عدة في استخراج الرصاصات من جسده ومعالجة أمعائه الممزقة. لقد كان منصباً في استشفاء المريض منذ ثمانين يومًا، وأخيراً وافق على أخذ صورة سيلفي معه.
وبعد أسابيع، قام مسؤولو أمن حوثيون باختطاف الرجل مرة أخرى وتفتيش هاتفه فوجدوا تلك الصورة في الهاتف، ثم توجهوا إلى مكان تواجد بعكر.
بعد ذلك، توجه رجال الميليشيا نحو المستشفى واقتحامه ثم قاموا بعصب عيني بعكر وإدخاله دفعاً في شاحنة صغيرة. وأخبروه أنه الآن أصبح عدواً لهم أيضًا بسبب تقديمه مساعدات طبية لشخص يعد عدواً للحوثيين. قضى 18 شهراً في السجون ضمن نطاق المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون. ويقول بعكر بأنهم قاموا بإحراقه وضربه وتعليقه على السقف من خلال تقييد معصميه بالسلاسل فبقي على هذه الحالة مدة 50 يوماً حتى ظنوا أنه قد فارق الحياة.
بعكر ومريضه هم من بين آلاف الأشخاص الذين تم سجنهم من قبل ميليشيا الحوثي خلال أربع سنوات من الحرب الأهلية اليمنية الطاحنة. وقد تبين من خلال التقرير الاستقصائي الذي أجرته وكالة أسوشيتد برس، أن الكثير من هؤلاء السجناء تعرضوا للتعذيب الشديد، حيث تم تهشيم وجوههم بالهراوات وتعليقهم من خلال ربط معاصمهم أو أعضائهم التناسلية بالسلاسل لأسابيع في حينه، وحرقهم باستخدام الأحماض الحارقة.
وقد تحدثت وكالة الأسوشييتد برس مع 23 شخصًا والذين قالوا إنهم نجوا من التعذيب أو شهدوا تعذيب آخرين في مواقع الاعتقال التابعة لجماعة الحوثي، بالإضافة إلى ثمانية من أقارب المعتقلين وخمسة محامين ونشطاء حقوقيين وثلاثة من ضباط الأمن المتورطين في تبادل السجناء الذين قالوا إنهم شاهدوا آثار تعذيب على النزلاء.
وتؤكد هذه الروايات على أهمية اتفاقية تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها يوم الخميس في بداية محادثات السلام التي تجري برعاية الأمم المتحدة في السويد بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
وكإجراء لبناء الثقة، فقد اتفق الجانبان على إطلاق سراح الآلاف من السجناء ، على الرغم من أنه لا يزال من الضروري التوصل إلى التفاصيل.
وقد قامت رابطة أمهات المختطفين، وهي رابطة للنساء من أقارب المعتقلين الذين تم سجنهم من قبل الحوثيين، بتوثيق أكثر من 18.000 معتقل في السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك توثيق 1000 حالة تعذيب في شبكة السجون السرية، وفقاً لصباح محمد، ممثلة الرابطة في مدينة مأرب.
وتقول رابطة الأمهات إن 126 سجيناً على الأقل لقوا حتفهم جراء التعذيب منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014.
ووفقاً لشهادات الضحايا ووكالات حقوق الإنسان، فقد كانت المساجد والقلاع القديمة والكليات والنوادي وغيرها من المباني المدنية بمثابة منشآت توقيف أولية لآلاف المعتقلين قبل أن يتم نقلهم إلى السجون الرسمية. وقد قامت رابطة الأمهات بإحصاء ثلاثين بما يسمى بالمواقع السوداء في صنعاء وحدها.
وقد نفى قادة حوثيون سابقاً ممارستهم لأعمال تعذيب، رغم أنهم لم يستجيبوا لطلبات الأسوشييتد برس المتكررة للتعليق في الأسابيع الأخيرة.
وذكرت وزارة حقوق الإنسان التابعة للحوثيين في بيان لها في أواخر عام 2016 بالقول إنه "لا توجد سياسة أو استخدام تعذيب ممنهج على السجناء". وأضافت أن الوزارة والمدعين العامين يعملون على "ضمان حقوق السجناء وتقديم جميع الضمانات القانونية لتحقيق العدالة والمحاكمات العادلة".
وتقول منظمة العفو الدولية إن "انتهاكات حقوق الإنسان المروعة، بالإضافة إلى جرائم الحرب يتم ارتكابها في جميع أنحاء البلاد من قبل جميع أطراف النزاع".
لقد كانت الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون أقل وضوحا بالنسبة للعالم الخارجي حيث عمل المتمردون على اجتثاث المعارضة وإسكات الصحفيين.
يحكم الحوثيون من العاصمة صنعاء على حوالي 70% من سكان اليمن البالغ عددهم 29 مليون نسمة. يعتقد الحوثيون أنهم من نسل النبي محمد، وعلى هذا النحو، فإن لهم الحق الإلهي في حكم اليمن وأن أولئك الذين يعارضونهم هم "أعداء الله" يستحقون العقاب.
أحد أسرى الحوثيين السابقين الذين تحدثوا إلى وكالة الأسوشييتد برس كان مدرساً من مدينة ذمار الشمالية والذي فر بعد الإفراج عنه إلى مأرب التي هي تحت سيطرة خصوم الحوثيين. طلب عدم ذكر اسمه سوى الاسم الأول (حسين) لأنه يخشى على سلامة أفراد العائلة الذين ما زالوا في الأماكن التي يسيطر عليها المتمردون.
احتُجز لمدة أربعة أشهر و22 يومًا في إحدى الزنازين تحت الأرض. وقال إنه ظل معصوب العينين طوال الوقت، لكنه ظل يحصي عدد الأيام من خلال متابعته لأذان الصلوات. وقال إنه خلال فترة سجنه قام سجانوه بضربه بقضبان حديدية وكانوا يخبرونه أنه سيموت. وقال إنهم قالوا له "جهز وصيتك".

"تبكي دموعًا من الدم"
بدأت الحركة الحوثية في التسعينيات على أنها حركة دينية إحيائية للفكر الشيعي. لقد تحولت الجماعة إلى ميليشيا مسلحة في عام 2004، عندما قام الجيش في عهد الرئيس علي عبد الله صالح بقتل مؤسسهم، شقيق الزعيم الحالي عبد الملك الحوثي.
ظل علي صالح يقاتل التمرد الحوثي لمدة ست سنوات، ومع مقتل الآلاف من الجانبين قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار قبل أشهر من انتفاضة الربيع العربي عام 2011 التي أنهت حكم علي صالح.
بعد أقل من ثلاث سنوات، انضم الحوثيون إلى صفوف صالح في تحالف مصلحة، حيث رأى الحاكم المستبد السابق طريقًا محتملًا للعودة إلى السلطة، بينما حصل المتمردون على دعم من وحدات الجيش التي ما زالت موالية له. كليهما معاً احتلا معظم شمال وغرب اليمن وطردوا خليفة صالح، عبد ربه منصور هادي.
سعى الحوثيون إلى ترسيخ حكمهم من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد مجموعة واسعة من الأعداء - الناشطين الشباب والأقليات الدينية والاشتراكيين وغيرهم ممن قد يعارضون حكم الحوثي، لكن هناك انقسامات داخل الحركة.
داخلياً، أقر فصيل معتدل من قادة الحوثيين بالانتهاكات وسعوا إلى وضع حد لهذه الانتهاكات. في عام 2016، قام شقيق الزعيم، يحيى الحوثي، بإنشاء لجنة للتحقيق في تقارير التعذيب والاعتقالات غير المحددة، وساعد في إطلاق سراح 13.500 سجين في الأشهر الثلاثة الأولى.
وأرسلت اللجنة فيديو مصورا عن التقرير للزعيم الحوثي، عبد الملك، يظهر فيه مشاهد عنابر السجون المكتظة والسجناء المصابين بكدمات، إلى جانب شهادات من شخصيات حوثية رفيعة المستوى.
إلاّ أن عبد الملك لم يستجب لذلك. وبدلاً من ذلك، قام مسؤولو أمن متشددون بإغلاق اللجنة واحتجاز اثنين من أعضائها لفترة وجيزة.
لم يتم نشر الفيديو، إلا أن وكالة أسوشييتد برس حصلت على نسخة منه، وهو يحتوي على اعترافات مذهلة من شخصيات حوثية بارزة عن الانتهاكات.
يقول أحد أعضاء اللجنة: "ما رأيناه سوف يجعلك تبكي دموعًا من الدم".

"ساعدوني"
يقول السجناء السابقون إن الأشهر القليلة الأولى في مواقع احتجاز الحوثي عادة ما تكون هي الأسوأ، بينما يرتجل المسلحون ويلجؤون إلى تعذيبهم.
يتذكر أنس الصراري مستعيداً وعيه ببطء في ممر مظلم في سجن الأمن السياسي في صنعاء. وكان هذا المنتقد لجماعة الحوثي والبالغ من العمر 26 عاماً يمسك رأسه بشكل عنيف بين يديه المتورمتين والرسغين المصابين بالرضوض، في الوقت الذي تتسابق فيه ومضات في مخيلته لشهرين من التعذيب.
كان يأكل الذرة المشوية عندما قام بخطفه رجال ملثمون من الميليشيات من إحدى الشوارع الرئيسية في صنعاء صباح أحد الأيام في شهر سبتمبر من عام 2015.
كان يتذكر التعليق على السقف لمدة 23 ساعة بواسطة أصفاد مربوطة على معصميه في غرفة استجواب غير جيدة التهوية، حيث يقول إنه فقد الإحساس بأصابعه وأذرعه وجزء كبير من جسمه. بدأت الأصفاد في تمزيق معصميه وهو يحاول أن يستريح على أصابع قدميه.
إنه يتذكر ويمعن التفكير في ذات الوقت ويقول "لا بد أن يكون الموت أقل إيلامًا من هذا التعذيب الذي لا يتوقف، ساعة إضافية أخرى كهذه كفيلة بأن أموت".
كان سجانوه يقومون بفكه من السقف لساعتين فقط كل يوم، وذلك عندما كانوا يعطونه الخبز الناشف ومعه صحن من الخضروات والأرز المليء بالحشرات والصيراصير. عندما كانوا يعطونه الزبادي، كان يستطيع رؤية التاريخ المكتوب على العلبة وملاحظة مرور الوقت.
وكان يقول "حتى والدتي لا تعرف ما إذا كنت على قيد الحياة أم في عداد الموتى".
كان يتذكر رؤية جلاده وبحوزته آلة صاعقة وهو يحدق في رأسه قبل أن يضربة بكل قوته. فانهار الصرارى.
وهو لا يعرف كم من الوقت استغرق رجال ميليشيات الحوثيين لفكّه عن السقف ثم إلقائه في الممر. حاول الوقوف ولكن لم يستطع سحب جثته معاً. "ربما أنا في الجنة؟"، يتذكر متفكراً. "ربما يكون ذلك حلماً سيئاً؟".
في وضح النهار، حاول مرة أخرى أن يتحرك، لكنه فشل. صرخ قائلاً: "ساعدوني". قام رجال الميليشيا بجره إلى زنزانة. عندها فقط أدرك أنه مصاب بالشلل. لم يكن هناك من أحد يتحدث معه، لا أحد يأخذه إلى الحمام. كان يتبول ويتغوط مثل طفل حديث الولادة.
وفي بعض الأحيان كان الحراس يخرجونه لغسله وإعادته إلى الزنزانة القذرة، حيث يضرب رأسه على الحائط في حالة يأس. وبعد أربعة أشهر، قاموا بتنظيفه وإطلاق سراحه.
وعرض الصراري نسخاً من سجلاته الطبية لأسوشيتد برس. وهو الآن يستخدم كرسي متحرك ويعتقد أن الغرض من تعذيبه وإطلاق سراحه هو إرسال رسالة إلى آخرين قد تسول لهم أنفسهم بانتقاد الحوثيين.
وقال: "إن رؤية الأشخاص ذوي الإعاقات، من الذين خرجوا من السجن بعد التعذيب المفرط سيؤدي إلى ترويع الجميع: انظروا، هذا ما سيحدث لكم إذا تكلمتم".

"غرفة الضغط"
كانت صورة السيلفي التي التقطها السيّد بعكر مع سجين هارب هي كل الأدلة التي احتاجها سبعة من رجال ميليشيا الحوثي إلى عدم ولاء الطبيب عندما جاؤوا إليه في مستشفى الرشيد.
صرخ أحد أفراد الميليشيات في وجهه قائلاً: "كم من المال أعطوك لمعلجة الأعداء؟".
يقول بعكر إنهم صفعوه وركلوه وضربوه بالهراوات على وجهه وأسنانه وجسده وسخروا منه قائلين: "ستقتل لأنك خائن". وأخذه رجال الميليشيا إلى موقع لم يتمكن من تحديده، وأوقفوه على صندوق خشبي مقيدين رسغيه بالسقف ثم قاموا بركل الصندوق من تحت قدميه.
يقول إنهم جردوه من ملابسه وقاموا بالجلد على جسده العاري، ثم نزعوا أظافره وشدوا شعره حتى أغمي عليه.
وقال: "كان الأمر مؤلماً للغاية، خاصة عندما يأتون في الأيام التالية ويضغطون على الكدمات بأصابعهم".
وقال بعكر إن الحوثيين أصبحوا أكثر وأكثر إبداعًا. ففي أحدى المرات قاموا بإحضار زجاجات بلاستيكية قم قاموا بإذابة البلاستيك باستخدام ولاعة على رأسه وظهره وبين فخذيه.
في نهاية المطاف، تم نقل بعكر إلى قلعة الحديدة، وهي قلعة عمرها 500 عام بنيت في العهد العثماني على ساحل البحر الأحمر. ويقول إن الحراس قاموا بدفعه إلى قبو قذر يعرف باسم "غرفة الضغط" وعلقوه من معصميه. وفي إحدى الزاوية المظلمة، تمكن من رؤية أشكال القطط الميتة وحتى الأصابع الممزقة.
وقال إنه عندما كان يشعر بالعطش، كان الجلادون يقومون برش الماء على وجهه وهو يقوم بلعق القطرات. وفي بعض الأحيان، كانوا يسمحون لسجناء آخرين بالدخول إلى زنزانته وإعطائه الماء من زجاجة.
في اليوم الذي ظن فيه الحراس أن بعكر قد فارق الحياة، ثم أدركوا أنه كان لا يزال على قيد الحياة، قاموا بفك القيود عنه والسماح لسجينين بإطعامه وتنظيفه.
وعندما بدأ بعكر يتعافى من جروحه، بدأ معتقلون آخرون من الذين تعرضوا للتعذيب يطلبون مساعدته. حاول أن يعالج الجرحى. قام بإجراء عمليات جراحية بسيطة بدون تخدير باستخدام أسلاك كهربائية وهي الأداة الوحيدة التي كان يملكها في السجن.
في بعض الأحيان، كان الحراس يسمحون له بالذهاب إلى عمله الطبي. في أوقات أخرى، كما يقول، كانوا يقومون بتشغيله ومعاقبته على مساعدته لزملائه السجناء.
وكان بعكر يتذكر مساعدته لرجل كان قد تم تعليقه من قضيبه وخصيتيه لدرجة لم يتمكن من التبول. وثمة رجل آخر ذو لحية بيضاء وشعر أبيض أصيب بحروق شديدة عندما قام الحوثيون بصب الحامض الحارق على ظهره، مما أدى إلى ذوبان جلده وختم دبره. قام بعكر باستخدام الأسلاك لفتح الفتحة، وإزالة البراز منها بأصابعه.
قال بعكر: "عندما طلبت المساعدة من الحراس الحوثيين بالقول: إن الرجل يموت، فلم يكن جوابهم سوى: دعه يموت".
قام الحوثيون بإطلاق سراح بعكر في 3 ديسمبر 2017 بعد أن قامت عائلته بدفع مبلغ وقدره خمسة ملايين وخمسمئة ألف ريال، حوالي 8000 دولار في ذلك الوقت.
بعد فترة وجيزة تمكن من الهرب إلى مأرب، معقل مناهضة الحوثي. وهو يعيش في خيمة مع لاجئين آخرين، حيث يستمر في علاج المرضى والجرحى.