الخميس 18-04-2024 04:36:12 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الركائز الدينية والمنطلقات السياسية في الأيديولوجيا الإمامية..الآل والأهل (الحلقة الثالثة)

السبت 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

في سلسلة حلقات عن الأيديولوجيا الحوثية الإمامية نستعرض أهم الركائز التي قامت عليها هذه الأيديولوجيا من لدن بذرتها وحتى اليوم وأثرها على وحدة المجتمع وكيف نخرت المجتمع اليمني أو المجتمعات الأخرى التي وجدت فيها، وأثر ذلك مستقبلاً..

 

بين الآل والأهل
تطرقنا في الحلقة الماضية إلى بعض القول عند الإمامة عن الأهل، والمقصود به هم، وكيف أن الإمامة قالوا إن الأهل هم علي والحسن والحسين وفاطمة رضوان الله عليهم، من غير دليل واعتساف وتأويل للنصوص فقط.
فمن هم أهل النبي صلى الله عليه وسلم ومن هم آله، وما الفرق بينهما؟!
اقتصر الإماميون أهل النبي في علي وولديه الحسن والحسين وفاطمة فقط، وأخرجوا زوجات النبي من هذا الأمر، وأنشأوا أحاديث لذلك حسب نواياهم وتوجهاتهم السياسية والعقائدية للتضليل على الناس وحشد الأتباع، وسار الحوثيون اليوم على نهج أئمتهم السابقين.


هذا التأسيس لهذه الرؤية أسسها الهادي يحيى بن الحسين مؤسس الإمامة الأول في صعدة عام 284 هجرية، وأنشأ مذهبا خاصاً به صار يعرف باسم الهادوية، وخرج من الزيدية إلى الجارودية قبل أن يؤسس مذهبه الخاص الذي سار عليه أتباعه في اليمن إلى اليوم.
هذا الإمام ومن بعده قالوا إن الأهل هم علي والحسن والحسين وفاطمة فقط، وأخرجوا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهله، مع أن الآيات في سورة الأحزاب واضحات وضوح الشمس في خطابها لزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم، وهناك آيات أخرى في نفس السورة فصلت في شأن نسائه وبناته مع بعض.


وشطط ابن حمزة في هذا كثيرا فقال إن الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) تذهب إلى أبعد من التخصيص لعلي وبنيه، بل إنها توجب إمامتهم وتوجب طاعتهم وتوجب اتباعهم لأن اتباعهم اتباعا للحق، وأنهم معصومون مطهرون!، وكل ذلك مخالفة صريحة للآيات تماماً.


وفي لسان العرب: أهل البيت سكانه، وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وبناته.
كما قال عن إبراهيم يقصد زوجته وأخص الناس به كالأولاد والبنات:
{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}هود73
{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ}الذاريات26
وقال عن أيوب:
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}ص43
وقال عن نوح:
{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}..
{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}هود45

  

خلاصة:
أهل النبي أنهم المقصود بهم من كانوا الجيل الأول معه زوجاته وبناته فقط، ولا يدخل علي في ذلك، وأبناؤه ينسبون إلى علي لا إلى فاطمة، والعرب تنسب للرجل لا للمرأة، والله يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}الأحزاب5
والإماميون يردون على أنفسهم بأنفسهم، فقد أخرجوا كل أولاد علي الآخرين من غير فاطمة من مسألة أهل النبي، ولو كان المقصود كل من يمت بصلة للرسول صلى الله عليه وسلم لذكر عمه العباس وابن عمه عبدالله بن العباس، وأولاد علي الآخرين، وأولاد جعفر بن أبي طالب، وغيرهم. ولو دخل علي -رضي الله عنه- في قائمة أهل النبي من باب زوجته فاطمة لدخل كذلك عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي تزوج اثنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وهما رقية وأم كلثوم رضوان الله عليهم جميعاً!!

 

أما الآل، من هم آل النبي، وهل تعني أقرباؤه أم كل المؤمنين به؟:

كانت هذه من القضايا المثارة تاريخياً بين الأدعياء الإمامية وبين المسلمين الآخرين، والردود على الإمامية في حصر الأهل والآل بهم فقط..
فحينما حوصر الإماميون أمام النقاد في قضية الأهل وبنوة النبي صلى الله عليه وسلم حينما ادعوا أنهم أبناؤه وعترته من جهة ابنته فاطمة، عادوا للحديث عن قضية الآل، أنهم آل النبي...وكانت الآية واضحة وضوح الشمس في نفي بنوة النبي صلى الله عليه وسلم لأي من المسلمين، قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}الأحزاب40


حينما حوصروا بهذه النصوص عادوا للقول أنهم الآل والأهل دون تفريق بين المصطلحين، لكن القرآن وسياقه يحكي أن "الآل" هم عموم الأتباع الذين يتبعون الرجل وحاشيته ومن كانوا في زمنه..فقد قال عن فرعون: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}البقرة50.. فرعون خرج بجيشه كاملا لملاحقة موسى وقومه فأغرقه الله وجيشه كلهم، فهل من مفهوم الآية أن فرعون خرج بقرابته وأهله لمطاردة موسى؟ مع أن فرعون لم يكن له ولد، وأن زوجته من المؤمنين بموسى، وقالت زوجته له: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}القصص9، وفي يوم القيامة آل فرعون يدخلون النار {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}غافر46،


وهذا يثبت أن الأهل غير الآل؛ لأن زوجته من أهله مؤمنة تدخل الجنة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}التحريم11، أما آله وهم الأتباع والحاشية {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}غافر46، وقد يجادل مجادل أن هذه القاعدة خرقت في حق الرجل المؤمن "من آل فرعون" {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله} لكن سياق الآية ودلالة الاستعمال تذكر الحالة العامة للرجل كونه من الحاشية وفي بلاط الملك قبل الإعلان عن الإيمان حتى يخرج من قائمة الاتِّباع، والآية بعده:
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}غافر45
والآيات التاليات يوضحن أن المقصود بالآل من كانوا مزامنين للأعلام المتَّبًعين كموسى وهارون ونوح وإبراهيم..
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}البقرة248
وقال: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33 أي في زمنهم..
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً}النساء54

  

المودة في القربى:

استخدم الإماميون هذا النص والقاعدة مدخلاً للتحكم برقاب الناس وحشد الأتباع والتأييد وعدم الخروج عليهم، وحرفوا المقصود بهذا النص، فقالوا إن المقصود بالمودة في القربى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى المؤمنين بقرابة الرسول واتباعهم ومودتهم، وهو اجتزاء للآية وسياقها ومفهومها ومقصودها وانتقاص منها، وكأنهم يقولون إن غاية الرسالة وأجرها ومكافأتها للنبي هي الوصاية بالقربى، وهذا تحريف بين؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان نبيا مرسلاً من الله قام بأمر التكليف على أكمل وجه تقرباً إلى الله وطاعة له يبتغي ثواب الآخرة لا فتات الدنيا، وإنما عمل الإماميون على هذا التفسير لغرض في نفوسهم من التسلط والولاية والحكم فقط، مع أن مفهوم الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم بدعوته من أجل طلب مكافأة من مال ونحوه وإنما أداءً للتكليف وحباً ومودة في الناس وأمته ومن بعث إليهم ومن أجل الرحم الذين بينهم كونه منهم وإليهم، كما هي غاية الأنبياء والمرسلين قبله، فقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}الشورى23
قال تعالى في آية أخرى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}الأنعام90، وقال عن الأنبياء والرسل قبله: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}هود51 {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ}يس21، وقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}الطور40

 

إذاً لماذا يفعل الأئمة كل هذا؟ ولماذا يشطح الحوثيون في هذا الأمر؟
يعيش الأئمة متسلقين على ظهر بيت النبوة بإيرادهم مثل هذه الأقاويل وتأويل النصوص واعتسافها وحرفها عن سياقها ومآلاتها وأحكامها، للبحث عن أنصار وأتباع ومؤيدين ولحشد الناس من خلفهم والاستمرار في قول أن الولاية لهم وهم الأحق بها من دون العالمين، ولتجييش العوام وتضليلهم وخداعهم بهذه النصوص؛ لأن الشعب اليمني شعب طيب وعاطفي ومحب للتدين وللنبي صلى الله عليه وسلم وأهله، وليبقى الناس يعظمونهم ويخضعون لهم ويتبعونهم دون تفكير وتمحيص ولا روية ولجباية أموالهم والتحكم في رقابهم.
من غرور الحوثيين والأئمة وعنصريتهم يتصل أحد الحوثة بأحد القبائل ويسأله القبيلي من أنت؟ فيجيب أنا من تصلي عليه في اليوم والليلة خمس مرات!!!


يقصد أنهم المعنيون بالشطر الثاني من التشهد الثاني حينما يقول المصلي "اللهم صل على محمد وآل محمد...إلخ"، وهذا القول ليس بدعاً اليوم من الحوثيين بل أئمتهم من قبل قالوه كعبدالله بن حمزة وأتباع الرسي والإمام يحيى حميد الدين وغيرهم.
استخدم الإماميون هذه المسألة لتغذية العنصرية وتقسيم المسلمين إلى طبقات، وتعالوا على المسلمين واستخدموهم خدماً، وبثت الشحناء وزرعت الحقد في نفوسهم، وأدى إلى صراع مستديم لا ينتهي إلى يوم القيامة، مخالفين منهج الله ومنهج رسوله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، "يافاطمة بنت محمد اعملي فلا أغني عنك من الله شيئاً.. وتلا قول الله (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)".
هذا الجانب دفع بالكثير اليوم من مبغضي الحوثيين والأئمة إلى أن يقابلوا تعصبهم بتعصب آخر بسبب شطط وشطح الأئمة ما يزيد من انقسام المجتمع وزرع الأحقاد والثارات وثقافة الكراهية التي نريد كلنا الإبتعاد عنها.

 

الخلاصة:
- نحن اليمنيون نحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل أهله ومن على صلة به، وليس للإمامة ولا الحوثيين صلة أو ميزة بذلك.
- الأهل هم أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاصته من زوجات وبنات ومن كان يعيلهم وأهله من الصف الأول انتهى أهله بوفاة آخر زوجاته -صلى الله عليه وسلم-، وحينما أوصى بهم خيراً حتى لا تتم جفوتهن من بعده كطبيعة النفس البشرية للإنسان أنه يوصي خيراً بأقرب الناس إليه من مودة ومحبة.
- الآل: هم كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من أمته ومن أقربائه الذين كانوا في عهده وزمنه من كل بني هاشم لا فرق بين بني العباس أو بني عبدالمطلب الآخرين، ولا ميزة لأحدهم على أحد إلا بالتقوى والاتباع، ومن سار على نهجه واقتفى أثره وسنته ولم ينكص على عقبيه بعده -صلى الله عليه وسلم.