الخميس 18-04-2024 10:44:39 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المعاهد العلمية ونظام الرئيس السابق (2-2)

الخميس 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

كان نظام الرئيس السابق علي صالح يخاتل في قضية المعاهد العلمية بحسب الحاجة والمصلحة الحزبية، وخاصة بالضغط على شريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني، وقبل ذلك في مواجهتهم في الثمانينيات حيث كان يقف بكل ثقله خلف المعاهد العلمية.

ففي عام 1996 صرح صالح في معهد معاذ بن جبل العلمي بالجند، فقال: "إن الذين يقولون إن هناك ازدواجية في التعليم مشككون وحاقدون، وإن علينا أن نتسلح بالعقيدة قبل غيرها ...".

 

تحالف ثلاثي

بعد انتخابات 1997 اتحد الثلاثة الأطراف؛ اليساريون والإماميون والرئيس السابق ومن وراءه حزب المؤتمر الشعبي العام للمضي في خطوات إلغاء المعاهد العلمية التي كان الرئيس السابق يستخدمها ورقة مساومة وابتزاز ضد التجمع اليمني للإصلاح كلما تطلب الأمر ذلك، فاتخذ خطوة إلغاء المعاهد العلمية في مايو 2001، ولم تأت أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا بمثابة فرصة ذهبية لعلي صالح لتعزيز هذا التوجه، وفاخر في ذلك، وقال إنه بإلغاء هذه المعاهد جنب اليمن حربا خارجية كما حل بأفغانستان من قبل أمريكا وحلفائها.

وكان التيار العلماني والإمامي اللذان باتا يؤثران كثيراً ويصنعان سياسة المؤتمر الشعبي العام قد استخدما مظلة الحزب الحاكم والتفرد بالسلطة ليقررا إلغاء المعاهد العلمية التي مرت بخطوات متعددة من بداية 1980 وحتى عام 1997 ثم الإلغاء التام في مايو عام 2001.
وللأسف الشديد فقد تورط في هذا الأمر وبصورة غير مدروسة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي - آنذاك- الدكتور عبد الكريم الإرياني مغلبا مصالح الحزب الحاكم على المصالح الوطنية، ففي افتتاحية له
بصحيفة "الميثاق" الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام قال الدكتور الإرياني : "إن المعاهد العلمية مثلت -عند نشوئها- واحدة من بؤر الصراع القديم، وإن هذه المعاهد إحدى هذه البؤر المتاحة لطرف سياسي يتخذ من الدين غطاءً يوفر له فرص التسلل القائم على المخاتلة وتزييف الوعي الوطني وتحويل المعاهد العلمية إلى مناطق بركانية تهدد وحدة المجتمع اليمني وتقوض أسس ومقومات بناء الدولة اليمنية الحديثة"(1).

ًواستطرد في نفس الافتتاحية: "إنني لا أستطيع وصف المعاهد العلمية بأكثر من نبتة شطرية تجتني ثمرها حنظلاً، كما لا أستطيع تصور مستقبل آمن ينتظر اليمن في ظل وجودها"(2).

على أن الرئيس صالح برر يومها إلغاء المعاهد العلمية قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بقوله: "إن ذلك كان مكسباً لليمن وجنبها ضربة عسكرية متوقعة"، وانتقد الذين شنوا حملة على قراره، معتبراً أنهم "بالغوا حين قالوا: إن إلغاء المعاهد هو إلغاء القرآن"(3).

 

ما الذي حدث بعد ذلك؟

خضعت المعاهد العلمية للابتزاز والكيد السياسي والمقايضة، فتم إلغاؤها لأنها شكلت فوبيا لدى الآخرين من الإصلاح، ظناً من الذين يقفون خلف فكرة إلغاء المعاهد أنهم يقوضون التجمع اليمني للإصلاح، وكانت حملة الجميع موجهة ضده باعتباره المشرف عليها، وبإلغائها أنهم يضربون الإصلاح في مقتل على اعتبار الفوبيا منه تقول إن المعاهد جنود مجندة للإصلاح خاصة في المواسم الانتخابية، وفوجئ الجميع بعد ذلك أن إلغاءها لم يؤثر شيئاً في شعبية الإصلاح التي باتت تتزايد يوماً بعد آخر وتتوسع في كل أنحاء اليمن.

وخيضت أول انتخابات محلية في عام 2001 بعد إلغاء المعاهد وحصل الإصلاح على الترتيب الثاني بعد المؤتمر الشعبي العام الذي جند كل وسائل الدولة لتسخير الانتخابات ونتائجها لصالحه، وانتزع الإصلاح الكثير من دوائر المجالس المحلية من بين مخالب الأسد، وخابت ظنون المشككين والمحاربين له مرة أخرى.

وجاءت الانتخابات النيابية عام 2003 حتى حصد الإصلاح معظم دوائر أمانة العاصمة صنعاء رغم الإمكانيات المهولة لتحجيمه وتزوير الانتخابات واستخدام كافة مؤسسات ووسائل الدولة لصالح المؤتمر الشعبي العام من وسائل إعلامية ومالية والوظيفة العامة والمعسكرات والتحالفات السياسية بين صالح والحركة الحوثية (الهاشمية السياسية).

أُلغيت المعاهد العلمية التي كانت مناهجها حصيلة دراسة علمية لأفضل كفاءات وأكاديميي اليمن بشكل علمي ومنهجي، وجاءت الملازم البديلة لحسين الحوثي التي تفتقر لأدنى درجة علمية أو فكرية أو شرعية أو مهنية، فكرست الخرافة والجهل والتخلف، وجعلت من حسين الحوثي في مقام النبوة وقرين القرآن وأنه أفضل من الصحابة، فأخرج الطلبة من المدارس وأقام لهم معسكرات تدريبية قتالية بدعم إيراني ومن الرئيس السابق صالح، وأخرج كل أبناء صعدة من المدارس وألحقهم بالمتارس، وبايع الأتباع أباه بدر الدين الحوثي إماماً جديداً، وباتت الجمهورية في خطر، وضُرِب العمق الثقافي اليمني بمقتل، وأضعفت الدولة، وقويت شوكة الإمامة وتيارها، وتسببت في ست حروب أودت باليمن إلى الهاوية.

ثم كرست بالانقلاب الحوثي وصالح في 21 سبتمبر 2014، وأدرك الناس أنها كانت جمهورية وجيشاً من ورق بفعل النخر الذي أحدثه التيار الإمامي في جسد الجمهورية والوطن، وتحول كثير من مدعي الجمهورية وحماتها إلى رافعات للإمامة الجديدة وحراسها.

بعد الانقلاب الحوثي على الدولة ها هو يصادر كل مؤسساتها ويغير المناهج الدراسية ليس بحسب ما تتطلبه المرحلة والجمهورية وإنما بشعاراته المتخلفة وتكريس الإمامة ومناهجها وجرف كل هويات الأمة اليمنية.

أول ما تمكن الحوثي بعد توقف الحرب السادسة هو إلغاء بقية المدارس النظامية وإقامة مدارس خاصة بمناهج إيرانية شيعية صرفة لا تمت للثقافة اليمنية بصلة، وضربت الثقافة والهوية اليمنية في مقتل من قبل تحالفات الحوثي صالح ومن وقف من بقية القوى السياسية مع الحوثيين وانقلابهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وسقطت الدولة ومؤسساتها ودفع جميع اليمنيين الثمن غالياً من أرواحهم وأموالهم واقتصادهم وثقافتهم وقوتهم ووحدتهم وتعمق الشرخ الاجتماعي والثقافي ولا سبيل لالتئامه إلا بعمل جاد ومشروع مدروس متكامل سياسيا وعسكريا واقتصادياً وثقافياً.

كثير من مخرجات تلك المعاهد وطلابها يتصدرون اليوم الدفاع عن الهوية اليمنية واقفين ضد الانقلاب، ويتصدرون المشهد السياسي والثقافي والتعليمي أيضاً في حماية الأرض والعرض في كل ساحات الجمهورية، لم يعرف عنهم تطرفاً ولا خروجاً على الدولة وشرعيتها ولم يرتبطوا بمشاريع لا داخلية ولا خارجية تؤذي الوطن والمواطن، بل كان لهم إسهاماتهم في العمل الخيري الاجتماعي والتكافل في المجتمع، وأسسوا للعمل الفني والثقافي الذي ازدهرت به اليمن مؤخراً بدءاً من الأناشيد وانتهاءً بكل العمل الثقافي المتراكم اليوم على الساحة اليمنية.


...................................
هوامش:
1- صحيفة الشرق الأوسط، الجمعة 24 صفر 1422هـ، 18مايو 2001 العدد 8207.
2- نفسه
3- الجزيرة نت: 13/12/2001