الثلاثاء 19-03-2024 14:29:43 م : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المهلكات الحضارية الكبرى .. معلومات بلا قيم (الحلقة السادسة)

الأحد 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ أ. عبد العزيز العسالي

 


المعلومات بلا قيم، اعتلالٌ مزمنٌ فكريا، وفقهيا، وسياسيا، ومجتمعيا، عاشته أمة الإسلام ولا زالت رازحةً تحت وطأة هذا الاعتلال المزمن المتراكم، حتى تحول إلى واحدةٍ من المهلكات الحضارية الكبرى، وألقى بدخانه القاتم على جوانب الحياة.

يعود سبب هذا الاعتلال إلى الانحراف السياسي المبكر في تاريخنا المتمثل في التخلي عن الشرعية السياسية، فأصبح الحديث عن الشورى كأي معلومة يعلمها الجميع ولا يفهمها، كما سنشير لاحقا.

ولأن السياسة هي التي تقود المجتمع، فإن عدوى السياسة اتسعت محنتها على جوانب الحياة، وهذا الاتساع يعني أن الحديث حول هذه المحنة لا شك أنه سيطول.

غير أننا سنشير بإيجاز شديد إلى معالم هذا المَهلَك الحضاري أولا، ثم بعون الله سنقدم تساؤلنا المعتاد: ما العمل؟

 أولا: التخلي عن الشرعية السياسية في تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي نتج عنه التحول في مفهوم الشورى، فالشورى قيمة فكريةٌ سننيةٌ ٌذهنيةٌ حضاريةٌ، وسلوكٌ تشريعيٌ إجرائي على أرض الواقع، فما الذي حصل؟

تم تحويل الشورى إلى معلومة عادية يقرؤها الجميع على حساب القيمة القرآنية الحضارية، فمات مفهموم الشورى ليتحول إلى انطباع تجريدي لا طعم ولا لون.

ثانيا: لا شك أن فقيه البلاط وواعظ السلاطين كان يدرك القيمة الحضارية لمبدأ الشورى، كونه الأساس الأول والمتين الذي تقوم عليه الشرعية السياسية، فماذا فعل فقهاء البلاط السلطاني؟

بغض النظر عن النوايا، فقد تم إزاحة الشورى من سياقها المتمثل في سنن الاجتماع السياسي والتي هي متصلة اتصالا وثيقا بخدمة مقاصد الشريعة المتمحورة حول حماية الإنسان ذاتا ومصالحا. نعم تمت الإزاحة في عصر التأصيل الذي استحضر ثقافة الفرس التي تجعل من الحاكم والسلطان والملك آلهةً.

استحضر العقل التأصيلي هذه الثقافة فاتكأ عليها، والنتيجة: تسكين القيمة السننية الاجتماعية، والضمانة الحضارية بين جزئيات سنن العبادات التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

ولأن المجتمعات لا تنهار فورا، فقد كانت إزاحة الشورى يومها علة، ثم تقادم عليها الزمن إلى يومنا فأصبح غياب هذا المبدأ إحدى المهلكات الكبرى والدمار العربي خير دليل.
 
ثالثا: هذه العدوى التأصيلية امتدت داخل المجال الفقهي التشريعي تأصيلا وتفريعا، فماذا حصل؟

1- يتفق الفقهاء جميعا أن "العلم منهج"، أي قواعد فهم وفن تعامل وتنزيل للنصوص.

2- يتفق فقهاء الأصول أن الحكم القضائي وفتوى المفتي إذا خالفا القواعد فلا عبرة بهما، لأن المنهج هو كالنجم الذي يدلك على سلوك الطريق السليم وسط الصحراء أو في البحر المحيط.

3- النتيجة أن هذا التأصيل للقيم الفكرية والمنهجية هو الآخر تحول إلى معلومة عادية جدا بل باهتة جدا، وعلى طالب العلم بل والفقيه أن ياخذ بقول فقيه المذهب، لأن النص -انتبه أيها القارئ- لأن النص مظلة للإفهام، سبحانك هذا بهتان.

4- لم يقف الفقه التقليدي هنا وإنما وجه الضربة القاضية إلى المنهج وقواعد المنهج قائلا: معرفة المنهج وقواعد المنهج تعني أن هناك شيئا اسمه منهج أي من باب الإعلام فقط، أما التطبيق فلا وألف لا.

5- لا يجوز الاستدلال بالقواعد المنهجيه وإن كانت قائمة على عشرات النصوص المتواترة حرفيا ومعنويا، لماذا ولم؟ هكذا بدون لماذا ولم؟ فلو قلت له مثلا: أليس مبنى الشريعة على رفع الحرج؟ يقول: بلى، ولكن لا يجوز تستدل بهذا. أليس الشريعة جلب مصلحة ودفع مفسدة؟ بلى ولكن الدستور وتحديد صلاحيات الحاكم بدعة.

رابعا: النتيجة، لا نود المزيد من إيراد الأمثلة ولكن تعال بنا إلى النتائج التي نعيشها اليوم.

1- كم عدد الخريجين الجامعيين؟ السؤال: أين القيم الحضارية التي يحملونها في مجالات حياتهم الوظيفية والاجتماعية؟ كم حملت دكتوراه وبرفسورات في القانون؟ فهل سمعنا أو قرأنا أن أحدهم اعترض بكلمة واحدة عام 2001 يوم تم تعديل -عفوا- تعطيل الدستور بإعطاء 32 صلاحية لرأس الفساد؟ وبقية الصلاحيات أحالها الدستور على القانون.

2- فشل التعاونيات إلا في القليل الأقل -بشرط- إذا كانت يد الإفساد السياسي بعيدة. إذن، التعاون معلومة فقط، لكن كقيمة فلا وإنما الفردية المتسلطة هي الأسلم والأصوب.

3- قس على قولي تكن فقيها.

ما العمل؟
1- عشق الحرية والكفاح في سبيلها حتى تتحول إلى سلوك ثقافي اجتماعي سياسي ترفض أي مساس بالقيم الحضارية بناء وأداء حتى تُحمى الحقوق وحتى تضاف الحرية إلى مجال التعبد لله.

2- التراث يعني أن فيه منهج وفيه تطبيق، ونحن ملزمون بالمنهج.

3- يجب وجوبا إلى حد الفريضة السننية الضرورية -كالطعام والشراب والدواء- إعادة التأصيل للشرعية السياسية من منطلق منهج الفقه المقاصدي، ذلك أنه إذا قيل إن هناك مجتمعات ماتت جوعا فإن الفساد السياسي قد فعل أسوأ من الجوع والعطش والأمراض الفتاكة.

4- إيجاد مشروع حضاري نابع من الذات الحضارية منفتح على الآخر كما كانت حضارتنا الأولى في صدد الاستفادة من الغير، فكانت كالأستاذ يؤشر على الخطأ.

5- وجوب إقامة مجتمع مدني لا تفريط فيه أبدا بشرط أن يخضع قيادته للتغيير الدوري على المدى القصير.

6- مجتمع متفاعل مع الحكومة، فلا مجتمع مدني مع وجود السلطة الفردية، ولا حكومة ضعيغة يقودها المجتمع المدني، فهذان نمطان فاشلان.

7- السعي الجاد إلى إيجاد أرضية مبادئ/قيم صلبة لا يجوز المساس بها بأي حال.

8- إقامة كتلة تاريخية صلبة من كل الأطياف تحرس القيم وتكون على صلة بالمجتمع المدني.

9- إقامة الشركات المساهمة وإلزام الدولة بالإشراف.

10- إلزام الدولة وظيفيا أن تشرف على الاقتصاد (اقتصاد موجّه).

11- وجوب التأمين الشامل للمواطن، فالعدل معه هو هدف وغاية الرسالات السماوية والثورات الشعبية.

12- برنامج أولويات وطنية يقوم على قواسم مشتركة.

13- وأخيرا وليس بأخير، تفعيل المعلومات في ضوء القيم كل في مجاله، قيم بناء الدولة وصولا إلى تحويلها إلى قيم بناء.

كلمات دالّة

#المعلومات #القيم