الخميس 25-04-2024 18:57:31 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مؤتمر الحوثيين الطائفي.. قراءة في الأبعاد والدلالات (الحلقة الأولى)

الخميس 18 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 12 مساءً / الإصلاح نت – خاص
 

 



يوم العاشر من أكتوبر 2018م، اختتم الحوثيون مؤتمراً طائفياً بصنعاء، تحت يافطة "إعادة بناء الهوية اليمنية". المؤتمر الذي استهدف تغيير شكل الدولة وقوانينها والمبادئ الأساسية لأركانها وفق رؤية "طائفية" خالصة، حسب مراقبين.


استمر المؤتمر لثلاثة أيام متوالية انتهى بتاريخ 10/ أكتوبر/ تشرين أول 2018م، وكانت قيادات في الجماعة قد طرحت - داخل المؤتمر - فكرة اعتماد "عهد علي بن ابي طالب، كمصدر أساسي للتشريع. وتفيد معلومات متطابقة، أن ذلك هو رأي زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، بل هو الذي طرح المبادرة وتدور النقاشات حول الفكرة وإمكانية اعتمادها وتنفيذها.


في 5 أكتوبر/ تشرين أول 2018م، أي قبل انعقاد المؤتمر بأيام قلائل، صدرت وثيقة من محافظ ذمار الى مدير الأمن في المحافظة، يطلب منه القيام بحملة أمنية ضد الباعة والمتجولين والبساطين. وجاء في الوثيقة التي حصلنا عليها، مكتوب فيها "استناداً الى وثيقة الامام علي بن ابي طالب لـ مالك بن الاشتر حين ولاه على مصر"، لتكون منهاجا للإنصاف، حسب ما جاء في الوثيقة، وممهورة بتوقيع وختم المحافظ محمد حسين المقدشي.
وثيقة المحافظ خلقت ردودا ساخرة من قبل الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا انها في حقيقة الأمر تعكس توجها جديدا من قبل الجماعة في إضفاء المسحة الدينية الخالصة على هوية الدولة، وهو ما يعني أن الجماعة المسحة الطائفية سوف تستمر بصورة مكثفة بصورة أكبر.


يرى مراقبون أن الجماعة باتت تفرض بلورة هوية جديدة لليمنيين، تنطلق من بعد طائفي صرف كأساس للإدارة والسلطة والتعامل في المناطق الخاضعة لسيطرتها على الأقل في هذه الاثناء، وهو اجراء سبقه إجراءات عديدة على مدار السنوات الأربع الماضية، ابتداءً من الحزام الطائفي على العاصمة صنعاء وعمران – تحت مسمى تسكين الشهداء والجرحى - مروراً بزيادة وفتح الحسينيات والبكائيات في كل المحافظات التي تسيطر عليها حتى اللحظة، وانتهاءً بتغيير مناهج التعليم الأساسي والثانوي وصولاً الى الجامعي.


خلال الأربع السنوات العجاف أيضاً، شهدت تغييراً شاملاً في الديموغرافية الثقافية للبلاد، طالت المدارس والمساجد والجامعات والمؤسسات الحكومية، وكان الإعلام حاضراً وبقوة في هذه الجهود التي تقوم به الجماعة، فقد سخرت كل إمكاناتها عبر الاعلام الذي تملكه أو الذي سيطرت عليه، لإحداث تغيير يعزز طائفيتها وحضورها داخل الدولة في مواجهة لأي طارئ في قادم الأيام.

 


محاور مؤتمر الهوية
خلال الأيام الثلاثة – فترة انعقاد المؤتمر - قامت دائرة التعليم الجامعي بالمكتب التنفيذي لجماعة الحوثي بإطلاق "المؤتمر العلمي الأول للارتقاء بالعمل المؤسسي في ضوء عهد الإمام علي لمالك الأشتر"، رافق ذلك توقف العمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية بحضور الأكاديميين من جميع الجامعات اليمنية والوزارات والمؤسسات بصنعاء.


وحسب موقع "يمن مونيتور" فقد كشفت محاور المؤتمر العمل لإعادة ما يسمى الهوية، تحت عنوان المحور الأخلاقي والتربوي وتطوير العلاقة بين المؤسسات التربوية والإدارية من جهة والمؤسسات الدينية من جهة أخرى، والهدف هو إعادة بناء هوية المجتمع في ضوء عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر، وهذا التغليف المنمق بمفهوم "الهوية" يخفي الحقيقة التي تقصدها الجماعة، وهي استعادة فكر الإمامة، واعتماد المذهب الزيدي أساسا مرجعيا وفكريا وثقافيا لهوية الدولة، وبصورة أدق فهم حسين الحوثي مؤسس الجماعة لمفهوم الزيدية والفكر الامامي.


 
في كلمة عبدالله محمد الشامي، المعين من قبل الجماعة كـ نائب وزير التعليم العالي، قال بوضوح اثناء افتتاح (المؤتمر العلمي للارتقاء بالعمل المؤسسي في ضوء عهد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لمالك الأشتر): "إن هذا المؤتمر يأتي في سياق مشروع كبير نسعى من خلاله إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والتحيز في معرفة المرجعيات المعرفية الناتجة عنه".


هذا التغليف لهدف المؤتمر سيكشف عنه الشامي بعد قليل حينما أشار "أنه من المعيب أن ينخرط الباحثون اليمنيون في استيراد النظريات الوافدة من ثقافة الآخر دون وعي" – حسب قوله.
وهذا النص ينصرف مباشرة الى دستور البلد "الجمهورية اليمنية" والذي تعتقد الجماعة أنه يستمد ثقافة الفصل بين السلطات من الدساتير العالمية المعاصرة، ومنه الدستور الفرنسي، وخلال فترة بقائها – الجماعة - في السلطة تم الانقلاب على سلطات البلاد، ولم يعد من إدارة سوى المجلس السياسي فقط، فهو أعلى سلطة تشريعية، حيث سبق أن أعلنت ما يسمى بالإعلان الدستوري (1).


 يتابع الشامي، وهو رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر: "سنسلط الضوء على رموزنا وقاداتنا من منظور أكاديمي وتكليف الباحثين بإعداد بدراسة مشوارهم السياسي والديني - في إشارة إلى المؤسس حسين الحوثي ورموز الجماعة، وهي الخطوة التي سبقتها قبل سنوات من خلال تغيير هوية وأسماء عدد من شوارع العاصمة صنعاء، وتغيير أسماء عدد من مؤسسات الدولة في صنعاء وباقي المحافظات التي يفرضون سيطرتهم عليها، دون أن يستجيب لها الشارع اليمني بالصورة التي كان يتوقعها الحوثيون".


في المؤتمر اتهم الشامي دول التحالف العربي باستهداف هوية الشعب اليمني واختراقها كجزء من حالة "الانسلاخ والضياع، ولا يمكن مواجهة هذه الاختراقات إلا بالعودة إلى مصادر الهدى – حسب رأيه"، ويقصد بمصادر الهدى ما يطلق عليهم في الطائفة الشيعية الزيدية بأعلام الهدى، والذي تضم في ذيل القائمة والد زعيم الجماعة وشقيقه (حسين بدر الدين الحوثي).
واختتم ورقته قائلاً: "من أسباب انعقاد هذا المؤتمر العلمي الأول هو الانحراف الذي نتج عن تطبيق النظم الوضعية والتي تجاهلت القيم الإسلامية وما ترتب عليه من النفعية والانتهازية، واعتماد عهد الإمام علي كمصدر للتشريع، وهو ما يرى سيدنا عبدالملك الحوثي دستور للدولة".


وشملت محاور المؤتمر الجانب الإداري والاقتصادي والقضائي والرقابي، والتربوي والاجتماعي، وأخيراً السياسي.

 



ما هي قصة علي بن أبي طالب والآشر؟

السؤال الذي يتبادر الى الذهن من قصة المؤتمر – الهوية - فما هي القضية التي يريدها الحوثيون، من وراء ذلك؟، وهل هم غارقون فعلاً في غياهب التاريخ وبات الاستحضار بهذه الطريقة للتاريخ يثير السخرية كما اعتقد الكثير من الناشطين والمتابعين لمجريات وقائع ونتائج المؤتمر؟!


بالنسبة لي اعتقد أن الموضوع على النقيض من ذلك تماماً، ان حجم الفساد والمحسوبية والعبث والفوضى والدمار الذي حل بأجهزة الدولة والذي بات فوق سيطرة وقدرة الجماعة قد عظم على الحوثيين السيطرة عليه أو احتواؤه، وفشلت كل المحاولات في الحد منه، حتى بات كل يوم يكبر، والحوثيون أنفسهم سمحوا للفساد في بداية الأمر لأمر ما ولكنهم صعب عليهم السيطرة عليه.
هناك أسواط كبيرة ورفض يتعاظم كل يوم داخل الجماعة، جزء منه حقيقي وجزء منه يريد أن يحصل على النصيب الأوفر من حجم ما يجبى من الدولة ومصادرها التي باتت مفتوحة بلا حد وليس لها ضابط، وإذا استحضرنا هذه المقدمة يسهل علينا أن نستوعب صحيفة مالك الاشتر والتي يمكن أن ننقلها بتمامها كي تكتمل الصورة.


"رسالة علي بن أبي طالب إلى مالك الاشتر أو مسمى العهد اثناء توليته للحكم بـ مصر. فهي عهد في كيفية إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب، وفيه نظريات الإسلام في الحاكم والحكومة ومناهج الدين في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والحرب والإدارة والأُمور العبادية والقضائية".


ولو أخذنا مقطعا من هذا العهد سنفهم أكثر سر فتح الحوثيين لهذا الموضوع، فقد جاء في نهج البلاغة: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم».
يتبع ..

كلمات دالّة

#الطائفية #الحوثية