الجمعة 29-03-2024 13:30:42 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 26 سبتمبر.. فجر الجمهورية يسحق ظلام الإمامة

الأربعاء 26 سبتمبر-أيلول 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد

 

تزايد في السنوات الأخيرة الاهتمام الشعبي بثورة 26 سبتمبر 1962، بعد أن كانت هذه الثورة شبه منسية في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي التف على أهدافها وأفرغها من مضمونها وحولها إلى مناسبة رسمية وخطابية باهتة.

وبعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، ثم انقلاب الحوثيين وعلي صالح ضد السلطة الشرعية، أدرك الشعب اليمني أهمية وعظمة ثورة 26 سبتمبر 1962، بعد أن رأى بشاعة الإمامة ممثلة بالحوثيين، وأدرك تماما كيف كان يعيش الشعب اليمني قبل الثورة وحجم التضحيات التي قدمها الأحرار للتخلص من الكهنوت الإمامي المستبد الذي يسعى إلى استعباد الشعب بذريعة الحق الإلهي في السلطة والاصطفاء السلالي.

- لماذا عاد وهج الثورة؟

لم تعد اليوم ثورة 26 سبتمبر 1962 مجرد مناسبة سنوية باهتة يلقي فيها رئيس البلاد خطابا مكررا ومملا مليئا بالمغالطات والضحك على الشعب، ولكنها تحولت إلى عقيدة وطنية إن جاز التعبير، خاصة أن الشعب اليمني يعيش اليوم نفس أجواء تلك الثورة، بعد أن عادت الإمامة ممثلة بالحوثيين، الذين يمارسون أبشع أساليب التنكيل والاستبداد والعنف ضد المناوئين لهم في المحافظات التي يسيطرون عليها، كما كان يفعل أجدادهم الأئمة تماما.

كما أن التضحيات التي يقدمها أحرار البلاد وهم يخوضون الحرب ضد الحوثيين الإماميين، تذكرهم بعظمة التضحيات التي قدمها أجدادهم الثوار الأحرار في ثورتهم ضد الإمامة والكهنوت، وكل ذلك أعاد للثورة وهجها وألقها، وجعل الشعب اليمني يدرك قيمتها، وكيف أنها غيرت وجه اليمن، رغم الأخطاء التي تراكمت وتسببت بعودة الإمامة.

لكن عودة الإمامة حدثت في التوقيت الخطأ، كونها جاءت بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، التي كانت بمثابة ثورة مكملة لثورة 26 سبتمبر، كما كانت ثورة استباقية ضد عودة الإمامة، مما جعل الإمامة التي غرسها الراحل علي صالح في جسد الجمهورية تكشر عن أنيابها وتعود بعنف جراء الرعب الذي أصابها بسبب ثورة 11 فبراير، خشية من أن تنجح الثورة في تصحيح الأخطاء السابقة، وتستكمل بناء الجمهورية، والقضاء التام على أحلام الإمامة بالعودة.

- فجر الجمهورية وظلام الإمامة
 
رغم تعدد الأطياف التي شاركت في ثورة 26 سبتمبر 1962، إلا أنه يجمعها قاسم مشترك يتمثل في أن النخبة التي أشعلت الثورة هي النخبة المتعلمة والمتنورة، والتي تلقى أكثر أفرادها تعليمهم في الخارج، وهالهم الفرق الشاسع بين الوضع الذي تبدو عليه اليمن ووضع البلدان التي زاروها أو درسوا فيها.

وشكلت التظاهرات الطلابية لليمنيين الدارسين في الخارج ضد استبداد الأئمة أهم الوسائل التي لفتت أنظار اليمنيين في داخل الوطن ولفتت أنظار العالم الخارجي إلى الوضع الكارثي الذي كانت تبدو عليه اليمن حتى عشية اندلاع الثورة.
 
لم يكن نظام الإمامة مجرد نظام كهنوتي يدعي الأحقية بالولاية، من أجل السلطة والجاه والثروة فقط، ولكنه كان نظاما يعمل على تجهيل الشعب اليمني، وينشر الخرافات والخزعبلات في أوساطه، وطمس الكثير من معالم التاريخ الحضاري لليمن، وأحرق الكثير من الكتب التي ألفها العباقرة اليمنيون، ذلك لأن الأئمة -باختصار- لا ينتمون لهذه البلاد، وإنما وفدوا من خارجها، وهمهم الوحيد هو استعباد أبنائها واحتكار خيراتها وثرواتها، ولا يهمهم الحفاظ على معالمها الحضارية، ورفاهية أبنائها، ولا يهمهم تقدم البلاد وازدهارها.
 
لقد نجحت ثورة سبتمبر في تغيير وجه اليمن، على مستوى الداخل والخارج. فبالنسبة للداخل، نشرت الثورة في أوساط المواطنين الوعي بخطر الإمامة، وذكرتهم بتاريخهم وتراثهم الحضاري، وجعلتهم يتسابقون للدفاع عن الثورة بكل ما يملكون، رغم الهالة والقداسة التي كان يصنعها الإمام لنفسه، خاصة أن مستوى الوعي في أوساط المواطنين كان متواضعا للغاية حتى عشية اندلاع الثورة.

كما أن وعي اليمنيين اليوم بأهمية ثورة 26 سبتمبر 1962، دفع الإماميين الجدد إلى الاحتفال الشكلي بهذه الثورة، مراعاة لمشاعر اليمنيين، ومشاعر بعض أنصارهم المغرر بهم، لأنهم يعرفون ماذا تعني ثورة 26 سبتمبر للشعب اليمني.

وبالنسبة للخارج، فالثورة أجبرت أعداءها على الاعتراف بها، خاصة قوى الاستكبار والإمبريالية الحديثة التي ناصبتها العداء منذ البداية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

- ثورة متجددة

إن الأهداف العظيمة التي رفعتها ثورة 26 سبتمبر 1962 كفيلة بأن تجعل منها ثورة متجددة، خاصة أنها شكلت أهم منعطف في تاريخ اليمن، كونها طوت حكم الإمامة الذي استمر أكثر من 1100 عام خلال فترات زمنية متفرقة، والأهداف الكبيرة التي رفعها الثوار الأحرار كانت وما زالت بمثابة الحارس الأمين الذي ألهم اليمنيين إلى مكمن الخلل الذي يجب التصدي له مهما كانت التضحيات، واستعادة روح الثورة كلما حاد حكام البلاد عنها.

والأمر المهم الذي ينبغي التنبيه له، هو أن الخطر على الثورة لا يأتي من الإمامة، ولكنه يأتي بسبب الخلافات بين الجمهوريين، فكلما اختلف الجمهوريون فيما بينهم تستغل الإمامة هذه الخلافات لتعود إلى الواجهة وتسيطر على السلطة. وفي الحقيقة، ما زالت البلاد تعاني من مخلفات الإمامة حتى اليوم، ليس فقط بظهور الإماميين الجدد (جماعة الحوثيين)، ولكن باستمرار ملامح عهد الإمامة من فقر وجهل ومرض.

وإذا كانت الإمامة قد تسببت بأكبر انتكاسة تاريخية لليمن، كونها أوقفت التراكم الحضاري لليمنيين وهدمت معالم الحضارة اليمنية من آثار ومخطوطات ومؤلفات وغيرها، فإن نظام حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح تسبب بأكبر انتكاسة عن الجمهورية، بعد أن سمح للإمامة أن تنخر في جسد الجمهورية، وختم حياته بأن سلم لها كل إمكانيات الدولة من جيش وأسلحة وأموال وعتاد، وتسبب بأسوأ حرب أهلية في تاريخ البلاد.

وقبل ذلك، كان علي صالح أول رئيس للبلاد بعد ثورة 26 سبتمبر يرتد عنها وينقلب على أهدافها، وذلك عندما بدأ يعد لمشروع التوريث، رغم أنه من أهداف الثورة القضاء على الحكم العائلي الفردي المستبد وإقامة نظام حكم جمهوري عادل، فتجددت الثورة باندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، إلا أن علي صالح رد على هذه الثورة بأن سلم السلطة وإمكانيات الدولة بكلها للإمامة.

وبعد كل ما حدث، فإن الضرورة الوطنية تقتضي من جميع الجمهوريين تجاوز خلافاتهم والوقوف صفا واحدا ضد الإماميين الجدد، ومن ثم الاتفاق على أسس بناء اليمن الجمهوري الاتحادي الجديد، مع ضرورة التركيز على تجفيف منابع الفكر الإمامي، وإحداث ثورة تعليمية في المناطق التي تمثل حاضنة اجتماعية للإماميين الجدد والخزان البشري للمقاتلين في صفوفهم، والإعلاء من قيم الجمهورية والأهداف التي اندلعت لأجلها ثورة 26 سبتمبر 1962 المجيدة.