الأربعاء 24-04-2024 02:23:10 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مسيرة الفشل.. لماذا عجزت الأمم المتحدة عن حل الأزمة اليمنية سلميًا؟

الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2018 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ عبد السلام قائد

 

أثارت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث غضب السلطة اليمنية الشرعية، والتي برر فيها تخلف الحوثيين عن عدم حضور مشاورات السلام في جنيف وتعمدهم إفشال أية جهود للسلام، خاصة أن تصريحاته تضمنت اتهاما مبطنا للتحالف العربي بأنه من أعاق حضور ممثلي مليشيا الحوثيين مشاورات جنيف، وهو ما يتوافق مع ادعاءات الحوثيين لتبرير تعمدهم إفشال المشاورات قبل أن تبدأ.

وسبق أن عبرت السلطة اليمنية الشرعية أكثر من مرة عن سخطها من المبعوثين الأمميين إلى اليمن، وآخرهم مارتن غريفيث، كونهم لا يلتزمون الحياد في التحضير للمشاورات، ويميلون إلى جانب الحوثيين، ويتعمدون عدم الإفصاح بصراحة عن الطرف المعرقل للمشاورات، ويبحثون كل مرة عن مبررات للتغطية على تعمد إفشال الحوثيين لأية جهود أممية أو غيرها للمشاورات من أجل الحل السياسي للأزمة اليمنية وإنهاء الحرب.

- الموقف الوطني للشرعية

تبدي السلطة اليمنية الشرعية دائما استعدادها للتفاوض والحوار مع مليشيا الحوثيين من أجل إنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد، وهذا ينطلق من مبدئها في تجنيب البلاد الدمار وسفك الدماء وحرصها على الأبرياء وسلامتهم، ووضع حد لإنهاء معاناة المواطنين جراء تدهور الأوضاع المعيشية بسبب الانقلاب.

ورغم تعمد مليشيا الحوثيين إفشال كل الجهود الأممية وغيرها للحل السلمي للأزمة اليمنية، وانعدام الثقة بها، إلا أن السلطة الشرعية ما زالت تبدي تجاوبها مع الجهود الأممية للحل السلمي للأزمة، ولم يسبق لها أن ماطلت أو رفضت هذه الجهود كما تفعل مليشيا الحوثيين.

غير أن السلطة الشرعية اصطدمت مؤخرا بتصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، التي برر فيها تعمد ممثلي مليشيا الحوثيين إفشال مشاورات جنيف واستهتارهم بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

وانتقد وزير الخارجية اليمني خالد اليماني تصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، بسبب المبررات التي تحدث عنها الأخير بخصوص عدم حضور الحوثيين مشاورات جنيف، بعد وصول وفد السلطة الشرعية إلى هناك قبل الموعد المحدد.

ووصف اليماني، رئيس وفد السلطة الشرعية إلى جنيف، أثناء مؤتمر صحفي عقده قبل مغادرة وفده سويسرا، وصف تصريحات غريفيث -التي قال فيها إن الحوثيين كانوا يرغبون في حضور المشاورات لكن قضايا عالقة منعتهم من ذلك- بأنها "ترضية للحوثيين وتبرر تصرفاتهم"، مشيرا إلى أن المبعوث الأممي سبق أن انتقد موقف الحوثيين أمام وفد الأمم المتحدة.

واتهم اليماني مليشيا الحوثيين بالاستمرار في اتباع سلوك إفشال الحوار، مطالبا المجتمع الدولي بإظهار جدية أكثر في التعامل مع هذه المليشيا، وتوجيه رسائل حازمة وحاسمة إليها بعد خرقها الالتزام بحضور المشاورات.

وقال اليماني إن الحوثيين يقابلون الجهود الدولية لإحلال السلام بالاستهتار، مشددا على أن الحكومة لا تثق بما تقوله الجماعة للأمم المتحدة خلف الأبواب المغلقة.

أما الحوثيون، وبرغم التسهيلات التي قدمها لهم التحالف العربي لحضور مشاورات جنيف، إلا أنهم افتعلوا مبررات لعدم حضورهم المشاورات واستهتارهم بالجهود الأممية والمجتمع الدولي لإحلال السلام في اليمن، حيث اشترطوا لوصول ممثليهم إلى جنيف نقل الوفد بطائرة خاصة دون تعرضها للتفتيش، ومنح ممثليهم ضمانات للعودة إلى صنعاء، بالإضافة إلى نقل جرحى من مليشياتهم إلى سلطنة عمان للمعالجة هناك.

- اليمنيون والأجندة الأممية

ويمكن القول بأن تصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، التي برر فيها تعمد الحوثيين إفشال مشاورات جنيف قبل أن تبدأ، تعكس الفشل الأممي في حل الأزمات المستعصية سلميا من جانب، ومن جانب آخر، تعكس أجندة الأمم المتحدة التي تخضع لإملاءات وسياسات الدول الكبرى في المنطقة، ولهذا، فهي تحرص على استمرار بقاء هذه الجماعات وعدم القضاء عليها تماما.

وسبق أن هاجمت السلطة اليمنية الشرعية المبعوثيْن الأمميْين السابقيْن إلى اليمن، جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ أحمد، واتهمتهما بالتحيز إلى جانب الحوثيين.

كما أن الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي سبق له أن هاجم المبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بعد أن قدم الأخير مبادرة لحل الأزمة في البلاد في نوفمبر 2016، ووصف الرئيس هادي هذه المبادرة بأنها تؤسس لحروب مستدامة، وأنها تتعارض مع المرجعيات الثلاث لأي حل سياسي وسلمي (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والقرارات الأممية ذات الصلة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2216).

لم يكن الرئيس عبد ربه هادي أول من اتهم الأمم المتحدة بالتأسيس لحروب مستدامة في اليمن، فهذه التهمة سبق أن وجهها اليمنيون للأمم المتحدة أول مرة أثناء مساعيها لوقف إطلاق النار إبان الحرب بين الجمهوريين والملكيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث كان المبعوث الأممي حينها رالف بانش (أمريكي الجنسية) يؤدي أدوارا مثل أدوار كل من: جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ أحمد، ومارتن غريفيث، ومن قبلهم الأخضر الإبراهيمي أثناء حرب صيف 1994 الأهلية.

- مسيرة الفشل

لم تنجح الأمم المتحدة في حل أية أزمة في اليمن منذ تأسيسها عام 1945، رغم تدخلها في ثلاث محطات رئيسية في تاريخ البلاد: الأولى أثناء الحرب بين الجمهوريين والملكيين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، والثانية أثناء حرب صيف 1994 الأهلية، والثالثة بدأت قبل انقلاب مليشيا الحوثيين والرئيس الراحل علي صالح ضد السلطة الشرعية، وما زال التدخل مستمرا رغم الفشل.

بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد النظام الإمامي الكهنوتي الفاسد، طلب الأمين العام للأمم المتحدة حينها، الراحل يوثانت، من الدبلوماسي الأمريكي رالف بانش أن يكون مبعوثه الخاص إلى اليمن، لكن بانش فشل في مهمته، واتهمه اليمنيون حينها بالعمل على استمرار وإطالة الحرب، وتسهيل إيصال السلاح إلى طرفي الصراع، وقضى بانش معظم وقته بين مصر والسعودية لإقناعهما بالانسحاب من الصراع بدون أن يضع حلولا بديلة.

انسحبت بعثة الأمم المتحدة من اليمن في سبتمبر 1964، بعد أن قضت 14 شهرا فقط في البلاد، واقتصر دورها على مراقبة انسحاب محدود لبعض وحدات الجيش المصري من المعركة، ووقف الدعم السعودي، حيث تم نشر قوات أممية من كندا ويوغوسلافيا في الحدود اليمنية السعودية وبعض الجبهات، لمراقبة حركة القوافل ومنع إيصال الأسلحة، لكن عدد أفراد هذه القوات كان محدودا، وكانت هناك طرق بديلة لإيصال السلاح لطرفي الصراع.

كما أن المبعوث الأممي حينها لم يستطع الالتقاء بزعماء القبائل في الداخل، واقتصرت تحركاته الدبلوماسية على القاهرة والرياض فقط، ثم انسحب وانتهت مهمته بالفشل، واستمرت الحرب حتى عام 1970 بإجراء مصالحة بين الجمهوريين والملكيين برعاية سعودية، قضت بأن يقبل الملكيون بالنظام الجمهوري مقابل أن يقبل الجمهوريون باستيعاب بقايا الملكيين في السلطة.

وكذلك فشل المبعوث الأممي إلى اليمن الأخضر الإبراهيمي، أثناء حرب صيف 1994 الأهلية، ولم يتمكن من طرح مبادرة مقبولة تسهم في وقف إطلاق النار وتقرب وجهات النظر بين طرفي الصراع، وانتهت الحرب بعد انتصار أحد طرفيها بدون أن ينجح المبعوث الأممي في مهمته.

أما مساعي الأمم المتحدة لحل الأزمة الحالية في اليمن سلميا، فقد عرت هذه المساعي المنظمة الأممية تماما، وكشفت عن زيفها، وأنها ليست سوى أداة بيد الدول الكبرى لتمرير أجندتها، واتهمها اليمنيون بمختلف أطيافهم -ما عدا الفئات العنصرية الموالية لمليشيات الحوثيين- بأنها تعمل على إنقاذ المليشيات الحوثية كلما أوشكت على تلقي الهزيمة في جبهة ما، وأنها تشرعن للانقلاب وإطالة أمد الحرب، وأن مساعيها ليست سوى تخدير للسلطة الشرعية والمقاومة الشعبية والتحالف العربي لدعم الشرعية حتى يقوى عود الانقلاب.

- الحوثيون ونقض العهود

وإذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية، كونها تخضع لأجندة الدول الكبرى وسياساتها في المنطقة العربية، فإن الجانب الآخر المظلم في الأزمة يتمثل في أن مليشيا الحوثيين لا تفي بوعودها، واعتادت على نقض العهود وعدم الالتزام بأي اتفاقية منذ نشأتها وحتى الوقت الحالي، وعادة ما تعمل على إفشال أي جهود أو وساطات بغرض الحل السلمي للأزمة اليمنية.

بدأت مليشيا الحوثيين في نقضها للعهود والمواثيق والاتفاقيات منذ حروب صعدة الست بينها وبين نظام الرئيس الراحل علي صالح، كما نقضت اتفاق السلم والشراكة بعد أن سهل لها الراحل علي صالح السيطرة على العاصمة صنعاء وسلمها مخازن الأسلحة والجيش الموالي له ليتخذ منها واجهة للانقلاب، ثم إنها نقضت كل اتفاقياتها معه وعملت على إضعافه حتى قتلته في بيته وشردت أسرته وكبار معاونيه، وما زالت ترفض حتى الآن تسليم جثته لذويه أو الكشف عن مصيرها، وتعاملها هذا مع حليفها يجعل الآخرين لا يثقون بها.

وبخصوص موقفها من المساعي الأممية لحل الأزمة اليمنية سلميا، فقد تعمدت المليشيات إفشال كل هذه الجهود، بدءا من محادثات "جنيف 1" و"جنيف 2" ومحادثات الكويت، وانتهاء بإفشالها لمحادثات "جنيف 3" قبل أن تبدأ.

وزاد الطين بلة أن ممثلي الأمم المتحدة إلى اليمن متواطئون مع مليشيا الحوثيين ويبحثون في كل مرة عن مبررات ترضي الحوثيين وتغطي على تعمدهم إفشال كل الجهود لاستئناف الحوار، وربما أنهم وجدوا في ذلك تناغما مع أجندة الدول الكبرى وسياساتها في المنطقة، وهو ما جعل مهمتهم تبوء بالفشل، وأثارت ضدهم السخط الشعبي وسخط السلطة الشرعية.