الجمعة 29-03-2024 11:18:05 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المشاورات المرتقبة..بين صعوبة التسوية وإطالة أمد الأزمة والحرب

الثلاثاء 28 أغسطس-آب 2018 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ محمد عبدالكريم

  

أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن مارتن جريفيث، أنه قد حصل على موافقة السلطة اليمنية وجماعة المتمردين الحوثيين على عقد جولة مشاورات في جنيف في 6 سبمتمبر (ايلول) القادم، وقد أبدى حرصا واضحا منذ تعيينه على عقد المشاورات، وكان تدخله قد تصاعد مع التحضيرات التي تمت في مطلع يونيو (حزيران) الماضي لتحرير مدينة الحديدة، ومينائها الهام، وقد نجح في تعليق العمليات العسكرية تحت لافتة الحالة الإنسانية، لكنه في الواقع وفر فرصا للحوثيين للمزيد من الإضرار بالسكان وتفاقم الحالة الإنسانية أكثر. وتبدو جهود جريفيث تكراراً لجهود ولد الشيخ، التي تسعى فيها الأمانة العامة للأُمم المتحدة، للحيلولة دون حسم الحالة عسكريا والمحافظة على الحوثيين.


تبدو المشاورات من أجل المشاورات، وتبدو الدوافع الشخصية لمبعوث الأمين العام هي الفاعل الأهم في ترتيب المشاورات؛ إذ ليس هناك من عامل موضوعي واحد يشير الى تغيير في طرح أي من الطرفين، وعلى الرغم من أن ما حصل عليه المبعوث من الحوثيين يبدو شكليا – القبول بإشراف الأُمم المتحدة على ميناء الحديدة – الا أن المشاورات مثلت غاية للمبعوث الأُممي.

 

المرجعيات تظل صمام الأمان
تعد المشاورات منذ البداية مخالفة للمرجعيات وخاصة القرار 2216 ، ذلك أنه يوجب على الحوثيين تنفيذ بنود محددة، قبل الحديث عن مشاورات وقيام سلام، غير أن مبعوث الأمين العام للأُمم المتحدة السابق – ولد الشيخ – كانت كلمته الإفتتاحية للمشاورات التي جرت في الكويت قد أفصحت عن عملية أُعدت سلفا كان عنوانها التزامن وليس التسلسل، وتعني بحث القضايا كلها في وقت واحد وعبر مجموعات، إلا أن محاولته باءت بالفشل، ذاك أن الفريق الممثل للحكومة، رفض التزامن وأصر على التسلسل.

التسلسل يعني القيام بالخطوات المتتالية
الإنسانية: إطلاق الأسرى والمعتقلين والمخطوفين، والمخفيين قسرا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الى جميع الذين يستحقونها.
السلاح: قيام المليشيات بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط الى الدولة.

الإخلاء: الإنسحاب من المدن والمؤسسات العامة للدولة.
السياسية: المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
عكس طرح ولد الشيخ رغبة تحالف الحوثي صالح – حينها – والمتمثل في التزامن الذي يمكنهم من إسقاط السلطة القانونية، على النحو التالي:
- يصدر الرئيس قرارا بإقالة نائب الرئيس، وتعيين بديل عنه يوافق عليه الحوثي.
- يقوم الرئيس بتفويض صلاحياته للنائب.
- تشكيل حكومة من الأطراف المختلفة يكون لتحالف الحوثي صالح ثلثاها وللسلطة ثلث. وكان الغرض إيقاف العمليات العسكرية، وقيام الحكومة في صنعاء، ثم مع مرور الوقت، يسهل الإلتفاف على السلطة، والإنقلاب عليها، وحيث يغدو الحالة أمام خيارين، إما الإعتراف بسلطة الحوثي صالح، أو تحول الحرب بين مليشيات وليس بين سلطة قانونية وتمرد.
وقد نجحت السلطة في تجاوز تلك الحالة، وكان آخر ما طرح في الكويت موافقة السلطة على عرض من ولد الشيخ يقتضي قيام الحوثي صالح بالإنسحاب من تعز المخاء الحديدة صنعاء، والبدء بمشاورات لتشكيل الحكومة، وقد رفض فريق الحوثي ذلك العرض، وتم الإعلان عن انتهاء المشاورات، وظل ولد الشيخ، ثم وزير الخارجية الأمريكي السابق - جون كيري- يسعى لإنهاء السلطة الشرعية، وقيام سلطة وفقا لطرح الحوثي صالح المذكور آنفا، وكان إعلان مسقط الأمريكي الحوثي اكتوبر 2016 والذي رفضته الحكومة كليا.


المشاورات القادمة
يمكن النظر للمشاورات القادمة – سبتمبر 2018 من فرضيتين:
الفرضية الأولى: فشل المشاورات
من التجارب السابقة، وعلى الرغم من أن موازين القوى لصالح السلطة والتحالف، إلا أن تغييرا جوهريا لم يحدث بعد، ومن ثم فإن المواقف لا تزال كما هي؛ شروط الحوثي الأساسية إسقاط المرجعيات، وإيجاد صيغ جديدة، والسلطة تعتبر المرجعيات، هي الأساس والإطار لأية مشاورات.


يسعى الحوثيون للخروج من ثنائية الشرعية والتمرد، والحلول محل الشرعية، وذلك يتطلب إسقاطها بالمشاورات، وإعادة تشكيل الرئاسة والحكومة، مع احتفاظهم بالمليشيا والقوة العسكرية المنهوبة والمضاف اليها ما تم تهريبه، وهي حالة تمكن الحوثيين باعتبارهم تنظيما شموليا موحدا مقابل أطراف متنافرة من الاستيلاء على السلطة والإنفراد بها وحينها لن تكون هناك شرعية، بل ستغدو إما التعامل مع سلطة الحوثي باعتبارها واقعا لا يقابله شرعية، أو انعدام الشرعية لأي طرف، وتغدو الحرب بين مليشيات كثيرة، وأمراء حرب، وفوضى عامة. أي التحول من الحرب بين السلطة القانونية للجمهورية اليمنية وبين مليشيات متمردة، إلى حرب أهلية شاملة بين مليشيات، وذلك سيؤدي بالضرورة الى عبور الفوضى الى البلدان المجاورة، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي وخليج عدن.


لتلك المعطيات، لا يمكن للمشاورات أن تصل الى النجاح في إنهاء الأزمة؛ أي أن فرص نجاحها ضئيلة جدا، كما توقع السفير الأمريكي ماثيو تولر.
الفرضية الأُخرى: نجاح المشاورات في إنهاء الحرب وإنهاء الأزمة.


تستند الفرضية الى معطيات جديدة تتمثل في تقلص مساحة سيطرة الحوثيين عما كانت عليه 2016 في الساحل الغربي، وفقدان المخاء وباب المندب ووصول قوات الشرعية الى مشارف الحديدة، وتحرير محافظة شبوة، ومديريات في البيضاء، والجوف وصعدة، وحجة، ووصول الجيش الوطني إلى منطقة مران ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة للحوثيين.


عرض الحوثيين إعطاء الأمم المتحدة الإشراف على ميناء الحديدة، فالعرض ذاته وإن كان جزئيا، وغير عملي إلا أنه أول تنازل يبديه الحوثيون.
تسبب الحوثيون في خسائر فادحة، وارتكبوا جرائم بلا حدود، والحلول السياسية ستعني إعفاءهم من المساءلة، وستعني، استيعاب جماعتهم ومليشياتهم في أجهزة الدولة، مما يعني تحميل الدولة ومواطنيها تكاليف باهظة.


ما نقل عن مصادر غير مؤكدة عن استعداد الحوثيين لتقديم تنازلات أُخرى مقابل التوقف للعمليات العسكرية في محافظة صعدة.
الضغوط التي تمارس على السلطة لتقديم تنازلات ووجود قدر من الإحباط في مناطق أخفقت السلطة في إدارتها والحالة الأمنية في عدن ومحيطها، وتشكل المليشيات في المناطق المحررة نقطة ضعف تمكن من ممارسة مزيد من الضغوط على السلطة.

 


أيهما أرجح؟
تستطيع السلطة الإصرار على المرجعيات، كما تستطيع الإصرار على التسلسل للقضايا، وعدم القبول بالتزامن، لا يستطيع أي طرف خارجي إجبار السلطة على التخلي عن أي من العنصرين، ومن ثم وضع الحوثيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالمرجعيات، وتسلسل القضايا، ومن ثم المضي في عملية التسوية، أو الرفض والإصرار على إنكار المرجعيات والإصرار على التزامن.


إن الأرجح هو فشل المشاورات، والحوثيون يصفون حربهم بحرب النفس الطويل ، وينظرون الى ما بحوزتهم من الموارد والسيطرة على المجتمع، على أنها مكاسب قد وفرت وتوفر للجماعة ولقياداتها ثروات هائلة، وتصرفت ولا تزال بأراضي الدولة والأوقاف على نطاق واسع، كما أنها وعبر التعليم ومنشآته تعمل على تعميم ثقافتها الطائفية، وانفرادها بوسائل الإعلام.