السبت 20-04-2024 13:38:22 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجهل المقدس! تدين بلا ثقافة

الأحد 26 أغسطس-آب 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص /عبدالعزيز العسالي
 


 4 ـــ 4


تفكيك الاستبداد

توصلنا في الحلقات السابقة إلى إيضاح محنتنا العربية المتمثلة في الجهل المقدس, والذي دوخ امتنا العربية والاسلامية، وعرفنا أن الجهل المقدس حملته النخبة بشقيها المتغرب والمحافظ!
وعرفنا أن النخبة بشقيها اختلفت في المنطلقات والوسائل, لكنها التقت عند هدف واحد هو تقديس الطغيان, والفجور السياسي!
وعرفنا أن تقديس الطغيان باسم الدين اخطر من تقديس الطغيان علمانيا.

في هذه الحلقة سنسلط الضوء على الدور السلبي الناجم عن غياب الوعي الثقافي لدى نخبة التدين بلا ثقافة, علما أنها حملت نوايا حسنة تمثلت في الحفاظ على الأمة من الذوبان!

لقد أثمر غياب الوعي الثقافي حصادا مرا تمثل في موجة من التدين المغشوش, ونظرا للإكراهات التي توالت على واقع امتنا.. إكراهات مارستها العلمانية الفاشلة في الداخل, مستندة الى الدعم الخارجي; الأمر الذي جعل النخبة المحافظة في حالة طوارئ (إطفاء الحرائق فقط), وبالتالي لم تتمكن من إعادة النظر في منهجها وأهدافها، ومن ثم تقديم مراجعة جادة يقوم بها رجال متخصصون, تشمل المنهج والأسس والأهداف, والنتيجة أن النخبة المحافظة ظلت تراوح مكانها متشبثة بالتدين في حدوده الدنيا.
فارتهنت العقلية المتدينة عموما عاكفة في محراب الجزئيات, أسيرة للأحلام المتمثلة في تقديم خطاب يتغنى بقصص التاريخ أيام عزة الإسلام, وينتهي الخطاب أن خلاص الأمة هو في التمسك بما كان عليه السلف!
خطاب مبتسر عاطفي تبسيطي لا يرتكز على أية معطيات سننية في النفس والاجتماع!
خطاب يدعو الى التشبث بالماضي واجتراره, وان كان هذا الاجترار للماضي يحمل معوقات الحاضر!
وفي ظل خطاب يحمل هكذا أهدافا باهتة, فليس غريبا ان تصبح الثقافة منبوذة وراء الحائط; الأمر الذي أدى الى غياب فقه مقاصد النص, وفقه الواقع, وفقه التنزيل على الواقع!
وأصبح غياب الوعي الفكري والثقافي هو سيد الموقف لدى أغلبية النخبة المنافحة عن هوية الأمة, ولاشك ان هناك عددا لا بأس به يدركون هذا الأمر, لكن رهبة البوح تعددت اسبابها.. النتيجة الاولى:
ــ الإعراض التام او شبه التام لدى اغلب النخبة المحافظة عن هموم العصر وتطلعاته!

ـــ ترسيم تقديس الطغيان باسم التشريع السماوي!

ـــ بقي الجهل المقدس ذاويا في أوحال غياب الوعي الثقافي , عابدا للفرعون, غير عابئ بالتناقض الديني على مستوى المعتقد والممارسة!
ــ محنة متراكمة تضافر فيها ثلاثة انواع من الاستبداد؛ استبداد ديني، واستبداد سياسي، واستبداد اجتماعي.
ثالوث رعب متشابك متساند, يصدق فيه المثل الشعبي القائل: "حكْ لي أحكْ لك"!
و عليه: فقد رأى كاتب هذه السطور أن المعالجة المطلوبة لابد ان تتجه أولا الى ايضاح الآثار السيئة الناجمة عن غياب الوعي الثقافي.
إيضاح بطريقة مبسطة توضح اوجه علاقة الحياة بمبدأ التوحيد.
وقد حاول الكاتب تقريب آثار الاستبداد تحت عنوان عام هو:

تناقضات قاتلة:
كما حاول الكاتب بلورة تناقضات الجهل المقدس لدى النخبة المحافظة في اطار المحاور التالية:
المحور الاول: تفكيك الاستبداد وتعريته.
المحور الثاني: مناقشة حملة الجهل المقدس حول أهم مخاطر الاستبداد وآثاره.
المحور الثالث: تجفيف منابع الاستبداد.

فإلى المحور الأول:
ما المقصود بتفكيك وتعرية الاستبداد؟
ما هي اللغة التي من خلالها نصل الى إقناع جماعة الجهل المقدس, وقولا الى قبولها باستعراض مخاطر الاستبداد علي الدين والشرع, وهذا هو مقصودنا بتفكيك الاستبداد وتعريته.
ومن هنا رأى الكاتب ان انسب طريق الى تفكيك الاستبداد وتعريته يتمثل في تقديم تساؤلات تقريرية, نضعها بين يدي حملة التدين بلا ثقافة، على أن تكون التساؤلات نابعة من صميم مقاصد التوحيد ولوازمه الجوهرية, ومن دلالات كليات ومقاصد الشرع ومبادئِه.

الحقيقة واجهتنا تساؤلات كثيرة مختلفة ولأن بعضها متداخلة, توخينا الاقتصار على الأهم وعلى النحو التالي:

البعد المصدري:
ــ من الأمور البديهية المعلومة لدى غالبية المسلمين أن التشريع الإسلامي له بُعدٌ مصدريٌ واحد, هو الله سبحانه.
ــ يتفق المسلمون أن شرع الله هو أعدل التشريعات وأكملها وأرقاها بلا نزاع.
وهنا نصل الى حقيقة بدهية محل تسليم الجميع, هذه الحقيقة هي:
أن شرع الله لا يتناقض, ولا يختلف; لأنه قادم من بُعدٍ مصدريٍ واحدٍ معصوم.
والدليل قوله سبحانه: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}النساء82

ــ وبما أننا متفقون على وحدة البعد المصدري للتشريع, ومتفقون على عصمة التشريع الإسلامي, ومتفقون على أن التشريع السماوي أكمل وأعدل: فإن هذا يستدعينا ــ وجوبا أن نعرف مقاصد التوحيد ولوازمه, كما يلزمنا معرفة التشريعات والسنن الاجتماعية المساعدة على إقامة التوحيد وترسيخه; حتى يستقيم المبدأ الاعتقادي المتمثل في كمال التشريع الإلهي, فإلى الأسئلة.

1ــ التوحيد معناه إفراد الله بالعبادة والخضوع المطلق له, هذا المقصد الأسمى يعني أن هنالك مقاصد أخر ى ملازمة له وهي:
ــ العدل; ذلك أن العدل هو هدف وغاية كل الرسالات السماوية; الأمر الذي يعني بوضوح أن العدل هو الصورة الأخرى للتوحيد.
ـــ المساواة; ذلك أن الكبرياء المطلق هو لله وأن الخلق كلهم متساوون.


2ــ شريعة التوحيد خولت الأمة مطلقا حراسة العدل; كون الأمة هي صاحبة المصلحة الحقيقية، ومن هنا أعلنت الشريعة هذا المبدأ بكل صراحة ووضوح: {وأمرهم شورى بينهم}.
هنا يأتي السؤال قائلا: هذا التشريع الكامل القادم من لدن الحكيم العليم الخبير؛ هل يعقل أن يتضمن نصوصا تناقض مقاصد التوحيد وغاياته؟!

3ــ نص القرآن صراحة:
أن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم, يعني أن المظلوم لا يؤاخذ إذا جهر بالسوء, بل إن هذا الجهر يحبه الله!
والسؤال:
من أين جيء بالقول بأن نصيحة ولي الأمر لابد وان تكون سرا, ومن جاهر بالنصح فهو صاحب بدعة وزيغ وضلال وانه يموت على الجاهلية؟!
إن لم يكن هذا هو الكذب على الله فما هو الكذب?!

4 ــ قال الله: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}النساء5
أليس هذا يعني تحديد صلاحية الحكام, والحيلولة دون عبثهم بمال الله المتمثل في المال العام! هنا يأتي السؤال: ما هي الطريق المثلى لتطبيق هذا المبدأ والذي يمثل عصب حياة الأمة وعماد حياتها, وصولا إلى امتلاك هيبتها, وقوتها علميا وصناعيا وعسكريا وصحيا؟!

5 ــ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام أمان المجتمع المسلم; لأن هذا المبدأ الاجتماعي السنني هو أبرز العوامل الكابحة لتغول السلطات, وهو في ذات الوقت وسيلة لحماية حقوق الأمة التي منحها الله إياها, كيف لا وهي مِن لوازم التوحيد ومقاصده؟
والسؤال هو: هل تستطيع الأمة أن تحمي حقوقها في ظل حكم فردي طاغ مستبد؟
6 ــ الفصل بين السلطات إحدى الوسائل الناجحة في ترسيخ العدل والحفاظ على الحقوق والحريات، والسؤال: إذا رفضنا هذا المبدأ فما هو البديل الأمثل لحماية الحق والعدل؟
هل نستطيع إقامة شرع الله كما أراد الله دون وضع هذه الضوابط والضمانات؟
ما الذي سيكبح جماح المتسلط المتغطرس المتغلب؟
إذا لم تتجه أنظار الأمة الى الوسائل الناجعة, ألا يكون البديل هو تأليه الحاكم الفرد؟
هل تستطيع الأمة إقامة العقوبات الشرعية ــ حدود الله في ظل نظام مستبد؟ وإذا أقامها والمستبد هل سيكون تلبية للشرع ام بمزاجه؟
أيها أفضل: أن تكون الأمة هي التي تحتكم الى قانون مكتوب نابع من عقيدتها وثقافتها وهويتها, وبالتالي تكون مالكة أمرها وولية على نفسها قادرة على تطبيق ما تؤمن به من تشريع, أم تترك هذا للحاكم المستبد يطبقه كيف يشاء وكما شاء؟
المنكرات السياسية؛ أي الفجور السياسي المعربد المفسد في كل اتجاه:
هل تستطيع الأمة محاربة المنكرات السياسية تحت إدارة حاكم متسلط متغلب مستبد؟
الله خول الأمة أنها مصدر الشرعية السياسية, وأنها هي التي تمنح من تراه وكيلا عنها,
فكيف يأتي المتغلب المتسلط والسلالي والعنصري الطاغي الفردي المستبد ولو كان موسيليني يحتل البلد ويقتل ابناءه فيهرع اليه حملة الجهل المقدس مقدمين ولاء الطاعة; معللين ان هذه الفجاجة هي عقيدتنا, عقيدة التوحيد الخالص؟

إذا شرّع المستبد ما يحلو له وأصدر قوانين خول فيها نفسه أن يمارس القتل السياسي بدون اي حجة شرعية, بل وصلت الفرعنةُ والتأليهُ في القانون العسكري العفاشي رقما تجاوز فظائع هولاكو في قانونه الذي اشتهر ب (الياسق) حيث بلغت العقوبات العسكرية 415 عقوبة إعدام؟!
إن لم يكن هذا مشاقة لله في تشريعه فما هي المشاقة؟
ثم هل لدى الجهل المقدس وسائل رادعة أو كابحة لهذه المشاقة, وما دليله؟
والسؤال الأكثر وضوحا: ماذا بقي من التوحيد في ظل هذه الفرعنة؟ وماذا بقي من التوحيد اذا غاب العدل?
هل الشريعة هي الصلاة والمظاهر والشكليات فقط, أم هي ترسيخ القيم العليا في حياة الأمة?
الشريعة هل يكون حفظها بالتدين الجزئي, ام بتطبيق كليات الشرع؟
هل من تفسير وإيضاح للعوامل التي أدت إلى انحراف القيم الكبرى بدءًا من ضياع حقوق الأمة مرورا بضياع الشريعة وانتهاءً بالتمكين للفجور السياسي, والحفاظ على التدين الشكلي الباهت?
إذا منحنا الحاكم كل وسائل القوة المغرية بالظلم والطغيان, فما الوسيلة التي ستمنع ظلمَه وعربدَته؟
هل رب العزة جعل إقامة العدل لأجل العدل, أم جعل العدل أساس الملك?
فإذا قلتم بالأخير, فما أسوأ المرارات التي حصدتها الأمة بسبب التعلق اللاواعي بالموروث الذين انحرف بهذا المفهوم الخطير؟
فها هو الحاكم الطاغي والمتغلب أوجد جيشا لحماية الكرسي معلنا بلسان الحال والمقال:
هذا الكرسي قائم على نار! أي لن أقيم العدل لأجل الكرسي وإنما هنا بديل اقوى انه الجيش سيحمي الكرسي!
عندما شرع الله (وأمرهم شورى بينهم) وخاطب المعصوم: (وشاورهم في الأمر)
قطعا كان يقصد أن الأمة مكرّمة ووالية على نفسها!
والسؤال: هل إماتة الشورى وإبطال فاعليتها يخدم كرامة الأمة أم أن الأمة تتحول ركاما من المخلوقات?!
الاتفاق بين المسلمين أن جوهر رسالة محمد (ص) هو التحرر, فإذا ألقينا مقاليد التسلطـ بيد الطاغي, هل نكون قد خدمنا مبدأ التحرير والحرية التي أرادهما المشرع سبحانه?
الرسول (ص), من أول لحظات دخول المدينة حث الشرائح على كتابة وثيقة المدينة في ظل حكمه (ص) وهو المعصوم, حيث قام بتحويل النصوص إلى قوانين وعمل مؤسسي, فلم لا يكتفي الرسول (ص) بالقول أن إقامة العدل يكون بالوعظ السري?
مدار الشريعة على المصلحة ورفع الحرج, والرحمة والتيسير, فهل ستتحقق هذه المبادئ في حياة يحكمها فاجر متغلب؟
الموروث يسوقنا الي تركيز كل وسائل القوة المطلقة بيد المتسلط, فهل المتغلب المتسلط سيعير الشعب أي اهتمام إذا قال له تعال اسمع الوعظ واخضع لمطالب الأمة?
هل تستطيع الأمة حماية مصلحيها في حال تغول الطغيان؟
أخيرا..
ما هي الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأمة في نظر عباد الموروث التاريخي ومقدسيه على حساب كتاب الله, ومقاصد تصرفات رسول الله (ص)؟

آثار الاستبداد:

للاستبداد آثار كارثية على الشريعة الاسلامية عقيدة ومنهجا وسلوكا, وآثار على بقية مجالات الحياة, سنشير الى ابرز الآثار على النحو التالي:

آثار الاستبداد على الشريعة الإسلامية:
1-تأليه البشر وتقديسهم, وهذا مصادم لمقاصد التوحيد; كونه منازعة صريحة لله في قدسيته وسلطانه المطلق.
2ــ إقصاء مبدأ العدل الذي هو غاية جميع الرسالات كما هو الوجه الآخر للتوحيد
3ــ ترك الشرع المقدس لعبثية الحاكم المتأله المتغلب او السلالي او المستبد الفرد.
4ــ انقلاب الضمانات الشرعية المقدسة الى بدعة, وتحويل الاستبداد والظلم والطغيان وإهلاك الحرث والنسل الى تشريع مقدس.
5ــ توريط شريعة الكمال والعدل بأنها مصدر الظلم والطغيان والفساد.
6ــ إضاعة هدف المساواة وهو أعظم أهداف الشريعة, لكن التراث انحرف خدمة للتأله الملعون, في تشريع الطبقية والعنصرية والسلالية!
7ــ تحويل الإسلام الى فتنة للذين كفروا; حيث ان غير المسلمين يرون ان الاسلام ضد الحرية والمساواة وحقوق الانسان وكرامته! وهذا مخالف لصريح القرآن:
{ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا...}
8ــ الركون الى الظلمة
{ولا تركنوا لى الذين ظلموا فتمسكم النار..}
فهاهي نار الظلم والعسف والإقصاء والدمار ونار الجوع والتخلف الاقتصادي تلتهم مجتمعات المسلمين قبل نار الآخرة!
9ــ تشريع التغلب على كرسي الحكم وفتح الباب للذبح المستمر وإراقة الدماء ورفض التغيير السلمي, وأي ارتكاس وانتكاس أسوأ من هذا الارتكاس تشريعا وسلوكا؟
10ــ تقزيم مقاصد الدين وتهوينها كالحريات والعدل وكرامة الأمة وحقوقها ــ دماءً وأعراضا الخ, ومصادرة الولاء للأمة وتزوير إرادتها, ودفن الشرعية السياسية, وإبعاد الأمة عن حقها في الاحتكام الى معتقدها!
بالمقابل: تهويل قضايا عادية, او مما هو محل خلاف فقهي كالسواك والغناء والتدخين وكشف وجه المرأة وصلاة الجماعة واعتبار هذه القضايا سبب تسليط الظلمة على رقاب الأمة؟

آثار الاستبداد في الجانب الاجتماعي:

1ــ تخلف شامل, وإيجاد بيئة خانقة طاردة للمفكرين والمصلحين والمبدعين, هذا إن سلموا من القتل والسجن والتجويع والتنكيل, فإنهم يلجؤون الى مكان يأمنون فيه على دمائهم وأعراضهم في حين يجدون الأمن متوفرا عند غير المسلمين!

2ــ جبانة وتخنث في الرجولة, ذلك ان منطق (أنا ربكم الأعلى) يجعل الفرد المستبد هو المتصرف المطلق, بلغة أخرى هو الرقم والأمة كلها ركام من قش او قطيع سائمة!
3ــ انتشار الجريمة الاجتماعية وسهولة الوقوع في المخالفات الدينية والقانونية; ذلك أن الفرد والمجتمع اذا قمع فانه يحاول التعبير عن الذات بطرق أخرى!
4ــ انفجار الصراعات البينية داخل المجتمع عشائري قبلي جهوي طائفي كصورة من صور التعبير عن الذات, والنتيجة تمزق النسيج المجتمعي وضياع هيبة الأمة في نظر خصومها; علما بأن هيبة الأمة هي إحدى مقاصد الشريعة الإسلامية, فهل حملة الجهل المقدس يدركون هذا المقصد؟

5ــ التسطيح الثقافي وغياب التفكير السليم والبحث الجاد عن الأسباب الجوهرية الكامنة وراء تخلف الأمة.
6ــ مظاهر البذخ والإسراف الى حد يفوق التصور, والاستهلاك لمنتجات الآخر كنوع من التعبير عن الذات ولسان حال المجتمع انه بات يضاهي ابناء الذوات!

7ــ اللهاث الدائم إلى اجمل الوجبات والَذَّها, وحسب فيكتور فرانكل الذي لاحظ هذا في كتابه الإنسان يبحث عن المعنى ــ المتمثل في الأهداف السامية دنيوية كانت او أخروية, قائلا: فإذا لاقى الفرد والمجتمع بيئة خانعة قامعه, فانه يلجا الى اللهاث وراء الذ الوجبات فقط وتصبح الهدف المقدس لدى الفرد والمجتمع, ويدخل في ذلك فخفخات الأعراس والأفراح وما شابه ذلك!

8ــ انتشار الخرافة ؛ الجن والشياطين والعين والسحر واللجوء الى المشعوذين بهدف الحصول السريع على الشفا بواسطة العلاج الغيبي الخرافي.

9ــ هشاشة التفكير وضحالة الثقافة ويتمثل في تقبل الإيحاءات مهما كانت تافهة وباهتة وكاذبة, فيصبح لها رواج يصعب اقناع المجتمع ببطلانها, وللمزيد ننصح بقراءة كتاب "عودة الوعي" ل توفيق الحكيم؛ ففيه عجائب حول هذا المعنى.

10ــ التماهي مع المستبد الطاغي, وهذا يصدر عن اشد الناس فقرا وحرمانا ومعاناة وقمعا, والهدف من هذا التماهي هو إشعار الذات المقموعة انها تدعم الزعيم المقدس وأنها باتت ذات شأن في نظر المجتمع, وأنها تمثل شيئا لدى الجلاد المقدس.

الحلول
تجفيف منابع الاستبداد:
إذا أردنا تجفيف منابع الاستبداد واقتلاع جذوره:
فعلينا وجوبا إعادة النظر إجمالا إلى الأصول المعصومة المتمثلة في المحاور التالية:
أولا:
مقاصد التوحيد.
وقد تحدثنا آنفا حول مقاصد التوحيد ولا داعي للتكرار.
ثانيا:
العودة الى مقاصد تصرفات الرسول (ص).
وهنا أيضا اشرنا في كتابات مختلفة إلى دستور المدينة الذي اختاره سكان المدينة النبوية, وأن الرسول (ص) هو الذي حث شرائح سكان المدينة ان يكتبوا حقوقهم!
كما أشرنا في مناسبات مختلفة أن الروايات التي طمست وهج القرآن المشرق بالحرية والتحرر, هي روايات جاءت متأخرة, صنعها التمذهب الشيعي السني الفارسي العربي القرشي; ذلك ان الخلفاء الراشدين لم يحتج احد منهم بهذه الروايات, وكفى بهذا حجة!
ثالثا: تنقية التراث المتصل بالفكر السياسي, بدءًا من كتب التفسير, مرورا بالروايات السياسية في كتب الحديث, هذه الروايات حالت دون تفعيل مقاصد القرآن; ذلك أن غربلة التراث المتصل بالفكر السياسي باتت ضرورة ملحَّةٌ; كون موروثنا في هذا المجال كان شرعنة لما هو قائم, متكيفا معه, ولم يقدم نظرية سياسية. وأعني بالموروث موروث كل المذاهب الإسلامية بلا استثناء.

وانطلاقا من المجالات الثلاثة الآنفة يمكننا الحديث حول تجفيف منابع الاستبداد بتفصيل موجز وذلك على النحو التالي:

1ــاعادة تكوين العقل الديني, أو إعداده في ضوء مبدأ أن الشريعة مصدر الحرية والتحرر

2ــ اعادة تعريف التوحيد ومقاصده ولوازمه.

3ــ تكوين وتدريب العقل الإسلامي في ضوء مقاصد تصرفات الرسول (ص) والتي تضمنت وضع الضمانات لحماية حقوق المجتمع, وان كان الحاكم هو الرسول المعصوم (ص).
4 ــ تدريب العقل الفقهي والوعظي على إعادة تعريف الدولة ووظائفها.
5ــ إعادة تشكيل العقل الإسلامي حول شكل الحكومة وتحديد صلاحيات الحاكم, بواسطة دستور وقوانين مكتوبة انطلاقا من مقاصد الشريعة ـ جلب المصلحة ودفع المفسدة.
6ــ تكوين وبلورة العقل الفقهي في ضوء مفهوم الثقافة, وصولا بالعقل الفقهي والوعظي الى إدراك العلاقات بين الأسباب والنتائج لا سيما في سنن الاجتماع السياسي والحياة العامة.
7ــ تكوين العقل الفقهي من خلال الزامه بالبحث حول أمهات القيم السياسية المتمثلة في بناء الدولة, وكذا أمهات القيم السياسية المتصلة بقيم أداء الدولة, ومنها:
ــ إقامة العدل.
ــ وجوب احترام الأمة أفراداً ومجتمعا.
ــ حماية المال العام.
- وجود دستور وقوانين مكتوبة.
ــ أهمية الفصل بين السلطات ودوره في ترسيخ الضمانات الحامية للحقوق وهكذا.. الخ . بقية قيم الأداء السياسي للدولة.
8ـــ استقلالية القضاء ودوره في حماية الحريات وحقوق الأمة.
ـــ تفعيل وعي الشعب وترسيخ مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, في ضوء النص
{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}النساء148
وفي إطار مقاصد التوحيد الملهِم إلى رفض الركون إلى الظلمة!
9ــ تكوين العقل الإسلامي وإرشاده الي ثورة القرآن التي قلبت الهرمية الفرعونية, جاعلة الأمة هي الأعلى؛ أي مصدر الشرعية السياسية والتشريع, والسلطة هي الأدنى!
10ــ تعريف العقل الفقهي بمفهوم المواطنة المتساوية ــ انطلاقا من وثيقة المدينة,
11ــ التعايش وعدم إقصاء الآخر.
12ــ حق الأمة في محاسبة الحاكم وخلعه سلميا متى رأت ذلك.
13ــ ترسيخ مفهوم الولاء للأمة واحترام إرادتها.
تلك هي إلماحات سريعة حول تجفيف منابع الاستبداد, وحسبي هنا أني فتحت الباب في هذا الصدد وبالله التوفيق ..

كلمات دالّة

#الجهل