الجمعة 29-03-2024 13:02:03 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المرأة اليمنية.. من النضال الثوري إلى المشاركة السياسية

الأحد 26 مارس - آذار 2017 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت - خاص - وئام عبدالملك

   

لعبت المرأة اليمنية -طوال تاريخ البلاد- أدواراً بارزة، وصلت في بعض مراحلها إلى تقلد أعلى منصب، كبلقيس ملكة مملكة سبأ، أو أروى ملكة الدولة الصليحية.

 

استمرت المرأة بالفاعلية والنضال، محاولة أن تتجاوز كل المعوقات التي تعترض طريقها، والتهميش الذي عانت منه سواء من قِبل السلطات، أو نتيجة نظرة المجتمع القاصرة لها.

 

في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، أشرقت شمس الحرية في اليمن التي ظلت رازحة تحت نظام المخلوع صالح لأكثر من ثلاثة عقود، وتنفست المرأة الصعداء، مؤمنة أن عليها واجباً كبيراً يحتم عليها الوقوف إلى جانب الرجل من أجل نجاح أهداف الثورة الشبابية.

 

أفرزت تلك الثورة انطباعات أخرى عن المرأة، فقضت على مقولة "صوت المرأة عورة"، بعد أن صنع صوتها ثورة، وأجج نار الحرية والكرامة كلما كادت أن تخبو.

 

أفسحت سلمية الثورة المجال للمرأة للمشاركة والحضور، فتوجهت أنظار العالم للأحداث التي كانت اليمن مسرحها، فكانت صورة غيرت نظرة الجميع للمجتمع القبلي الذي يغلبه الطابع الذكوري.

 

النضال من أجل التغيير

 

تصدرت المرأة الصفوف متحدية الرصاص فخرجت من منزلها وسطرت ملاحم النضال السلمي في ميادين الثورة، مطالبة بالعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والكرامة، وإنهاء الفساد.

كانت حاضرة بشكل بارز في كل المظاهرات والفعاليات الثورية، فسقطت شهيدة وجريحة، وتعرضت للاعتداء والاعتقال، ولم يثنها ذلك عن مواصلة نضالها، موقنة أن ما تدفعه من ثمن يدفعه أخوها الرجل أيضاً، ورغبة بأن لا تعيش الأجيال القادمة الواقع المزري الذي عاشه اليمنيون طوال فترة حكم المخلوع صالح.

 

تعد المرأة دينامو العمل الثوري في 2011، حيث قامت بترسيخ مبدأ النضال والتغيير في نفوس أبنائها، وإضافة إلى ذلك، لم تتوانَ عن تشجيعهم للنزول إلى الميدان والمشاركة من أجل التغيير، ففقدت زوجها باعتقاله أو استشهاده، وابنها كذلك، وتحولت من مربع الشعار والعنصر الخامل، إلى مربع الفاعلية.

 

ومن لم تخرج من منزلها للتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ اليمن، فإنها عملت على استنهاض أرواح الأحرار والثوار، عبر دعمهم المعنوي، فكثيراً ما استقبلت مظاهراتهم بالورود.

 

المشاركة السياسية

 

استطاعت المرأة -إبان ثورة فبراير- أن تقوم بدور سياسي، أكبر بكثير من الذي كان لها قبلها، فباتت تؤثر في صناعة القرار، بعد أن صارت سفيرة ووزيرة، ليس لتعبئة فراغ أو كديكور للظهور بشكل لائق أمام المجتمع الدولي، وإنما إيماناً بفاعليتها وقدرتها على تقديم الكثير، بعد أن كانت نموذجاً لذلك.

 

شكلت الثورة الشبابية التي كانت كالنور الذي أضاء عتمة المرأة، أكبر المنعطفات في تاريخها، فخاضت تجربة تكوين الحركات الثورية والائتلافات وحتى الأحزاب التي ولدت مع أحداث 2011.

 

ونظراً لارتباط المشاركة السياسية للمرأة بالقيود الاجتماعية المفروضة عليها غالباً، فإن هذا كان التحدي الأبرز الذي تخطت عقبته النساء، واستطاعت أن تغير تلك النظرة، وما زالت تمضي نحو ذلك التوجه، الذي من شأنه أن يفتح لها آفاقاً كثيرة.

 

وهناك نماذج نجحت واستطاعت أن ترفع صوتها عالياً، كالناشطة السياسية توكل كرمان، التي ولدت من رحم الثورة الشبابية، وحصلت على جائزة نوبل للسلام في 2011، لتكون بذلك أو امرأة عربية تحصل عليها.

 

ويكمن القول إنه لولا انحراف مسار الثورة السلمية وتحولها إلى مربع الحرب، لكان حضور وحجم مشاركة المرأة في الجانب السياسي بشكل أكبر.

 

استنهاض الإصلاح للمرأة

 

أسهم حزب الإصلاح، في ظل الانفتاح الكبير الذي يتجه نحوه الحزب، في دعم مسيرة المرأة النضالية وفتح الأبواب الموصدة أمامها للانطلاق إيماناً بقدراتها، فكان دورها كبيراً لا يقل أهمية عن الرجل في صناعة التغيير، وأصبحت نواة للمشاركة النسائية في ثورة فبراير.

 

خلصها الحزب من التهميش الذي ظلت تعاني منه طوال عقود كثيرة، وجعلها تمارس أدواراً قيادية في مختلف المحافظات التي ينتشر فيها، وهو الأمر ذاته الذي حدث في ثورة الشباب، فكانت المرأة في الحزب قائدة وعضوة فاعلة في أحداث فبراير.

 

هذا التوجه لحزب الإصلاح أثّر، وبشكل كبير، على مسيرته السياسية، وكان سبباً في نجاحه وتكوين قاعدة عريضة له في المجتمع اليمني، الذي تعد المرأة أكبر شريحة فيه من حيث الكثافة السكانية.

 

وكان للمرأة في حزب الإصلاح دور أساسي في تحفيز وتشجيع نساء اليمن للخروج ضد نظام المخلوع علي صالح، وكذا الثورة، وفي رفض مشروع التوريث الذي كان يتجه نحوه، إضافة إلى مشاركة الرجل في كل مراحل الثورة بشتى مجالاتها.

 

دور المرأة الإعلامي والتأثير

 

لم تدخر المرأة أي جهد في سبيل صناعة التغيير في اليمن، فاتخذت من مختلف وسائل الإعلام منبراً لنقل وقائع ما يدور على الأرض، فكشفت جرائم النظام السابق، وحرضت ضده لإسقاطه، ورفعت من معنويات الأحرار في مختلف ميادين الحرية والكرامة والتغيير.

انعكس ذلك على أرض الواقع إبان ثورة فبراير، وصار حضور المرأة لافتاً في مختلف وسائل الإعلام، المرئية منها تحديداً، وهو ما شكل نقلة نوعية في الإعلام اليمني، وفي طرقه الجديدة في التعاطي مع القضايا بشكل أكثر انفتاحاً.

 

وساهمت كذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت منبراً آخر للنساء، في توجيه الرأي العام وتوعيته، لإنجاح الثورة التي كان ينشد اليمنيون فيها التغيير بأدوات سلمية.

 

وبرز أثر إسهامها في صناعة التغيير، من خلال الزخم الثوري الذي حظيت به أحداث فبراير، والتي بدأت بعدد من الساحات فقط، لتنتشر كالهشيم في النار وبغضب، عقب أحداث جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس/آذار 2011.

 

وارتفع عدد النساء العاملات في حقل الإعلام، وبرزت الكثير منهن، سواء في مجال الصحافة أو الكتابة المختلفة، أو الفن التشكيلي، وحتى التصوير، وهو الأمر الذي دفعت ضريبته البعض منهن كنادية عبدالله التي وثقت مئات الصور لمختلف مراحل الثورة، ودفعت ثمن ذلك مراراً جراء الاعتداء عليها، أو محاولة مصادرة كاميراتها.

 

العمل الإنساني والحقوقي

 

هذا الحقل كان مضماراً واسع المساحة عملت فيه المرأة، نظراً لملاءمته لطبيعتها، فقامت بدور إغاثي كبير في ظل غياب الطواقم الطبية، فضمدت جراح الجرحى، وقامت بمواساة أهالي الشهداء، وتقوية عزائم الشباب، الذين واجهوا بسلميتهم آلة قمع المخلوع صالح.

 

ولم يقتصر دورها على التطبيب فقط، خاصة في ملحمة جمعة الكرامة التحول الأبرز في ثورة فبراير، فلقد قامت بالعمل الإغاثي، وأعدت الطعام للثوار في مختلف الساحات، ووزعت الطعام بيدها، فعظمت نظرتها وتغيرت في الوعي الجمعي.

 

وفي الوقت الذي كانت القوات التابعة للمخلوع صالح تتصدى للجموع البشرية الغاضبة بالقنابل الغازية، كانت المرأة تقوم بإغاثة الأحرار بعبوات الخل والبصل، للتخفيف عنهم، دون أن تخشى الرصاص التي قد تطالها.

 

مثّلت الثورة انطلاقة للمرأة اليمنية في الجانب الحقوقي، خاصة بعد أن شاهدت الظلم يطال الجميع، فأسست الكثير من المنظمات الحقوقية، في بلد كان يعيش في ظل نظام المخلوع صالح في آخر قوائم الحقوق والحريات.

 

في تلك البيئة، التي شهدت مشاركة فاعلة للمرأة، واصلت الثورة انطلاقتها، كما ساهمت المرأة في صمود الثوار، الذين حوّل الانقلابيون مسارها السلمي إلى العنف والحرب، وعمل اندفاع المرأة في مقدمة الصفوف دوما على بث روح التحدي والإصرار على مواصلة التقدم مهما كان الثمن.

  

تحديات

تركت ثورة فبراير أثراً كبيراً في المرأة اليمنية، التي زادت ثقتها بشكل كبير في مجتمع يهيمن عليه الذكور، فتمكنت من انتزاع حقها في الكوتا النسائية التي خصص لها بناء عليها 30% من المقاعد.

 

ولا يعد ذلك كافياً ولن يؤثر بالشكل الذي تطمح له المرأة، خاصة في ظل عدم تفعيل ذلك حتى الآن من قِبل بعض الأحزاب، ووجود بعض ما يعيق تنفيذها في التشريعات اليمنية، فضلاً عن ارتفاع نسبتها في المجتمع عقب الحرب إلى أكثر من 60%، بحسب بعض التوقعات.

 

وهو ما يعني أن المرأة ما يزال أمامها الكثير، من أجل تلبية ما تطمح إليه، وهو ما تدعمه بعض الأحزاب كالإصلاح، الذي فتح لها بعض الآفاق.

 

وتوِّج نضال المرأة باحترام حظيت به من الجميع ولن يغفله التاريخ، لكن الضغوط المجتمعية التي ما زالت تمارسها القبيلة والمجتمع اليمني عليها، ما تزال تحرمها من الكثير من حقوقها، التي تسعى النساء إلى انتزاعها.