الجمعة 29-03-2024 17:00:04 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 26 سبتمبر..قراءة في أهدافها الستة (الحلقة الثانية)

الجمعة 10 أغسطس-آب 2018 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت - خاص / ثابت الأحمدي

  

أشرنا في الحلقة السابقة إلى أن ثورة 26 سبتمبر 1962م قد تراوحت بين النجاح والفشل، ولعل أقوى مسببات الفشل يتعلق بإنسانية الثورة ذاتها التي كانت متسامحة مع خصم غير شريف حد السذاجة، الأمر الذي ظل يتربص بالثورة والجمهورية من داخلها، وحين لاحت ساعة الانقضاض تحولت الحملان التي كانت تبدو بريئة إلى وحوش كاسرة، لا فرق في ذلك بين مثقف وأكاديمي وعامي. الكل من أتباع النظرية الإمامية يرفع وهم شعاره "الصرخة" إلى حد إقامة المحاضرات والندوات عن أهمية الصرخة "المسخرة". إلى جانب العوامل الأخرى الذاتية منها والموضوعية.
ولعل أدق معيار لاستقراء نجاح الثورة أو فشلها يتمثل في التوقف على أهداف الثورة نفسها لمعرفة معالم النجاح أو ملامح الإخفاق..
وقبل الشروع في تأمل واستقراء هذه الأهداف نشير إلى أننا حين نقف على أعتاب الماضي تقييما أو نقدا فإن ذلك يعني الاستبصار أكثر لخطى المستقبل التي لا تسير بثبات إلا إذا تجاوزنا عثرات الماضي بسلبياته، وأخطاء الأمس بزلاته..

أهداف ثورة 26 سبتمبر
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.

 


هذه هي أهداف 26 سبتمبر التي أعلنها الثوار، ولا تزال إلى اليوم، فما الذي تحقق منها؟ وما الذي لم يتم؟!


ــ الهدف الأول: تحررنا من الاستعمار شكليا بصورة كلية تقريبا، بينما لا زلنا في المضمون رهن الإمبريالية العالمية إلى حد كبير؛ أما الشطر الثاني من الهدف المتمثل في إقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، فما تحقق منه هو الحكم الجمهوري ولكنه غير العادل، جمهوريا في شكله ومظهره، إماميا في باطنه وجوهره، بدليل عودة الإمامة اليوم بعد مضي ما يزيد عن خمسين عاما على اقتلاعها، صحيح أن تمكنها مرة أخرى كما كانت سابقا من سابع المستحيلات، لكن أن تظهر اليوم ومن وكرها التاريخي "صعدة" ثم تمتد إلى بقية أنحاء اليمن، فهذه هي الطامة الكبرى، وهذا هو "كعب أخيل" الذي لم يتنبه له ثوار 26 سبتمبر 62م. ومن بعدهم الجيل الوارث، وعلى رأسهم ما عرف بأحزاب اللقاء المشترك التي ناوأت صالح وقادت ثورة فبراير 2011م.
ونخص الأحزاب الجمهورية منها: "الإصلاح ـ الاشتراكي ـ الناصري ــ الرشاد السلفي" وشركائهم؛ أما حزبا الحق واتحاد القوى الشعبية فلم يكونا إلا مسمار جحا فيها. فهما الذراع السياسي الناعم للإمامة، وربما لعبوا دور "أبي رغال وابن العلقمي" من داخل هذه الأحزاب. وهي أحزاب لها امتدادها التاريخي العريق، وبعض منها له امتداده الشعبي الكبير، إلا أنها لا تملك الحس السياسي الأكبر.
إن عودة الإمامة بأصواتها الناعقة اليوم هو إخفاق في التجربة الثورية السبتمبرية التي كانت إنسانية أفضت بها إنسانيتها إلى السذاجة المفرطة، وكان يجب أن تجعل من ثورة "الباستيل" مثالا وقدوة لها، وأن ترفع شعار: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" فهي الأولى به من ثورة الباستيل؛ ولهذا دفعت الثمن سابقا ولا تزال يدفعه الشعب اليمني إلى اليوم، فالإمامة حقها الفناء والاستئصال التام لا التسامح والتصالح قطعا، وأظن أن الدرس الأخيرهو درس وتجربة مرة لألف عام قادمة..


ــ الهدف الثاني: "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها" أين جيشنا الوطني القوي اليوم؟ لقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة طبيعة الجيش الذي تغيّـته ثورة سبتمبر حين انقسم إلى جيشين: فمن حيث القوة والضعف بدا هشا وضعيفا أما شلة إمامية تمردت على الدولة، فخاض معها ستة حروب، حتى فشل،وفيهافقد أعز رجالاته وأشرف كوادره في صورة لم يكن يتوقعونها أنفسهم، هكذا كان أو أريد له أن يكون، أما من حيث الوطنية فقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن نصف الجيش وطني بالفعل ونصفه الآخر عائلي طبقي عمل بعكس ما أريد له، وبخلاف ما أنشئ من أجله، هاهو هذا النصف اليوم في خدمة أخبث سلالة تاريخية، سيطرت به وتحكمت من خلاله.


جيش "وطني"!! أو هكذا يقال له لم ينبس ببنت شفة حين اعتدت مليشيا مسلحة على الدولة وقوضت أركانها وهو يرى؛ بل ويشاركها "الفيد".! علما أن موازنته السنوية خلال الفترة السابقة كانت هي الأولى من بين كل القطاعات الأخرى، بما فيها التعليم والصحة.!


ــ الهدف الثالث: "رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا" فهل ارتفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي للشعب كما أريد له؟ صحيح أن ثمة تحسنا ملحوظا في هذا الجانب قياسا إلى ما كان الوضع عليه قبل ثورة سبتمبر؛ لكنه لم يلب نصف مطالب الشعب حتى الآن، حيث معدل دخل الفرد اليمني من أقل المعدلات على مستوى العالم، ووضعه الاجتماعي والثقافي والسياسي متخلف في كثير من جوانبه، ونظرة واحدة لمحافظة صحراوية كالجوف أو المهرة أو محافظة ساحلية مهمةكالحديدة مثلا تُريك حجم المآسي الإنسانية ومدى التخلف الاجتماعي والتنموي هناك، كما هو الشأن في كثير من المحافظات اليمنية؛ حيث لا يزال الحطب هو وسيلة الطهي والحمار وسيلة المواصلات، والبئر التقليدي الذي حفره الأتراك مصدر الشرب، ولا تزال الأشجار تظلل التلاميذ في العراء من الشمس كما كان الوضع عليه أيام الإمام في كثير من المناطق، ولا تزال تقنيات الاتصالات ووسائل المعرفة الحديثة في مخيلة كثير من سكان الأرياف التي تحتضن 75% من إجمالي سكان البلاد، كما لا يزال التداوي بالطب التقليدي والموروث الشعبي كالتمائم والأعشاب والكي بالنار وغيرها متداولا في كثير من المناطق، ولا يزال المواطن يعتمد على نفسه بنسبة 100% في تحمل نفقات أي عملية جراحية.!!


أكثر من ذلك.. العاصمة صنعاء تغرق اليوم في الظلام من بعد غروب شمس كل يوم، لولا المولدات الخاصة وألواح الطاقة الشمسية الصينية، المستشفيات أشبه بمجازر بدائية، لا يجد المريض فيها حبة الدواء، مدارس العاصمة أشبه بالمعلامات. هذا داخل العاصمة، فكيف الحال بالمحافظات والأرياف النائية؟!


ــ الهدف الرابع: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف" أين هي الديمقراطية مما يجري اليوم؟! صناديق الاقتراع في الانتخابات سابقا تعبأ قبل يوم الاقتراع أو بعده في بيت الشيخ!! وإرادات الأمة يتحكم بها متنفذ ما دون أن يجد ما يردعه!! ولو وجدت الديمقراطية الصحيحة لما وصل الوضع إلى ما هو عليه من المآسي التي نعيشها اليوم، ومؤخرا صار الحديث عن الانتخابات وعن الديمقراطية من الماضي ومن التاريخ، وصار حلما بعيد المنال.


ــ الهدف الخامس: "العمل على تحقيق الوحدة في نطاق الوحدة العربية الشاملة" صحيح تحققت الوحدة اليمنية بفعل إرادة أبنائها عام 90م؛ لكن مضمون الوحدة أفرغ من محتواه حين تحولت إلى فيد وغنيمة لبعض القوى المتنفذة والمقربة من السلطة، ثم إن الالتفاف على الديمقراطية التي ارتبطت أصلا بالوحدة قد أفضى إلى الالتفاف على الوحدة ذاتها، واليوم وحدة اليمن على شفير الهلاك، وعلى مشارف الهاوية.!
الهدف السادس: احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم" ربما تحقق الجزء الأول من الهدف السادس لا بفعل التوجه المؤسسي الرسمي؛ لكن لأن الطرف الآخر استطاع أن يفرض احترامه بصورة أو بأخرى، وهو هدف قد لا يهم المواطن العادي المشغول بأدنى حقوقه الأساسية، أما العمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم، فإن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال؛ إذ لم نستطع أن نحقق هذا المبدأ على الصعيد الداخلي، فكيف سنحققه على الصعيد الخارجي؟!!


هذه مجرد نظرة عجلى على أهدف الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر 1962م، وهي نفسها اليوم مطلب الجماهير في زمن تغيرت مطالبه وتجددت أهدافه، كما هو المطلب ذاته الذي نجده في الميثاق الوطني المقدس الذي صاغه كوكبة من رجالات الحركة الوطنية أثناء الثورة الدستورية عام 48م، فهل توقفت عقارب الزمن عند اليمنيين دون غيرهم؟ وهل تسمرت أعينهم أمام متطلبات العصر وتغيراته وهم يلحون منذ أكثر من نصف قرن على حكامهم لأن يعيشوا بكرامة كما يعيش أي مواطن في بلاد الله؟!


السؤال الأهم.. هل سنعي الدرس مجددا؟ وهل سنتعلم من دروس الماضي في المستقبل؟! أم سندور في ذات الحلقة المفرغة ونلوك اليوم ما لاكه أجدادنا وآباؤنا بالأمس، فنجني على أبنائنا في المستقبل؟!