الخميس 25-04-2024 00:56:12 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجهل المقدس..زمن دين بلا ثقـافة (الحلقة الأولى)

الجمعة 03 أغسطس-آب 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبدالعزيز العسالي




للعنوان قصة

ليست هذه المرة الأولى, وإنما هي المرة الخامسة عشرة ـ يجذبني عنوان الكتاب ــ لا سيما اذا كان المؤلف غربيا او غير مسلم!

خمسة عشر كتابا في مجالات مختلفة من العلوم الإنسانية, مؤلفوها غربيون ــ غير مسلمين- ومنها كتاب "الجهل المقدس..زمن دين بلا ثقافة"، وهو عنوان هذا الموضوع..
قضيت معه وقتا غير قليل عسى ولعلي أحظى بمعلومة, بجملة تامة تحمل هوية عنوان الكتاب, ظللت منهمكا أقرأ بتمهل, واضعا نصب عيني هدف الوصول الى معرفة السبب وراء الجهل المقدس, ولكن هيهات.

النتيـجة:

ترسخت لدي القناعة التالية:

1ـــ حرية الرأي في الغرب ــ لا سيما في الجانب الأكاديمي ـ لا وجود لها, وانما هي دعوى اعرض من الدليل! غير ان المقام مختلف, والا كنت سأقوم باستعراض البراهين من الكتب, مبرهنا على قولي هذا.

2ـــ قررت أن أتولى الكتابة حول العنوان الآنف, مع حذف واضافة وذلك على النحو التالي:

الجهل المقدس و التغريب المدنس.. أساس المحنة العربية!
ولأن البراهين والمعطيات الدالة حول العنوان كثيرة جدا, فقد حاولت قدر الإمكان توضيحها وتبسيطها في محاور والاقتصار على أبرز البراهين والمعطيات الدالة على انحسار المحنة العربية تحت هذين المفهومين, متوخيا الإيجاز الذي لا يخل بجوهر الفكرة, وحتى يتسنى للقارئ الوصول الى المعلومة. فضلت أن يكون الحديث تحت مفهوم الأسباب على النحو التالي:

ــ اسباب الجهل المقدس في فكرنا السياسي الاسلامي.

ــ آثار الجهل المقدس على التوحيد والتشريع.

ــ معالجة الجهل المقدس.


غير اني، وبعد تأمل طويل، حول أبرز الأسباب التي كرست التشبث بالجهل المقدس, والعيش له:
وجدت أن السبب الأبرز والمغذي للتشبث بالجهل المقدس يتمثل في (الـتغريب المدنس) كما سنوضح هذا في الحلقة الثالثة.

ــ قررنا أن يكون البدء بالحديث حول "التغريب المدنس"، في محورين اثنين. وسيتضمن كل محور فروعا ونقاطا عدة.
المحور الأول: اسباب التغريب المدنس.
المحور الثاني: آثار التغريب المدنس.

تمهيد لا بد منه..

ــ نظرا لاتساع الأدلة والبراهين على محنة التغريب المدنس, فقد رأينا إيراد أربع قصص قصيرة رمزية; كي تكون بمثابة مفاتح يستطيع القارئ من خلالها الوصول الى المقصود المتمثل في محنة التغريب ــ سببا ومظاهر ونتائج - , كما انه بعد ذلك يمكن للقارئ الإسهام في تقديم رؤية لمعالجة الوضع الذي دوخ امتنا وكاد يستعصي عن المعالجة - حسب توصيف بعض اليائسين.

ــ تأمل أيها القارئ العزيز هذه المصطلحات, وكيف انهكتنا حكومات التغريب المدنس طيلة قرن كامل, سلكنا فيها دروبا أفضت بنا الى اللا شيء!
والشعارات البراقة:
الليبرالية, الديمقراطية, الدولة المدنية, المجتمع المدني, الاشتراكية, الماركسية, الحرية, الحداثة, العولمة, اللحاق بالغرب المتقدم, الحرية ــ لا حرية لأعداء الحرية!
الإشكالية هنا ليست مع المصطلحات إذا كان الأخذ عن الغير أخذا واعيا, لكن الإشكالية كامن في العقلية المنتجة للتخلف, والتي تسير في خط رسمه الأسياد ــ حراس التخلف ــ كما سيتضح من خلال القصص الرمزية التالية, وما بعدها.

القصة الاولى:
يقول علماء الحيوان: إن للكلاب هوية يمارسونها بعد ما تمتلئ بطونهم, تتمثل الهوية في لعبة وهي ان الكلب يدور حول ذاته, وهدفه ان يمسك ذيله, فيقضي اكثر من ساعة حتى تنحسر قواه, فيرتمي أرضا, غير انه يعود في اليوم التالي لهويته ناسيا فشله وما لحقه من عناء!

القصة الثانية:
التقى حماران؛ الأول: يحمل غرارة ملح كادت تقصم فقراته, والآخر يحمل عددا كبيرا من الأسفنج, وأثناء مرورهما اعترضتهما ترعة ــ حفرة صغيرة من آثار السيل ــ تجمع فيها نسبة من الماء, فخاض فيها الحمار حامل الملح وبقي فيها يشرب الماء فانغمست أطراف غرارة الملح في الماء وتحللت الملح شيئا فشيئا فأحس الحمار بشيء من خفة المحمول فاستمر حتى تحللت الغرارة فنهق وانطلق سريعا!
ــ فلحق به حمار الأسفنج وطبق نفس الحركة ــ تقليدا ــ وظل يشرب الماء فانغمس الأسفنج وشفط معظم ما احتوته الترعة من الماء, لم يحس الحمار بثقل الأسفنج; كونه سعيدا بتقليده, ثم نهق وحاول القفز بسرعة فامتلخ!

القصة الثالثة:
للغراب مشيته المعروفة التي فطر عليها, غير أنه ذات يوم رأى الحَجَل ــ العُقَب ـ تمشي مشيةً انجذب إليها, فحاول أياما عدة حتى أتقن مشية الحَجَل وظل يمشي كالحجل.
ــ بعد أيام الغراب رأى الحمام تمشي فأعجب بمشية الحمام, ثم حاول أياما يقلد الحمام فما استطاع, حاول يمشي كالحجل ما استطاع, تذكر أن له مشيته الخاصة فوجد أنه قد نسيها!
ــ شاعر كان يرقب الغراب خلال المدة, فصور الموقف ناعيا التقليد اللاواعي قائلا:
غراب تعلم مشي الحمام وقد كان يمشي بمشي الحجل
فصار يرقص في ذا وذا فلا ذا تأتى ولا ذا حصل

القصة الرابعة:
شاهد كاتب هذه السطور القصة التالية في دورة مكافحة الايدز, ولأن المدرب غير عربي فقد أجاد تقديم الأفكار بواسطة الجهاز العاكس ــ في مشاهد رسوم متحركة.
باختصار:
تضمن المشهد كيف أن الجهاز المناعي في جسم الإنسان لديه قيادة وجند، وكيف يتصرف الجهاز المناعي عند حدوث جرحٍ بالجسد، وكيف تهاجم الجراثيم مكان الجرح، وهنا تقوم قيادة الجهاز بواسطة منظار عن بعد تراقب وتكلف مجموعة من الجند بالاقتراب من مكان الجرح للتعرف على هوية الجرثومة وتعلق عليه لافتة مكتوب عليها توصيف الجرثومة, وهنا ترسل قيادة الجهاز المناعي المضاد الحيوي المناسب!
والسؤال:
ماذا عن جرثومة الإيدز?
ــ جرثومة الإيدز لا تقتل الجند الذين لاقوه للتعرف على هويته! ولا يذهب لقتل قيادة الجهاز المناعي! وإنما يتجه فورا ويدخل في رأس قيادة الجهاز المناعي; فتتحول القيادة إلى معمل ينتج الافاًبل ملايين من جراثيم الايدز!?
يشهد الله أني في تلك الساعة وبعدها طيلة أسبوع كامل عانيت رعباً لم يسبق أن عرفته كادت تتحول عظامي عصيد!

التعليق:
وجه الدلالة من القصة الأولى:
ــ إن التغريب المدنس المتمثل بالمثقف والسياسي العربيين: ظلا يدوران كالكلاب طيلة 100 عام , وما خرجوا بشيء سوى مزيد من بطح الشعوب لمنتجي التخلف ــ الحكام ــ ومزيدا من التبعية المذلة لحراس التخلف ــ في الغرب والشرق عموما!

دلالة القصتين الثانية والثالثة:
وجه الدلالة هنا إلى جانب التقليد: هي أن الغراب فقد هويته, والحمار امتلخ! وتلك نتيجة التقليد اللاواعي، وجه الدلالة في غاية الوضوح.

دلالة القصة الرابعة:
- حراس التخلف الغرب والشرق: اتجهوا لإفساد القيادة العربية, الفكرية والسياسية, وارتاحوا في بلدانهم, فكانت حكومات العرب والمسلمين هي منتجة التخلف; خدمة وتنفيذا لتوجيهات حراس التخلف!
وهنا أساس المحنة وثمرتها في آن!
وهنا سؤال يطرح نفسه بقوة مفاده: متى وكيف استطاع الغرب الوصول لصناعة قيادة عربيه تنتج التخلف?
ثم ما هي الأسباب التي دفعت الغرب إلى هذا التصرف? وما هي مظاهر التغريب المدنس? لم تحول الأخذ عن الغرب إلى محنة?
سنحاول الإجابة في الحلقة الثانية.