الخميس 25-04-2024 02:52:16 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

كيف تنظر الولايات المتحدة للانقلاب في اليمن!

الأحد 29 يوليو-تموز 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد السلام قائد

  

رغم اللغة الدبلوماسية التي تتسم بها تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين، في بعض الأحيان إزاء الأزمة اليمنية وغيرها من الأزمات التي تعصف بمنطقة المشرق العربي والعالم، إلا أن الرؤية الأمريكية للأزمة اليمنية تتسم أحيانا بالوضوح، ويتجلى ذلك في تصريحات السفير الأمريكي السابق لدى اليمن جيرالد فيرستاين، الذي جدد أكثر من مرة اتهاماته للرئيس الراحل علي صالح وعائلته ومواليه بالمسؤولية عن الدماء التي تسفك في اليمن نتيجة تحالفهم مع الحوثيين.

وقال فايرستاين، في تغريدة على تويتر منتصف شهر يوليو الجاري: "تحالفت عائلة صالح مع الحوثيين لإحداث هذا النزاع في اليمن"، مؤكدا أن مسؤولية ما يتعرض له اليمنيون يقع على عاتق الحوثيين، واستدرك قائلا: "إلا أن عائلة صالح تتساوى معهم مناصفة في الذنب".

- الرد على طارق صالح

وجاءت تغريدات فيرستاين ردا على ما تضمنه خطاب لطارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي صالح، الذي ألقاه في العاصمة المؤقتة عدن، وفيه تحدث عن استعداداته لقيادة معركة ما بعد الحديدة وتحرير العاصمة صنعاء من الحوثيين، كما أشاد في خطابه بالمقاومة الشعبية ضد الحوثيين، وخص عدن وتعز بالاسم، رغم أنه كان حينها أبرز المشاركين في قصف المدينتين وإحداث الدمار وسفك الدماء فيهما أثناء تحالف عائلة صالح مع الحوثيين.

وعقب تغريدته المذكورة، خاض فايرستاين نقاشات وردود مع عدد أنصار الرئيس الراحل علي صالح وعائلته، وشارك في النقاش أيضا عدد من الباحثين الدوليين، وأكد في أحد ردوده أن "علي عبد الله صالح شرع في التآمر على الانتقال السياسي منذ اليوم الأول على خروجه من القصر الرئاسي"، وأضاف: "وبغض النظر عما حدث بعد ذلك، فإن الدماء التي تسال جراء هذه الحرب تقع على عاتق أسرة صالح".

وفي رد على تعليق لأحد الباحثين الغربيين، حول من بدأ الحرب في اليمن، قال فايرستاين إن "الحوثيين هم من تنصلوا مباشرة عن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في سبتمبر 2014"، وأضاف "ولم يكن هناك اتفاق على مفاوضات أخرى، قبل أن يمتطي الحوثيون انقلابهم مع صالح وبدؤوا الحرب".

وتكتسب تصريحات السفير الأمريكي السابق لدى اليمن جيرالد فيرستاين أهمية خاصة، كونه كان قد عمل سفيرا لواشنطن لدى اليمن خلال الفترة من 2010 وحتى 2013، حيث عايش أحداث الثورة الشعبية السلمية ضد نظام علي صالح عام 2011، كما كان على رأس قائمة سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، الذين أشرفوا على الأجزاء الأولية الهامة للانتقال السياسي في اليمن بموجب المبادرة الخليجية.

وعقب انتهاء فترة عمله الدبلوماسي في اليمن، انتقل فايرستاين للعمل في وزارة الخارجية الأمريكية في منصب وكيل وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال الفترة من 2013 وحتى 2016، وبعدها تقاعد عن العمل الدبلوماسي وانتقل للعمل البحثي كرئيس لمركز شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، علما بأن مراكز البحوث والدراسات هي من ترسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية.

- مناهضة إيران

وإذا كان السفير الأمريكي السابق لدى اليمن جيرالد فايرستاين قد اتهم الرئيس الراحل علي صالح وعائلته ومواليه بالمسؤولية عن الصراع والدماء التي تسفك في اليمن مناصفة مع الحوثيين، فإن السفير الحالي ماثيو تولر لم يغفل الدور الإيراني في الأزمة اليمنية من خلال دعم طهران لمليشيات الحوثيين، جاء ذلك في عدة لقاءات أجراها مع مسؤولين وسياسيين يمنيين، من بينهم رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، الذي التقاه السفير الأمريكي الحالي لدى اليمن في الرياض، وقال خلال اللقاء إن التدخلات الإيرانية في اليمن تشكل خطراً على الأمن العربي والإقليمي والدولي، وأكد على دعم بلاده للحكومة الشرعية والتعاون معها في مكافحة الإرهاب وإنهاء الانقلاب.

وينبع موقف السفير الأمريكي الحالي لدى اليمن من إيران من الموقف الرسمي لحكومة بلاده في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي اتخذ مواقف متشددة إزاء إيران لدرجة إلغاء الاتفاق النووي معها، على العكس من سلفه باراك أوباما الذي كان متساهلا مع إيران ومشروعها التخريبي في المنطقة.

كما أن مسألة مكافحة الإرهاب في اليمن والمنطقة العربية تشغل حيزا كبيرا في اهتمامات المسؤولين الأمريكيين وتعاملهم مع مختلف ملفات المنطقة، بل فملف الإرهاب يتصدر في كثير من الأحيان كل الملفات الأخرى.

وهنا تحضر الذكرى المريرة لدى المسؤولين الأمريكان إزاء الرئيس الراحل علي صالح، الذي استثمر ملف الإرهاب لابتزاز الولايات المتحدة ودول الجوار، للحصول على دعم بالمال والسلاح والخبراء والمدربين العسكريين بغرض تدريب وحدات عسكرية لمكافحة الإرهاب، والغرض من تشكيل هذه الوحدات هو أن تكون رافدا للجيش العائلي والطائفي لحماية سلطة صالح، وهو الجيش الذي اندمج سريعا في مليشيات الحوثيين وأصبح يشكل خطرا على اليمن ودول الجوار وطريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب.

وتسبب تلاعب علي صالح بملف الإرهاب بأن جعل من البلاد مرتعا للجماعات الإرهابية، لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية صنفت تنظيم القاعدة في اليمن، في أواخر سنوات حكم علي صالح، بأنه أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم. ولذا، ربما تتزايد المخاوف الأمريكية من عودة عائلة علي صالح للسلطة، خشية من جعل البلاد مرتعا للجماعات الإرهابية بغرض استمرار سياسة استثمار الإرهاب لابتزاز الدول الأخرى، كما كان يفعل الرئيس الراحل علي صالح.

- الالتزام بحماية الحلفاء

ويزداد الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية وضوحا من خلال المواقف العملية من الأزمة، والنابعة من التزام الولايات المتحدة بحماية أمن حلفائها الإقليميين.
وكان مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد قد أكد، في أبريل الماضي، أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن هي محاربة تنظيم داعش الإرهابي والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتصدي للنشاطات الإيرانية، وخفض مستوى معاناة الشعب اليمني.

وقال ساترفيلد -في شهادته أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الأمريكي- إن واشنطن تؤمن بأن الحل الوحيد هو التوصل إلى تسوية متفاوض عليها تحت رعاية الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الدعم الإيراني للحوثيين وتزويدهم بالصواريخ الباليستية المتطورة يؤجج النزاع والمعاناة الإنسانية ويعزز من الطموحات الإيرانية الإقليمية.

وأضاف ساترفيلد أن الدعم العسكري الأمريكي لقوات التحالف يهدف إلى تعزيز قدرات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للدفاع عن نفسيهما في وجه التهديدات الإيرانية والحوثية المتنامية، وتوسيع قدرات شركاء الولايات المتحدة الخليجيين في التصدي للأعمال الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

- تناقض السياسات والمصالح

ورغم الدعم الأمريكي المقدم للتحالف العربي في الحرب ضد مليشيات الحوثيين، والموقف الداعم للسلطة اليمنية الشرعية، إلا أن اللافت في الأمر هو رفض الإدارة الأمريكية تصنيف مليشيات الحوثيين كمنظمة أو جماعة إرهابية، رغم المطالب المتكررة بخصوص ذلك منذ حروب صعدة الست في أواخر عهد الرئيس الراحل علي صالح وحتى ما بعد الانقلاب على السلطة الشرعية، وأيضا رغم تصنيف بعض دول التحالف العربي لها كجماعة إرهابية.

وازداد الغضب الشعبي في اليمن بعد مبادرة وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري لحل الأزمة اليمنية سلميا، وكان أبرز ما تضمنته مبادرته إشراك الحوثيين في السلطة كأقلية، فأثار ذلك الغضب الشعبي كون المبادرة تتنافى مع الديمقراطية التي ينشدها معظم الشعب اليمني وتتناقض مع حرية اختيار الشعب لحكامه، وتؤسس لطائفية سياسية لن تدع اليمن والمنطقة تنعم بالأمن والاستقرار.

وفي خضم الدعم الأمريكي العلني للتحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية ضد مليشيات الحوثيين، وما يتردد من اتهامات لأمريكا ودول غربية بعرقلة الحسم العسكري ضد الحوثيين، صُدر بيان عن البيت الأبيض الأمريكي تعليقا على أحداث ديمسبر 2017 الماضي في العاصمة صنعاء، والتي انتهت بقتل الحوثيين لحليفهم علي صالح، وفي البيان نددت أمريكا بقمع مليشيات الحوثيين للمعارضين السياسيين بما في ذلك قتل الرئيس السابق صالح.

وأضاف البيت الأبيض في بيانه أن المفاوضات السياسية ضرورية لإنهاء الصراع اليمني وإخلاء البلاد من "النفوذ الخبيث للمليشيات المدعومة من إيران"، على حد تعبيره.

وأخيرا، لا يخفى على أي مراقب للسياسة الخارجية الأمريكية بأن هناك بعض التناقض، وهذا التناقض يعود إلى المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بأزمات منطقة الشرق الأوسط.