الخميس 28-03-2024 18:56:26 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الهادوية.. تاريخ من تكفير الخصوم واستباحة أموالهم..!

الثلاثاء 24 يوليو-تموز 2018 الساعة 02 مساءً / الإصلاح نت/خاص ثابت الأحمدي

 

المتأملُ في مَسيرة التكفير والتفسِيق في التَّارِيْخ الإسْلامي، يجدها ابتدأتْ بصورةٍ واضحة لدى الخوارجِ الذين قالوا بكفر مُرتكب الكبيرة، وتنامى بصورة أكثر عند من عُرفوا بحنابلة بغداد في العَصر العبَّاسي، وخاضُوا جَدلا كبيرا بهذا مع خُصومهم. ثم خَفت هَذا الصَّوت فجأة وبقي حَالات فردية من بعض الفُقهاء المتطرفين، خِلال القُرون التالية لهم.
لقد كفَّرت الهادويةُ الآخرين أفرادًا وجماعاتٍ بصورة لا نظيرَ لها لدى كل الجَمَاعاتِ الإسْلامية. والهَادَوِيَّةَ لا تبديع عندها ولا تفسيق بل التكفيرُ لديها أولا وثانيا وثالثا! ذلك لأن الهَادَوِيَّةَ الفقهيَّة هِي توأم الهَادَوِيَّةِ السِّيَاسِيَّة من لحظة الميْلاد، توأمان لا يفترقان، خِلافا لبقيَّة الفِرق الإسْلاميَّة الأخرى، سواء ما لحق منها بقصور الحُكم، أو اتخذ منها موقفا، فليس بينها وبين السُّلطة كل ذلك التلازم الوثيق والتوأمة المقدسَة، كما هو الشَّأن بالنسبة للهادويَّة، ولذا تجد بعضًا من أدبيَّات الفقه السُّني تحذرُ العُلماء من مخالطة الحكام والأمراء، وتدعو للابتعاد عنهم، وعَدم زيارتهم أو الاحتكاك بهم، لأن ذلك يُنقص من عَدالة العَالم أو الفقيه، في الوقت الذي لا نكاد نجد ذلك في أدبيات الفقه الهَادوي؛ لأن الهَادَوِيَّةَ هِي الفقهُ وهِي السِّيَاسَةُ معا!
يذكر علي بن محمد العلوي، صَاحِبُ سِيرة الإمَام الهَادي، وابنُ عمه عن الهَادي أنه سَمعه يوما يقول: "والله لو كان معي ثلاثمئة وثلاثة عشر مؤمنا، لا، بل لو كان معي خمسمئةٍ لدُسْتُ بها اليَمَن". وأيضا: "لو كان معي ألفا راجلٍ وخمسمئة فَارس مؤمنين صَابرين لدوختُ بهم عامَّة النَّاس". "سيرة الإمام الهادي، ص: 50".
مضيفا: "هذا دينُنا ونِحلتُنا، والطيبون من آل محمد قادتُنا، فمن وافقَنا على هَذا فهو وليُّنا، ومن خالفَنا فهو عدونا، والله وليُّ المؤمنين وعدو الفاسِقين". "نفسه، ص: 50".
يقول الإمام الهادي شعرا، مخاطبا اليمنيين:
وقلتُ ألا احقنوا عني دماكم وإلا تحقنوها لا أبالي
وحلَّت لي دماؤكم بحقٍ وإخرابِ السَّوافل والعَوالي
وقطع الزرع واستوجبتموه بما قد كان حالا بعد حال
فقمتُ عليكم حقًا وقولي بذلك قد يصدقه فعالي
وقد كنتم زمانا في فَسَاد وإدغال وخدع واحتيال
وقلتم إنه يخفى علينا فقد ذقتم به شر الوبال
وإن صرتم إلى محمود حُكمي وصيَّرتم بغيركم اشتغالي
سلمتم من صُروف سجال حربي وما زلل الحروب بمستقال
أنا الموتُ الذي لا بد منه على من رام خدعي واغتيالي.

وقد مضى جلُّ وقته منذ بايعه اليَمَنيُّون محاربًا لهم ببعضهم، وبجنوده الذين جاءوا معه من الرَّس، مُستغلا جهلَ الأتبْاع وإخْلاصهم له ولفكرته الجَديدة، القَائِمَةِ عَلى أسَاسٍ ديني حد توهمهم. فقاتل بهؤلاء الأتباع آل الدعام وهمدان وأرحب وخيوان ونجران وشِبام وآل يعفر وبني الحارث وتهامة وغيرهم..
وإلى جانبِ تكفيرهم فقد اسْتحلَّ أموالَهم وأعراضَهم وهِي نتيجةٌ طبيعيَّةٌ للتكفير، وفقًا لأدبيَّات الفقه التقليدي، أو بالأصَح الفقه الحربي الذي أسَّسه فُقهاء "ساديون" لا عَلاقة له بالإسْلام، ولا بمقاصده العَامَّة، وأخلاقيات الرَّسُول ـ صلى الله عليه وسَلم ـ وأصْحابه والفاتحين المسلمين؛
يروي ابنُ عمه وكاتب سِيرته قصة قتاله لبني الحارث، فيقول: ".. ثم انصرفَ إلى القريَة في آخرِ النهار، فأمر بالقتلى فجُمعت، ثم أمر بتعليقها في الشَّجر، فعُلّقت منكّسَة، في كل شَجرة جماعةٌ، مؤزرين بالخِرق والشِّمال، وأقام بالقرية ثلاثةَ أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتنا شَديدا، حتى لم يقدر أحدٌ على أن يأكل لحمًا، فأتتْ بنو الحارث إلى الهَادي إلى الحق، فقبّلوا رأسَه ورجليْه ويديه، وسَألوه أن يهَبَ لهم جيفَ إخْوانهم، فيدفنوها في البئار والحُفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجَابهم، وذكَّرهم بما كان قَال لهم، فطُرحت الجيفُ في بئار خراب، وحُفرٍ كانت خارجًا من القَرية"!! "سيرة الهادي 173".

أما آل طريف، فقد ألقى بكبار رجالهم ورؤسائهم في السِّجن بعدما دعاهم إليه، وكبَّلهم بالأغْلال، وأخذَ سِلاحَهم ودوابهم، ففرقها بين الطبريين! نفسه 210.
وللقارئ أن يتخيل كل هَذِه الوحشيَّة والدمار والخراب والقتل، المترتبة أصلا على التكفير.
وكما كفر الهادي يحيى حسين اليمنيين كفرهم أيضا الإمام أحمد بن سليمان من بعده، حيث قال في معرض حديثه عن قتالهم، ومبررا ذلك بجده الهادي من قبل: ".. وكذلك الهَادي إلى الحَق ـ عليه السلام ـ لما قَام دخلَ اليَمَنَ وهُم مطبقون على الجبْر والكفرِ، فاسْتعان ببعضهم على مُحاربة البَعض الآخر..". سيرة الإمام أحمد بن سليمان، ص: 300. منشدا:
وخرَّبت أسْواقا لهم وصِياصيًا وأغنيت مِن أموالهم جُلَّ أعْواني
وفي عهد حُكم بيت شرف الدين، وتحديدا في عَهد المؤسس الأول لها المتوكل يحيى شرف الدين، أقدم قائد قواته، ابنه المطهر بن شَرف الدين على تكفير خصومه، ومن ثم ارتكاب المجازر المروعة، حيثُ قَطع الأيدي والأرجل من خِلاف، وقتل الأسْرى، كما فعل مع أسْرى بِلاد عنس وخولان؛ بل لقد خالفَ أحكامَ الشَّريعة والأعراف السَّائدة، حين أقدم على قطع أيدي وأقدام ثمانين رهيْنة كانت تحت تصرفه بسجن القلعة، عقب انتفاضَة قبائل خولان ضده، من الأطفال المودعين لديه رهائن!
وكذا فعل مع قبائل من سحار وعمار ويام وعبيدة ووادعة في واحدة من أشْهر وقعاته الحربية معهم؛ حيثُ قتل منهم في معركةٍ واحدة ألف مقاتل، وأسَر ستمئة أسير، ثم أمر المطهر بالأسَارى، فضُربت رقابُهم عن آخرِهم. انظر: اللطائف السنية في أخبار الممالك اليمنية، محمد بن إسماعيل الكبسي، 154.

وذات الأمر جرى في معاركه مع الطاهريين، سنة 941هـ، حين واجه جيوشَهم بقيادة الشَّريف يحيى السراجي، حيثُ "أُسر السراجي، ثم ضُربت عنقُه، وقيل تم ذبحُه ذبحًا "وكان عَدد القتلى من جيش عامر ثلاثمائة، والأسرى ألفان وثلاثمئة، وكان المطهرُ راكبا بغلته ورجاله يأتون إليه بالأسْرى أفواجًا، فيأمر بذبح كل زمرة لوحدها حتى غطى الدم حوافر بغلته، وبذلك بلغ عدد القتلى ألفا وثلاثمئة، وعند الانتهاء من عمليَّة القتل الجماعي أمر بأن يحمل كلُّ أسِيرٍ رأسَ قتيل من رفاقه، وأشار بأن يسيروا حفاة الأقدام إلى صَنعاء، إلى مقر والده الإمَام يحيى شَرف الدين، فوصل الموكبُ في العشر الوسْطى من جماد الأولى من السَّنة المذكورة، وكان لوصولهم صَنعاء موقع عظيم، فطاف الأسْرى بالشَّوارع والأزقة حاملين رؤوس زملائهم، ثم أمر الإمَام بأن يتوجهوا بتلك الحالة إلى صَعدة، أما الشَّريف يحيى السراجي الذي وقع أسيرا فقد أمر المطهرُ بذبحه.." اللطائف السنية، 158.
ومن أبشعِ ما تم ارتكابُه وانتهاكه بحق الآخر، ما ذكره العلامة المقبلي في "العَلم الشَّامخ" وهو يتحدث عن ملوك الهَادَوِيَّة " أنَّ بعضَ أئمتهم اسْتولى على بلدِ إمَامٍ آخر، مُعارضٍ له، فاجتمعَ مع عُلماء دولته، وحَكموا ببطلان عقد الإمَامِ المغلوب على زوجتِه، لأنَّ شُهودَ العقد فَسَقة، لبغيهم على الإمام، أو لغير ذلك، ثم تزوج بزوجته تلك..." العلم الشامخ 233.
وقد أصبحتْ تلك الأعمال ـ على بَشاعتها ـ أنموذجًا يَقتدي بها الخلفُ عن السَّلَف، وحجةً لمن لا حُجَّة له، وكلهم بلا حُجج، وأية حُجة لمن يستحل دماء النَّاسِ وأمْوالهم وأعْراضِهم؟!
فهذا الإمَامُ القاسم بن محمد بن علي ـ مؤسسُ الدَّولَة القاسميَّة ـ يستشهدُ بما فعله أجدادُه الأوائل حين لَامَه بعضُ النَّاس على ما ارتكبه بحق مواطني عَصره، قائلا: "..فإن الإمَام إبراهيم بن موسى بن جعفر أخرب سد الخانق بصعدة، وكان يسقي لطائفة من الناس.. وكذلك الهَادي ـ عليه السلام ـ قطعَ أعنابَ أملح ونخيلَها من بِلاد شاكر، وفيهم مثل ما ذكرت. وكذلك ـ أيضًاـ قطع أعناب حقل صَعْدَة بوادي علان ونخيل بني الحارث بنجران، وولده ـ الناصر عليه السَّلام ـ أخرب أرض قُدَم كلها، ولم يسْأل عن بيت يتيم ولا أرملة ولا ضعيف. وفي سيرة الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ــ عليه السَّلام ــ أنه أخربَ العادية من بِلاد ظُليمة، وأشْياء مذكورة. وكذلك الإمَام المتوكل على الله أحمد بن سُليمان ـ عليه السَّلام ـ أخرب صَعْدَة القديمَة، وغيرهم من سَائر الأئمَّة عليهم السلام. والإمام المنصور بالله ـ عليه السَّلام ـ نصَّ على ذلك نصًا، وإمامُنا الإمَام الناصر لدين الله ضرب قرية في الكرش يقال لها الجند والعصرة في بني محمد وعزان بني أسعد وماهر في بِلاد المداير، ولم يسْألوا عن بيت يتيم ولا أرملة، واحتج الإمَام الحسن ـ عليه السَّلام ـ على ذلك بقوله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" وهِي حجة الأئمَّة عليهم السَّلام..". انظر: النبذة المشيرة إلى جمل من عيون السيرة 21.

وإلى جانب هَؤلاء فقد كفَّر الإمَامُ القاسمُ الصوفيَّةَ واسْتحلَّ دماءهم، كما ورد في واحدة من رسائله، يقول عنهم، محرضا النَّاس عليهم: ".. فالواجبُ على المُسلِميْن اسْتباحة دمائهم وأموالهم؛ لأنهم كُفار مُشركون؛ بل شركهم أعْظم وأكثر؛ لأن المشركين الذين كان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يجاهدهم يقرون بالله ويجعلون له شُركاء وهِي الأصْنام، وهؤلاء لم يجعلوا إلههم إلا الحِسَان من النِّسَاء والمُردان.."، النبذة المشيرة ص: 31.
وتذكر المصَادر التَّارِيْخِيَّةُ أن الإمَامَ المهدي صَاحِب المواهبِ قد كفَّر قبائل يافع ورئيسها ابن العفيف، وحين تم الصُّلح بينهما اشتمل أحدُ بنوده على شَرط عدم مناداة الإمَامِ لابن العفيف بقوله: يا كافِر. انظر: ـ اليمن في ظل حكم الإمَام المهدي، المعروف بصاحب المواهب، محمد علي دبي الشهاري، مكتبة الجيل الجديد، 2009م، 171.كما كتبَ الإمَامُ القاسمُ كتابا إلى أحد عُمّاله في حجَّة، وفيه: "وكذا إذا تفضَّلتم أن تتقدموا إلى حَجور وتخربوا بيت ابن عرجاش، وتنهبوا ماله، وتأخذوه خَاسِئا حَسيرا ذليلا، خاسِرا في الدنيا والآخرة، وأنتم تقدرون على ذلك". انظر: ابن الأمير وعصره ص: 32.


وكما كفَّر الهَادي خصومَه السِّياسِيين، فقد فعل كذلك الإمَامُ أحمد بن سليمان؛ حيثُ كفر المطرفيَّة، خصومَه السِّياسِيين، وألف فيهم كتابين، هما: الرسالة الهاشمة لأنف الضلال من مَذهَب المطرفيَّة الجهال. وأيضا: الرسَالةَ الواضحةَ الصَّادقة في تبيين ارتداد الفرقة المارقة المطرفيَّة الطبعيَّة الزنادقَة.
وكذلك فعل الإمَامُ عبدالله بن حمزة، الملقب بالمنصور؛ إذ كفّرَ المطرفيَّة في واحدةٍ من رسَائله إلى عامَّةِ الناسِ، قُرئتْ في المجامع والأسْواق. وقَدْ ترتب على تكفير المطرفيَّة ملاحقةُ أتباع المنصور لهم، حتى لم يعد بوسعهم الدخول إلى الأسْواق العَامَّة إلا بذمة أو جوار من غيرهم! بل لقد تمتْ مُصَادرة أموال أهْل هجرة "قاعة" لهذا السبب! كما تم هدم مسجد المطرفيَّة في سناع ووقش، وتخريب بيوتها، وطرد أهلها، وقَدْ قَال بعد أن تمكن من القضاء عليهم: "أريد أن أجْعلها سُنَّة باقيَة يعملُ بها من قَام ودعَا من أهْل البيت فيما بعد". انظر السيرة المنصورية لابن دعثم 863/1.

وقد ألف بعد ذلك رسَالَةً أسْماها: "الرسَالة الموسُومة بالدرة اليتيمة في أحْكام السِّباء والغنيمة" ومما جاء فيها، مشيرًا إلى المطرفيَّة: ".. وكتبنا إلى أشرافهم الذين اقتدوا بهم في الكفر، وتابعوهم في الغي، بأنكم إن تماديتم في مُشَايعة القوم وأظهرنا الله عليكم أنا نسفك دماءكم، ونسبي ذراريكم، وإن قربُت أنسابُكم منا، فإن أقربَ النَّاس منا وأبعدهم في الحَق سَواء عندنا. قالوا: تسبي بناتِ الهادي؟ قلنا نسبيهن لكفر أهلهن، وحرمة إبراهيم وإسْحاق ويعقوب وهارون بالنبوة أعظم من حُرمة الهَادي بالإمامَة؛ فلما كفر أبناء هَؤلاء الأنبياء ـ عَليهم السَّلام ـ حلَّ لنا سبيُ ذراريهم ونسِائهم، وإبراهيم خليل الرحمن جدنا، والأنبياء الذين ذكرناهم وولدهم أعْمامنا".
مضيفًا أيضًا: "ثم إني لما قرأتُ كتابَ الله تعالى مُتأملا، وجعلته لي شغلا؛ لأنه حياة القلوب، وشفاء الكروب، وجدتهم قد كذّبوا منه، وردوا سَبعًا وثلاثين وأربعمائة آيةٍ محكمةٍ لا تحتملُ التأويل.. فأمَّا كلام رسُول الله، وكلامُ الأئمَّةِ من ولده فهم له رادون، وعنه صَادرون، وإنما الأصلُ كلامُ الله، فإنْ صَدَّقوا صدَّقوا ما بعده، فهو فرعٌ عليه، وإنْ ردوه طاب الجِلاد، وتعين فرضُ الجهاد، غزوناهم كما يُغزى الكفار، وأوقدنا النَّار إزاء النار، فإن ظهرنا عليهم بنصر الله قتلنا المقاتلة، وسَبينا الذريَّة، وبعنا النِّسَاء والعيَال، كما يُفعل بالمشركين". ابن دعثم، 119.

وكفَّر الإمَام المتوكل على الله إسماعيل الشَّافعيين، وعُموم أهل اليَمَنِ الأسْفَل، متهمًا إياهم بأنهم "مجبرة" و "مشبهة" وكفارُ تأويل، وأن حربَهم مشروعةٌ، فشنَّ حُروبًا مُتوالية على عدن ولحج وأبين وتعز وما جاورها بقبائل من الشمال، سَلبوا منهم أموالهم تحتَ حُجة الجِهَاد في سَبيل الله؛ لأن أرضَ هَؤلاء هِي أرضٌ "خراجيَّة" و"دارُ حرب" كل ما فيها غنائمُ للمسلمين، وللإمام حقُ التصرف فيها، وقَدْ قَال في ذلك: ".. إن مَذهَبَ أهْل العدل ـ زاد الله فيهم ـ أن المجبرةَ والمشبِّهةَ كفارٌ، وأن الكفارَ إذا استولوا على أرض ملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين وأهل العدل، وأنَّه يدخل في حكمهم من والاهم واعتزى إليه، ولو كان مُعتقده يخالف مُعتقدهم. وأن البلدَ الذي تظهر فيه كلمةُ الكفرِ تصيرُ جوار كفريَّة، ولو سَكنها من لا يعتقد الكفرَ ولا يقول بمقالة أهْله. هَذِه أصُولٌ معلومةٌ عندنا بأدلتها القطعيَّة، ومدونةٌ في كتب أئمتِنا، وسَلفِنا، رضوانُ الله علينا وعليهم، لا ينكرُ ذلك عنهم أحدٌ ممن له أدنى بصيرةٍ ومعرفةٍ بمصَنفاتهم". هجر العلم، الأكوع 1075/2.
قال العلامة المجتهد الشَّيْخ صالح المقبلي، وهو بصدد الحديث عن فترة أئمة عَصره من القاسِميين: "..قالوا قد كانت الكلمةُ للجبر والتشبيه، وهما كفرٌ. فالدَّار دارُ كفرٍ اسْتفتحناها بسُيوفنا، فنصنع ما شِئنا، كخيبرَ ونحوها، حتى روى لي من لا أتهمُه أن رجلا، هو أفضلهم وصَّى عاملَهم أن يتحيَّلَ في الأخذ إلى قدر النصف، كأنها معاملة؛ ولكن على وجه لا يُنفِّر. وكان الوالي على اليَمَنِ الأسْفَل، تعز وإب وجبلة وحيس وسائر تهامة يقول لهم فيما يبلغنا إذا شَكوا الجور: لا يؤاخذني الله إلا فيما أبقيت لكم"! العلم الشامخ، للمقبلي، 270.
وفي هَذا قَال الأستاذ أحمد محمد النعمان: "وبالعقليَّة والنفسيَّة الشيعيَّة أُديرت الأمورُ، وأُقيمت العَلاقات بين الحاكمين والمحكومين، وكان الطَّابع الديني هو الغالبُ على كل التَّصرفات والتَّحركات، وكان القبيلي المجنَّد تحت لواء الإمَامِ، والذي قدِم من شَمال صَنعاء إلى سُهول تهامة وإب وتعز والبيضاء لا يُسمى جُنديا؛ بل مجاهدًا في سَبيل الله، وعلى هَذا الأسَاس أبيحَ له أن يسكنَ في مساكنِ الأهالي بالقُوة حتى لو أدى الأمر ـ وكثيرًا ما كان يُؤدي ـ إلى إخْراج رب المسكن ليحتله "المجاهدُ في سَبيل الله"!!، ويفرض على الزوجةِ أن تتولى خدمتَه وإطعامَه ما يختار من طعام". أنظر: الفكر والموقف محمد أحمد نعمان، 335.

الحوثي.. الجرو الذي فاق في النبح أباه
يذكرنا الحوثي ببيت شعر للمتنبي، ضربه مثلا في حالة ذهاب سيئ ومجيء أسوأ:
مات في البرية كلب فاسترحنا من عواه
أنجب الملعون جروا فاق في النبح أباه
في الواقع لم يكن الحوثي إلا حلقة واحدة من حلقات السلسلة الإمامية الكهنوتية الطويلة، فكرا وسلوكا وثقافة، جميعهم يستمدون مزعوم حقهم الإلهي من السماء حد زعمهم. ولهذا يستبيحون الدماء والأموال والأعراض؛ لأن الإمام ــ وفقا للنظرية الهادوية ــ إذا خرج شاهرا سيفه داعيا لنفسه، فعلى الناس الاستجابة له، ومن اعترض فالقتل مصيره، وبالتالي فما يجري اليوم من تقتيل وهدم ونهب وسلب، هو من منطلق العقيدة الدينية التي "يتدين" بها هؤلاء، ومن منطلق الحفاظ علة الحق السماوي في الحكم. فكل اليمنيين ــ في نظرهم ــ بغاة وكفرة وخارجون، حتى يؤمنوا بإمامهم "فتى الكهف".!
لهذا كان خروج حسين بدر الدين الحوثي على الدولة وتمرده عليها في العام 2004م، كما كان أيضا التمرد الذي قاده أخوه عبدالملك الحوثي من بعده ولا يزال.
وجميعهم كفروا اليمنيين، ومن يقرأ "ملازم" حسين الحوثي يجدها طافحة بالتكفير والتخوين لكل من خالفهم، أما فتاواهم التكفيرية التي تلاحقت بعد ذلك من قبل كثير من فقهائهم فهي أكثر من أن تعد أو تحصى، كفتاوى المفتي العام لهم شمس الدين شرف الدين التي قرر فيها أن "من يخالف توجيهات زعيم الجماعة، عبدالملك، أو يخرج عليه وعلى ميليشياته، يعتبر كافرا وقتله مباح". وأيضا فتاوى وزير العدل في حكومة الانقلاب أحمد عبدالله عقبات ــ وهو أحد كرادلة الجماعة ــ الذي قال في لقاء تلفزيوني بثته قناة المسيرة التابعة للجماعة: "من الحكمة أن نكون أقوياء أشداء على الكفار وأن نواجههم في كل مكان، سواء في جبهات ما حول صنعاء، أو جبهات الساحل، أو في الشرق أو في الغرب".
وأصدر أحد مرجعياتهم الكبار وهو محمد محمد المطاع فتوى مفادها أن الرئيس هادي ــ الرئيس الشرعي لليمن ــ وأتباعه من الكفار أصحاب الجحيم، وأنهم خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم.! مضيفا: أن على التجار أن يٌخرجوا الأموال، ويدعموا الجبهات.

كلمات دالّة

#الهادوية #التكفير