الثلاثاء 19-03-2024 10:32:23 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

إعلان الحشد الشعبي دعمه للحوثيين.. دلالات وتداعيات

السبت 14 يوليو-تموز 2018 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد السلام قائد

  

يبدو أن المد الطائفي الشيعي الذي ترعاه وتغذيه إيران في المنطقة لن يقف عند حد، خاصة بعد إعلان إحدى فصائل مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية، وتدعى "ﻛﺘﺎﺋﺐ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ"، ﻋﻦ ﺗﻄﻮﻋﻬﺎ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ مليشيات الحوثيين في اليمن.

ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺋﺐ "ﺃﺑﻮ ﻭﻻﺀ ﺍﻟﻮﻻﺋﻲ" ﻓﻲ ﻣﻘﻄﻊ ﻓﻴﺪﻳﻮ ﻧﺸﺮ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ قبل أيام: "ﺃﻋﻠﻦ ﺗﻄﻮﻋﻲ ﺟﻨﺪﻳﺎ ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻳﻘﻒ ﺭﻫﻦ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ"، ﻭﺃﺿﺎﻑ ﺍﻟﻮﻻﺋﻲ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺏ ﻭﺟﻬﻪ ﻟﻠﺤﻮﺛﻲ: "ﻭﺟﻪ ﻟﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻳﺪ ﻭﺃﻧّﻰ ﺗﺮﻳﺪ، ﻓﺄﻧﺎ ﺭﻫﻦ ﺇﺷﺎﺭﺗﻜﻢ".

ولا يمكن القول بأن تصريح القيادي الشيعي المذكور للاستهلاك الإعلامي فقط، فالوقائع على الأرض تثبت التحالف القوى بين مختلف الفصائل الشيعية المتواجدة في بعض بلدان العالم العربي والعالم الإسلامي، وتعاونها فيما بينها عندما توشك إحداها على تلقي هزيمة عسكرية كبيرة، كما هو الحال في التفافها حول بشار الأسد وطائفته العلوية في سوريا، واحتمال سعيها للقتال إلى جانب مليشيات الحوثيين، بعد تكبدها خسائر مادية وبشرية كبيرة في مختلف الجبهات، وإمكانية طردها من محافظة الحديدة ومن ثم بقية المحافظات اليمنية.

 
  • تعاون متجدد
 

ليست علاقة التعاون والتنسيق بين مليشيات الحوثيين في اليمن ومليشيات الحشد الشعبي العراقية وليدة اللحظة، ولكنها بدأت منذ سنوات، خاصة بعد انقلاب مليشيات الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن، بالتحالف مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

بدأت هذه العلاقة بزيارات قام بها بعض قيادات مليشيات الحوثيين إلى العراق، التقوا خلالها بقيادات من مليشيات الحشد الشعبي، وأحيطت بالسرية والغموض.

كما أن بعض فصائل مليشيات الحشد الشعبي سبق أن أعلنت استعدادها لدعم مليشيات الحوثيين، مثل مليشيات "عصائب أهل الحق"، ومليشيات "حركة النجباء"، وبعض هذه المليشيات لم يقتصر تهديدها على اليمن فقط، ولكن هددت بالوصول إلى الرياض، كما هددت باستهداف طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

أما الإعلان الأخير لمليشيات "كتائب سيد الشهداء" التابعة للحشد الشعبي عن استعدادها للقتال إلى جانب مليشيات الحوثيين، فقد جاء بعد أن تكبد الحوثيون خسائر فادحة في معركة تحرير الحديدة، رغم أن المعركة ما زالت في بدايتها.

وجاء هذا الإعلان بعد أن استنجد الحوثيون بهذه المليشيات عن طريق أحد قادتهم المقيمين في العراق، ويدعى محمد القبلي، بحسب وسائل إعلام يمنية، كما أن الإعلان جاء بعد ساعات قليلة من خطاب لعبد الملك الحوثي، دعا فيه مليشياته للصمود في معركة الحديدة، وهو الخطاب الذي فهم منه أن زعيم المليشيات يقر بالهزيمة في المعركة، مما دعاه للظهور وحث مليشياته على الصمود.

ويعد القيادي في مليشيات الحشد الشعبي "ولاء الولائي" ثاني مسؤول في الحشد يعلن استعداد مليشياته لدعم الحوثيين في اليمن، بعد القيادي في مليشيات "عصائب أهل الحق" التابعة للحشد، النائب في البرلمان العراقي حسن سالم.

كما أن تهديدات مليشيات الحشد الشعبي لا تقتصر على اليمن فقط، وإنما طالت أيضا بعض دول الخليج، ويتضح ذلك من تصريح القيادي في الحشد هاشم الحيدري، الذي قال إن "ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﺗﻮﺣﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻭﺍﺣﺪﺓ"، مشيرا إلى أن "ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺼﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﺻﺮ ﺁﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﻦ".

وأضاف في كلمة له في مهرجان جماهيري للفصائل الشيعية في العراق: "إﻥ ﺍﻟﻴﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻘﻞ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﺰﻛﺰﺍﻛﻲ ﻓﻲ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻏﺘﺎﻟﺖ ﺍﻟﻤﺨﻄﻮﻓﻴﻦ ﻣﻦ ﻛﺮﺑﻼﺀ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺼﻔﺖ ﺍﻟﺤﺸﺪ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ".

وكانت مليشيات "حركة النجباء"، التابعة للحشد الشعبي أيضا، قد جددت قبل أشهر دعمها للحوثيين في اليمن. وفي بيان أصدره الأمين العام للحركة أكرم الكعبي، بعد قتل التحالف العربي للقيادي الحوثي صالح الصماد، قال: "ﻧﺠﺪﺩ ﺗﺄﻛﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﺨﻂ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻭﻗﻮﻓﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ".

 
  • مهمة جديدة
 

تؤكد التصريحات الصادرة من قِبَل بعض قيادات مليشيات الحشد الشعبي في العراق، بخصوص استعدادها للقتال إلى جانب الحوثيين في اليمن، بأن مهمة جديدة أوكلت لهذه المليشيات من قبل إيران لإنقاذ مليشيات الحوثيين من هزيمة عسكرية مؤكدة، خاصة في الساحل الغربي لليمن.

وتتزايد التكهنات بصحة ذلك بعد حالة الفراغ التي أصبحت تعيشها هذه المليشيات وغيرها من المليشيات الشيعية في العراق وسوريا، خاصة بعد أن استطاعت قوات بشار الأسد استعادة السيطرة على بعض الأراضي السورية المهمة التي كانت قد سيطرت عليها المعارضة المسلحة، وتمكن التحالف الدولي من هزيمة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، الذي كان تواجده في العراق مبررا لإيران لتشكيل مليشيات الحشد الشعبي وغيرها من المليشيات الشيعية بذريعة محاربة الإرهاب.

وزاد من حالة الفراغ هذه، أن دخول روسيا على خط الأزمة السورية أعطى بشار الأسد دفعة معنوية قوية، كون التدخل العسكري الروسي أنقذ نظام حكمه من هزيمة مؤكدة، كما أن التدخل العسكري الروسي جعل دور المليشيات الشيعية هناك في تراجع مستمر وهامشي، ولهذا، كان لزاما على إيران أن توجه هذه المليشيات للتوجه إلى اليمن وإنقاذ الحوثيين الشيعة من هزيمة مؤكدة.

كما أن حالة التآزر والتعاون بين مختلف المليشيات الشيعية في العالم العربي والإسلامي، تؤكد بأن إعلان بعض فصائل مليشيات الحشد الشعبي استعدادها للقتال إلى جانب الحوثيين في اليمن يعكس العقيدة القتالية ذات البعد الطائفي لهذه المليشيات، بشكل يتجاوز مفهوم المواطنة والولاء للدولة الأم، ويجب على الأطراف المعنية أخذ هذه التهديدات على محمل الجد.

والشواهد العملية على التآزر بين المليشيات الشيعية من مختلف البلدان كثيرة، بحسب التعليمات الصادرة من طهران، التي نجحت في تجميع المليشيات الشيعية الموالية لها من كل البلدان العربية والإسلامية التي تتواجد فيها أقليات شيعية، وإرسالها إلى سوريا والعراق لتنفيذ أبرز المهام المناطة بها هناك.

وكانت سوريا أكثر بلد عربي تجمعت فيه المليشيات الشيعية من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان ومن بلدان أخرى لمؤازرة نظام بشار الأسد وإنقاذه من هزيمة عسكرية مؤكدة، وحتى مليشيات الحوثيين أرسلت مقاتلين من أفرادها إلى سوريا في بداية الحرب هناك لمؤازرة نظام بشار الأسد قبل أن تشعل الحرب الأهلية في اليمن بانقلابها على السلطة الشرعية.

 
  • خطر متزايد
 

لا يمكن لإيران أن تجعل مليشياتها في العراق وسوريا تعيش حالة من الفراغ بعد أن تضاءل دورها العسكري هناك، ولا يمكن لهذه المليشيات أيضا أن تستسلم لهذا الفراغ بسبب نشأتها العسكرية وعقيدتها القتالية ذات النزعة الطائفية، خاصة أن البعد الطائفي لمختلف صراعات المشرق العربي سيجعل دور هذه المليشيات متجددا ومتنقلا من مكان إلى آخر.

وبما أن كفة الصراع في العراق وسوريا تميل لصالح إيران والمحور الشيعي، بل ويبدو أن الأمر سيستقر هناك على هذه الحال، بينما كفة الصراع في اليمن تميل لصالح السلطة اليمنية الشرعية والسعودية والمحور السني، فإن إيران لن تجعل حالة الصراع الطائفي في المنطقة تقف عند هذا الحد.

والواضح من خلال إعلام إيران وتصريحات بعض قيادات مليشياتها أنها تريد نقل مركز الصراع الطائفي من شمال الجزيرة العربية إلى جنوبها، وإكساب الصراع اهتمام عالمي من خلال تهديد أهم طريق للتجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، لكي يمكنها ذلك من مقايضة المجتمع الدولي في ملفات حساسة تهمها، مثل السلاح النووي والنفوذ الإقليمي ومنح الأقليات الشيعية المزيد من المكاسب السياسية، تمهيدا للسيطرة الدائمة على أهم دول المنطقة التي تتواجد فيها ثروات نفطية هائلة.

إن تمدد وانتقال المليشيات الشيعية من العراق وسوريا إلى اليمن لا يعدو كونه مسألة وقت، خاصة بعد أن يتم الحسم العسكري التام للأوضاع هناك، وأمر كهذا في حال حدوثه سيقلب الأوضاع العسكرية والأمنية في المنطقة رأسا على عقب، كون التهديد لن يطال اليمن فقط، وإنما سيطال مختلف دول الخليج وطريق التجارة الدولية ودول القرن الأفريقي، ولا يمكن تجنب ذلك إلا بسرعة القضاء على مليشيات الحوثيين والحسم العسكري التام في اليمن لصالح المحور السني قبل أن يتم الحسم التام لصالح المحور الشيعي في سوريا.

لقد أصبحت المعركة في اليمن مصيرية بالنسبة لإيران أو المحور الشيعي، وعلى ضوء نتيجتها ستعيد إيران ومليشياتها ترتيب أولوياتها في المنطقة، فانتصار أو هزيمة المحور الشيعي ستبدأ من اليمن، فإذا سيطرت إيران ومليشياتها على اليمن فسيكون الهدف التالي السعودية والخليج، وإذا هزمت إيران ومليشياتها في اليمن فإنها ستقتنع بالحفاظ على المكاسب التي حققتها في العراق ولبنان وسوريا، ولذلك، فالضرورة تقتضي سرعة الحسم العسكري في اليمن قبل أن يتعقد الصراع ويطال بلدانا عربية أخرى، وتكون كلفة الحسم باهظة للغاية.