الأربعاء 24-04-2024 03:02:09 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الوحدة اليمنية.. المنجز الوطني الذي أفسده  صالح (قراءة سياسية)

الجمعة 25 مايو 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/   عبد السلام قائد

   

كان الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، بتاريخ 22 مايو 1990، أبرز حدث وطني في تاريخ اليمن المعاصر، كونه جاء استجابة لضغوط جماهير الشعب اليمني التواقة للوحدة شمالا وجنوبا، والتي بدأت منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، وكان من أهداف كل منها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.

 

وبعد الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة، شهدت البلاد مهرجانات واحتفالات شعبية شمالا وجنوبا، وأعلن التجار عن تخفيضات في أسعار مختلف المواد الغذائية، بعد أن استبشر الجميع بأن الوحدة ستكون فاتحة خير ونقطة تحول كبرى في تاريخ اليمن المعاصر. غير أنه بعد مرور 28 عاما على الوحدة، تبدو البلاد ممزقة وفي أسوأ حالات انقسامها وضعفها، بسبب الطعنات الغادرة التي تعرضت لها الوحدة من قبل الرئيس الراحل علي صالح والمتاجرين بالقضية الجنوبية.

 

- من وحّد اليمن؟

 

لم يكن تحقيق الوحدة الوطنية في عام 1990 بالأمر اليسير، وليس صحيحا ما يقال بأن الوحدة حققها علي عبد الله صالح بمفرده أو بالشراكة مع علي سالم البيض، فحلم تحقيق الوحدة الذي تأخر حوالي 28 عاما، منذ ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، كان السبب في تأخيره هم حكام الشطرين بسبب اختلافهم على هوية الدولة الجديدة ونظامها السياسي، فطرف يريدها دولة علمانية اشتراكية تسير في فلك الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي، وطرف يريدها رأسمالية محافظة تسير في فلك الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي ودستورها الإسلام، كانعكاس لحالة الصراع والحرب الباردة التي كانت سائدة حينها بين المعسكرين الشرقي (الاشتراكي) والغربي (الرأسمالي).

 

وقد تسبب الخلاف بين حكام الشطرين حول مسألة الوحدة وشكل الدولة الجديدة في نشوب نزاعات متواصلة زادت من غضب الجماهير التواقة للوحدة، خاصة أنه في ذلك الوقت كان المد القومي العربي وحلم تحقيق الوحدة العربية الشاملة يدغدغ عواطف الجماهير في كل البلدان العربية وليس جماهير شطري اليمن، الذين كانوا يرون بأن الوحدة اليمنية ستكون النواة للوحدة العربية الشاملة.

 

وكلما زادت ضغوط الجماهير على حكام الشطرين لتحقيق الوحدة، زادت معها الخلافات بين قيادات الشطرين حول شكل الدولة الجديدة، لدرجة أن تلك الخلافات تسببت في حربين شطريتين، الأولى في سبتمبر 1972، والثانية في مارس 1979، وكان من أبرز نتائج الحرب الشطرية الأولى أنه تم التوقيع على أول اتفاقية وحدوية بين الشطرين، وهي اتفاقية القاهرة، التي تم التوقيع عليها في 28 أكتوبر 1972، تبعها بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972، الذي بموجبه تم تشكيل لجان فنية مشتركة للإعداد للوحدة، وكان يوجد في كل شطر حقيبة وزارية اسمها "وزارة شؤون الوحدة".

 

وتتابعت بعد ذلك الاتفاقيات الوحدوية بين قيادات الشطرين، إلى أن تم الاتفاق على إعلان الوحدة بتاريخ 14 أكتوبر 1977، ليتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني للجنوب.

 

غير أن القوى الشمالية الرافضة للوحدة اتفقت على اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي قبل الموعد المحدد لإعلان الوحدة بثلاثة أيام، الذي كان يستعد للالتقاء برئيس الجنوب حينها سالم ربيع علي في مدينة قعطبة الحدودية والإعلان عن الوحدة من هناك، لكن حادثة اغتيال الحمدي عرقلت الإعلان عن الوحدة.

 

ثم ازدادت الفجوة بين حكام الشطرين بعد أن اغتال حكام عدن الرئيس الشمالي أحمد الغشمي (خليفة الحمدي) بواسطة حقيبة مفخخة حملها مبعوث دبلوماسي، وكانوا قبل ذلك قد توعدوا بالانتقام والثأر من قتلة الرئيس الحمدي، الذي توطدت علاقته بحكام الجنوب، وكان ليّنًا في مناقشته معهم حول شروط الوحدة وهوية الدولة الجديدة.

 

وحتى اللحظة التي قُتِلَ فيها كل من إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي وسالم ربيع علي، بدت الوحدة اليمنية كحلم بعيد المنال، إلا أن المتغيرات الدولية والمحلية دفعت بحكام الشطرين إلى التسريع بالإعلان عن الوحدة بدون شروط معقدة أو مفاوضات متعثرة وطويلة كما كان سائدا من قبل، حيث رأى كل منهم في الوحدة مهربا من أزماته ومشاكله ومخاوفه من أن يستغل الطامحون بالسلطة حالة الضعف التي كان عليها وينقلبون عليه، وهو ما ينفي منح صكوك تحقيق الوحدة لعلي صالح أو علي البيض، لأن الطرفين هربا إلى الوحدة بسبب مشاكلهما الخاصة.

 

فبالنسبة لحكام الجنوب، فقد تسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، الداعم الرئيسي لنظام عدن، في أزمة اقتصادية خانقة جعلت النظام الجنوبي عاجزا عن تقديم أي خدمة للمواطنين، خاصة أنه كان ما زال منهكا بسبب أحداث 13 يناير 1986 الدامية، بدليل أن الدولة الجنوبية كانت ميزانيتها "صفرا" عشية الإعلان عن الوحدة، ورأى حكام عدن في الوحدة مهربا من أزمتهم الاقتصادية الخانقة، خاصة بعد ظهور النفط في الشمال والبدء في تصديره.

 

وبالنسبة لرئيس الشمال علي عبد الله صالح، فقد كان يرى في الوحدة فرصة لتعزيز سلطته، وذلك بعد أن استشعر ظهور قوى قبلية وعسكرية غير راضية عن أدائه في السلطة، فكان يخشى أن تتآمر عليه وتطيح به من كرسي الحكم، ولذا، فقد هرب إلى الوحدة، واستقدم أقوى الألوية العسكرية الجنوبية إلى صنعاء وذمار وعمران، للاحتماء بها وتعزيز قبضته على السلطة خشية أي انقلاب تدبره قوى قبلية أو عسكرية كان يخشاها.

 

وكل ذلك يعني أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية تم وفقا لعاملين رئيسيين، الأول، أن تحقيق الوحدة في الوقت المناسب كان نتيجة جهود متراكمة بذلها حكام سابقون للشطرين وهيئات رسمية وشعبية وضغوط جماهيرية، ولم يبدأ علي صالح وعلي البيض خطواتهم لتحقيق الوحدة إلا من حيث توقف الأولون، مع الأخذ بالحسبان دور الظروف المحلية والدولية. والثاني، أن تسريع حكام الشطرين بتحقيق الوحدة هروبا من مشاكل وأزمات شخصية، ينفي عنهم صكوك الوحدوية أو احتكار تحقيق الوحدة، بل فقد دنسوها بسبب تلك المشاكل، فهروبهم إليها بسبب مشاكل شخصية جعلهم يدمرونها بسبب المصالح الشخصية أيضا.

 

- من دمر الوحدة؟

 

إذا اقتضى الأمر معرفة من الشخص المسؤول بالتحديد عن تدمير الوحدة اليمنية، فسيكون الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، كون نظام حكمه تسبب في ظهور مظالم اجتماعية في الجنوب، ثم تسبب في ظهور الحراك الانفصالي وتناسله، ثم بإقدامه على التحالف مع الحوثيين والانقلاب على أول رئيس جنوبي لليمن الموحد، عبد ربه منصور هادي، رغم أنه رئيس انتقالي لمدة زمنية محددة.

 

كما أنه دمر الجهود التي بذلها الرئيس عبد ربه هادي خلال المرحلة الانتقالية لتخدير وتفكيك الحراك الانفصالي خلال مدة زمنية قصيرة، بينما هو -أي علي صالح- تسبب في تناسل فصائل الحراك الجنوبي منذ ظهوره عام 2007 وحتى تسليمه السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي عام 2012، وكان حينها الحراك الانفصالي قد وصل ذروته.

 

كل ما سبق ذكره يؤكد أن الرئيس الراحل علي صالح كان المتسبب الرئيسي في حالة التمزق والتفكك التي وصلت إليها البلاد حاليا، فبعد استمرار نظام حكمه 33 عاما، إلا أنه لم يغادر السلطة والحياة إلا بعد أن وظف نفوذه وتسبب في عودة الإمامة والتشطير والتدخل العسكري الأجنبي، بسبب طموحاته السلطوية العائلية وأحقاده الشخصية، وخيانته الكبرى للوطن والثورة والجمهورية والوحدة ونضالات أحرار اليمن وتضحياتهم من أجلها.

 

بدأ التدمير الممنهج للوحدة الوطنية من قبل علي صالح منذ السنوات الأولى لتحقيقها، وذلك عندما بدأ بإقالة بعض المسؤولين المدنيين والعسكريين الجنوبيين من السلطة، واستضاف المقاتلين العائدين من أفغانستان (الأفغان العرب) الذين رفضت بلدانهم استقبالهم، ووظفهم لاغتيال بعض قيادات الحزب الاشتراكي، مستغلا عقيدتهم الجهادية ضد الأيديولوجية الاشتراكية التي اكتسبوها في أفغانستان أثناء قتالهم الاتحاد السوفييتي هناك، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية للأزمة السياسية بين حزبي المؤتمر والاشتراكي، وانتهت بإعلان بعض قادة الحزب الاشتراكي انفصال الجنوب واندلاع حرب صيف 1994 الأهلية.

 

ثم إنه بعد الحرب، وانتصار قوات الوحدة التي ضمت كثير من الألوية العسكرية الجنوبية، أقدم علي صالح على تسريح الغالبية العظمى من جنود وضباط الجيش الجنوبي وغالبية الموظفين المدنيين، كما أنه أقدم على مصادرة كثير من الأراضي الجنوبية بذريعة أنها أراضي للدولة، مستغلا عدم ملكية المواطنين لتلك الأراضي بسبب التأميم الذي كان قائما في الجنوب أثناء حكم الحزب الاشتراكي، إلا أنه بعد ذلك صرفها لمقربين منه، معظمهم من منطقة سنحان وقبائل شمال الشمال، فبنوا فيها الفلل الفخمة والمشاريع التجارية.

 

وعندما بدأ الموظفون المدنيون والعسكريون الجنوبيون، الذين تم تسريحهم بعد حرب صيف 1994 الأهلية، يطالبون بإعادتهم لوظائفهم وتعويضهم، بعد أن ضاق بهم الحال، رفض علي صالح ونظامه الاستجابة لتلك المطالب، فبدأت تظهر جمعيات للمتقاعدين والمسرحين من وظائفهم تنظم المظاهرات والاحتجاجات رافعة مطالب أعضائها، إلا أن علي صالح واجهها بالقمع أحيانا والتجاهل أحيانا أخرى، مما تسبب بانحراف مطالب تلك الجمعيات الحقوقية إلى مطالب سياسية بالانفصال.

 

ورغم خطورة هذا التطور في الاحتجاجات، إلا أن علي صالح واجهها بأسلوب زاد من صب الزيت على النار، فمن جانب، أقدم على دعم بعض الشخصيات لتشكيل فصائل انفصالية، لاعتقاده بأن تفريخ هذه الفصائل سيضعفها. ومن جانب أخرى، أقدم على تشكيل ما أسماها "هيئات الدفاع عن الوحدة" من قبل جنوبيين موالين له، ودفعها للاعتداء على بعض الفصائل وقمع مظاهراتها ووقفاتها الاحتجاجية.

 

- عودة الإمامة والانقلاب

 

ختم علي صالح تاريخه السياسي بالتحالف مع جماعة الحوثيين، التي تمثل امتدادا لنظام حكم الإمامة العنصري والطائفي، الذي اكتوت بناره اليمن لمدة ألف ومائة عام، وسهل للمليشيات الإمامية دخول مدينة عدن وبعض مدن الجنوب، ووجه الجيش الطائفي والقبلي الموالي له (الحرس الجمهوري) بالانخراط ضمن مليشيات الحوثيين، فارتكب الجميع جرائم بشعة في محافظات شمالية وجنوبية، ويكون بذلك قد وجه أقوى طعنة غادرة، ليس للوحدة الوطنية فحسب، ولكن لكل المكتسبات الوطنية التي ناضل من أجلها أحرار اليمن، كالثورة على الإمامة والنظام الجمهوري الديمقراطي التعددي، وأخيرا الوحدة الوطنية.

 

وخلال مسيرته في تدمير الوحدة، ظل علي صالح يتشدق بالوحدة والحرية والديمقراطية، كما أن الإعلام الرسمي ظل يروج لمقولة بأن علي صالح هو من حقق الوحدة وهو من حافظ عليها، وتجاهل جهود من سبقوه لتحقيق الوحدة التي جاءت إليه على طبق من ذهب، كما تناسى أن سياساته الفاشلة هي التي أعادت اليمن عشرات السنين إلى الوراء، إلى زمن التشطير والإمامة والفقر والجهل والمرض، ثم كان هو نفسه ضحية سياساته الفاشلة.