الجمعة 19-04-2024 02:48:59 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

على خُطى ولي الفقيه في إيران..

هل يعمل الحوثيون لتغيير النظام السياسي في اليمن!

الأربعاء 02 مايو 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص/ احمد أبو ماهر


شهدت ساحة الحوثيين الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية عدداً من الأحداث والمتغيرات المهمة كان أبرزها مقتل القيادي صالح الصمَاد رئيس ما يعرف بالمجلس السياسي الذي يمثل سلطة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، وتعيين المدعو مهدي المشاط (مدير مكتب عبد الملك الحوثي) خلفا له في رئاسة المجلس، ومباركة مجلس النواب غير الشرعي لذلك التعيين (غير القانوني)، أعقبه تعيين المشاط (32) عنصرا من عناصر جماعة الحوثي والمقربين منها أعضاء في مجلس الشورى.


وقبل ذلك كان قد تم تمرير قانون الزكاة في مجلس النواب غير الشرعي بتعديلات جديدة أقرت ما يعرف في الشريعة الإسلامية بـ "الخُمس" والذي جرى تحويره ليكون خاصا بجماعة الحوثي ومن يدور في فلكها من أسر ما يسمى "الهاشمية السلالية" التي تدعي انتسابها لبيت النبوة.
إضافة الى ذلك فقد ظهر وزير العدل في حكومة الانقلاب، القيادي الحوثي المتطرف القاضي احمد عقبات، في قناة المسيرة الحوثية مطلقا اسم الكفار على الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الذين يقاتلون الانقلابيين الحوثيين على تخوم العاصمة وفي الساحل حسب وصفه!
تلك كانت أبرز القضايا التي لامست الجماعة الحوثية الانقلابية خلال الفترة الماضية، وبدت كما لو أنها كانت جميعها مقصودة بحيث يمكننا تفسيرها في سياق الرغبة الجامحة للحركة في الاندفاع صوب مكاسب أكبر تراها ضرورية ومستعجلة ضمن مشروع الحكم الحوثي السلالي الذي ربما يرىأنه تأخر في بلوغها.


لنبدأ من تعيينات مهدي المشاط، الرئيس الجديد لما يسمى المجلس السياسي للانقلاب، فتعيينه لـ (32) عضوا جديدا من العناصر الحوثية والموالية في مجلس الشورى يشي بأن هذا المجلس سيلعب دورا مهما خلال الفترة القادمة، وأن الحوثيين ربما باتوا يفكرون جديا في العمل مستقبلا ضمن ما يعرف بالغرفة التشريعية الواحدة، ما يقتضي دمج مجلسي النواب والشورى في مجلس واحد، وزيادة أعضاء الشورى (من الحوثيين) يُعدَ مؤشرا على ذلك، وإذا ما حدث هذا فسيكون الحوثيون قد انتزعوا مجلس النواب من المؤتمر وأذابوه مع مجلس الشورى في غرفة تشريعية واحدة يتحكمون بها، وبذلك يتمكنون من احتواء مجلس النواب وإلغاء دوره كآخر مؤسسات الدولة التي ينظر اليها الحوثيون بوصفها مؤسسة لا تمثلهم بل تمثل بقايا نظام سياسي آخر جرى دفنه، ما يستوجب دمج تلك المؤسسة في نظامهم السياسي الذي صنعوه بأيديهم، لتغدوا من ثمَ معبرة عن توجهاتهم ومشروعهم السلالي ورؤيتهم للحكم.


وبشأن الخُمس الذي جرى تمريره، فقد كانت تلك -فيما يبدو- آخر مهمات مجلس الراعي التي سيبوؤون بوزرها أبد الدهر، سيمثل الخمس أعباء إضافية تثقل كاهل الشعب وبالأخص رجال الأعمال الذين يجري استهدافهم عن قصد لامتصاص أموالهم والاستحواذ على رأس المال الوطني واحتكاره بيد الطبقة السلالية ضمن مشروع الإفقار الشامل للشعب وتكديس الثروة في أيدي الجماعة الكهنوتية السلالية لإحكام قبضتها على ثنائية الثروة والسلطة.
تعيين مهدي المشاط كرئيس للمجلس السياسي خلفا للصمَاد يمثل مرحلة جديدة من الحكم السلالي ضمن مخطط الحركة الحوثية في تنقية المؤسسات السيادية للدولة من العناصر التي لا تنتمي للهاشمية السياسية ليعود الحكم نقيا وخالصا في السلالة. كما أن وضع منصب رئيس المجلس السياسي في أيدي النخبة السلالية ينهي الازدواج في القرار وتنازع الصلاحيات ويركز السلطة في المركز المقدس، وهو ما لم يكتمل -على ما يبدو- في رئاسة الصمَاد.


مثلت عملية تصفية صالح الصمَاد، بصرف النظر عن المنفذ وطريقة التنفيذ، إيذانا بمرحلة جديدة ترمي للتخلص تدريجيا من القيادات ذوي النفوذ من الطبقات الاجتماعية غير الهاشمية العاملة في خدمة المشروع السلالي والتي يمكن ان تمثل تحديا له في المستقبل.
نأتي الى قضية تكفير الجيش الوطني والمقاومة على لسان القيادي الحوثي ووزير العدل في الحكومة الانقلابية القاضي (التكفيري) أحمد عقبات، الذي أطلق دعوته التكفيرية تلك من على منبر إعلامي حوثي رسمي في رسالة واضحة موجهة للداخل اليمني فحواها أن كل من يعادي السلالة الحاكمة (آل البيت الهاشمي الحوثي) أو يقف في طريقها أويتصدى لها ويرفضها بأي شكل من الأشكال فهو كافر -من وجهة نظرهم- مباح الدم والمال والعرض، كما المطرفية تماما التي كفرها السفاح عبد الله ابن حمزة وقتل منها مائة ألف مسلم على الرغم من كونها إحدى فرق الزيدية نفسها، وبالتالي فإن أحد أهداف تلك الرسالة (التكفيرية) التي أرسلتها الجماعة الحوثية على لسان أحد مراجعها المعتبرين هو الإمعان في إذلال اليمنيين بسيف التكفير، وقسرهم على الاذعان والتسليم للجماعة الكهنوتية والقبول بها حاكما وسيدا وإلاَ فهم كفارا مستوجبين للقتل!! تلك الرسالة التكفيرية أعلنت بوضوح أن لا مجال -في ظل حكم الجماعة السلالية- لأي نوع من الحقوق المدنية للشعب، ولا مجال لمعارضتها أو المطالبة بالتداول السلمي للسلطة التي تعتبرها الجماعة (المصطفاة) حقا مقدسا لها بتفويض إلهي.


في المجمل، تلك هي الصورة القاتمة التي تشكلها تلك الأحداث التي مررنا عليها سراعا، وهي تتضافر لتعطي مؤشرات عن مساع جديه لدى جماعة الحوثي (التكفيرية) لتغيير الواقع السياسي اليمني بأبعد مما قد تغير، بحيث قد يطال التغيير المرتقب شكل النظام السياسي نفسه، إذ من غير المستبعد أن تلجأ الجماعة الى استبداله بنظام سياسي آخرعلى غرار ما هو قائم في إيران، وهو ما صار يتشكل بالفعل أمام أعيننا، فرئيس المجلس السياسي (غير المنتخب) في اليمن يماثل رئيس الجمهورية (المنتخب) في إيران، وعبد الملك الحوثي المسمى قائد الثورة في اليمن يناظر مرشد الثورة (ولي الفقيه) في إيران، والحرس الثوري التابع للمرشد الأعلى في ايران تقابله المليشيات الحوثية المؤدلجة التابعة لزعيم الجماعة كقوة عسكرية غير مندمجة في الجيش والسلطة لكنها متحكمة فيهما.


على أن النظام الإيراني بكل مساوئه، مقارنة بالحكم الحوثي السلالي، يبدو أكثر تقدما من حيث وجود مؤسسات وسلطات تشريعية وتنفيذية منتخبة، إذ يُطل النظام الحوثي الكهنوتي في اليمن بوجه أكثر قبحا وتطرفا وتزمتا من نظيره الإيراني، ففي إيران وعلى الرغم من كل مظاهر التشدد والتطرف يجري انتخاب رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، بل وحتى المرشد الأعلى يجري انتخابه من قبل مجلس تشخيص مصلحة النظام، فلا أحد يدَعي الاصطفاء والحق المقدس كما هو حاصل في اليمن، فالحوثيون الذين يفتقرون للمشروعية الشعبية سارعوا الى محوها بذرائع الولاية والاصطفاء السلالي! وفي حين نجد الولي الفقيه في إيران يمثل نائب الإمام الغائب صاحب الحق في السلطة وفق المذهب الاثني عشري، فإن الإمام في نظام الحكم السلالي في اليمن هو نفسه صاحب السلطة السياسية والروحية وفق المذهب الزيدي الجارودي الذي لا يحمل من الزيدية سوى اسمها فقط.
ان تقاعس بعض الأطراف الدولية المعنية بالملف اليمني حد التمالؤ مع الجماعة الحوثية الانقلابية، وتباطؤ الشرعية في الحسم العسكري، وتدفق المساعدات العسكرية الإيرانية على الحوثيين ومحاولة تسويقهم خارجيا من قبل إيران وحمايتهم ومنحهم مظلتها السياسية واعتبارهم جزء من تفاهمات الملف النووي السرية، وهيمنة الجماعة على مقدرات الدولة ونجاحها في الاستفراد بالسلطة وإزاحة شريكها صالح واحتواء حزبه وتطويعه لخدمة مشروعها السياسي، وكذا استمرار لعبها بورقة الإرهاب وتسويق نفسها بواسطتها خارجيا بتواطؤ بعض الأطراف، كل ذلك يحفزها للمضي بمشروعها خطوة أبعد مما هو عليه لفرض سياسة الأمر الواقع.


التحدي الماثل اليوم أمام الشرعية والتحالف المساند لها هو الحيلولة دون اكتمال المشروع الحوثي بنسخته الجديدة المرتقبة، وهو نظام قد لا يعمد إلى إلغاء مظاهر الجمهورية لكنه سيختبئ وراءها كما يفعل النظام الإيراني الذي يتوشح ثوب الجمهورية فيما هو حكم ثيوقراطي (ديني) أشد غلوا وتطرفا وعدائية. سيكون على الشرعية أن تحسم أمرها لدخول معقل التمرد الحوثي في صعدة لما له من رمزية لدى الحوثيين؛ فالدولة الهادية (الجارودية) تأسست في صعدة ومنها انطلقت الى كل اليمن، ومثلها فعلت الحركة الحوثية، وضربها في معقلها وإنهاء نفوذها فيه سيمثل ضربة قاصمة لمشروعها السلالي العنصري وسيمهد الطريق للتخلص من المشروع الإمامي الكهنوتي برمته.