الخميس 25-04-2024 19:10:54 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الخمس.. أبعاده الشرعية والسياسية والاجتماعية

الإثنين 30 إبريل-نيسان 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ محمد عبدالكريم

 

من المعلوم أن الله تعالى لم يستحفظ بشرا على كتابه، وتولى ربنا حفظه كما أُنزل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{9}) سورة الحجر. لتظل آياته كما جاءت.
أثار الحوثيون جدلا واسعا بتوظيف ما تبقى من أعضاء مجلس النواب لإضافة مادة الى قانون الزكاة بشأن الخمس، وهي مادة تتعارض ابتداءً مع الحالة العامة في اليمن وعمل مجلس النواب، وذلك بفرضها من قبل سلطة غير قانونية وعلى مجلس ربما لا يلتزم بالقانون في عقد جلسات تحت إمرة سلطة الأمر الواقع فهو غير مستقل.
وهنا تطرح أسئلة كثر عن الخمس والفيء والركاز.
من الجهة الشرعية يتمحور حول ثلاث مسائل ما كان للرسول -صلى الله عليه وسلم- وما لمقصود ب أُولي القربى؟ ولماذا جاء الخمس في الغنائم؟ وما الركاز؟ ثم أبعاده السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
لا ريب أن أي تأمل للآية الكريمة في سورة الأنفال وآيات أُخرى سيجد يقينا أن هناك تحريفا جليا في تفسير الآيات الكريمة، وإخراجها عن معانيها الى معاني تتفق مع الذين يتبعون أهوائهم، كما هو الحال في كثير من القضايا التي تخبر عن فهم عقيم، وتشويه متعمد للإسلام من أجل أهواء (مصالح خاصة) قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا.
إننا هنا أمام مجموعة من المفاهيم المرتبطة بعضها ببعض، ويجري تأويلها بعيدا عن معانيها، وخارج النص.


آيات الأنفال
(قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ{38} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{39} وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{40} وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{41} إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ{42})
إنها خطاب للمؤمنين وعنهم الذين كان لهم شرف القتال يوم الفرقان.
فإن لله خمسه وللرسول: إنه ما كان لله والرسول في حياته فهو للرسول -صلى الله عليه وسلم- بصفته الرئيس للمسلمين، أما بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- فإنه من شأن الدولة وخزينتها العامة.

مفهوم أُولي القربى


أُولي القربى المقصود بهم المخاطبين وشأن المقاتلين من بني هاشم شأن غيرهم يعطى أُولي قرباهم من خمس الخمس. كما يعطى أُولي قربى جميع المخاطبين.
أخماس الخمس تشمل اليتامى والمساكين وابن السبيل فهل يقول عاقل إنهم يتامى ومساكين وابن سبيل بني هاشم؟

آية التوبة


(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{113}
وهنا بيان له دلالتين الأُولى: أن أُولي قربى تشمل النبي -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا ولم يأت أولي قرباه وأُولي قرباهم فإذا جاء أولي القربى في آيات كريمة فإنها تعني الجميع ولا يوجد وجه للقول بأنها تعني قربى النبي حصرا.
الثانية: النص على أنه ما كان للنبي يدل قطعا على أن أولي قربى في حياته -صلى الله وسلم- وليس ممتدا في ذريتهم فلو كان من ذرية أُولي قربى اليوم مشرك مثلا هل يقال له ان النبي لن يستغفر لك انها دالة على حدود القربى زمانا، وأنها لا تتعدى وجود الشخص ووجودهم. فأولو القربى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم أعمامه وعماته وأخواله وخالاته وأولادهم، أما من بعدهم فلا يمكن القول أنهم من أُولي القربى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم. فأُولى الحقائق أن أُولي القربى في القرءان الكريم عامة ولا تخص أولي القربى بالرسول -صلى الله عليه وسلم.
الحقيقة الأُخرى استحالة استمرار أُولي القربى، وأنه لا يوجد أحد من الناس يمكن أن يوصف بأنه من أُولي القربى للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
الحشر: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{7} لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{8}
هل هناك أي وجه للقول بأن ذي القربى في الآية تعني قربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فماذا عن اليتامى والمساكين إنها تشمل ذي القربى جميعا واليتامى والمساكين وابن السبيل، أليست تستغرق المجتمع؟
(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ). إن القول بأن أُولي القربى هم قربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتنافى مع التعليل (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) فالقول بأنها قربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانها ممتدة الى مالا نهاية يصنع من فئة واحدة أغنياء يظل المال دولة بينهم وليس مطلوبا منهم ما هو مطلوب من الناس بل يأتيهم المال دون أي جهد وذلك، لو كان ذلك كما يذهبون لكانت حصة علي بن أبي طالب أكثر مرات من غيره ، ولكان ذلك معلوما لدى المسلمين بل من سيرته كان يعمل أجيرا للحصول على الضرورات. والقانون يصنع فئة من الأغنياء بدون بذل أي جهد ثم جعل تلك النسبة الكبيرة دولة بينهم.
الآية التالية خصت الفقراء المهاجرين إن الخطاب للمؤمنين المقاتلين فتعني أولي القربى لهم. ( فما أو جفتم)، والفيء بنص الآيات الكريمة ما يحصل عليه المسلمون بدون قتال.
وكأن الآيات الكريمة بيان لحالات مؤقتة وليست مستمرة {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{9} وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{10}
إن تلك الآيات تؤكد أن الغرض هو (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) ذلك الهدف أن لا تكون هناك فئة غنية غنى فاحشا وأغلبية معدمة، بل جعل الفئات متقاربة غير متباعدة وهو هدف عام مستمر. وأن مسؤولية الدولة إعادة توزيع الثروة بما لايبقي محتاج والحيلولة دون احتكار فئة للثروة.
الآيات الكريمة بينت فضل المهاجرين والأنصار
إن الآية الكريمة التالية بينت ماذا على الذين يأتون من بعدهم ،أيا كانوا.
الخلاصة أن أُولي القربى في الأنفال وذي القربى في الحشر يستحيل أن يكون المقصود بهم أُولي قربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأنهم أُولي قربى وذي قربى المخاطبين.
ثانيا : ما كان لله والرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه يعود الى الدولة وليس لأحد من الناس، للأسباب المتصلة في أنها كانت له بصفته رسولا وليس لاسمه محمد بل هكذا {فإن لله خمسه ولرسوله} وهكذا (فلله ولرسوله ) ليدل على أنه لا يرثه أحد إنما ترثه الأُمة، فكل الأقوال التي قيلت في أن ما كان له يكون ل أولي قرباه ، تبطلها الآيات الكريمة.
لنتخيل أنه عقب غزوة بدر الكبرى، وعقب نزول الآية الكريمة، قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد توزيع الغنائم، وأخذ الخمس، أخذ خمسا منه وأعطاه علي بن أبي طالب، هل كان ذلك سيخفى؟ هل سيتقبله المقاتلون أن يزيد عليا على سهمه ليكون له أكثر من الآخرين؟! أليس عملا كهذا مناسبة لاتفوت من قبل المنافقين؟! بل أوليس الخبر سيصل الى قريش فتجعل منه حجة للقول إن محمدا يريد تسييد بني هاشم؟ هل هناك ما يثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميز عليا في فيء بني النضير عن الفقراء المهاجرين؟ هل هناك ما يثبت أنه جعل لعلي وجعفر نصيبا من أرض خيبر أكثر من غيرهما؟
لا يوجد على الإطلاق، وكل ما قاله بعض الفقهاء كلام مرسل لا أصل له إن ذلك ينفي قطعا أن المقصود بالقربى قربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

 

الأبعاد السياسية والإجتماعية والإقتصادية


يعد الخمس من المسائل التي يعتمد عليها الحوثيون في تثبيت منطلقاتهم في الوصاية والإمامة في البطنين كما يعتقدون وأنهم هداة الأمة وأن أصول الفقه والإجتهاد، من شأنهم حصرا وان الجهاد هو مايعتبرونه جهادا ولو كان إسرافا في قتل الشعب، فإذا ثبتوا تمييزا واحدا لهم فإنهم سيثبتون جميع عناصرالتمييز الأُخرى، في دعاواهم المذكورة، هنا نكون قد نسفنا الإسلام بأقصر الطرق وسلمنا لهم بالوصاية وكل ماله صلة بها. البعد السياسي هنا واضح جدا جعل الخمس المدخل لشرعنة وتقنين وتثبيت الوصاية والإمامة.
أقصر الطرق لإنهاء النظام الجمهوري الأقرب الى قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} وإعادته الى الإمامة والطغيان باسم الإسلام، وتكريس التمييز العنصري بين المجتمع المسلم وجعله مشروعا مع كونه منبع الشرور والآثام.
وجود فئة من المجتمع تسعى لاستغلاله استغلالا فاحشا عبر اقتطاع 20% من الدخل العام والخاص والتي تعد أعلى نسبة ضريبية لمنح 5% لتلك الفئة مما يعني إفقار المجتمع والدولة لفئة يكون المال دولة بينها.
تكوين بيئة طاردة للتجارة والاستثمار إذ لا يتصور أن كل ما ينتج ويستخرج من الأرض يقتطع منه 20% يمكن أن يبقي على استثمار وذلك ربما من أهدافهم الإنفراد بكل شيء في البلاد والتصرف فيها بما في ذلك إخلاء وإحلال، وخلوص البلاد بكل ما فيها لهم.
إنني على يقين باستحالة التشريع للتمييز العنصري بين الناس جميعا واستحالة التمييز بين المسلمين مرتين، ومن ثم بطلان تمييز قرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
إن الإقرار بالتمييز يعني صحة ما قاله قوم نوح: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} فهم صنفوا الناس الى أشراف وأراذل بالولادة، ولذلك قال عنهم ربنا: {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى}.

 

الخلاصة


استحالة القول بأن أولي القربى في القرءان الكريم تعني قربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل إنها عامة في كل أُولي القربى للمخاطبين.
محدودية نطاق أولي القربى لشخص بوجوده وبوجودهم استحالة امتداد ذوي القربى لشخص في ذريتهم.
الخمس والفيء تشريع مؤقت مرتبط بشرطين مؤقتين وشرط دائم.
أن المقاتلين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، وأن تنظيم الجيوش وإعطاء المقاتلين رواتب يجعل مايغنمون من سلاح يعود الى الدولة ، للجيش وليس للأفراد.
الآخر يتصل بالمهاجرين والأنصار، وشرط دائم في توزيع الثروة والمال العام {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
أن حديث "وفي الركاز الخمس" يقتصر على ما كان كنزا بشريا وليس ما أودع الله تعالى في الأرض من ثروات. أما المادة المضافة فإنها في كل شيء بما في ذلك النيس والكري والملح..
أن تشريع الخمس في القانون يعد تمييزا عنصريا واضحا يفتح الأبواب لتثبيت جميع المنطلقات العنصرية للحوثيين بما فيها الوصاية على الشعب واحتكار السلطة تحت دعوى الإمامة في البطنين.
إن الحلول لهذه المعضلة هي في العودة الى النص من القرآن الكريم وبيان المفاهيم والقراءة الكلية التي تفصح عن حضر للتمييزوتنديد به ووعيد شديد لمن يدعيه ويمارسه. وإن تمييز فئة من الناس لنسبها يتنافى مع قوله تعالى {بل أنتم بشر ممن خلق} فالله تعالى ليس بينه وبين أحد نسبا.