السبت 20-04-2024 15:25:27 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثية في اليمن.. البعد الديني والمشروع السياسي.

الأحد 22 إبريل-نيسان 2018 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص / أحمد ابو ماهر

 

تمثل حركة الحوثيين واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الدولة اليمنية الحديثة وتعيق مشروعها التغييري، لجهة كونها حركة عنيفة (متمردة) تحاول فرض إرادتها بالقوة، وتحمل أطماعاً توسعية تهدف لتغيير النظام (الجمهوري) بالقوة وإحلال الإمامة مكانه. ولا تقتصر مخاطرها على هذا فحسب؛ إذ هي مشروع ذو أبعاد طائفية وعنصرية (سلالية) يهدد مستقبل اليمن، بما يحمله من مخاطر تفتيت الدولة، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وإدخالها في دوامة صراعات طائفية.


كما أن البعد الخارجي في المشروع الحوثي لا يقل خطورة عن بعده الداخلي، بالنظر إلى أنه يفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية في اليمن، ويجعل منها مجالاً حيوياً لمصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة، ما يجعل اليمن مسرحا لصراع وحروب بالوكالة بين تلك القوى، وهو ما يؤثر سلبا ليس على أمن واستقرار اليمن وحسب بل والمنطقة ككل.


مراحل النشوء
مثّل قيام (الثورة الإسلامية) في إيران عام 1979 أهم العوامل التي ألهبت حماسة بعض أصحاب المشروع الزيدي (الجارودي) في اليمن، فبدأوا التحرك بشكل مدروس في العام 1982م على يد العلامة صلاح فليته في محافظة صعدة، والذي بدوره أنشأ في العام 1986م "اتحاد الشباب"، وكان ضمن ما يتم تدريسه مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها، يقوم بتدريسها حسين بدر الدين الحوثي.


وفي العام 1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت إلى السعودية عقب ثورة 1962، وعادت بعدها إلى اليمن، وكان من أبرزهم العلامة مجد الدين المؤيدي والعلامة بدر الدين الحوثي، ويعد هذا الأخير هو الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها. (أنظر الزهر والحجر-عادل الأحمدي)


في العام 1992 تشكلت النواة الأولى لما سمي بـ "منتدى الشباب المؤمن" على يد محمد سالم عزان وحسين بدر الدين الحوثي وآخرون، ثم حدث انشقاق في صفوفه سيطر بموجبه حسين بدر الدين الحوثي ومعه عبد الله الرزامي على المنتدى. وفي العام 1997 جرى تحويل الاسم من مدلوله الثقافي الفكري إلى المدلول السياسي، ليحمل مسمى "تنظيم الشباب المؤمن". وتفرغ له حسين بدر الدين الحوثي، فيما برز والده كمرجعية عليا للتنظيم، وتم إقصاء المؤيدي وفليته، وحدثت على إثر ذلك خصومات واتهامات وتبرؤات بين الطرفين، اتهمت فيها جماعة المؤيدي تنظيم الشباب المؤمن بالانقلاب على مبادئ الزيدية، فيما اتهم الأخيرون جماعة المؤيدي بالتحجر والجمود والميل إلى الأفكار الشوكانية.


بين عامي 1999-2004 بدأ نشاط "تنظيم الشباب المؤمن" يأخذ طابعاً عسكرياً، إلى جانب تكثيف الدور الثقافي عبر المخيمات الصيفية. وتم إنشاء الجمعيات الخيرية والتعاونية التي تصب مواردها في دعم التنظيم وأنشطته. وفي الفترة ذاتها حدثت أوسع عملية تغلغل في المرافق الحكومية وأجهزة الدولة المدنية منها والعسكرية. وإجمالاً يمكن القول إن حركة الحوثي استحالت الجناح العسكري لمشروع الحكم الإمامي (السلالي) في اليمن، وقد مرت منذ نشأتها بثلاث مراحل تاريخية هي:


أولاً: مرحلة التأسيس والتكوين 1990-2004، وهي مرحلة إعداد تربوي تعليمي.
ثانياً: مرحلة المواجهة (الخروج المسلح) , 2004-2010، واتسمت ببناء القدرات العسكرية.
ثالثاً: مرحلة التوسع والانتشار وصولا الى الانقلاب على الشرعية وإطلاق مفهوم الولاية (الإمامة).

 


الحوثية ونظرية الولاية
في الثلاث سنوات التي سبقت الانقلاب (2011-2013) حدث تحول كبير في الخطاب الإعلامي للحوثيين، فبعد أن كان خطابهم يؤسس لمظلومية قضيتهم وتعرضهم للعدوان كما قيل، وحقهم المشروع في الدفاع عن النفس ورد الظلم الواقع عليهم، ورغبتهم في العيش بسلام، ومزاولة نشاطهم العقائدي والفكري والثقافي كسائر اليمنيين، في ظل النظام الجمهوري الذي يحترمون شرعيته بحسب مزاعمهم. أخذ خطابهم، فيما بعد، ينحو باتجاه مغاير تماماً، بعيداً عن كل ذلك، فمن خطاب المظلومية إلى خطاب الولاية. وهو خطاب مدروس بعناية يستظهر الدين ويستبطن أهدافاً سياسية، ويتوسل المناسبات الدينية لتكريس مفاهيم سياسية يجري تسويقها على أنها من الدين.


ويأتي مفهوم الولاية في هذا السياق، ويقصدون به تولّي الإمام علي والبراءة من مخالفيه، بمعنى الإقرار بإمامته كخليفة للمسلمين نصّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الواقعة المشهورة بـ (غدير خم)، وعدم الاعتراف بمشروعية من سبقوه.


وهذا هو الشق الأول في مفهوم الولاية عندهم، أما الشق الثاني والمهم فهو أن الولاية تنسحب على ذرية الإمام علّي من بعده، فهم ورثته الشرعيون، الأحق بالحكم (الإمامة) دون سواهم من المسلمين.


هذا باختصار المشروع السياسي الجديد (القديم) للحوثيين والتيار الإمامي في اليمن بصفة عامة، وهو ما يؤكد عليه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في كل المناسبات الدينية، مشدداً على أهميته كطريق وحيد لخلاص المسلمين؛ إذ يقول في خطاب ألقاه بمناسبة يوم الغدير (نوفمبر 2012) " مبدأ الولاية هو المبدأ الذي يمكن أن يحفظ لأمتنا المسلمة كيانها وعزتها واستقلالها، إذا سقط هذا المبدأ فإن وراءه سقوط الأمة واختراقها وهيمنة أعدائها عليها". مفصحاً عن قصده بولاية علّي بالقول: "الإمام علي -عليه السلام- ولايته هي امتداد لولاية الرسول، قائداً من بعده للأمة، قائداً معلماً مرشداً، زعيماً يعمل على هداية الأمة، يواصل مشوار الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في بناء الأمة، في هدايتها، في إدارة شؤونها، في تطبيق دينها، وفقاً لمسئوليتها العظيمة ودورها العظيم". ومعلوم لدى جمهور المسلمين أن النبي -صلى الله عليه وسلم -ليس له ذرية، وما كان هذا من مقتضى رسالته، فالله تعالى يقول: {ما كان محمدُ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. الأحزاب آية [40]. وهؤلاء الذين ينسبون أنفسهم إليه، إنما يدّعون نسباً غير نسبهم، فهم من ذرية علّي أبن أبي طالب وليسوا من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله عز وجل نهى أن ينتسب المرء لغير أبيه، قال تعالى: {أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} الأحزاب آية [5]

 

الوثيقة الفكرية للحوثيين
تأتي الوثيقة الفكرية للحوثيين (الموقعة في 13 فبراير 2012) لتكرس مبدأ الولاية والاصطفاء (السلالي) وتجعله من صلب الدين، فهي تؤكد بلا مواربة أن الإمام (الحاكم) بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو على أبن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما. مضيفة أن "نهج الهداية والنجاة والأمان من الضلال هو التمسك بالثقلين، كتاب الله والعترة من آل البيت". وفي مسألة الاصطفاء الإلهي للبشر ولآل البيت (يعنون الحوثي على وجه الخصوص) تقول الوثيقة: "أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله -سبحانه وتعالى- يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفرادا.... ونعتقد أن الله –سبحانه- أصطفى أهل بيت رسول الله فجعلهم هداه للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يهيئ لكل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها".


وتضيف الوثيقة بأن الفقه والاجتهاد إذا كان مخالفاً لنهج آل البيت فهو مرفوض. وكان الحوثي الأب صرّح في مقابلة له مع صحيفة الوسط الأسبوعية (يونيو 2005) برفض تولي غيرهم الحكم وحَصَره في البطنين فقط. وقال بأن الحكم نوعان، الأول الإمامة وهي لا تصح في غير (البطنين) كونها وظيفة دينية ودنيوية، الثاني الحسبة وهي وظيفة دنيوية يمكن أن يقوم بها أي فرد من المسلمين في حال تعذر وجود الإمام الشرعي. وإذن فالحسبة نوع من الحكم لكنه يقصر عن بلوغ مرتبة الإمامة التي لا تصح -وفقاً للتيار الحوثي الإمامي- إلاّ لعلوي فاطمي، أو من (البطنين) كما يحلو لهم القول.


وإذن فجوهر الوثيقة الفكرية للحركة الحوثية، والتيار الإمامي عموماً، ينسف مفهوم الدولة المدنية والمواطنة المتساوية من جذورها، ويجعل تكرار حديثهم عنها مجرد مزايدة أو تقيّة. كما أن الوثيقة تُشرعن لدولة ثيوقراطية (دينية) على غرار دولة الكنيسة في أوروبا القرون الوسطى، وهو ما ينافي أهداف الثورة الشعبية التي انخرط فيها الحوثيون وظلوا يرفعون شعار استكمال أهدافها، بزعم أن المبادرة الخليجية ألتفّت عليها، وأن أطرافاً ثورية متواطئة في حرفها، بل وفي سرقتها! ثم ها هي الوثيقة الفكرية تأتي في عنفوان الثورة الشعبية لتصادر مشروعها في التغيير، وتعيده إلى الوراء، إلى ما قبل ألف ومأتي عام حين وصل الإمام الهادي يحيى بن الحسين صعدة سنة 284هـ، وأسس دولة الأئمة وفق نظرية الولاية والاصطفاء (السلالي) للطيبين الطاهرين. علاوة على ذلك، فالوثيقة من حيث مضمونها وفكرتها لا تُقر بمبدأ تغيير الحاكم، والتداول السلمي للسلطة، بل تعده خروجاً على الدين وكفراً به، طالما والحاكم (بأمر الله) من النسب الشريف والسلالة المصطفاة. ومعناه، أنه لا مكان للديمقراطية والعملية الانتخابية فيما يتعلق باختيار الحاكم من قبل الشعب، فالحاكم -وفقاً للوثيقة- قد تم اختياره من قبل الله مباشرة، فلا مجال للاختيار. وعلى هذا الأساس فكل الأنظمة القائمة هي، من وجهة نظر الوثيقة، غير شرعية وإن كان الشعب هو من جاء بها؛ إذ يتعين على الشعب التسليم بمشيئة السماء التي اختارت آل الحوثي حكاماً، وقصرت هذا الحق عليهم وحدهم، وجعلته أبد الدهر ملك يمينهم. وبالتالي فالوثيقة تسلب اليمنيين حق اختيار حكامهم، وتجعلهم عبيداً للسيد المفوض بحكمهم من رب العالمين، فالحكم حق له وحده ولا حق للشعب فيه، عدا أن يُذعن لمن اختاره الله له وتعبّده بطاعته، وجعل هذ الأمر أصلاً من أصول دينه لا يتم الإيمان إلاّ به كما تزعم الوثيقة!!

 

الحوثية كمشروع طائفي
حين كبر المشروع الحوثي، انتقلت الحوثية من طور مشروع فكري عقدي يحمله (الشباب المؤمن) إلى طور مشروع سياسي يحمله (أنصارالله). وتوسلت الحوثية، سواءً في زمن الظهور أو في زمن التوسع والغلبة، بإرث تاريخي وتراث مذهبي موغلين في الطائفية والسلالية، في محاولة لإضفاء المشروعية السياسية والدينية على مشروعها التوسعي.


وتوخى المشروع الحوثي الانبعاث ليس عبر أدوات الديمقراطية التي لا يؤمن بها أصلاً، وإنما عبر أدوات طائفية وعنصرية يستقيها من إرثه وتراثه الماضوي، ويستدعيها كلما دعت الحاجة لمقارعة خصومه وسوق العامة ورائه.


ومن ثَمَ، فالبعد الطائفي في المشروع الحوثي هو الأشد فتكاً من عتاده العسكري، فهو ينسف مشروع الدولة المدنية، ويُقوض بنية النظام السياسي اليمني ومشروعيته معاً، ويجعل من مكوناته (سلطة ومعارضة) مغتصبين للحكم فاقدين للشرعية.


يقدم الحوثيون أنفسهم من خلال وثيقتهم الفكرية كطبقة وسلالة منتقاة ومصطفاه، مغايرة لبقية اليمنيين حتى من أتباع الزيدية أنفسهم، بل وحتى من أتباع الحوثي نفسه من غير الهاشميين، بدليل أن الوثيقة الفكرية نفسها التي وقّع عليها زعيم الحركة عبد الملك الحوثي وعدد من غلاة الشيعة في اليمن والتي جاء فيها: “إن الله اصطفى أهل بيت الحوثي على المسلمين"، فجّرت صراعاً طبقياً، سادة وقبائل، حتى داخل الحركة نفسها.


وقد تجلت أقبح صور الطائفية لدى جماعة الحوثي برفضها المشاركة في انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية في 21 فبراير 2012، حيث قاطعت الجماعة تلك الانتخابات ولم يكن ثمة من سبب وجيه للمقاطعة سوى أنها (الانتخابات) قضت بانتقال السلطة من الرئيس السابق (صالح) المحسوب جغرافيا ومذهبياً على الزيدية، إلى الرئيس هادي المحسوب مذهبياً وجغرافيا على الشافعية، وبالتالي كرس الحوثيون جهودهم باتجاه إعادة ترتيب أوراق تحالفاتهم حتى مع خصومهم القدامى، وانجلى المشهد عن أبشع صور الطائفية السياسية في اليمن التي ما فتئ اليمنيون يتخلصون منها حتى عادت للظهور من جديد على أيدي احفاد الأئمة الذين جعلوا من التميز السلالي والطبقي دينا يتعبدون الناس به.