الثلاثاء 19-03-2024 14:52:09 م : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وحزب علي صالح.. من التحالف إلى الاجتثاث والتبعية

الأحد 15 إبريل-نيسان 2018 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد
 

 

شهدت العلاقة بين حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح علي صالح) وجماعة الحوثيين تحولات كبيرة، بدأت من التحالف التكتيكي الذي فرضته الضرورة، إلى الخلافات التي كبرت وتشعبت، حتى وصلت إلى المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين.

كانت نتيجة المواجهات مؤلمة وصادمة وغير متوقعة لعائلة علي صالح وحزبه في صنعاء، وما زالت تبعاتها تتوالى رغم تمكن مليشيات الحوثيين من قتل علي صالح والتنكيل بحزبه، ثم تشكيل حزب بديل يتحرك من تحت عباءة الحوثيين، ثم تحويل ملف علي صالح وعائلته إلى نيابة أمن الدولة التابعة للحوثيين، تمهيدا لمحاكمتهم بتهمة "الخيانة العظمى والتخابر مع دول التحالف العربي"، وهي تهمة عقوبتها الإعدام في القانون اليمني النافذ.

ويمكن القول بأن التحالف بين الطرفين والمآل الذي صار إليه، يمثل نتيجة طبيعية لما يمكن وصفه بـ"تحالف الأشرار"، لأن التحالف بينهما لم يكن من أجل الوطن ومصلحة الشعب، ولكنه كان من أجل مصالح ذاتية على حساب الوطن والشعب، ولهذا أدى ما يمكن وصفه بـ"صراع المصالح" إلى انتهاء "تحالف الضرورة" بين الطرفين.

ويبقى السؤال: كيف تمكنت جماعة صغيرة قادمة من الكهوف -خلال مدة قصيرة- من السيطرة والاستحواذ على النفوذ المتراكم الذي بناه الرئيس الراحل علي صالح خلال 33 سنة، وكانت نهايته أن قُتِل على يد حلفائه وبأسلحة من مخازن الجيش الذي كان موالٍ له؟!

  

- ضرورات التحالف

بدأ تحالف الرئيس الراحل علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر مع جماعة الحوثيين بشكل محدود بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، بعد أن سلّم لهم علي صالح محافظة صعدة، ضمن خطته لتخويف المجتمع الدولي والمواطنين بمآلات الثورة الشعبية.

لكن التحالف بينهما بدأ يكتسب أهمية متزايدة أثناء مؤتمر الحوار الوطني، وشكّل البعد المناطقي والمذهبي للطرفين أهم دوافع ذلك، خاصة بعد إقرار نظام الأقاليم الفيدرالية، الأمر الذي أثار مخاوف الطرفين من إمكانية فقدانهم للسيطرة المطلقة على السلطة والثروة في اليمن كافة، وكان ذلك سببا رئيسيا في تقوية تحالفهما والانقلاب على السلطة الشرعية.

وصل التحالف بين الطرفين ذروته بعد تدخل دول التحالف العربي بقيادة السعودية، بطلب من الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي. وإزاء الصدمة والضربات القوية التي تلقاها علي صالح والقوات العسكرية الموالية له، المعروفة باسم "الحرس الجمهوري"، دفعه ذلك إلى تسليم كل ما تبقى تحت تصرفه من جيش وسلاح للحوثيين، بغرض تعزيز تحالفه معهم، واتخاذهم واجهة عسكرية للانقلاب والتنكيل بخصومه السياسيين.

كما حث ما تبقى حوله من قيادات مؤتمرية وشيوخ قبائل على التعاون مع مليشيات الحوثيين وتوفير حاضنة اجتماعية لهم في المدن والمناطق التي ليس لهم أي تواجد فيها، فاندفع الحوثيون لبناء نفوذهم الخاص، والاستحواذ على ميراث علي صالح العسكري وعلاقاته الاجتماعية، وكان لتواريه عن الأنظار خلال الأشهر الأولى من عملية "عاصفة الحزم" دورا كبيرا في تلاشي نفوذه وتحوله لصالح مليشيات الحوثيين.

وهناك عدة عوامل مكنت الحوثيين من الاستيلاء على الجيش الذي كان موالٍ لعلي صالح وعائلته، من أهمها، أن الذين يدعون النسب الهاشمي في اليمن تمكنوا من التسلل إلى الجيش والحصول على ترقيات ومناصب قيادية كبيرة، وهم من بقايا نظام الإمامة المستبد الذي أطاح به الشعب في ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانوا يفعلون ذلك من أجل الاستعداد لاستعادة سلطة أجدادهم الأئمة عندما تحين الظروف المناسبة، بالإضافة إلى التجانس المذهبي والاجتماعي بين الجيش الموالي لعلي صالح ومليشيات الحوثيين، والذي ساعد على اندماج الجيش سريعا في المليشيات الحوثية كتعبير عن حالة التطرف المذهبي والطائفي التي انتهجها الحوثيون.

  

- أعباء الخلاف

بعد أن تمكن الحوثيون من تقوية نفوذهم، أقدموا على تهميش وإضعاف حزب المؤتمر (جناح علي صالح)، حتى وصل الأمر إلى اعتداءات جسدية ولفظية طالت وزراء ووكلاء وزارات وغيرهم من الموالين لعلي صالح، بالإضافة إلى فصل بعضهم أو طردهم من وظائفهم واستبدالهم بآخرين من أتباع الحوثيين. كما أقدموا على تعيين قيادات عسكرية لقوات الجيش الذي كان موالٍ لعلي صالح وعائلته بآخرين من صفوفهم، وأعادوا هيكلته ليصبح مليشيات حوثية بامتياز.

أدى الإقصاء المتعمد والاعتداءات الجسدية واللفظية من قِبَل الحوثيين ضد أتباع علي صالح إلى تفاقم الخلافات بين الطرفين، وازدادت الشكوى والأنين من قبل أتباع علي صالح عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، واستمر الحال أمام صمت علي صالح وكبار المقربين منه حتى بدأت استفزازات الحوثيين تطاله شخصيا وتطال بعض أفراد عائلته، فبدأ العمل من أجل استعادة نفوذه عبر التنسيب لحزب المؤتمر والالتقاء بالقبائل الموالية له والبدء في تشكيل جيش جديد من الصفر ليكون بديلا عن جيشه الذي بدل ولاءه للحوثيين.

لكن الحوثيين قابلوا هذه الخطوات بخطوات أشد منها، حيث عززوا من نفوذهم في أوساط القبائل المزدوجة الولاء لهم ولعلي صالح، وكثفوا من الدورات الطائفية لمنتسبي قوات "الحرس الجمهوري"، وبدؤوا الاستعداد الجاد للقضاء على علي صالح وأفراد عائلته وحزبه، وبدؤوا ذلك بمحاولة اقتحام بيوت بعضهم واعتقالهم، فانفجرت المواجهات العسكرية بين الطرفين وانتهت بقتل علي صالح والتنكيل بأفراد أسرته وحزبه، ثم تشكيل حزب جديد يعمل من تحت عباءة الحوثيين، وتحويل ملف علي صالح وعائلته إلى نيابة أمن الدولة التابعة للحوثيين، بتهمة "الخيانة العظمى والتخابر مع دول التحالف العربي"، وهي تهمة عقوبتها الإعدام في القانون اليمني النافذ.

  

- لماذا الاجتثاث؟

من الواضح أن مليشيات الحوثيين عملت على اجتثاث علي صالح وعائلته وحزبه، كونهم كانوا الطرف الوحيد المنافس لهم في المحافظات التي يسيطرون عليها، والطرف المنافس لهم سواء في المفاوضات مع السلطة الشرعية والتحالف العربي أو في التخاطب مع المجتمع الدولي، الأمر الذي سبب تشويشا للحوثيين ولمشروعهم الطائفي والعنصري، ولهذا رأى الحوثيون أنه لا بد من التخلص من علي صالح وحزبه ليحصدوا بمفردهم مكاسب الحرب والانقلاب.

ومع تفاقم الخلافات برزت الدوافع العنصرية والطائفية والأحقاد التي أثارتها حروب صعدة الست التي أشعلها علي صالح لأهداف في نفسه، لكنه قُتِل في بدايتها مؤسس جماعة الحوثيين، وبرزت دوافع الانتقام والثأر لدى الحوثيين في كل محطات الخلاف بين الطرفين، ويرى الحوثيون بأن علي صالح هو المتسبب في قتل مؤسس جماعتهم، وأنه لا بد من الانتقام والثأر.

ورغم أن الخلافات بين الطرفين بدأت قبل المواجهات العسكرية بينهما بأكثر من سنة ونصف تقريبا، إلا أنهما كانا حريصان على استمرار تحالفهما، لمواجهة الخطر المشترك الذي يهددهما، والمتمثل في السلطة الشرعية والتحالف العربي، وكان واضحا أن صراع المصالح بينهما كالنار تحت الرماد، وأن المواجهة العسكرية أمر حتمي لا بد منه عندما تضع الحرب أوزارها.

غير أن تفاقم الخلافات بينهما، وثقة الحوثيين بأنفسهم بأنهم أصبحوا أكثر قوة من علي صالح وحزبه، واستشعار علي صالح لخطر الحوثيين المتزايد ضده، خاصة بعد أن ازدادت وتيرة التحريض ضده والدعوات لقتله من قبل قيادات وإعلاميين حوثيين انتقاما لقتل مؤسسة جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي أثناء حكمه، كل ذلك جعل الطرفين يستعدان للمواجهة بينهما، وكان الحوثيون أكثر استعدادا من علي صالح، الذي لجأ إلى الاستنجاد بالقبائل لنصرته لإدراكه بأن الجيش الموالي له صار يقف ضده إلى جانب الحوثيين.

اتهم الحوثيون علي صالح وحزبه بالخيانة العظمى والتخابر مع التحالف العربي، واصفين انتفاضته ضدهم بالفتنة، وحشدوا أفضل كتائبهم العسكرية تسليحا وتدريبا إلى صنعاء للقضاء عليه وعلى أتباعه.

وبعد تمكنهم من قتله، نكلوا بعائلته وأتباعه وجناحه في حزب المؤتمر أشد تنكيل، كما أنهم حشدوا أنصارهم للاحتفال بقتله، ولم يسلموا جثته لأسرته حتى الآن، وما زال بعض أبنائه وأقاربه مخفيين في سجونهم، وقرروا إحالة ملفهم إلى نيابة أمن الدولة التابعة لهم لمحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى والتخابر مع التحالف العربي، وهي تهمة عقوبتها الإعدام في القانون اليمني النافذ.

ورغم كل هذا العنف الذي مورس بحق علي صالح وعائلته وحزبه في صنعاء من قِبَل الحوثيين، إلا أنهم عمدوا إلى تشكيل حزب جديد بديل لحزب علي صالح، ويضم بقايا أتباعه الذين لم يكن لهم أي مشاركة في الحرب بين الطرفين، ولم يسبق لهم أن هاجموا جماعة الحوثيين أو انتقدوها قبل ذلك، بل فقد كانوا مزدوجي الولاء للطرفين، وهو ما منحهم "صك الوطنية" من قبل الحوثيين، ودفعوهم لتأسيس حزب بديل لحزب علي صالح يعمل من تحت عباءة الحوثيين ذاتهم، ويتلقون منهم الأوامر والتعليمات.

  

- دلالات العنف

أما دلالات هذا العنف الذي مارسته مليشيات الحوثيين ضد حليفها السابق علي صالح وعائلته وأتباعه، فهو يعكس النهج العنفي الإرهابي المتجذر لدى الجماعة، ويعكس موقف قادتها من الآخرين، حتى وإن كانوا قد قدموا لهم ولجماعتهم جميلا لم يكونوا يحلمون به، كما فعل علي صالح الذي سهل لهم السيطرة على العاصمة صنعاء وغيرها، وسلّم لهم إمكانيات الدولة والجيش بكامله، ومع ذلك تنكروا لجميله معهم، ونكلوا به هو وعائلته وأتباعه أشد تنكيل.

ويعني كل ذلك أن الحوثيين جماعة طائفية عنصرية منغلقة، لا تؤمن بالآخر مطلقا، وتعمل وفقا لمبدئها العقائدي المتمثل في إيمانها بأحقيتها بالسلطة والثروة، باعتبار ذلك حقا إلهيا لها لا يمكن التنازل عنه، والقتال في سبيله ضد الجميع حتى وإن كانوا حلفاء.

ويعني ذلك أيضا أنها جماعة لا تؤمن بالحوار وحق الآخرين في المشاركة في السلطة، ولهذا فمن المستحيل أن تقبل بالحوار والحلول الوسط، وحتى إن فعلت ذلك سيكون مجرد إجراء تكتيكي يراد منه استدراج خصومها إلى الحوار وربما التوافق على حل سياسي في حال أدركت أنه ليس بإمكانها حسم المعركة عسكريا لصالحها، لكنها ستعد العدة حتى يتشكل واقع جديد يمكنها من الانقلاب مجددا والتنكيل بكل خصومها دفعة واحدة. كما أنها تلجأ إلى استخدام أسوأ أساليب العنف والانتقام بغرض تخويف الآخرين من الانقلاب عليها أو معارضتها، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقهم.

وليس مستبعدا أن تكرر الجماعة نفس دورة العنف حتى في حال تم التوصل إلى حل سياسي للأزمة، ما لم يتم نزع سلاحها تماما، وتأسيس جيش وطني قوي يسيطر على كافة تراب الوطن وقادر على حماية المكتسبات الوطنية ضد أي جماعة أو مليشيات مسلحة خارجة على النظام والقانون، وتمارس العنف والإرهاب للسيطرة على السلطة والثروة.

ولهذا، فلا حل سوى الحسم العسكري والقضاء على هذه الجماعة، كونها جماعة طائفية عنصرية وإرهابية، لا تؤمن بالآخر، وتدين بالولاء لإيران ومشروعها التخريبي في العالم العربي، ما لم فإن خطرها سيظل قائما يهدد اليمن ودول الجوار، وستظل تتلقى الدعم من إيران وتثير النزاعات والأزمات بدون توقف.