الخميس 18-04-2024 13:16:27 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الشهيد عمر دوكم .. استهداف الرموز بتعز

الثلاثاء 03 إبريل-نيسان 2018 الساعة 01 مساءً / الإصلاح - خاص - فهد سلطان
 

  

توفي الأديب وخطيب جامع العيسائي بتعز الداعية عمر عبدالله عبدالواحد دوكم، والذي يبلغ من العمر 40 عاماً, بعد عملية اغتيال غادرة تعرض لها الجمعة الماضية, بعد خروجه من صلاة الجمعة مباشرة, نقل على إثرها لمستشفى الروضة, فيما توفي في الحال الأستاذ التربوي رفيق الاكحلي الذي كان بجواره.

ويعد دوكم واحداً من ألمع الخطباء التنويريين في مدينة تعز على مدى العشر سنوات الماضية, كما عرفته ساحات الحرية بتعز على مدى سبع سنوات الماضية, يخطب بين الفترة والأخرى. كان قريباً من الناس, بسيط الطرح والأفكار, ويتناول القضايا والظواهر التي تهم الناس, ما جعله محبوباً لدى الجميع.

حاول الأستاذ عمر دوكم أن يكسر قاعدة الرتابة في الخطاب الوعظي, وينقله الى مربع الخطاب التنويري, من خلال قربه من حياة الناس وتلمس قضاياهم ومطالبهم, وتحويل الخطبة الى محطة للأفكار تخاطب العقول لا العواطف, وهو الموقف الذي نجح فيه وجعله محط أنظار واهتمام الكثير, وكان مسجد العيسائي أحد اشهر المساجد في تعز مهوى لمئات المصلين الذين يقصدنه من أماكن بعيدة.

ما يميز دوكم أنه كان قريبا من حياة الناس ولم يتمايز عنهم, عرف بمشاركاته في أغلب الفعاليات الحقوقية والإنسانية داخل المدينة, الى جانب مقالاته المختصرة التي كانت تحتضنها عدد من الصحف والمواقع الالكترونية, وصفحته الشخصية على "فيسبوك", تتحدث عن تطلعات الجيل الجديد من الشباب اليمنيين, مركزاً خطابه على الحقوق والحريات ومفهوم الدولة والعدالة والشفافية, بما كان يستطلع عليه الجميع تحت مفهوم الدولة المدينة!

عزز في خطابه الحديث المستمر عن التعايش والشراكة كمبادئ أساسية للدولة المنشودة, وجسد هذا المفهوم بمنطق جديد يتجاوز الحذلقات والتوهيمات, أو رفع الشعارات بيد ومصادرتها تحت توهيمات عديدة باليد الأخرى, كما كان خطاب دوكم سهلاً رقيقاً عذباً, يفهمه الكثير, فهو يحدد معالم التعايش بسقف الحقيقي, بأن اليمن تسع الجميع بلا استثناء, والجميع يستحق العيش فيها, وأن الدولة يجب أن ترعى الجميع بلا استثناء, ودون النظر الى لون الشخص أو حزبه أو طائفته أو مدينة, وأن الحب بالنسبة له ينال المسلمين وهو بالقدر نفسه ينال اليهود اليمنيين ايضاً , كما هو ايضاً ينال الزيدية والشافعية والحنبلية وهو ايضاً للصوفية والاباضية وكل الفرق والأحزاب والتيارات مهما كانت.

هذا الخطاب بقدر ما خلق له من حب وحماس كبير من قبل جيل 11 فبراير, كونها امتدادا طبيعيا لثورة سبتمبر الخالدة واكتوبر في جنوب البلاد, فنفس التطلعات ونفس الأفكار ونفس الأهداف الذي يناضل لها اليمنيون منذ نصف قرن, هي التي يجب أن تسود وأن لا يتوقف عنها لحظة حتى تتحول الى واقع معاش في حياة الناس, ولا يكون ذلك إلا بإرساء مداميك الدولة المدنية العادلة, حلم كل اليمنيين بلا استثناء, وهو الى جانب ذلك خلق له مناوئين بأيد داخلية وخارجية, والتي لا ترى في الثورة وكل ما يتصل بها وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الدول ويجب اسقاطه والقضاء عليه.

في 16 فبراير/ شباط 2016م كتب الشهيد عمر دوكم في موقع اليمني الجديد من وحي ثورة 11 فبراير المنسية, وافتتح المقال بقوله: "الاستبداد هو عدونا الأول وهو الأب الشرعي لثلاثة أبناء: الاستعمار , الفساد, الفوضى". وأضاف في مقاله المشار إليه: "عندما زار هواري بومدين -الرئيس التونسي الأسبق- اليمن بعد ثورة 1962م, ورأى ما يعانيه اليمنيون من تخلف وتجهيل وفقر مدقع وما ذاقوه من ويلات الحكم الإمامي؛ قال: "لو علم الثوار في تونس بما عاناه اليمنيون من حكم الأئمة لبنوا للاستعمار الفرنسي تمثالاً"!

يضيف دوكم: "اختلال الأوضاع يؤدي لاحتلال الأوطان, ومن المعتاد مما لاقاه المستبد والمستعمر لبعضهما؛ لسبب بسيط؛ هو أن مصالحهما تتقاطع (تلتقي) في معظم أحوالهما.

ومما نسيناه نحن اليمنيون -وما أكثر ما نسيناه- أن تعز لم تستطع أن تكون منطلقاً ومركزاً لإعداد المتطوعين لحرب تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني؛ إلا بعد أن استطاع اليمنيون في الشمال القضاء على حكم بيت حميد الدين".

هذه المقالات التي كان ينشرها, كانت يتحدث عن الثورة وهو يستحضر التاريخ جيداً, وكما يكتب ذلك في مقالاته فهو أيضاً يستحضرها في خطبه, ففي خطبة له بمناسبة ثورة 14 اكتوبر/ تشرين اول في الجنوب كانت له خطبة بتاريخ 10/ اكتوبر في ساحة الحرية بتعز 2017م, عكست وعيه الواضح بالتاريخ وبالاستبداد والاستعمار وربط ذلك بما يتطلع له شباب الثورة اليوم ويقصد به ثوار 11 فبراير.

وفي مقالة له نشر في 18/ اكتوبر/ تشرين اول 2017م في موقع المصدر اونلاين يقول فيه: "أرفض كل من اتخذ الإقصاء له منهجاَ والعنف شريعةً والسلاح أسلوباً لفرض قناعاته وخياراته على اليمنيين".

واشار في ذات المقال بأن "الاختلاف حتمية وضرورة بشرية وكونية؛ شئنا أم أبينا. نختلف مناطقياً وسياسياً وفكرياً .. لكن حتى يبقى هذا الاختلاف في إطار الائتلاف. وحتى يكون تنوعاً لا تنازعاً؛ وتعارفاً لا تعاركاً يجب أن يظل محدودا ومؤطراً بأطر الدولة المدنية والتي من أبدَه بدهياتها مبدأ الشرعية الشعبية السياسية.. وإلا تحولت المجتمعات والدول إلى القبائلية والعشائرية وقانون الغاب وإن رفعت شعارات براقة"..