الجمعة 19-04-2024 08:22:12 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

 تدهور التعليم.. كارثة تهدد مستقبل اليمن!

الأربعاء 28 مارس - آذار 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ وئام اسماعيل

   

"التعليم بتعز وعموم اليمن ينقرض"، هذا ما تؤكده إحدى معلمات تعز، التي تشعر بالحزن نتيجة لتدهور التعليم في البلاد، لاستمرار الحرب منذ أربعة أعوام.

تقول الأستاذة سميرة الشرعبي إنها لا تبالغ حين تتحدث عن انقراض التعليم باليمن، وتُرجع أسباب ذلك إلى تفشي ظاهرة الغش، وعدم رغبة الطلاب بالدراسة، والمدرسين بالتدريس.

وتدهور التعليم في اليمن بشكل كبير بسبب الحرب، التي أدت إلى نزوح آلاف الأسر، وتدمير عدد من المدارس بشكل كلي أو جزئي، فضلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بعد أن أصبح أكثر من 82% من اليمنيين بحاجة لمساعدات إنسانية.

وتتراجع مخرجات التعليم بشكل ملحوظ؛ حيث يحصل طلاب الثانوية العامة على معدلات مرتفعة، دون أن يُجيد البعض منهم حتى القراءة والكتابة بشكل جيد.

 

مشكلات كثيرة

 

تذكر الأستاذة سميرة إحدى مُدرسات مدرسة 7 يوليو بتعز، أن الطلاب تدهور مستواهم بشكل كبير، خاصة أن كثير من المدارس تعتمد على المتطوعات اللائي لا يملكن أدنى خبرة، وذلك بسبب عدم قدرة المعلمين على التواجد في أماكن عملهم بسبب انقطاع الرواتب.

وبيَّنت أن الطلاب يصلون إلى الصف الثالث ولا يستطيعون القراءة ولا حتى الكتابة، وهو ما يعني استمرار تردي مستواهم حتى تخرجهم من الثانوية، نتيجة لعدم تأسيسهم بشكل قوي.

ومما يضاعف المشكلة، هو عدم تعاون أهالي الطلاب بشكل كبير مع المدرسة، ومتابعة أبنائهم لتحسين مستواهم، بحسب سميرة.

وتشكو سميرة من عدم رغبة الطلاب بالدراسة، وعدم وخوفهم من الأستاذ إطلاقا، وهو ما لم يكن يحدث معها من قبل.

 

عدم الرغبة بالتعلًّم

 

خلود محمد تؤكد ذلك أيضا، فلديها طفلان في المدرسة الابتدائية، يرفضان المذاكرة والذهاب إلى المدرسة بشكل منتظم.

تقول خلود إنها تقضي وقتا طويلا في إقناع طفليها بالمذاكرة، وإن ذاكرا فبدون رغبة أو اهتمام، وهو ما يجعلها قلقة على مستقبلهم.

لا تجد خلود تفسيرا لما يحدث لأبنائها، لكنها تعتقد أن الوضع الذي فرضته الحرب -خاصة بتعز- جعل الأطفال يعيشون بقلق ولا يشعرون بقيمة الحياة، ولا يجدون أي متنفس، إضافة إلى عدم امتلاك المعلمين المتطوعين الخبرة الكافية.

 

عوامل نفسية

 

ومع فقدان الطلاب القدرة على التركيز، وعدم قدرتهم على المذاكرة، بسبب الضغوط النفسية التي فرضتها الحرب، تقول الأخصائية الاجتماعية رباب عبدالرب سفيان إن الحروب تعدُّ من الكوارث الخطيرة التي يحدثها البشر، وتلحق الكثير من الدمار في نفسيات الكثيرين، قبل ممتلكاتهم.

"هي من أشد الكوارث التي تبقى عالقة لسنوات طويلة في ذاكرة البشر وتحديدا الأطفال، خاصة إذا ما ارتبطت بمواقف رعب وهلع، تفقد الصغار القدرة على التوازن النفسي، والذي بدوره يعرقل أدائهم اليومي، ويعيق أي إنجاز قد يحققوه في حياتهم البسيطة": تضيف رباب.

وما يزيد الأمر سوءاً في المجتمع اليمني بشكل خاص، هو افتقاره لثقافة الرعاية والصحة النفسية، خاصة للأطفال، على الرغم من أنهم الدعائم المهمة لبناء المجتمع المنتج، وفقا لـ"رباب".

وأكدت تعرض عديد من الأطفال والطلاب، لصدمات تركتها لهم ويلات الحرب، بعد تشردهم من منازلهم، وتركهم المدرسة، وفقدان بعض الأسر لمن يعولها، وكذا عدم وجود الأمن للوصول إلى المدرسة، وعدم توفر المناهج الدراسية.

"لقد جعلتهم يعانوا من الاكتئاب الشديد، وحالات الهستيريا الناتجة عن المواقف الدامية التي شاهدوها، فأثرت على حاضرهم ومستقبلهم، وأفقدتهم القدرة على التفكير والتركيز والفهم، ما أدى إلى تدني مستوى تحصيلهم العلمي" - تقول رباب.

وتتابع: "أصبح بعض الأطفال يفتقدون الشعور بالأمان والاطمئنان، وبتأنيب الضمير الناتج عن الإحساس العالي لدى الطفل، عند رؤيته لمشاهد القتل والدمار المرعبة، والتي يقف أمامها عاجزاً عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها".

وكل ذلك- بحسب الأخصائية الاجتماعية رباب- يفقد الطفل القدرة على التكيف مع الواقع وتقبله، وبالتالي وقد يلجأ- وبحسب استعداده ومع الأخذ بالفروقات الفردية بين الأطفال-، بارتكاب أعمال العنف، ما ينعكس على صحة الجسد، وتنتشر أمراض سوء التغذية، وفقر الدم وغيرها من الأمراض التي تفقد الطلاب القدرة على التوازن النفسي، وتنتج جيل محطم غير قادر على البناء.

وتعاني أستاذة مادة الرياضيات غادة علي، من عدم اهتمام طلاب الصف الأول الثانوي والثالث الثانوي بالمذاكرة ومتابعة الدروس.

وتوضح أنها كثيرا ما تلزم الطلاب بكتابة بعض الواجبات، لكن يتم تجاهل أوامرها، كون الطلاب يعرفون أنهم سينجحون في كل الأحوال، خاصة مع تنامي ظاهرة الغش.

وتفيد: "أذهب إلى المدرسة برغم أني لا أتقاضي راتبي بانتظام، ولكن حين أشاهد عدم اهتمام الطلاب، وغياب كثير من المعلمات بسبب النزوح أو الرواتب، فإني أشعر بعدم الرغبة بالاستمرار".

 

عوامل أخرى

 

بدورها ألقت الضوء الإدارية بمدرسة خديجة الأستاذة أروى غالب، على أسباب أخرى لتدهور العملية التعليمة باليمن، أبرزها قيام أكثر المدارس بإعطاء درجات نجاح لمختلف الطلاب خاصة في الفصول الثلاثة الأولى (الأول، الثاني، الثالث).

وتحدثت عن عدم مزاولة الكثير من المعلمين لعملهم، لعدم قدرة بعضهم على الحصول على أجرة المواصلات، بسبب انقطاع رواتبهم.

ولفتت إلى أن الطلاب بتعز يعيشون في ظل قلق واضطراب، نتيجة لتعرض مدارسهم من وقت لآخر للقصف العشوائي، أو شظايا بعض القذائف، وهو ما يتكرر في مدرسة زيد الموشكي بتعز وغيرها.

 

استمرار التدهور

 

ومع استمرار تدهور مختلف مناحي الحياة باليمن، خاصة في الجانب الاقتصادي، فقد اضطر عبدالله غالب إلى ترك ابنه ريان في المنزل، لعدم قدرته على سداد رسوم المدرسة الأهلية التي كان يدرس بها طفله.

وأوضح أن ابنه محمد وصل إلى الصف الثاني، ولكن لا يوجد مدارس حكومية قريبة من منزله ليكمل ابنه الدراسة، فاضطر إلى توقيفه عن التعليم.

وهو يشعر الحزن على مستقبل ابنه لكنه يؤكد أن "ذلك الخيار كان مجبراً عليه، فهو بالكاد يستطيع توفير متطلبات منزله، وأجرة المواصلات لابنتيه في الجامعة".

وتراجعت العملية التعليمية في اليمن بشكل غير مسبوق، بعد انقلاب مليشيات الحوثي الانقلابية على الدولة، وإسقاطها للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2015.

أدى اندلاع الحرب في البلاد في أغلب محافظات الجمهورية اليمنية، إلى تدهور العملية التعليمية بشكل غير مسبوق، نتيجة لتدمير عدد كبير من المدارس وتضررها إما بشكل كلي أو جزئي، فضلا عن تحويل الكثير منها إلى ثكنات عسكرية، وعدم انتظام الرواتب الذي أدى إلى انقطاع عدد كبير من المدرسين عن العمل.

ويمكن القول إن الحرب التي تشهدها اليمن، كانت بمثابة الضربة الموجعة الأشد، التي تعرض لها التعليم في البلاد، فقد أكدت منظمة أوكسفام للإغاثة أن 1600 مدرسة باتت خارج نطاق الخدمة في اليمن، وهو ما يعني أن مئات الطلاب أصبحوا خارج مقاعد الدراسة.

 

تراجع مخيف للتعليم

 

ومنذ عام 2000، ارتفعت معدلات القدرة على القراءة والكتابة للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة، لتصل إلى 85 بالمئة على الصعيد العالمي، لكن الوضع يختلف تماما في اليمن، فوفقا لتقديرات منظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة، حول معدلات الأمية في العالم العربي، جاءت اليمن في المرتبة الثانية بعد موريتانيا، وهو مؤشر خطير ينذر بارتفاع نسبة الأمية في البلاد بشكل أكبر.

ويزداد وضع التعليم في اليمن سوءا يوما بعد آخر، مع استمرار الحرب التي ستدخل بعد أيام عامها الرابع، والتي تضررت جراءها مختلف مناحي الحياة، ونزوح عشرات الأسر.

فبحسب تقرير حديث صادر عن منظمة اليونيسيف، فقد أصبح تعليم 4 ملايين ونصف المليون طفل في 13 محافظة يمنية يحتضر. كما تؤكد –كذلك- بأن 31% من فتيات اليمن أصبحن اليوم خارج نطاق التعليم، بسبب استمرار الحرب التي ألقت بظلالها على التعليم.

وتشير إحصائيات تابعة لمركز الدراسات والتعليم التربوي، إلى أن الصراع تسبب بإغلاق 468 مدرسة بتعز التي تشهد معارك متقطعة بين الانقلابيين والشرعية منذ مارس/آذار 2015.

ونتيجة لاستمرار تردي العملية التعليمية في اليمن، فإن المنظمات تحمِّل مختلف أطراف الصراع في البلاد مسؤولية تدهوره.

وبدلا من توجه البلاد للتخلص من الأمية على غرار ما يحدث في مختلف البلدان، فإن كل المؤشرات الآن تؤكد أن اليمن تذهب نحو الأمية، ما لم تستمر الجهود المختلفة الرامية إلى استمرار التعليم.