الجمعة 29-03-2024 15:51:49 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز.. ليلة الغزو وقبل العاصفة!

الثلاثاء 27 مارس - آذار 2018 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت- خاص/ أحمد ابو ماهر


في مثل هذه الأيام من عام 2015 يتذكر اليمنيون عموماً والتعزيون خصوصاً المراحل الأولى للغزو المليشوي لمحافظة تعز وكيف قاومتهم المدينة المدنية..


كان كل شيء يتعرض للانهيار في اليمن بانهيار مؤسسات الدولة التي نخر صلبها صالح والحوثي استبقتها حملات إعلامية مولت بمليارات الريالات إن لم تكن الدولارات تشوه السلطة الناشئة بعد ثورة 11 فبراير والمبادرة الخليجية وتهيئ للانقلاب الحوثي العفاشي..كانت تلك الحملة من الجميع بلا استثناء توجه معاول الهدم لبقية مؤسسات الدولة أو شبه المؤسسات، حتى استطاع الانقلاب الحوثي العفاشي التسلل من نافذة تلك الحملات بما يمتلكانه من مقومات بشرية في تلك المؤسسات التي ربطها نظام صالح به شخصياً وليس بمؤسسات الدولة.


بينما كان الحوثيون وأتباع صالح يسقطون جبهة العند للدخول إلى عدن بقوة السلاح، كانوا يتسللون باسم المؤسسات الأمنية إلى تعز وإلى معسكر القوات الخاصة، متسترين بالاتفاقية التي وقعتها القوى السياسية برعاية المحافظ يومها شوقي أحمد هائل على أنه تجنيب تعز من الصراعات المسلحة وعدم السماح للمليشيات الحوثية بالدخول إليها، بينما كان الحوثيون قد تسللوا بزي الحرس الجمهوري والأمن الخاص وتمركزوا في المعسكرات.
تجمع شباب تعز في مظاهرة كبيرة يوم الثاني والعشرين من مارس رفضاً لتلك المليشيات ولغزوهم محافظة عدن أمام بوابة معسكر قوات الأمن الخاصة في منطقة الحوبان بتعز وقاموا بتنفيذ اعتصام سلمي أمام بوابة المعسكر، وواصل الشباب احتجاجهم في المكان لليوم الثالث على التوالي رغم الاعتداءات المستمرة عليهم، وفي اليوم الثالث من التجمع (24 مارس) قام قائد القوات الخاصة (الأمن المركزي) العميد علي الحارثي وقائد اللواء 22 حرس جمهوري العميد حمود دهمش بارتكاب مجزرة مروعة بحق الشباب السلميين الذين تجمعوا للمظاهرات السلمية دون أي سلاح معهم سوى أقلمهم وصدورهم العارية التي عرف بها أبناء تعز المسالمون.


المجزرة التي ارتكبتها قوات الأمن الخاصة راح ضحيتها 8 من الشباب وأكثر من 17جريحاً.
ظل المسؤولون في مؤسسات الدولة وكذلك الأحزاب بلا حراك يذكر للتصدي للانقلاب الحوثي كون كل جهة ترى أنه ليس اختصاصها وليست المعنية، فانسحب المسؤولون وكأن شيئاً لم يكن وتسلل الانقلابيون من بوابة الحياد والتخاذل وعد الشعور بالمسؤولية مما أوجد حالة فراغ كبرى في كل شيء ملأها الانقلابيون وبقوة وسيطروا على كل مؤسسات تعز ومنها المؤسسة العسكرية والأمنية.
صحا الشعب في تعز على غزو محافظتهم بستار الدولة، وقدم محافظ المحافظة شوقي أحمد هائل استقالته من المحافظة ولم يبق شيء اسمه الدولة.
كان شباب تعز يتلفتون يمنة ويسرة هل من تحرك لمن هم مسؤولون لملء هذا الفراغ؟ وهل من مبادر ليقود زمام المحافظة والتصدي للانقلابيين؟ لم يكن شيء من ذلك كله حتى تجمع بعض الشباب الغيورين على محافظتهم ببعض القيادات العسكرية والقبلية والتعليمية وكونوا النواة الأولى للمقاومة في المحافظة.


عمل الشباب الغيور في محافظة تعز من الوهلة الأولى إلى تكوين مقاومة شعبية لهذا الغزو ومناصرة لمحافظة عدن التي كان الحوثيون وأنصار صالح يقومون فيها بارتكاب المجازر المروعة، ليطلق أبناء عدن صرخات الاستغاثات من هذه المليشيات.
ودخلت تعز مرحلة المقاومة بحوالي 200 شاب من الطلاب والمدرسين والأكاديميين والمهندسين من منتسبي التجمع اليمني للإصلاح وممن رفض من العسكريين الانضواء تحت قيادة المليشيات، وكان الشيخ حمود سعيد المخلافي يتزعم تلك المقاومة. ومع ازدياد توافد الشباب المقاوم وقلة الإمكانات كان كل ثلاثة من الشبان يتداولون البندقية فيما بينهم وشحة كبيرة في الذخيرة.

 

عاصفة الحزم


بينما كان اليأس يخيم على الشارع اليمني عموما ومنهم أبناء تعز، انطلقت عاصفة الحزم يوم السادس والعشرين من مارس 2015، ما أعطى أملاً ودافعاً قوياً للمواطنين الذين ابتهجوا كثيراً لتدخل التحالف العربي لنصرة الشرعية والقضاء على الانقلاب.
وبانطلاق عاصفة الحزم في اليمن أعطت زخماً كبيراً للشرعية والمقاومة، وتوافد الشباب من كل حدب وصوب للانضمام للمقاومة، وتم البدء بتشكيل جيش وطني بديل للجيش الذي تواطأ مع الانقلابيين ومكن لهم في كل المحافظات.
بعد يومين من تدخل عاصفة الحزم كان قائد الأمن المركزي العميد علي الحارثي يفر مع مرافقيه من المعسكر الذي استهدفه طيران التحالف العربي بعدة غارات ويفر إلى جهة غير معروفة، بينما أقال الرئيس عبدربه منصور هادي قائد اللواء 22 ميكا حرس جمهوري في الجند العميد حمود دهشوش "لإخلاله بواجباته الوطنية وزجه لأبناء في القوات المسلحة البطلة في معارك لا تخدم الثوابت الوطنية" بحسب ما جاء في قرار الإقالة وتعيين العميد الركن صادق سرحان قائداً للواء.
تعز كانت المحافظة الوحيدة التي قاومت الغزو الحوثي منذ بداياته الأولى ورفضت تواجدهم في المحافظة وتسلطهم على مؤسسات الدولة، حيث انقلب الحوثيون على الاتفاق الذي رعاه محافظ تعز شوقي أحمد هائل على الرغم من معرفة الجميع أن هذه المليشيات لا تفي بعهد ولا ميثاق.

 

بين المقاومة والمليشيات


ظلت المقاومة تسيطر على بعض المرتفعات داخل المدينة وبعض الأحياء السكنية والشوارع، بينما كان الانقلابيون قد عملوا عملية إحلال في كل مؤسسات الدولة من جيش وأمن ومؤسسات مدنية ومن خلالها حاولوا وأد المقاومة في مهدها إلا أن المقاومة كانت تحقق الانتصارات المتسارعة وتطرد المليشيات الانقلابية الحوثية والعفاشية من كثير من المواقع حتى بات معظم المدينة محرراً من تلك المليشيات.
ركزت المليشيات الانقلابية بكل قوتها على تعز لمحاولة السيطرة عليها واسترداد كبريائها المهدور في المحافظة السلمية التي قال عنها الحوثي أنه سيسوق أهلها (المبنطلين) بالعصي بينما كان عفاش يقول أنه سيقودها بطقم عسكري فقط.
ظل صالح والحوثيون يحشدون للمحافظة الكتائب والألوية والأسلحة المختلفة والمليشيات من كافة المناطق الشمالية ورفدهم بمختلف أنواع الأسلحة والقناصة وتعرضت تعز لما لم تتعرض له أية محافظة يمنية أخرى من حصار وتجويع وتدمير وقتل ممنهج وقصف الأحياء المكتظة بالسكان وارتكاب المجازر المروعة بحق أبنائها، وكما سقط أكثر شهداء الجمهورية في تعز من مدنيين ومقاومين إلا أن المحافظة أيضاً ظلت كابوساً يؤرق الانقلابيين وتستنزفهم على كل المستويات من القدرات العسكرية والبشرية وسقط أكثر قتلى الحوثيين وصالح في محافظة تعز.
تعرضت محافظة تعز لخذلان ممنهج لم تتعرض له أية محافظة أخرى وكأنه كتب على المحافظة أن تدفع أثماناً باهظة من الجميع في كافة الجهات داخل الشرعية وخارجها، وما زالت حتى اليوم تدفع ذلك الثمن.