الجمعة 29-03-2024 17:14:49 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وصراع السلطة (الحلقة الاخيرة)

الأربعاء 07 مارس - آذار 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان

 

"إن اعتقادنا أن لدينا واجباً مقدساً إزاء الآخرين كثيراً ما يكون طوق النجاة الذي نحاول بواسطته إنقاذ أنفسنا من الغرق, وعندما نمد يدنا نحو الآخر فنحن, في حقيقة الأمر, نبحث عن يد تنتشلنا". (1)
بات من السهولة, كشف عدد من الثغرات ونقاط الضعف لدى جماعة الحوثيين المسلحة في سيرها الحثيث نحو السلطة والثروة, فالجماعة باتت تدرك المخاطر المحدقة التي تنتظرها بسبب الحرب التي اشعلتها على طول البلاد وعرضها منذ أربع سنوات, وهي نتيجة محتومة, لا يمكن الهروب عنها, بقدر ما يمكن لها أن تؤخر الانهيار قليلاً, بسبب جملة من العوامل الداخلية والخارجية في نفس الوقت.

 

ضعف الشرعية
يمكن القول أن ضعف الشرعية وأداءها(2), وقد مثل ذلك!, واحداً من أهم الأسباب التي ساعدت الجماعة بدرجة اساسية, في التماسك اكثر – داخل صفوفها - ومواجهة كثير من العواصف الداخلية والخارجية معاً, وخاصة بعد انطلاق عاصفة الحزم في 26مارس/ اذار 2015م, وساعدها ذلك - التراخي - في خروجها من المعقل الرئيس في صعدة, والوصول الى العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الاخرى, قبل أن يتم هزيمتها في عدد من المحافظات ومحاصرتها حالياً داخل نطاق اقل, مقارنة بالتوسع الذي شهدته 2015م.


وقد شكل ضعف الشرعية وهشاشتها وعدم التناغم داخل صفوفها, متنفسا للحوثيين؛ فالفوضى التي رافقت مناطق الشرعية المحررة صدم الكثير من الناس الذين ممن كانوا متحمسين للقضاء على الحوثيين واسقاط سلطتهم المباشرة في صنعاء.


ويمكن القول إن التحالف الذي شكله الحوثيون مع حزب المؤتمر الشعبي العام, لمجلس سياسي أعلى لتقاسم أجهزة الدولة في 28يوليو/ تموز 2016م, وكانت احدى نتائجه المباشرة, دعوى الدفاع عن اليمن من الاخطار الخارجية, وهي الحجة التي لم تستطع الشرعية مع الأسف دحضها وعلى الأقل سحب هذه الحجة من تحت الحوثيين, كونهم لا يملكون الحق في تمثيل اليمن, بل ليس من صلاحياتهم منح انفسهم هذا الحق باسم اليمنيين, وذات الحجة ستخلف أثار كارثية من خلال الزج بمئات الآلاف من الشباب والاطفال في جبهات الحرب تحت ذات المبرر.

 

الهروب الى الأما
وبقدر ما احدثت الخلافات السياسية وغياب الاستراتيجية داخل اطر الشرعية في تأخير الحسم العسكري, واسقاط نفوذ الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها, ومنها العاصمة صنعاء, بقدر ما ساعدتهم الحرب الطويلة بطريقة أو بأخرى على الصمود والتحدي اكثر, ويمكن القول ايضاً ان بقاء الحرب مستعرة دون افق واضح للحسم ساعد الحوثيين أكثر على تأخير الخلافات الداخلية الناشئة بينهم بشكل طبيعي, أو بمعنى أدق على تأخير انفجار المشكلات الداخلية المرحلة للمستقبل قسراً, كقتلى الحرب والجرحى وعمليات الفساد, وقبل ذلك وهو الاهم استحقاقات النفوذ للأسر الهاشمية على السلطة والثروة داخل هيكل الدولة الإداري.

 

التنظيم الهاشمية السياسية
بعد انتصار ثورة سبتمبر 26 سبتمبر/ ايلول 1962م، والتحول من نظام ملكي أسري سلالي الى نظام جمهوري, بدأ الهاشميون بوضع استراتيجية جديدة لإعادة إنتاج أنفسهم, والعمل على استثمار نفوذهم وحماية مصالحهم, والسير نحو الهدف الكبير هو ضرب الدولة الوليدة من الداخل للوصول الى الهدف الكبير وهو استعادة الحكم والسيطرة عليه, وهذه الجهود الأولية أثمرت عن تأسيس ما يسمى بالمجلس الأعلى لحكماء آل البيت عام 1971م, على يد أحمد الشامي الذي كان عضواً في فريق المفاوضات الملكية مع الجمهوريين في اثناء اتفاق1970م.


وعمل أحمد محمد الشامي، وهو أول أمين عام لحزب الحق بعد اقرار العملية الحزبية, انطلق حينها في عملية إعادة ترتيب البيت الهاشمي, عبر ضم المجلس الأعلى في تشكيلته الأولى لأبرز الهاشميين، وفي مقدمتهم بدر الدين الحوثي (والد حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثيين الذي انشق عن المجلس الهاشمي وذهب إلى إيران عام 1992م, وتوفي في صنعاء عام 2010م, يضاف إليهم اللواء يحيى المتوكل وهو الشخصية الأكثر إثارة في هذا الملف, حيث تقلد مناصب رفيعة منها سفير اليمن في باريس وواشنطن، ومحافظا لمحافظة إب، ووزيراً للداخلية، ورئيس الدائرة السياسية العليا لحزب المؤتمر الشعبي العام، حيث توفي عام 2003م, في حادث سير قال البعض إنه مدبّر, اثناء سفره الى مدينة عدن، إضافة إلى المؤسس و10 أعضاء آخرين من عائلات هاشمية عريقة, في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات فيما يعرف – المركز المقدس- أو العمق الزيدي الهاشمي.


وكان واحداً من الذين تولوا الحديث عن هذا التنظيم السري, وهو الذي ظل في دائرة المسكوت عنه, حيث يرى الدكتور رياض الغيلي في كتاب بعنوان "التنظيم السري للهاشميين في اليمن" أن أبرز استراتيجيات هذا التنظيم تمثل في التغلغل داخل جسد المجتمع اليمني والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والقضائية, حيث استطاع الدفع بالعديد من قياداته إلى هرم السلطة وأبرزهم مؤسس المجلس الأعلى أحمد الشامي الذي صار عضواً في المجلس الجمهوري، الى جانب احتكار وزارة العدل والتي كانت كوكر للهاشميين دون غيرهم, قبل أن يكسر ذلك الاحتكار الدكتور عبدالوهاب الديلمي وسينتج عن ذلك حملة شعواء عليه استمرت لأكثر من عقدين.


ويضيف الغيلي أن العقل العسكري للحوثيين هو اللواء يحيى الشامي، تم تعيينه قائداً عسكرياً للمحور الجنوبي، شمال اليمن، ثم محافظاً للبيضاء وصعدة ومأرب بعد الوحدة، وسفيراً لليمن في عدة دول, ويعد واحداً من المهندسين الكبار لإسقاط العاصمة صنعاء. (3)

 

خلافات الهاشميين نار تحت الرماد
في تراث وتاريخ الهاشمية بشكل عام, أن الأحقية بالسلطة هي في سلالة الهاشميين فقط, وهناك صراع وخلاف طويل حول من احق بالحكم سلالة الحسن أو الحسين, واغلب كتب الهادوية كلام طويل في هذا الجانب, وهم الى جانب ذلك ليسوا كتلة واحدة إلا في مواجهة خطر خارجي, كون الهاشميين أو من ينتسبون تحت هذا المسمى على أقسام مختلفة, فهناك من هم من الدرجة الأولى كبيت المتوكل وشرف الدين والوزير, ومنهم من الدرجة الثانية كبيت الحوثي والديلمي وزبارة, والثالثة كبيت الابيض والسقاف والمهدي والاخفش والحيفي والحمزة والحميضة ..الخ(4) وحتى الرابعة كبيت الرميمة والجنيد, وهذه الأخيرة تطلق على الاسر الهاشمية من الذين ينتمون الى مذاهب أخرى غير الزيدية, كالشافعية والصوفية وغيرها.


منذ أن تم التوقيع على اتفاق بين الجمهوريين والملكين ينهي نزاع استمر لثماني سنوات, كانت عدد من المدن والمحافظات نار لسعير تلك الحرب, تقاسم الهاشميون النفوذ وخاصة في جانب الثورة, فصعدة كلها كانت تمثل اوقاف لبيت الهادي تم تقسيمها بين اسرتين فقط, بيت الحوثي وبيت المؤيدي, وفي العاصمة كمثال آخر ورث الهاشميون آلاف الفدانات والاراضي وهم الى جانب ذلك احتفظوا بمناصب عليا ومهمة داخل اجهزة الدولة, واثناء حكم صالح كادت بعض الوزارات أن تكون مغلقة وخاصة للهاشمية السياسية, أو انهم اصحاب النفوذ الاول, كالقضاء والرئاسة والخارجية, إضافة الى التغلغل في اغلب مناصب حساسة داخل اجهزة الدولة.


كانت تواجه الحوثيين نفوذ الهاشمية السياسية داخل صنعاء والتي لا ترى في عبدالملك الحوثي أنه الزعيم المستقبلي لمشروع استعادة نظام الحكم إلا من باب الضرورة, بل ان شخصية مثل الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري رغم تعصبه الواضح إلا أنه لم يكن على وفاق تام مع عبدالملك الحوثي, فقد تم منعه من إمامة صلاة الجنازة في صعدة على حسين بدر الدين الحوثي في منتصف 2013م, والمجيء بعبدالملك الحوثي.

 

تعزيز النفوذ بصنعاء وتعطيل القضاء
يدرك الحوثيون جيداً أن تواجدهم في صنعاء لا يزال طارئاً, وأن اللحظة السياسية ساعدتهم في الوصول الى هذا المستوى المتقدم والذي لم يكن في حلمهم من قبل, كما أن الهاشمية السياسية في صنعاء على درجة كبيرة من الأهمية ولها ارث ليس سلهاً في إدارة الصراع والحكم, وقد استطاعت أن تخترق الاحزاب والتيارات والجماعات والمنظمات, إلا أن طبيعة الطريقة التي تعامل بها الحوثيون جعلت الاختراق هذه المرة عكسي, فبدل أن يتم اختراق جماعة الحوثيين رغم التواجد الحقيقي داخل منظومة الجماعة, إلا أن الطريقة الهرمية التي يتعامل بها الحوثيون جعلتهم في موقع آخر ومربك للآخرين.


لقد كان اول قرار اتخذه الحوثيون فور احتلالهم العاصمة صنعاء هو تعطيل مؤسسة القضاء أو وزارة العدل, وفتح مكاتب "انصار الله" تقوم بحل المشكلات والاحتكام إليها, وبات مكتب "انصار الله" في الروضة هو المؤسسة الوحيدة التي يحتكم إليها سكان العاصمة صنعاء بل على مستوى المناطق التي تقع تحت نفوذهم. وقد اعتمد الحوثيون على لغة القوة والعنف والمفرط في مواجهة أي خطر يهدد سير الجماعة, وكانت الضربات التي يصوبها الحوثيون تجاه خصومهم السياسيين تحمل رسائل ذات شق آخر موجهة الى الداخل, وكانت تصفية علي عبدالله صالح بتلك الصورة واحدة من تلك الصور الفنتازية والاكثر إثارة, وخلقت ايضاً حالة من الرعب قد لا تصمد كثيراً, فالإفراط في القوة والعنف مهما بدت مناسباً في وقت ما, إلا أنها تمثل بذور الخلاف داخلها وهي ايضاً تسرع من عمليات الانهيار وهناك تجارب كثيرة في هذا الجانب.


عبر هذه الخطوات توقفت ابرز الاذرع الهاشمية السياسية في صنعاء عن العمل, وسيقوم الحوثيون بخطوة ثانية اهم وهو ابعاد عدد من الشخصيات المؤثرة, او تسليم لهم مهمات تنفيذية مباشرة مع الناس, فيما سيحتكرون السيطرة على العاصمة, فالذي يديرها هو عبدالخالق الحوثي ومحمد علي الحوثي وعبدالكريم الحوثي, وهذه الشخصيات تسلمت مهام العاصمة بعد تصفية عدد من الشخصيات السياسية التي كانت تمثل خطر على الجماعة, الدكتور احمد شرف الدين وعبدالملك المتوكل وعبدالكريم جدبان, والمرتضى المحطوري وسنجد أن كل واحد من هذه الشخصيات كان يمثل قطب ولم يكن على وفاق للجماعة. (5)

 


.......................
هوامش:
1- المؤمن الصادق كتاب ينتمي للعلم النفس الاجتماعي تصنيفًا، أما تاريخًا فهو ينتمي للعام 1951م، حيث نشر للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية, الكتاب من تأليف اريك هوفر وقام بترجمة الكتاب للعربية غازي القصيبي.
2- الشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس عبده ربه منصور هادي والذي خلف الرئيس السابق علي عبدالله صالح في انتخابات (استفاء) لإدارة الدولة حتى قيام انتخابات جديدة.
3- مقالة حول " حكم الهاشميين في اليمن من "التنظيم السرّي" إلى تمدّد الحوثيين" منشورة في موقع رصيف السعيد بتاريخ 17 فبراير/شباط 2018م للكاتب حسن عبدالرحمن. نقل مع تصرف في ترتيب المعلومات وإعادة صياغتها.
4- كتاب الانباء عن دولة بلقيس وسبأ لمحمد بن يحيى عبدالله زبارة, ذكر في كتابه مجمل جميع الاسر الهاشمية. كما نشطت هذه الاسماء والألقاب والسير نحو هذه الأنساب وجعلها ميزة للتفاضل بين الناس في منتصف القرن الرابع ايام حكم الأيوبيين, وكان ذلك مرتبط بالواقع والصراح الذي كان يدور حينها, غير أنه اخذ منحناً آخر من الصراع المختفي حيناً والبارز أحايين اخرى.
5- حتى الآن ترفض جماعة الحوثيين الإعلان عن نتائج التحقيقات في كل جرائم التصفية التي استهدفت هذه الشخصيات التي كانت محسوبة عليها, يضاف الى أن خلاف كان قد نشب بين ممثلة الناشطة امل باشا وبين الصحفي عبدالكريم الخيواني, انتهى الخلاف بتصفية الخيواني دون الإعلان عن من يقف خلف الحادثة, وسبق لنجل الخيواني أن هدد امل باشا بنشر طبيعة الخلاف بين الطرفين, ثم التزم الصمت ولم يظهر أي نتائج حتى الآن, ما يؤكد أن اغلب الخلافات كانت يتم تسويتها بالعنف والقوة.