الخميس 28-03-2024 17:20:47 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الفقر يدفع "مثقفي" اليمن إلى بيع مكتباتهم المنزلية الخاصة (تقرير)

الثلاثاء 27 فبراير-شباط 2018 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت - متابعات

   

على مساحة كبيرة تتعدى الــ 20 مترا، يقف محمد علي، برفقة اثنين من معاونيه في بيع الكتب، بمختلف أنواعها، في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة صنعاء.

 

تتنوع هذه الكتب المعروضة للبيع، بين الدينية والثقافية والسياسية والرياضية والأدبية، الدوريات والمجلات، الجديدة منها والمستخدمة، الصالحة منها والتالفة، حتى المناهج الدراسية والتعليمية، التي باتت معدومة في المدارس الحكومية، أضحت البسطات هي المكان الوحيد التي يقصدها أولياء الأمور لشراء الكتب لأولادهم.

 

لوحظ توسع مساحة الكتب المعروضة يوما بعد آخر، وهو الأمر الذي دفع محرر الخبر، للتقصي عن أسباب زيادة حجم أعداد الكتب المعروضة للبيع في تلك البسطة، والتي معظمها - عدى النادر - مستخدمة، فأجاب محمد علي، والذي يعمل في تلك البسطة، أن السبب في ذلك، هو قيام الكثير من المثقفين في اليمن، وتحديدا في العاصمة صنعاء، لبيع مكتباتهم المنزلية، نتيجة الظروف المعيشية، خصوصا بعد قطع مليشيا الحوثي مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين.

 

أضاف محمد، في حديثه لــ "العاصمة أونلاين"، أن الفقر والأوضاع المعيشية الصعبة وعدم قدرة كثير من المثقفين على دفع إيجار منازلهم للخروج منها ومغادرتهم الريف، ما اضطروا لبيع مكتباتهم المنزلية، التي كانت تحتوي على كتب ثمينة، وبعض أبحاث علمية، وغيرها.

 

وتابع: "كل يوم يأتوا لنا ناس جدد، وبعضهم نساء يضطررن لبيع مكتبات ازواجهن، نتيجة الوضع الصعب التي باتت تعيشه كثير من الأسر، ولم يكن المثقفين بمنأى عما بات يعيشه الملايين اليمنيين، في ظل حكم المليشيا الحوثية"، لافتا الى أن بعض الأسر باتت تخرج ما بحوزتها من كتب، عملت على تخزينها لعشرات السنوات، بعضها انتاجات أدبية حد قوله.

 

حاولنا التقصي مع البائع أكثر حول هذا الأمر؛ إلا أنه فضل السكوت، وعدم الخوض كثيرا في غمار الحديث عن مثل هذه المواضيع، كون الوضع الأمني في صنعاء وفقا لما يراه لا يرحم، مؤكدا أنه جاء الى هنا - أي البسطة - لــ "العمل وطلبة الله وتحصيل رزق للجهال، مش للمحانبة"، في اشارة الى المخاوف التي تعترضه من المليشيا الحوثية التي تهدد المواطنين الذين يعترضونهم او يوجهون اي انتقادات لهم.

 

انها الحرب

 

وقابل أعداد الكتب المعروضة للبيع، وارتفاع أعداد المثقفين الذين يقومون ببيع مكتباتهم المنزلية، انخفاض كبير في أعداد الزبائن الذين يأتون للشراء، حيث يكتفي الكثير منهم فقط بأخذ نظرة عامة على الكتب، او التصفح بشكل مستعجل، ومن ثم المغادرة دون اقتناء لأي كتاب، نتيجة الأوضاع المالية. وفقا لـ"محمد علي". مؤكدا أن السبب في ذلك "الحرب".

 

انها الحرب التي لم تستثن أحدا، ووصلت شرارتها الى كل فئات وشرائح المجتمع اليمني، وعلى رأسهم المثقفين، الذين شردتهم الحرب، وباتوا بين مطارد او نازح، أو قتيل أو جريح، أو مختطف، عدى أولئك الذين تمكنوا من اللجوء الى خارج اليمن، هروبا من مأساة الحرب، وجحيم الفقر والمعاناة.

 

وحدها مليشيات الحوثي، هي المستفيد الأكبر، من نيران الحرب، التي أوقدتها في جسد الشعب اليمني، حين انقلبت على التوافق الوطني، ومخرجات الحوار، وسيطرت على العاصمة صنعاء بقوة السلاح، في سبتمبر 2014، وما تلاه من حرب لا تزال تحصد أرواح الآلاف من اليمنيين، فيما حولت المليشيا هذه الحرب الى وسيلة هامة في تكوين الامبراطورية المالية، في كافة المجالات.

 

المثقفون مستهدفون

 

وخلال الحرب، قامت المليشيا الحوثية بمحاصرة النشاط الثقافي والأدبي، وإسكات أصحاب الأصوات الحرة، وذات التأثير الشعبي والمجتمعي الواسع، وعملت على تغييبهم بشكل كامل، وفتح المجال أمام أصوات الموت التي تصدرها إلى اليمنيين في مختلف القرى والمدن.

 

وكشف زعيم المليشيا الحوثية، عن الحقد الدفين الذي تمتلكه هذه الجماعة ضد المثقفين، وذلك حين أعطى مسلحيه، خلال خطابه الذي ألقاه، يوم الـــ 23 سبتمبر 2015، الضوء الأخضر لاستهداف الصحفيين والمثقفين المعارضين لهم واعتقالهم، مؤكدا أنهم يشكلون خطورة على جماعته، أكبر من مقاتلي المقاومة الشعبية ضده، داعيا ميلشياته الى ضرورة "وضع حد لهم". حسب وصفه.

 

ونفذت المليشيا الحوثية تلك التوجيهات، حيث قامت باعتقال ومحاصرة عدد من الصحفيين والمثقفين في اليمن، وبعضهم لا يزال خلف القضبان، لا لشيء سوى التعبير عن رأيه، بمنشور في مواقع التواصل، أو مقال في جريدة أو موقع، أو غيره، وهو الأمر الذي دفع الكثير منهم للسكوت تحسبا للسلامة، أو الهروب خارج المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية.

 

قصص مأساوية!

 

ويعيش الأكاديميون والمثقفون في اليمن، أوضاعا مأساوية؛ بسبب توقف المرتبات منذ قرابة عام ونصف، في حين تحول غالبية الأكاديميين والموظفين اليمنيين إلى بائعي قات أو عمال يحملون الأحجار ويعمل بعضهم في سوق الحراج بالأجر اليومي، وآخرون عرضوا مكتباتهم للبيع، فيما باع آخرين سياراتهم ومنازلهم، وهذا هو واقع الحال في العاصمة صنعاء وبقية المدن التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي وصالح.

 

ففي منتصف شهر اغسطس الماضي، عثر على الأكاديمي الكبير في جامعة صنعاء، الدكتور عمر العمودي، رئيس قسم العلوم السياسية الأسبق في كلية التجارة والاقتصاد- جامعة صنعاء، متوفيا، داخل شقته التي يستأجرها في العاصمة صنعاء بعد مرور 12 يوم على وفاته. وأرجعت السبب الى أن الفقر وصعوبة الأوضاع المعيشية جعلت الدكتور يجلس في شقته حتى توفي فيها، دون ان يعرف أحد بذلك.

 

فيما دفعت الحاجة الماسة دكتور جامعي الى بيع بطاقته السلعية - وهي البطاقة التي استبدلت مليشيا الحوثي صرف الراتب فيها - بربع القيمة التي تحملها تلك البطاقة، حيث اضطر لبيع بطاقته السلعية المقدرة بـ "80الف ريال "، بمبلغ زهيد يقدر بـ"20الف ريال" لموظف السوبر ماركت، لسد احتياجاته الأساسية.

 

كما دفع الفقر والجوع، الدكتور الجامعي، فؤاد جعدان، الأكاديمي في كلية اللغات بجامعة ذمار، الى العمل في بيع الذرة الشامية في أحد الشوارع الرئيسية بذمار، جنوب العاصمة صنعاء، حيث كشفت صور تداولها ناشطون، للدكتور الأكاديمي، فؤاد جعدان، وهو يقوم ببيع الذرة الشامية، كي يسد جوع أسرته، وأولاده بعد انقطاع الراتب لأكثر عام ونصف من قبل المليشيا الانقلابية.

 

العاصمة أونلاين