الجمعة 26-04-2024 01:32:14 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

صراع مكبوت.. لماذا يهمش الحوثيون بقية العائلات السلالية (الهاشمية)؟

الثلاثاء 20 فبراير-شباط 2018 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت- خاص

     

لماذا تحرص جماعة الحوثي على عدم بروز أي قيادي في صفوفها، سواء مدني أو عسكري، من العائلات السلالية الأخرى التي تدعي النسب الهاشمي؟ ولماذا تحرص الجماعة على تعيين شخصيات من خارج سلالتها في مناصب مهمة مثل رئاسة المجلس السياسي ورئاسة الحكومة التابعة لها؟ وما مدى صحة الاتهامات الموجهة للجماعة بأنها هي من نفذت الاغتيالات التي طالت بعض الشخصيات الهاشمية خشية من منافستها على تزعم السلالة؟ وهل سيثير حرص عائلة الحوثي على تزعم السلالة الهاشمية في اليمن حنق وغيض العوائل الهاشمية الأخرى الطامحة للزعامة والإمامة؟

 

أيضا، هل سينتقل الصراع على الزعامة إلى عائلة الحوثي ذاتها بعد أن سربت الجماعة معلومات تفيد بأن زعيمها عبدالملك الحوثي يعمل على إعداد وتهيئة نجله "جبريل" ليخلفه في زعامة الجماعة في حال وفاته أو مقتله، رغم أن نجله ما زال طفلا، وذلك خوفا من أن يرث شقيقه من الأب (يحيى الحوثي) زعامة الجماعة؟ وإلى أي مدى ستؤثر هذه المخاوف المكبوتة على وحدة السلالة التي تدعي النسب الهاشمي في اليمن؟ وهل عدم الظهور الإعلامي ليحيى الحوثي، شقيق عبدالملك الحوثي، يعد حنقا منه بسبب تزعم أخيه الأصغر منه سنا للجماعة أم بسبب مخاوف أو ضغوط من أخيه؟

 

إشكالية فقهية وتاريخية

 

هناك إشكالية فقهية وتاريخية لدى جماعة الحوثي، أثارت لديها المخاوف من إمكانية ظهور سياسي هاشمي من عائلة أخرى يتمكن من الاستيلاء على زعامة السلالة الهاشمية وبالتالي الاستيلاء على الميراث السياسي والعسكري لجماعة الحوثي، ولهذا السبب كان الحرص على عدم بروز أي سياسي أو قيادي عسكري هاشمي من عائلة قوية ويحظى بشعبية في أوساط السلالة الهاشمية، واغتيال كل من يحتمل أن يكون منافسا لعائلة الحوثي.

 

بعد أن حققت جماعة الحوثي صعودا سياسيا وعسكريا لافتا، جراء التعاون والدعم المالي والعسكري الذي قدمه لها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ثم تغاضيه عن سيطرتها على مختلف مفاصل الدولة ومخازن الأسلحة بعد تحالفه الرسمي معها بعد الانقلاب وبدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، ازدادت شهية الجماعة واستغلت الظروف الغير طبيعية التي مرت بها البلاد، حتى وصل الأمر إلى المجاهرة بما تسميه الأحقية بالولاية، رغم تعارض ذلك مع النظام الجمهوري ومبادئ ثورة 26 سبتمبر 1962 التي قضت على النظام الإمامي السلالي والعنصري.

 

ومنذ أن بدأ هذا الصعود، استشعرت الجماعة مخاطر كبيرة تهدد نفوذها، وتتعلق هذه المخاطر بمسألة الزعامة والولاية، ذلك أن المذهب الزيدي يُجيز لمن رأى في نفسه توفر شروط الولاية والإمامة الخروج ودعوة الناس إلى مبايعته إماما، حتى وإن كان هناك إماما آخر يحكم البلاد، وهو ما تسبب بنشوب نزاعات وحروب مدمرة بين بعض العوائل الإمامية الهاشمية خلال سنوات حكمها لليمن منذ مجيء الإمام يحيى بن الحسين الرسي من جبال الرس في الحجاز إلى اليمن، وحتى سنوات قليلة قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962.

 

وعزز من هذه المخاوف أن عائلة الحوثي تعد من أكثر العوائل التي تعرضت للتهميش خلال سنوات حكم الأئمة الزيديين لليمن، وهو ما يعني أن عائلة الحوثي تشعر بالغبن والرغبة في الانتقام جراء التهميش التاريخي الذي عانت منه، بينما بقية العوائل السلالية تنظر بازدراء لعائلة الحوثي، وتعتبرها غير مؤهلة لزعامة السلالة التي تدعي النسب الهاشمي، وغير مؤهلة للإمامة وتولي أمر البلاد.

 

وكل ذلك جعل عائلة الحوثي تتخذ من الإجراءات ما يتناسب مع حجم هذه المخاطر التي تهددها، من أبرزها، الاغتيالات التي طالت عددا من السياسيين المنتمين لذات السلالة، ويحظون شعبية كبيرة في أوساطها، وتتعمد تهميش كبار الشخصيات في ذات السلالة، خشية من أن يطيحوا بعائلة الحوثي من زعامة السلالة ويستولوا عليها بالقوة.

 

 تصفيات مدروسة

 

لم تكن التصفيات الجسدية التي طالت عددا من السياسيين السلاليين (الهاشميين) مجرد عمل استخباراتي، إن جاز التعبير، لغرض تحقيق هدف ما، ولكنها كانت مدروسة، وتم اختيار الأهداف بعناية، بدليل أن هذه الاغتيالات -حتى وإن كانت محدودة- تزامنت مع الصعود السياسي والعسكري للجماعة.

 

ويرى مراقبون أن جماعة الحوثي هي من تقف وراء تلك الاغتيالات، وذلك لتصفية الساحة من أي منافسين محتملين، خاصة المعروفين في أوساط أتباع السلالة، ويحظون بشعبية كبيرة، أو يحظون بالاحترام والتقدير، سواء في أوساط السلالة أو في أوساط بعض أبناء القبائل.

 

بدأت جماعة الحوثي تحقيق صعودها السياسي والعسكري منذ مطلع العام 2014، ويعود ذلك إلى تحركاتها العسكرية خارج محافظة صعدة بدعم وتسهيل من الرئيس الراحل علي صالح، وأيضا مشاركتها بتمثيل كبير في مؤتمر الحوار الوطني.

 

وكانت فاتحة هذا الصعود السياسي والعسكري اغتيال شخصيتين من أبرز الشخصيات الهاشمية والتي تحظى بشعبية كبيرة في أوساط السلالة الهاشمية، وهما: أحمد شرف الدين، الذي كان ضمن ممثلي الجماعة في مؤتمر الحوار الوطني، واغتيل في 21 يناير 2014، بالإضافة إلى محمد عبدالملك المتوكل، الذي كان يرأس حزب اتحاد القوى الشعبية، واغتيل في 2 نوفمبر 2014.

 

وكان السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر قد اتهم جماعة الحوثي بقتل أحمد شرف الدين، خلال حوار مع قناة "اليمن" الفضائية الرسمية، بتاريخ 16 ديسمبر 2017 الماضي، مشيرا إلى وجود ما أسماه "تيار معتدل داخل الجماعة الحوثية المسلحة يخالف أعمال العنف، لكن الجماعة التي تتبنى العنف ترفض تحول المعتدلين إلى حزب سياسي، أو الانخراط في العمل السياسي السلمي".

 

وأوضح أن "الجناح المتطرف سعى منذ الانقلاب على الدولة إلى التخلص من الرموز المعتدلة داخل الحركة"، واستدل موضحا بمقتل السياسي أحمد شرف الدين، الذي قال إنه "كان أكثر أعضاء الحركة مرونة وتعاطيا مع الأحداث السياسية"، وأضاف: "إن شرف الدين كان يحمل مشروعا لعودة الدولة، لكن الجماعة رأت فيه ما يشكل إعاقة حقيقية لتمرير أجندتها فقامت بالتخلص منه".

 

ورغم أنه حينها شكك كثيرون بأن جماعة الحوثي هي من اغتالت الشخصين المذكورين، إلا أن الجماعة درأت هذه الشكوك بتوظيف حادثتي الاغتيال سياسيا للنيل من خصومها، وأقدمت في نفس الوقت على اغتيال إعلاميين وضباط وأشخاص آخرين للتمويه بأن الاغتيالات لم تستهدف فقط كبارز رموز السلالة الهاشمية في اليمن.

 

غير أن حادثة الاغتيال الأخيرة، والتي طالت أحد الأكاديميين من ذات السلالة، وهو راجي حميد الدين، في 27 يناير الماضي، أعادت للأذهان حوادث الاغتيالات السابقة والمماثلة، والطرف المستفيد منها، خاصة أن الحادثة الأخيرة وقعت في قلب العاصمة صنعاء التي تحكم جماعة الحوثي قبضتها الأمنية عليها، ولم تعلن أنها ستحقق في حادثة الاغتيال هذه والكشف عن مرتكبيها.

 

 تهميش ممنهج

 

رغم أن جماعة الحوثي استندت للسلالة التي تدعي النسب الهاشمي لترسيخ نفوذها، ومنحتها الكثير من الامتيازات منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، خاصة في مجال التوظيف وجباية ما يسمى "المجهود الحربي" كوسيلة للنهب والثراء، لكنها في المقابل تعمدت تهميش كبار الشخصيات في ذات السلالة، خاصة ممن ينتمون منهم إلى عوائل سبق لها حكم اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وكان لها نفوذ سياسي واجتماعي، أو ممن لديهم نزعة استقلالية ولا يدينون بالولاء لعبدالملك الحوثي.

 

وتتمثل دوافع هذا التهميش في أن عائلة الحوثي تخشى أن يظهر قيادي سياسي أو عسكري يصنع لنفسه ولعائلته نفوذا خاصا يمكنه في وقت لاحق من السيطرة على زعامة الجماعة، خاصة في ظل الانفلات الذي تعاني منه الجماعة، والتي أصبحت بمثابة عدة جماعات وعصابات من الصعب على عبدالملك الحوثي السيطرة عليها، بعد أن اتخذ عدد كبير من أبناء القبائل، وخاصة النافذين، من الانضمام للجماعة وسيلة للجباية والنهب بدون توريد ذلك للقيادة العليا الجماعة، مما تسبب بتضخم الجماعة وعدم القدرة على السيطرة عليها.

 

وفي نفس الوقت، تعمل جماعة الحوثي، ومن خلال تنظيمها العقائدي، على التضخيم من مكانة عبدالملك الحوثي في المحاضرات والدروس الطائفية التي تلقيها على أبناء السلالة الهاشمية المزعومة وأبناء القبائل المنخرطين ضمن مليشياتها المقاتلة، وتتعمد التقليل من شأن الشخصيات الهاشمية التي لا تدين للجماعة بالولاء، حيث تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قوائم بالشخصيات الهاشمية المنخرطة في الأحزاب السياسية التي تعارض نهج وسلوك الجماعة، وتتهمها بأنها من المؤيدين لما تسميه "العدوان"، كما أنها تعمل على التحريض ضد تلك الشخصيات، خاصة التي تشغل وظائف حزبية، بغية زعزعة ثقة جماهير تلك الأحزاب بها وتحريضهم ضدها.

 

ونتيجة لكل ما سبق ذكره، هناك الكثير من الأكاديميين والتجار والسياسيين الهاشميين اضطروا لمغادرة البلاد، خشية التعرض للاغتيال من قبل مليشيات جماعة الحوثي، التي تسعى للهيمنة المطلقة على البلاد، وتحرص على خلو الساحة من أي منافسين، ولو بواسطة الاغتيالات.

 

ولكي لا يظهر منافسون محتملون، فالجماعة تحرص على تعيين شخصيات من خارج السلالة الهاشمية في بعض المناصب الحساسة وبدون صلاحيات، وتوظف ذلك لتدرأ عن نفسها تهمة العنصرية، بينما الضرورة والمخاطر المحيطة بها هي التي اقتضت منها ذلك، كما أنها تدرك أن هذه الشخصيات لن تتمكن من صناعة نفوذ سياسي وعسكري في أوساط المليشيات السلالية، لأن هؤلاء، بحسب التقسيم الطبقي الجديد من قبل الجماعة للمجتمع اليمني، فهم مجرد "زنابيل" في خدمة "القناديل"، وسيتم التخلص منهم بعد أن يكتمل الغرض منهم.