الثلاثاء 19-03-2024 17:03:46 م : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكرى ثورة 11 فبراير 2011 م.. وقفات على هامش الثورة(4)

الأحد 18 فبراير-شباط 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح – خاص – زايد جابر

 

ثانيا: جدلية التغيير في اليمن بين الثورة والأزمة
ظل النظام منذ انطلاقة الثورة الشبابية الشعبية يحاول إقناع الداخل والخارج أن ما حدث مجرد أزمة سياسية بين الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام, وأحزاب اللقاء المشترك والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ما حدث في العام 2001م كان أزمة أم ثورة؟ وما الفرق بين الأزمة والثورة؟ ولماذا تعامل البعض معها على أنها أزمة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها فيما يلي:


في البدء: كانت الأزمة
الأزمة هي حالة من عدم الاستقرار تبدأ من مشكلة صغيرة وتنتهي بمشاكل كبيرة وإذا تعقدت الأزمة ووصلت إلى طريق مسدود فقد تقود إلى ثورة وهو ما حدث في اليمن، فقد مرت اليمن بدورة سياسية استمرت ما يقارب عقدين من الزمن وتحديداً منذ قيام الوحدة عام 1990م، حاولت النخب السياسية القيام بعملية إصلاح سياسي وطني شامل، من خلال المشاركة السياسية تم المطالبة بالإصلاح السياسي ومحاولة إصلاح النظام الانتخابي والذي وصل حد الأزمة السياسية منذ ما بعد انتخابات 2006م والتي ظلت تتفاقم حتى وصلت ذروتها مطلع عام 2009 ،فقد حاول المؤتمر الشعبي العام المضي منفرداً في قضية تسجيل الناخبين أواخر 2008م ليتم إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر آنذاك في أبريل 2009م، وردت احزاب المشترك على إجراءات المؤتمر باخراج مسيرات ومظاهرات ضد عملية القيد والتسجيل ودعت إلى مؤتمر حوار وطني الأمر الذي أدى إلى تراجع المؤتمر والتوصل إلى اتفاق نوفمبر 2009م بين أحزاب المشترك والمؤتمر والذي قضى بتأجيل الانتخابات النيابية لمدة سنتين لإتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لإجراء حوار وطني لتطوير النظام السياسي وإصلاح النظام الانتخابي بما في ذلك الأخذ بالقائمة النسبية، وكان ذلك الاتفاق بمثابة اعتراف بأن الأزمة السياسية قد بلغت ذروتها، بيد أن عدم الوصول إلى حلول واستخدام الحوار كتكتيك سياسي فقط فاقم الأزمة, وأدى إلى مزيد من الاحتقان السياسي والتدهور الأمني، والفشل الاقتصادي, واتساع رقعة الفقر والبطالة، وإشاعة مزيد من اليأس والإحباط في نفوس المواطنين من حدوث عملية إصلاح شامل في اليمن ووصلت الجماهير- فضلاً عن النخب السياسية والفكرية - إلى قناعة تامة باستحالة التغيير أو إيقاف التدهور عن طريق الحوار أو مطالبة النظام الحاكم بالإصلاح وبات المراقبون ينظرون إلى الوضع في اليمن أنه في طريقه إلى الانفجار: أما عن طريق سقوط الدولة وانهيارها أو حرب أهلية، أو ثورة شعبية تطيح بالنظام القائم وتتيح الفرصة أمام التغيير الشامل، ومع أن المشترك كان يهدد النظام بهبة شعبية لإيقاف التدهور، إلا أنه ومعه الكثيرين كانوا يتخوفون من تفجير ثورة شعبية، حتى جاءت ثورة الربيع العربي من تونس ثم مصر والتي لم يدعها الشباب تمر حتى أعلنوا ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن.



تساؤلات حول الثورة؟
حاول النظام التغطية على الثورة عبر الإدعاء بأنها مجرد أزمة بينه و بين احزاب المشترك مستنداً إلى قوة وظهور المشترك في الثورة ومطالبه في الإصلاح السياسي وهو ما يصب في خانة تعريف الأزمة، التي تبدأ من المطالبة بحل المشكلة وتنتهي بالمطالبة بإصلاح نظام الحكم أو أحد مؤسساته كما أن نطاقها الجغرافي لا يتجاوز مدينة أو أكثر قد تكون العاصمة على خلاف الثورة التي هي عبارة عن" تغيير جذري وشامل يقوم بها الشعب بصورة مباشرة باعتباره مالك السلطة ومصدرها".والحقيقة أن ما حدث منذ فبراير 2011م كان ينطبق عليه مسمى الثورة لا الأزمة، إذ لم يعد المشاركين فيها هم أحزاب المشترك، وإنما سبقهم ولحقهم معظم فئات ومكونات المجتمع اليمني السياسية والاجتماعية والدينية, حيث أنتظم في سلك الثورة الشعبية السلمية: الشباب باختلاف انتماءاتهم القبلية والسياسية والمناطقية، ورجال القبائل والذين انخرطوا في الاعتصامات والمظاهرات في ميادين التغيير والحرية في معظم محافظات الجمهورية، والعلماء على اختلاف مرجعياتهم المذهبية, الزيدية والسلفية والإخوانية, والأحرار من القوات المسلحة والأمن، الذين أعلنوا تأييدهم السلمي للثورة وحمايتهم لها، هذا بالإضافة إلى الأحزاب, والمكونات السياسية الأخرى، الحراك الجنوبي، معارضة الخارج، بالإضافة إلى جزء كبير من المؤتمر الشعبي العام(قيادات وقواعد) وعدد كبير من مسؤولي الجهاز المدني في الدولة والسلك الدبلوماسي الذي انشقوا عن النظام وأعلنوا تأييدهم للثورة.


أما من حيث المطالب، فلم يعد مطلب إصلاح النظام الانتخابي والأخذ بالقائمة النسبية ولا حتى إصلاح النظام السياسي والأخذ بالنظام البرلماني هو مطلب الجماهير، كما كان مطلب الأحزاب قبل اندلاع الثورة، وإنما كان على رأس أهداف الثورة، إسقاط النظام الفردي الأسري الاستبدادي، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية...الخ، وهذه أهداف ثورة شعبية شاملة تقوم على أساس هدم وبناء, هدم النظام القائم وهو ما ينص عليه الهدف الأول للثورة وشعارها الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام" وبناء دولة مدنية ديمقراطية على انقاضه وهو ما ينص عليه الهدف الثاني من أهداف الثورة وشعارها أيضاً(الشعب يريد بناء يمن جديد).

 

الحوار وتأثيره على الثورة:
وسائل حل الأزمة الحوار بين أطرافها بعكس الثورة التي تمضي مندفعة حتى تحقيق أهدافها دون حوار أو تفاوض مع النظام، ومع بدء انطلاق الثورة دعى النظام إلى استئناف الحوار مع أحزاب المعارضة التي رفضت مثل تلك الدعوة لإدراكها أنها ليست سوى وسيلة من وسائل النظام لإجهاض الثورة في مهدها واعتبارها مجرد أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة، وهذا الرفض ساهم في تصاعد أحداث الثورة، ولكن بعد مجزرة جمعة الكرامة 18/3/2011م وما تلاها من إنشقاق كبير في أجهزة النظام ورجاله المدنية والعسكرية طرح الرئيس فكرة تخليه عن السلطة في منزل نائبه وبحضور سفراء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وكانت البداية في حضور أحزاب المعارضة للحوار فقط على كيفية رحيل الرئيس وانتقال السلطة لنائبه؛ تطور مقترح الرئيس إلى المبادرة الخليجية, ودخلت الأحزاب في معمعة الحوارات والمبادرات والأخذ والرد، وهو ما جعل النظام يحقق نجاحاً نسبياً في سعيه لتحويل الثورة إلى أزمة، وذلك من حيث إطالة أمد الثورة وتجميد الفعل الثوري انتظاراً لما سيتحقق من خلال المبادرة الخليجية, ثم الخروج بحل سياسي عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهذا مالم يستطع النظام المصري تحقيقه رغم أنه فتح باب الحوار مع المعارضة بما فيها حركة الإخوان المسلمين، لكن ذلك لم يؤثر على حركة الشارع واندفاعه حتى إجبار الرئيس على التنحي، والسبب في ذلك أن الأحزاب المصرية ضعيفة والأخوان كانوا محظورين فكان اندفاع الشارع عفوياً في غالبه وغير معني بتحركات الساسة الذين يميلون بطبعهم إلى التفاوض والحلول الوسط على عكس الثوار الذين يؤمنون بأن الثورة لا تتفاوض، وهو ما يختلف عنه في الثورة اليمنية، حيث الأحزاب لها ثقلها الشعبي والجماهيري وقد ظلت- وإن بمسميات أخرى يتقدم صفوف الثورة في التنظيم والتمويل وغير ذلك، كما أن الخارج الإقليمي والدولي مارس ضغوطاً كبيرة عليها بعكس ما حدث في مصر لقبول الحوار والحلول السلمية، ومع ذلك فإن هذا النجاح الجزئي لا يلغي حقيقة أن ما حدث ثورة، ذلك أن هذه المبادرة وآليتها التنفيذية وإن ضمنت عدم ملاحقة الرئيس وأبناءه وشراكة حزبه إلا أنها تنص أيضاً على رحيل الرئيس وإعادة هيكلة الجيش بما يعني ذلك من إلغاء السيطرة العائلية عليه, وإجراء حوار وطني لصياغة دستور جديد يحقق تطلعات اليمنيين، وهذه الأهداف- إذا ما تحققت- فهي تعني أن الثورة قد نجحت، لأن الثورة إنما هي هدم وبناء، هدم للنظام القائم وبناء نظام جديد على أنقاضه يلبي تطلعات الثوار، وهو مالا يتعارض بالجملة مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وإن كانت تتيح لبقايا النظام الإلتفاف عليها وهو ما جعل الثوار يتحفظون على المبادرة ويستمرون في الساحات حتى تحقيق أهداف الثورة التي خرجوا من أجلها.