الجمعة 29-03-2024 10:54:20 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

حروب الحوثيين وخارطة النزوح القسري في اليمن

الجمعة 09 فبراير-شباط 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان - الحلقة الثالثة

  

الموقف الرسمي من التهجير القسري في اليمن


يمكن النظر إلى الموقف الرسمي للدولة أو - الشرعية – من موقفين مختلفين, الأول منذ تهجير سكان دماج مطلع العام 2014م, حتى قيام عاصفة الحزم أواخر مارس/ اذار 2015م, والثاني ما بعد العاصفة وحتى 2018م! هذا التقسيم سيساعد الباحث على معرفة تعامل السلطة أو الحكومة أو الجهات الرسمية مع هذه القضية بالذات, ويمكن أيضا استنتاج مواقف مشابهة لقضايا أخرى سواء في موضوع الانتهاكات, والذي نكتفي هنا على أخذ جزئية بسيطة من بين سلسلة مترابطة من الانتهاكات المروعة التي مارسها الحوثيون على المواطنين ابتداء من الحرب الرابعة بصعدة وحتى اليوم وهو يجولون في معظم محافظات الشمال وأجزاء من محافظات الجنوب.


كما يمكن رصد وتحليل الموقف الدولي – دول, منظمات - من التهجير القسري, وهذا ما سنفرد له حلقة كاملة قادمة بإذن الله في ثنايا هذا المبحث الصغير, غير أننا هنا سوف نتناول قضايا ساهمت بصورة مباشرة في تعزيز حروب الحوثيين والاستمرار في مسلسل الانتهاكات التي يكون النزوح القسري على قائمة تلك الأفعال.

  

الموقف من حصار دماج
سبق الإشارة في التأكيد أن حروب الحوثيين متفقة في موقفها الأساسي من اليمنيين "الأعداء" والحلفاء المحتملين وغير المحتملين, وتنوعت الأساليب في تنفيذ الحقد والعقاب كلاً حسب المكان والاستطاعة, مع التأكيد أن الحوثيين أنفسهم استعلموا القوة والعنف المفرط وعمليات إرهاب منظمة لا حدود لها, رغم أن التقارير المحلية والدولية لم تستطع حتى الآن أن تعكس ذلك المستوى العنيف من الحرب, الذي يخوضونها ضد المدنيين والعزل من الناس في القرى والمدن, وكما يجري الأمر على المنظمات والتقارير الدولية, فذات الأمر يتكرر بالقدر نفسه على وسائل الإعلام المحلية والمنظمات المحلية, أو تلك التي رافقت عاصفة الحزب واقصد به إعلام الخليج باستثناءات قليلة.


وبالعودة إلى الموقف الرسمي لقضية دماج, سنلاحظ أنه الطريقة اختلفت تماماً عما كان عليه الأمر بالنسبة لطائفة اليهود والذين تم إعطاؤهم مهلة للمغادرة دون أن يفرض عليهم حصار أو يدخلوا في حرب مباشرة معهم, وهذا الموقف بدأ منذ عام 2007م وقد اكتملت حلقاتها في 2009م تماماً, فيما اكتفت الدولة حينها – النظام السابق – بالحديث عن هذه الحادثة بشكل خجول لا يرتقي إلى مستوى الحدث, والحق أن الحوثيين كانوا في تلك الفترة يحضرون لأمر جديد داخل محافظة صعدة وعمران وحجة مناطق النفوذ الأولى لهم, وهو ما سيجعلهم ينتقلون من دائرة رد الضربات الى موقع الهجوم المباشر وصناعة الفعل!! وهي الطريقة التي نظر لها بعض المتابعين والمراقبين على أنه ذات الأسلوب الإيراني الذي جرى تكراره في لبنان مع حزب الله, وفي العراق مع الطوائف الشيعية المسلحة ضد مناطق السنة, وخرجت بنتائج خطيرة للغاية لا زالت كثير من تداعياتها حاضرة حتى الآن.!!
بدأت الحرب على دماج في اكتوبر 2011م, في غمرة الانشغال بالثورة والزخم الثوري العارم – الربيع اليمني - ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح, حيث شن الحوثيون حروبا متقطعة ضد منطقة دماج انتهت بالتهجير القسري في 15/ يناير كانون الثاني 2014م , مع العلم أن الحصار والحرب سبقها عمليات استفزاز كثيرة, ابتداء من الاختطافات للطلاب والسكان, والتعذيب داخل سجون خاصة للحوثيين في صعدة, وصولاً الى القتل المتعمد تحت التعذيب, وعمليات تحريض إعلامية غير مسبوقة, مروراً بمصادرة بعض الأدوية والمؤمن التموينية الخاصة بالمركز بل وبسكان المنطقة بشكل عام.(1)


في هذه القضية بالذات كان الموقف الرسمي للدولة سلبي للغاية, والتي سمحت للحوثيين أن يمارسوا هذه الجرائم دون أن تحدد موقف صريح, أو توقف هذا العبث المستمر, وهو ما أعطى الحوثيين مساحة من الحركة والقوة, وأخطر من ذلك الشعور أنهم اليوم باتوا سادة صعدة وما حولها وهم من يحدد ما يجب وما لا يجب وخاصة بعد تنصيب تاجر السلاح المعروف فارس مناع محافظاً للمحافظة في 26 مارس/ اذار 2011م, اي بعد سقوطها بيدهم بثلاثة أيام فقط, وبعد حادثة جمعة الكرامة الدامية أبان الثورة الشعبية السلمية ثمان أيام فقط, 18 مارس/ اذار 2011م, وقد كان هناك خطاب لعبدالملك الحوثي منتصف ابريل/ نيسان 2011م تحدث صراحة بأن إسقاط الحركة الحوثية وافشالها وانهاءها أو القضاء عليها قد اصبح من الماضي.

  

لجان الوساطة
في تتبع كل لجان الوساطة التي شكلت بقرارات رئاسية وحكومية, مع كل نزاع مع الحوثيين أو مع القبائل والتي وصلت الى تسع لجان رسمية, وقد اتسمت معظمها مع الأسف بأنها تمهيد للاستسلام, ومثلت في نفس الوقت إشارة ضوء أخضر للحوثيين في مواصلة التقدم والابتزاز وتجاوز كل الاتفاقات والعود الموقعة, وكانت للمقولة الشهير للرئيس هادي "سنضرب بسيف السلم" وهي المقولة التي تجاوزت مؤسسات الدولة وراحت تبحث عن حلول لمشكلات خارج إدارة الدولة, كانت نتائجها كارثية على البلاد, ودفعت الحوثيين للتمادي أكثر.


وفي أحد خطابات الرئيس هادي بعد حوار الكويت في برنامج لقاء اليوم مع الجزيرة اشار الى أن الحوثيين لم يلتزموا بأي اتفاق, وذات الأمر أكد عليه نائب الرئيس هادي في تصريح صدر عنه في منتصف ديسمبر/ كانون أول 2017م بأن الحوثيين نكثوا كل الاتفاقات وحصلت جرائم وانتهاكات وقتل خيرة رجال الدولة في صعدة أثناء الاتفاقات السلام, كما أنه وبالنظر الى طبيعة بنود الاتفاقات التي وقعت بين الحوثيين وبين خصومهم مع تدخل لجان وساطة, سنجد أن الحوثيين قد اشتغلوا على جانبين, الأول هو التوقيع على كل الاتفاقات مع التأكيد على بنود قوية ومهمة في مضمونها والثاني هو الانقلاب عليها وخلق جملة من التبريرات والسير نحو التوسع واتخاذ مواقف أحادية من طرف واحد. وهنا سيتجلى لنا كيف أن اللجان الرئاسية ختمت عملها بالتهجير الكارثي لسكان دماج وهي العملية التي ستكون لها أثار كارثية ليست على تلك المنطقة فحسب بل على البلد بالكامل.

  

مواقف أخرى من الإخفاء القسري
لم يعد خافياً القول أن الدولة تورطت الى جانب جهات خارجية إقليمية ودولية, التمهيد للحوثيين وصولهم الى العاصمة صنعاء واحتلال المدن, وأن ما تبقى من النظام السابق كان رأس حربه في هذا القدوم والتبشير به وتذليل كل الصعوبات أمامه, كما أن النظام السابق – المؤتمر الشعبي العام – إرث الدولة – قد تواطأ مع الحوثيين بصورة مباشرة وفعلية في تنفيذ عمليات التهجير بشكل جزئي وبشكل كلي, فقد كان إعلام المؤتمر الشعبي العام على رأس المحرضين على منطقة دماج وباقي المحافظات اليمنية, ولم يتوقف إلا بعد مقتل زعيم المؤتمر صالح في اوائل ديسمبر/ كانون أول 2017م.


وبالعودة الى الموقف الرسمي للدولة – الحكومة الشرعية – فقد استوعبت الدرس ولكن كما يقال في الوقت الضائع, وحتى هذا النهوض الأخير لم يسفر عن تحرك فعلي وحقيقي على مستويات اخرى فيما يخص التعامل مع ملف التهجير القسري بشكل رسمي وحقيقي على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج, كما أن التصريحات الرسمية بهذا الخصوص شحيحة ومخجلة وحديثها لا يتوازى مع مستوى الحادثة, ويمكن تجميع كل ما صدر بشكل رسمي حول هذه الكارثة وأنها لا تزيد عن أصابع اليد, ليس ذلك فحسب بل كانت تمر شهور طويلة ولم يصدر عن الجهات المعنية في الدولة وزارة حقوق الإنسان ولجنة الإغاثة اي تصريح باستثناءات قليلة ومحدودة.


يمكن الإشارة هنا على أن حركة الحديث عن الإخفاء القسري الذي مارسه صالح طيلة فترة حكمه للسلطة وبقي هذا الملف في دائرة المسكوت عنه, نشط الحديث عنه أبان حكومة الوفاق الوطني, فهو وأن كان يستهدف النظام السابق ويذكر بجرائمه, إلا انه كان يقوي من التذمر لدى المزاج العام للناس ضد الحكومة, وقد نشطت عدد من المنظمات المحلية في هذا الجانب وتحركت وسائل إعلام كثيرة جرياً مع الموجهة, وكانت كلها تصب ضد الحكومة الوفاق الوطني, وذات الأمر خفت هذا الصوت في الحديث عن الإخفاء والتهجير القسري فيما بعد وحتى الآن, حتى مع اعتى ما يمارسون الحوثيين اليوم بحق اليمنيين مثل سبع سنوات وحتى الآن التزمت كل تلك الجمعيات والمنظمات والمراكز الصمت.

  

تصريحات رسمية تدين التهجير القسري
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017م أدانت الحكومة اليمنية، عمليات لتهجير القسري الجماعي الذي يمارسه الحوثيون ضد سكان مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، عبر وزير الإدارة المحلية, بعد قيام الحوثيين بإجبار السكان على الخروج من منازلهم بقوة السلاح وزرع الألغام في محيط عدد من المنازل ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص منهم نساء وأطفال.


وفي ذات التصريح دعا وزير الإدارة المحلية اليمني رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبد الرقيب فتح،المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن "جيمي ماكغولدريك" إلى إدانة تصرفات المليشيات الانقلابية وانتهاكاتها اليومية بحق أبناء محافظة تعز وغيرها من محافظات الجمهورية.
وطلب من ماكغولدريك زيارة محافظة تعز والاطلاع على جرائم المليشيات الانقلابية اليومية بحق الأطفال والنساء والمدنيين وتهجير السكان بقوة السلاح، ورفع تقارير إلى المنظمات الحقوقية ومجلس الأمن بصورة مستعجلة عن معاناة أبناء المحافظة من جرائم المليشيات الانقلابية, انتهى نص الخبر..


وهنا نلاحظ أن الإدانة جزئية وهذا طبيعي كون التهجير نشط في مدينة تعز بشكل كبير وغير مسبوق وسبق أن اشرنا من قبل الى أن الحوثيين متعمدون في هذا الفعل لأغراض سياسية واجتماعية في غاية الخطورة, غير ان التصريحات الرسمية تظل خجولة, وبدل أن يكون هناك رصد حقيقي من قبل السلطة وفتح مؤتمرات صحفية, وتفعيل وزارة حقوق الإنسان وباقي الأجهزة التنفيذية بهذا الخصوص راحت الدولة كما في هذا التصريح الى المناشدة للمنظمات, في حين أن دور المنظمات مخزي وضعيف ولا يرتقي الى حجم الجريمة, ويلتقي مع الموقف الرسمي في كثير من النقاط.

 

الحلقة القادمة .. التهجير القسري في القانون الدولي

.....................
هامش:
أطلق مدير مركز دار الحديث بدماج الشيخ يحيى الحجوري، في بيان صوتي بث على موقعه الاثنين 14/11/2011، نداء استغاثة من أجل السعي لإنهاء ما وصفه بـ”العدوان والحصار”، المفروض عليهم، مطالباً كل من يسمعه القيام بواجبه الإنساني تجاه الأطفال والنساء والمرضى الذين باتت حياتهم مهددة بالخطر جراء الحصار.