الجمعة 29-03-2024 14:32:49 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ومشروع الدولة الوطنية

الأربعاء 27 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان

    

الباحث المنصف في دراسته وقراءاته للتحولات السياسية والفكرية التي مر بها حزب التجمع اليمني للإصلاح منذ نشأته 13سبتمبر/ أيلول 1990م والمحطات البارزة في تاريخه السياسي قبل هذا التاريخ وبعده, سيجد أن مشروع الدولة الوطنية, كان ضمن أبرز اهتماماته السياسية والفكرية والاجتماعية, فهو يعني - الحزب - يعبر عنها في كل فترة بخطاب محدد يلتقي في مجملة ضمن قواعد وشروط البحث عن الدولة المدنية الوطنية الجامعة.

لقد مر "الإصلاح" كحركة إسلامية قبل - التعددية السياسية - ومع الحزب السياسي بتحولات عميقة ضمن نضال طويل من أجل إرساء كثير من المفاهيم المدنية, التي تعزز من مفهوم الدولة, ولأن البيئة اليمنية شديدة التعقيد لعدد من الاعتبارات التي لا تخفى على أي باحث مطلع, فقد ساهم الحزب قبل العمل الحزبي وبعده على خوض معارك فكرية وسياسية كثيرة, لقصد إفساح المجال أمام اليمنيين للسير نحو حلمهم الكبير في البحث عن الدولة, وكل ما يتصل بها, وهذا لا يعني أن المسيرة لم ترافقها أخطاء وقصور وتوقف احياناً, إلا أن ذلك لم يكن إلا تأكيد على الطبيعة البشرية التي يعتريها كل ما يعتري أي عمل إنساني, وأن كن هناك أخطاء أو قصور فقد كانت هناك مواقف تجاسر الحزب ليقوم بها منفراً أو قل متحملاً كل أعباء المرحلة حين تخلت الدولة عن مسؤولياتها ووقف الناس مشدوهين من قوة الضربات التي حلت بهم, كما سيأتي ذكره تفصيلاً في ثنايا هذه الورقات. 

وهنا يمكن تقسيم مراحل الإصلاح في مشروع الدولة الوطنية الى ثلاث مراحل:

-      مرحلة النشأة والتأسيس

-      مرحلة ما بعد التعددية السياسية

-      مرحلة ما بعد ثورة 2011م الربيع اليمني.

 

أولاً مرحلة النشأة والتأسيس:

من المهم هنا النظرة الى شكل الدولة لدى الحركة الإسلامية "التجمع اليمني للإصلاح" في فترة ما قبل التعددية السياسية, للتعرف على ملامح تلك الدولة التي كان ينشدها الحزب.

في البرنامج السياسي للتجمع اليمني للإصلاح نجد هذا النص ننقله بتمامه" وفي الثلاثينات من هذا القرن وعلى نفس هذا الخط التجديدي أخذت حركة الإصلاح الحديثة تتبلور على يد ثلة من الرواد الذين بذلوا جهودهم لإصلاح الأوضاع التي كانت تعيشها بلادنا تارة بالنصيحة المسددة وبالكلمة الطيبة ـ نثراً أو شعراً ـ وبالقوة والثورة تارة أخرى ، فكانت ثورة 1948م بداية لأسلوب جديد في التغيير تواصل عبر حركة 1955م وفدائية عام 1961م حتى أذن الله بانتصار إرادة الشعب ليلة 26 سبتمبر 1962م التي هيأت أسباب قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م .

ومضت مسيرة النضال تدافع عن الثورة والنظام الجمهوري وتقاوم الاستعمار البريطاني يسندها دعم مصر الشقيقة حتى تحقق النصر لشعبنا في دحر القوى الملكية وهزيمتها بعد سلسلة من المواجهات الدامية التي كان أبرزها دحر حصار السبعين يوماً في فبراير 1968م وتحقيق الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 67م .

وعقب انتصار الثورتين المباركتين برزت مهام جديدة تتركز في الحفاظ على سلامة المسار الثوري من أن تنحرف به موروثات الملكية المستبدة أو مخلفات الاستعمار البريطاني والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة ، وكان الشرط اللازم والمقدمة الصحيحة لذلك هو إعادة تحقيق وحدة اليمن، ولهذا فقد توالت المحاولات تنشد الوحدة حتى أذن الله بزوال ليل الفرقة وتجاوز محنة التشطير وتحققت وحدة الدولة اليمنية في 22 مايو 1990م ولم تكن الوحدة نهاية المطاف لكنها استحالت وسيلة من بعد أن كانت غاية فطرحت بدورها غايات جديدة وأولويات هامة أبرزها :

  1. الحفاظ على الوحدة نفسها وإنهاء كل آثار ومخلفات التشطير .
  2. ترسيخ أسس الجولة الحديثة وتنمية التجربة السياسية الجديدة القائمة على الشورى والديمقراطية والعددية الحزبية .
  3. تحقيق التنمية الشاملة .

لقد تم تحقيق الوحدة اليمنية بالحوار الواعي والتفاعل الجماهيري فمثلت بذلك بعداً حضارياً عظيماً أكسب النهج الشوروي الديمقراطي عمقاً جعله الخيار الوحيد والسبيل الأمثل لحماية الوحدة وبناء يمن المستقبل .. يمن الحضارة والنهضة .. يمن الريادة والتقدم . يمن يتسابق فيه أبناؤه ـ أفراداً وجماعات ـ على النهوض به ، وإعلاء مكانته بين الأمم .

في هذا السياق جاء الإعلان عن قيام "التجمع اليمني للإصلاح" في الثالث عشر من سبتمبر 1990م ليكون امتداداً حياً لحركة الإصلاح اليمنية الحديثة وإطارً يضم كل من ينشدون إصلاح الواقع وتغييره إلى الأفضل على هدى من عقيدة الإسلام وشريعته .

إن التجمع اليمني للإصلاح يدرك فداحة الإرث الذي خلفته عهود الحكم الملكي والاستعمار وعهود التشطير وحجم تداعياتها في تكريس واقع التخلف الذي لا يمكن تجاوزه خلال فترة قصيرة وبجهد منفرد محصور في أي حزب أو تنظيم أو جماعة أو من خلال برنامج محدود يقتصر على إحداث تعديلات محدودة في البنى السياسية وتغييرات في مواقع السلطة ، وإنما بتفاعل ومشاركة كل أفراد الشعب وقواه الاجتماعية والسياسية وتكاتف جميع المخلصين من أبناء هذا البلد وإفساح المجال أمام كل الطاقات والقدرات للإسهام في البناء والإصلاح ومن خلا ل برنامج يستهدف تحقيق نهضة حضارية شاملة يتأسس عل الثوابت التي تحقق الإجماع العام ويعطي الأولوية لبناء الإنسان نواة المجتمع والمجال الموضوعي لعمل الدولة ، ويستنهض المجتمع ويحركه ويعبئه ويوظف كل قواه وطاقاته لإنجاز مشروع النهضة والبناء والتنمية الشاملة وبناء الدولة اليمنية دولة العدل والنظام والقانون .. كما لا بد أن تتوفر له الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والجدية في التنفيذ مع طهارة وكفاءة ونزاهة القائمين على التنفيذ .

من أجل ذلك يتقدم التجمع اليمني للإصلاح ببرنامج عمل للإصلاح والبناء يمثل رؤية اجتهادية منطلقة من الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة ذلك أننا ندرك أنه لن يكتب النجاح لأي برنامج ما لم يكن منبثقاً عن عقيدة الشعب وقيمه الأصيلة. ومعبراً عن معاناته ومجسداً لآماله وتطلعاته، يحمل همومه ويعالج مشكلاته ويلبي طموحاته .. مرتكزاً على الحقائق والوقائع التي يعيشها المجتمع .. مستوعباً لشبكة العوامل الداخلية الخارجية التي تؤثر على مجريات الأمور .. برنامجاً يأخذ بسنة التدرج ويراعي عامل الزمن في خطة الإصلاح والتغيير المنشود … هذا هو توجهنا وبرنامجنا في السلطة أو في المعارضة، وبالتعاون مع جميع القوى السياسية الشعبية الفاعلة في المجتمع " (1)

سنلاحظ في هذا النص فكرة الدولة التي كانت تتمحور حولها كل الأفكار الدينية والسياسية والاجتماعية, فمن الحديث عن النضال بالكلمة الى القوة والثورة الى الوحدة تبرز مفاهيم تعزيز الدولة الوطنية في الذاكرة والوعي الإصلاحي, ما يجعل هذه القضية هي الأساس الذي تتشكل عبره كل أفكار وروى الحزب, وإذا كانت جوانب تغطى الى الخطاب السياسي في لحظات معينة فذلك عائد الى طبيعة التقييدات التي مر بها الإصلاحي في سيره نحو الدولة, وهو ما يعزز أنه لم يكن جامداً ولا قدم خطاباً ثاباً لا يقبل النقاش ولا التطوير, وهو ما جعل الإصلاح قادراً على حشد الطاقات والسير نحو الدولة وهو في نفس الوقت يتخفف من الأعباء الأيديولوجية لصالح الدولة والانفتاح عليها وعلى كل ما يؤدي إليه.

أن جملة من القضايا يمكن أن يستشفها الباحث والدارس لمسيرة الإصلاح, فهو يحث على الوسطية في المنهج منذ اللحظات الأولى, وهو يؤكد على السلام والتعاون مع باقي القوى السياسية الموجودة في الساحة, وهو فيما يخص الدولة رأساً يؤكد على العمل ضمن السلطة والمعارضة, قال ذلك وهو لا يزال في طور التأسيس, ما يؤكد أن الرؤية كانت واضحة وأن الدول الى العملية الديمقراطية والسياسية لم تكن اضطراراً كما قد يفهم من سياق التحولات التي رافقت قيام الوحدة بقدر ما كان الإعلان عن تشكيلة الحزب عن قناعة حقيقية في البناء والدخول الى الفضاء الديمقراطي بقواعد راسخة مثلت الأساس الذي عبره استطاع الإصلاح ان يمر نحو الدولة المدنية العادلة بثقة تامة رغم العقبات التي رافقت سيره منذ التأسيس وحتى اللحظة.

................

هوامش:

-   البرنامج السياسي للتجمع اليمني للإصلاح لحظة التأسيس