الجمعة 29-03-2024 12:38:23 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

جهود في طريق اليوم العالمي للغة العربية

الثلاثاء 19 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت– خاص/ فهد سلطان

    

توطئة تاريخية

اعترافاً بأهمية وقيمة اللغة العربية, فقد تقرر أن يكون الـ 18 ديسمبر/ كانون أول من كل عام يوماً عالمياً للغة العربية. حيث بدأ الاحتفاء بهذه المناسبة بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي الاول من نوعه برقم 3190 في ديسمبر/ كانون أول عام 1973م، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية والحية ولغات العمل في الأمم المتحدة.(1)

كانت تلك الخطوة هي ثاني الخطوات المهمة في الالتفات الى هذه اللغة الجميلة, والمهمشة من قبل العالم رغم حويتها وقوتها وسموها العبقري, وتمثلت الخطوة الاولى اقتراحاً وجهوداً متواصلاً من قبل المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو, استكمالاً لجهود كبيرة بذلت منذ خمسينات القرن الماضي، أسفرت جميعها عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر/ كانون أول 1954م، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، وشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية.

 وفي عام 1960م اتخذت اليونسكو قراراً أخر يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية, وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية, واعتُمد في عام 1966م قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية ومن العربية إلى لغات أخرى, في إطار الجلسات العامة. وفي عام 1968م تم اعتماد العربية تدريجياً لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية.

كانت دولة المملكة المغربية على قائمة الدول العربية المعززة لهذا التوجه الى جانب جهود عربية أخرى, وقد استمر الضغط الدبلوماسي العربي إلى أن تمكنوا من جعل العربية تُستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في سبتمبر/ ايلول 1973م، وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة وباقي هيئاتها، ترتب عنه صدور قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة 28 في ديسمبر/ كانون أول 1973م يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها. أما مسألة استخدام اللغة العربية كلغة عمل في دورات المجلس التنفيذي، فأُدرجت في جدول الأعمال في عام 1974م, بناءً على طلب من حكومات الجزائر والعراق والجماهيرية العربية الليبية والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن وتونس وجمهورية مصر العربية ولبنان.

وفي أكتوبر/ تشرين أول 2012م عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو تقرر تكريس يوم 18 ديسمبر/ كانون أول يوما عالميا للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم. وفي 23 أكتوبر/ تشرين أول 2013م قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.

 

أهمية اللغة العربية

كما هو معروف أن لكل لِلُّغة قيمة جوهرية في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم عبر الاجيال, فتُقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة. واللغة ايضاً هي الترسانة التي تحمي الأمة وتحفظ هويتها وكيانها ووجودها، وتحميها من الضياع والذوبان في الحضارات والأمم الأخرى.(2)

إن الذي ملأ اللغاتِ محاسنًا  **  جعل الجمال وسره في الضاد (3)

تعد العربية من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدث بها أكثر من 500 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًا, متفوقةً على الفرنسية والروسية. (4)

كما أن اللغة العربية ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي أولاً لغة القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها نصاً. والعربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، كمؤلفات دوناش بن لبرط وابن حيوج في النحو وسعيد الفيومي وموسى بن ميمون في الفلسفة ويهوذا اللاوي في الشعر وإسحاق الفاسي في تفسير التوراة، فكان لها بالغ الأثر في اللغة والدين والأدب اليهودي.(5)

تتميز العربية تميزاً عبقرياً بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة. فيها خاصية الترادف، والأضداد، والمشتركات اللفظية. وتتميز كذلك بظاهرة المجاز، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه. وبفنون اللفظ كالبلاغة الفصاحة وما تحويه من محسنات.

وهنا يذهب أستاذ علم اللغة الدكتور احمد رضوان الى أن اللغة العربية أقدمُ اللغاتِ الحيَّة دونَ مُنازع، ويرى أن اللغات عند البشر تعيش عادةً نحوَ قرنين من الزمان، وقَلَّما تُجاوِز ذلك، بعدها تكون قد تَغيّرت أنظمتُها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية كثيرا عن بدايتها، فاللغةُ الإنجليزية حاليًا مثلاً تختلف كثيرا عن الإنجليزية أيامَ شكسبير. أما اللغة العربية فإنها لغةٌ ضارِبةٌ في أعماق الزمن، ولهذا لا يُعرف عمرُها الحقيقيّ على وجه التحديد. (6)

فإذا ما حاولنا المقاربةَ نَجِدُ أنّ اللغة العربية تُمِدُّنا بشواهدَ فصيحةٍ من الشعر قبل الإسلام بأكثرَ من قرن، ولكي تصلَ اللغةُ إلى هذا الحدِّ من الإبداع فلابد أنها عاشت قرنًا أو أكثر قبل ذلك ، وهو ما يعني أن اللغةَ العربيةَ عمرُها حاليًا أكثر من سبعةَ عشرَ قرنًا يقينًا ، ومِن الباحثين مَن يعود بها إلى تاريخٍ أقدمَ مِن هذا بكثير . ويقينُنا أنها ستبقَى خالدةً إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها ؛ لارتباطها بالقرآن الكريم ، الذي وَعَدَ الله عز وجل بحفظه. (7)

وتعتبر اللغة العربيّة واحدةً من أجمل اللغات في العالم كلِّه، وذلك نظراً إلى كونها تحتوي على عددٍ كبيرٍ جدَّاً من المفردات، فكلُّ شيءٍ له العديد من الكلمات التي تصف كل حالةٍ من حالاته إلى درجة وصلت فيها عدد الكلمات التي قد تصف حيواناً أو جماداً إلى مئات الكلمات، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على مقدار العظمة التي تتمتَّع بها هذه اللغة، وعلى مقدار الخيال الذي يتوفَّر العربيُّ عليه، فالقدرة على إنتاج عددٍ كبيرٍ من المفردات التي تصف شيئاً واحداً فقط، هي قدرةٌ غير اعتياديَّة تتطلَّب جهداً كبيراً جدَّاً.(8)

 

............

هوامش:

1-   الموسوعة الحرة

2-   هيثم عمايرة

3-   احمد شوقي

4-   موقع اليوم العالمي للغة العربية (الامم المتحدة)

5-   المجلس اليهودي الامريكي

6-   مقالة للدكتور أحمد طه رضوان منشورة في موقع يوم اللغة العربية.

7-   المصدر السابق

8-   محمد مروان