الأحد 05-05-2024 12:13:59 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لصوصية باسم الدين.. هكذا تسيء المليشيا الحوثية لرسول الله بذريعة الاحتفال بمولده

الخميس 13 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 12 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ عبد السلام الحاتمي

 

 

قبل الانقلاب على السلطة الشرعية، لم تكن مليشيا الحوثيين تحتفل بما تسميه المولد النبوي، رغم أنه لم يكن هناك ما يمنعها من الاحتفال ولو في كهوف صعدة، لأنه لم يكن بمقدورها حينذاك أن تحول تلك المناسبة إلى مظلة للنهب واللصوصية وفرض الجبايات والإتاوات باسم المولد، لكن بعد الانقلاب وسيطرتها على محافظات عدة، وجدت أن الاحتفال بالمولد النبوي سيدر عليها أموالا طائلة، فاهتمت بذلك، ويزداد جشعها عاما بعد عام للمبالغة في الاحتفال لتحقق من وراء ذلك إيرادات مالية ضخمة تجنيها من المتاجرة بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلى العالمين كافة.

وقد حولت مليشيا الحوثيين ما تسميه الاحتفال بالمولد النبوي إلى مناسبة مرعبة وكابوس موحش يخشاه المواطنون في مناطق سيطرتها كلما اقترب موعد هذه المناسبة سنويا، جراء أعمال النهب والإتاوات والجبايات الجائرة التي تفرضها المليشيا على جميع التجار وأصحاب المحال الصغيرة والبقالات والمزارعين وغيرهم، باسم دعم الاحتفال بالمولد النبوي.

كما تحولت تلك المناسبة إلى أكبر موسم سنوي للنهب واللصوصية باسم الدين، فضلا عما يرافق ذلك من ترهيب للمواطنين وإجبارهم على الذهاب إلى أماكن الاحتفال بالقوة، وتهديد من يرفض بالانتقام، وهو ما حصل فعلا في مديرية العدين بمحافظة إب، حيث اعتدى أحد القادة الحوثيين ومرافقوه على مدرسي وطلاب إحدى المدارس بسبب رفضهم حضور احتفال الحوثيين بالمولد النبوي.

 

- موسم كهانة ونهب وتوظيف سياسي

بصرف النظر عن بدعة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، فالمليشيا الحوثية لا يهمها ذلك، بل فالمولد النبوي لن تحتفل به إذا كان لا يدر عليها أموالا طائلة ويمنحها فرصة للنهب والفيد باسم ذلك الاحتفال، فما يهم المليشيا هو أن تستثمر الاحتفال المزعوم في نهب أموال المواطنين والتجار وتحقيق الثراء الشخصي لقياداتها وتمويل حربها المدمرة على الشعب ومصادرة العقول والسوية الإنسانية لتكريس الجهل والخرافات والبدع، والتغطية على جرائمها من خلال محاولة احتكار الدين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالزعم أنه جد سلالتها العنصرية، وتطلق على زعيمها عبد الملك الحوثي وصف "ابن النبي"، غير عابئة بمثل هذه المهازل والاستهتار بالعقول والدجل باسم الدين.

تعد المبالغة في الاحتفال بالمولد النبوي إحدى وسائل المليشيا الحوثية لممارسة الكهانة والدجل واتخاذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي مجرد شعارات لتبييض جرائمها والتغطية عليها، وهو ما بدأت به منذ نشأتها كمليشيا عنصرية طائفية إرهابية تتخذ من الدين ستارا للتغطية على جرائمها وعلى أفعالها التي تناقض أقوالها، وتستغل المولد النبوي والفعاليات الطائفية الأخرى مظلات شرعية ومضخات مالية لتمويل مشاريع القتل والدمار والثراء الشخصي، وهو ما يُلاحظ من خلال الاستنفار الواسع للمليشيا عندما تحل مناسباتها الطائفية، استعدادا لجني الأرباح من المنهوبات والجبايات التي حولت حياة المواطنين إلى جحيم.

من المعروف أن الدين الإسلامي شدد على صيانة ممتلكات الناس وحقوقهم، ولأجل ذلك شرع الإسلام قطع يد السارق وحرم أخذ مال امرئ مسلم بغير طيبة من نفسه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه". وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". إذن، كيف أحلت مليشيا الحوثيين لنفسها الاعتداء على أموال المسلمين وأعراضهم وسفك دمائهم؟ والأدهى من ذلك أنها ترتكب تلك الموبقات والجرائم باسم الدين، وتتاجر بكل شيء، فحتى رسول الله لم يسلم من المتاجرة، ولم يسلم من ذلك الدين بشكل عام، وتسمي مسيرتها الإرهابية بـ"المسيرة القرآنية".

ويمكن وصف سلوك مليشيا الحوثيين العدواني على ممتلكات الناس وحقوقهم بأنه انقلاب على الدين الإسلامي وعلى رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك أن التشريع الإسلامي في مجال المعاملات يرمي إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد وليس الإضرار بالناس ونهب ممتلكاتهم إجباريا تحت لافتة الدين، فما تمارسه المليشيا الحوثية من بلطجة وعنف وإرهاب ضد المواطنين ونهب ممتلكاتهم وأموالهم واقتيادهم بالقوة إلى أماكن فعالياتها الطائفية، كل ذلك يعد سلوكا لا يقره دين ولا قوانين ولا أعراف، ويتناقض مع الفطرة الإنسانية السوية.

لكن هذا السلوك يعكس حقيقة مليشيا الحوثيين كجماعة همجية متخلفة مسكونة بلوثات عنصرية فاسدة وأفكار نتنة ومعتقدات باطلة وميراث أسود من الاستبداد والكهنوت والرجعية، وغير قادرة على انتهاج أي سلوك حضاري تقره الأديان والقوانين، لأن ذلك يتناقض تماما مع تكوينها النفسي والسلوكي الذي يرى الفيد والنهب عملا بطوليا، لكن يتم تغطيته بلافتات وشعارات دينية كوسيلة للظلم والابتزاز وأكل أموال الناس بالباطل، وصار الاحتفال بالمولد النبوي سوطا بيد المليشيا لجلد ظهور المواطنين وإلزامهم بما لم تلزمهم به الشريعة الإسلامية.

 

- ترسيخ السلطوية الكهنوتية

تنفق المليشيا الحوثية جزءا من الأموال المنهوبة بذريعة الاحتفال بالمولد النبوي لإضفاء مظاهر الأبهة والفخامة على ذلك الاحتفال وغيره من المناسبات الطائفية، وإجبار المواطنين على الحضور بالقوة والقهر، لأجل تحويل تلك المناسبات إلى وسيلة لاستعراض العضلات لترهيب المعارضين لها في الداخل، وتوجيه رسائل للخارج بأنها تحظى بشعبية كبيرة.

أما الهدف من ذلك فهو تكريس منطق الهيمنة وسلطويتها الكهنوتية القائمة على الكبت والقهر ومصادرة الحريات والحقوق والتحكم في أدق خصوصيات المواطنين وتحديد نمط حياتهم، وصولا إلى تغيير معتقداتهم الدينية من خلال التجريف الطائفي العنيف الذي يستهدف العقيدة الإسلامية الصحيحة، واستبدالها بعقيدة باطلة، تتمركز حول إضفاء الهالة والعظمة على المليشيا الإرهابية وزعيمها عبد الملك الحوثي وتكريس الخرافات التي تلغي العقل بما من شأنه تمرير الدجل والأكاذيب حول مزاعم النسب النبوي والحق الإلهي في السلطة والثروة.

كما أن التاريخ الأسود للإمامة السلالية الكهنوتية وحضوره في الذاكرة الجمعية لليمنيين، جعل المليشيا الحوثية تسابق الزمن لإخضاع المجتمع بكل وسائل القهر خوفا من ثورة شعبية تنفجر ضدها من الداخل، وشجعها على ذلك أن الضغوط الأجنبية تحول دون الحسم العسكري والدعوة إلى الحل السياسي للأزمة، فاستغلت المليشيا طول أمد الحرب لتعزيز سطوتها وهيمنتها، مستفيدة من الدعم الإيراني المتواصل الذي يمثل لها شريان حياة، واستثمار طول أمد الحرب في تطييف المجتمع وتسميم عقول الأجيال الجديدة بثقافة الكراهية والإرهاب ومراكمة مكاسبها، واستغلال الدين واتخاذه غطاء لجرائمها البشعة بحق اليمنيين، ولتكون يد إيران الطولى في الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.

الخلاصة هي أن المظاهر الاحتفالية التي تقيمها المليشيا الحوثية سنويا بزعم المولد النبوي، تعد أكبر إساءة ممنهجة وبشعة بحق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يُعرف متى كان تاريخ ميلاده تماما باستثناء أنه ولد في عام الفيل، وكانت تلك الطريقة السائدة عند العرب قديما والمتمثلة في أنهم يؤرخون بحسب الأحداث وليس بحسب الأرقام، لأنه لم يكن حينها معروفا لديهم التاريخ بالأرقام، وكان ترتيب الشهور القمرية يختلف لدى القبائل العربية من قبيلة إلى أخرى.

يضاف إلى ذلك أن كثيرا من علماء الدين أفتوا بأن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، فكيف بمن يتخذ ذلك المولد مناسبة للمتاجرة برسول الله والإساءة إليه من خلال جعله لافتة للنهب واللصوصية والجبايات والإتاوات الباهظة بمبرر الاحتفال بالمولد النبوي، رغم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتفل بذكرى ميلاده ولم يحتفل الصحابة بذلك، ولم تظهر بدعة الاحتفال بالمولد النبوي إلا في عهد الدولة الفاطمية في مصر، التي كانت تدعي النسب النبوي والحق الإلهي في السلطة والثروة، وقد ابتدعت فكرة الاحتفال بالمولد النبوي لأهداف سياسية، وهي كسب ود قلوب المصريين ليسهل حكمهم والتسلط عليهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي دليل شرعي على شرعية الاحتفال بالمولد النبوي، ويعد ذلك مخالفة لما اعتاده المسلمون طيلة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من الخلفاء الراشدين، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق ببدعة مستحدثة، ويمثل نوعا من التأسي بالنصارى الذين عُرف عنهم تاريخيا الاحتفال بما يعتقدونه ذكرى مولد المسيح عليه السلام، ثم ما يتخلل هذه الاحتفالات في بعض الأحيان من ممارسات مخالفة للإسلام من قبيل الإفراط في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الطقوس الوثنية، وأخيرا تحويل المناسبة إلى فرصة لنهب أموال الناس وأكل حقوقهم بالباطل وترهيبهم وقهرهم وإجبارهم على حضور تلك الاحتفالات بالقوة والتهديد بالانتقام.

كما أنه لا يوجد دليل يؤكد صحة تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم، لا سيما أن العرب في زمن الجاهلية كانوا لا يدونون تاريخ المواليد، ولم تكن قد ظهرت لديهم فكرة ترقيم أيام الشهور والسنوات، وكانوا لا يؤرخون بالأرقام ولكن بحسب الأحداث الكبرى التي تميز كل سنة عن غيرها، فيقال: عام بناء الكعبة، وعام العذر، وعام انهيار سد مأرب، وعام الفيل، وعام حرب الفجار، وهكذا.

ويعني ذلك أن تاريخ ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مجهول، باستثناء أن ميلاده كان في عام الفيل، دون تفاصيل أخرى، وتلك كانت هي الطريقة السائدة لدى العرب قديما، أي أنهم يؤرخون بحسب الأحداث وليس وفق الأرقام، وأما يوم 12 ربيع الأول فهو تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم وليس تاريخ ميلاده.