السبت 20-04-2024 02:00:56 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

(الحوثي - صالح) من التحالف إلى الصراع

الجمعة 03 مارس - آذار 2017 الساعة 12 صباحاً / التجمع اليمني للإصلاح - خاص

 

 

 

يتفاقم الخلاف في أوساط تحالف الانقلاب المليشاوي العصبوي، ويأخذ منحىً تصاعدياً يؤذن بتفجر صراع وشيك بين حلفائه (الحوثي - صالح) الذين ينفخون في نار حرب خاسرة كي يحجب دخانها خلافاتهم ويبقيها تحت الرماد، إلاَ ان دخانهم الكثيف لا يقوى على حجب نُذر الصراع الوشيك ولا يحول دون تسرب بعض من فصوله.

آخر فصول صراع التحالف الانقلاب يتبدى في اغتيال القاضي يحيى المتوكل المحسوب على جماعة الحوثي في 28 فبراير الماضي بمحافظة ذمار، من قبل مسلحين مجهولين على متن دراجة نارية، وهي الطريقة المعتادة التي جرى من خلالها تصفية مئات العسكريين ورجال الأمن خلال الأعوام 2012-2014. وكان العام 2016 شهد أوسع موجة اغتيالات بحق شخصيات مؤتمرية وحوثية، فقد نجا القيادي في حزب المؤتمر عقيل فاضل من محاولة اغتيال قام بها مسلحون حوثيون في مدينة إب وسط اليمن، بينما نجح مجهولون في اغتيال القيادي الحوثي بشار المؤيد في شارع الزبيري بصنعاء.

 

صالح كهدف للحوثيين

على أن أبرز حلقات الصدام التي وقعت بين طرفي الانقلاب كانت محاولة اغتيال المخلوع صالح الذي اكتفى برفع شكوى لطهران طالبها بلجم حلفائها وضبط انفلاتهم، ووصلت به المخاوف حد أن أصبح لا يأمن حلفاءه من الحوثيين وبتغيير مكان تواجده بشكل دائم إلى أماكن غير ملفتة للنظر ويحيط تحركاته بسرية تامة.

في ذات السياق دبت الخلافات بين طرفي الانقلاب نتيجة إصرار جماعة الحوثي على الاستحواذ على ما يسمى المجلس السياسي، وقيامهم بالتمديد لصالح الصماد بعد انتهاء مدة ولايته، ورفض تسليم قيادة المجلس لنائبه من المؤتمر حسب الاتفاق. وما زاد من حنق المخلوع وتذمره أنه على الرغم من تشكيل ما سمي بالمجلس السياسي وحكومة الإنقاذ إلاَ أن الحوثيين أصروا مع ذلك على الاحتفاظ بلجنتهم الثورية العليا التي لا تزال تمارس صلاحيات ونفوذاً كبيرين في مؤسسات الدولة وتقيد من صلاحيات الحكومة الانقلابية.

لكن الخلاف الأخطر تمحور حول السيطرة على قوات الحرس الجمهوري التي أوكل الحوثيون مهمة احتوائها لعبد الخالق الحوثي وأبدوا ممانعة تجاه عودة نجل صالح (أحمد علي) من الإمارات لتولي قيادتها، بحسب المصادر، وهم لا يترددون في اتهام الحرس الجمهوري بالتخاذل والهروب من الجبهات لإبراز دورهم وتأكيد أحقيتهم في قيادة الجيش.

 

أوراق متبادلة

يجادل أنصار المخلوع أنه لا يزال اللاعب الأوفر حظا والأكثر قدرة على المناورة واستخدام أوراقه الخاصة التي ما فتئ يلعب بها منذ صعوده كرسي الحكم، وأهمها ورقة الإرهاب (ما يسمى القاعدة) التي أجاد اللعب بها ووظفها لصالحه، وهي ورقة وظفها صالح حتى ضد الحوثيين أنفسهم إبان خلافه معهم، وبالأخص خلال الحرب السابعة (2009-2010)، فنفذت بعض العمليات الانتحارية في معقل الحوثيين بصعدة والجوف، وزعمت حينها أنها قتلت زعيم الجماعة بدر الدين الحوثي في واحدة من عملياتها، لكن الأكثر غرابة هو ذلك التحول الذي طرأ على عمل القاعدة فيما بعد، إذ شرع التنظيم يقاتل إلى جانب صالح وحلفائه، ليغدو والحوثيين في خندق واحد ضد الشرعية!!

ورقة القاعدة تلك ما يزال لدى صالح القدرة على تسخيرها ضد الحوثيين متى ما أراد، ويبدو أن هؤلاء الأخيرين تنبهوا لذلك، فشرعوا على الفور - بمساعدة من إيران- على اللعب بنفس الورقة التي يلعب بها صالح؛ فشكلوا جماعة إرهابية خاصة بهم تحت مسمى "داعش"، وغدت ورقة يناورون بها كما يفعل صالح بورقته، وفيما بقيت القاعدة ورقة ابتزاز بيد صالح امتلك الحوثيون ورقتهم الخاصة وعمدوا من خلالها إلى استعداء المجتمع الدولي على اليمن واستدعائه للوقوف إلى جانبهم، مظهرين استعدادهم العمل كوكلاء للقوى الدولية طالما يخدم ذلك مشروعهم.

الأمر المهم هو أن كلتا الجماعتين (القاعدة - داعش) صارتا جزءاً فاعلاً وشريكاً رئيساً في حروب صالح والحوثي ضد الشرعية واليمن عموماً، فالتنسيق القائم بين جناحي الانقلاب ينسحب على الجماعات الإرهابية العاملة معهما، والأرجح أن يظل الوضع كما هو إلى أن يقرر أحد طرفي الانقلاب فك ارتباطه بالآخر وفرض إرادته، حينها لن يكون من المستغرب أن تنفذ تلك الجماعات عمليات إرهابية متبادلة لحماية الأطراف الراعية لها.

إلى جانب ورقة القاعدة يمتلك المخلوع صالح معظم الأسهم في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ويؤكد مقربون منه أن جزءاً كبيراً من تلك القوات جرى تحييدها بشكل مقصود من قبله، فلم يزج بها في معارك الحوثيين كي يستدعيها عند الضرورة لحسم صراعه معهم. اليوم، وفي خطابه أمام أنصاره من محافظة صنعاء، لوح بهذه الورقة، وذكر أن هناك من شملتهم الهيكلة المقعدين في بيوتهم في حدود أربعمائة ألف يمكن استدعاؤهم للحدود والتناوب على المعركة، ما تبدو رسالة للحوثيين قبل التحالف.

ينظر البعض إلى أن السخط الشعبي المتزايد تجاه ممارسات الحوثيين القمعية بما فيها قطع رواتب الموظفين، إضافة إلى تنامي تذمر قواعد المؤتمر، وبالأخص منهم موظفي الدولة -مدنيين وعسكريين- الذين يعيشون أوضاعاً بائسة كحال بقية اليمنيين، ربما يغري المخلوع للظهور كمنقذ، في محاولة أخيرة لكسب الشارع اليمني واسترضاء دول الجوار الخليجي التي يجهد لاستعطافها، ويحاول بشتى السبل مد يده لها من تحت الطاولة معتذراً ومتوسلا بالوسطاء لترضى، فيما يجادل أصحاب الرأي الآخر بالقول: إن الحوثيين ليسوا من السذاجة ليظلوا مكتوفي الأيدي بانتظار ما سيقرر صالح بشأنهم، بل ربما يكونون أسرع منه إلى المبادرة والحسم.

 

السلطة عنوان الصراع

الحوثيون هم نبتة صالح التي استزرعها وسقاها ورعاها على عينه، حتى كبرت وسخرها عن قصد لزعزعة الحدود الجنوبية للسعوديين وابتزازهم، أما هدفه الآخر من تلك النبتة، فتمثل في خلق مناطق مضطربة شمالاً شبيهة بأخواتها المضطربة جنوباً، فكانت مهمة الحوثيين ضرب الاستقرار وخلق الأزمات شمالاً في حين قامت القاعدة بذات الدور جنوباً، تلك كانت سياسة المخلوع المتبعة والمرتكزة على مفهوم الإدارة بالأزمات وإشعال اليمن وتقسيمها إلى مناطق صراع تعبث بها جماعات متطرفة خيوطها بيده.

وفي حين بقيت خيوط اللعبة القاعدية بيده إلى اليوم، فقد نحت لعبته الحوثية منحىً مغايراً؛ إذ كبرت الجماعة وتمددت حتى ابتلعت بلداً ودولة!! وحين أنهت الجماعة مهمتها في التصدي لخصوم صالح استدارت نحوه لتصفي حسابها معه عازمة على احتوائه وإزاحته وصولاً الى الاستفراد الكامل بالسلطة.

لقد قبل الحوثيون اللعب بادئ الأمر مع صالح ونظامه مستفيدين من خدماتهم للجماعة التي كرستهم قوة موازية، وفي حين كانت علاقتهم به تكتيكية، فقد بنوا في الوقت نفسه علاقات استراتيجية مع إيران كحليف من الخارج يمكن الاستقواء به في الداخل.

كبرت الجماعة وكبرت معها طموحاتها وأطماعها، ولم تعد تلك النبتة التي غرسها صالح بيده، فحنينها الشديد للسلطة واستعادة ما تسمية بإرث الإمامة (الحكم) الذي شرعنته لها عقيدتها في الاصطفاء مثَل دافعاً لها لرفض الشراكة مع أي طرف، وبالتالي فالتخلص من شراكتها مع صالح والاستفراد بالحكم يأتي في صلب رؤيتها تلك، حيث باتت تنظر إليه كعبء ثقيل استنفد أغراضه، في حين يتشبث صالح بالسلطة مبدياً عدم استعداده التفريط بها مهما كلف الأمر، وهنا تحديداً تكمن نقطة التماس والصدام المرتقب بين الحليفين اللدودين، فكلاهما يرى أحقيته المطلقة بالسلطة كلٌ من منظوره الخاص، وهو ما يفرض على كل طرف جهوزيته لساعة الصفر.

في هذا السياق دأبت جماعة الحوثي على وضع استراتيجية خاصة في مواجهة حليفها صالح، جوهرها ابتلاع مؤسسات الدولة كشرط أساس لمحاصرته وإضعافه قبل الإجهاز عليه، فهي تعي جيداً أنه بدون ذلك الشرط يستحيل عليها مواجهته، وبالتالي فقد انساحت الجماعة داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية بنهم شديد، وتتبعت سلطات صالح في كل مرافق الدولة، وبنت سلطات موازية، في ذات الوقت الذي باشرت لسد الفجوة المالية الهائلة التي تفصلها عن حليفها الذي كدَس مليارات الدولارات لبناء دولته الصالحية، فعمدت إلى الاستيلاء على احتياطي النقد الأجنبي المقدر بأكثر من خمسة مليارات دولار، وباشرت بـ"تشليح" مؤسسات الدولة بصورة لم تشهد لها اليمن مثيلاً، واحتكرت جميع الإيرادات، ومنعت صرف المرتبات لموظفي الدولة، وأنشأت السوق السوداء، وجمعت الأموال باسم المجهود الحربي، وأسست بيوتات تجارية مكونة بذلك امبراطورية مالية ضخمة حصدت ما يقرب من اثنين تريليون ريال يمني في سابقة تاريخية لا نظير لها.

عسكرياً، وفي إطار الصراع غير المعلن بين الجانبين، يجهد المخلوع صالح في استنزاف قدرات الحوثيين على جبهات القتال، لكن الحوثيين مدركين لهذا الأمر، لذا يسوقون الأطفال وأبناء القبائل إلى الخطوط الأمامية في محاولة لتخفيف الضغط على ميلشياتهم والاحتفاظ بقوتهم.

في نهاية المطاف فإن فقدان الثقة وتربص كل طرف بالآخر ومحاولة إضعافه ونسج تحالفات متباينة الأهداف والتطلع نحو الاستئثار بالسلطة، إضافة إلى تنامي الضغوط في أوساط المجتمع وقواعد الانقلابيين لإنهاء الأزمة، كل ذلك يدفع صوب لحظة الصدام بين طرفي التحالف، وإن حاولا جاهدين إظهار وفاقهما وترحيل خلافاتهما.

في الجانب الآخر، فإن بمقدور الشرعية تفجير التحالف الانقلابي من داخله؛ إذ كلما تضاعفت خسائر الانقلابيين في معاركهما ضد قوات الشرعية والتحالف كلما دنت بالتالي لحظة صدامهما، حيث يزيد التذمر والسخط وتبرز الخلافات والاتهامات المتبادلة، وفي أجواء مفعمة بالقنوط والهزيمة وإشراف السلطة على الأفول يتسابق المهزومون لتمرير خدماتهم من تحت الطاولة لمن يضمن لهم فتات من كعكة السلطة المتحولة، ساعتها سيجد الانقلابيون من المسوغات ما يكفي لتبرير انقضاضهم على بعضهم تحت شعارات وطنية مختلقة كتلك التي يختلقونها اليوم ويقاتلون تحت سمائها، فتحالفهم بالأساس لا يقوم على أية شروط موضوعية أو مصلحة وطنية، وحين يتعرض لصدمة شديدة وانكسار عسكري فسيفقد مبررات وجوده وينحو صوب تصفية الحسابات الداخلية لينفجر تحالف الانقلاب من داخله.