الأحد 05-05-2024 14:25:25 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التعددية في الفكر الإسلامي (الحلقة 3) التعددية في الدولة الإسلامية

السبت 27 أغسطس-آب 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

 


مدخل:
قلنا في الحلقتين السابقتين:
- إن التعددية سنة كونية، انطلاقا من نصوص القرآن العظيم.

- إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسى في السنة العملية تشريعا تطبيقيا لمعارف الوحي جسّد فيه المنهج المقاصدي، حيث ربط بوضوح بين نصوص القرآن -المتصلة بالسنن الكونية- وبين الحكمة الشرعية، أو الأهداف التي جاءت النصوص لأجلها - دستور المدينة نموذجا.

- إن دستور المدينة قد تضمن تشريعا نظريا كفل حرية الاعتقاد تفكيرا وتعبيرا وممارسة، مع التسليم بوجود اختلاف في التفاصيل حول مفهوم التعددية قديما وحديثا، لكن مضامين الأسس العامة لا تختلف، فهي الكرامة الإنسانية المطلقة التي قررتها معارف الوحي المعصوم وجسدها الرسول صلى الله عليه وسلم عمليا في حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير.

وعليه، سننتقل إلى صلب الموضوع وهو التعددية السياسية في الدولة الإسلامية ومعالمها البارزة، متوخين الإيجاز قدر الإمكان، وذلك من خلال المحاور التالية:

أولا، العهد النبوي:
- إقرار حقوق اليهود عقديا وسياسيا وثقافيا، والقراء الكرام يعلمون مدى حقد اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، والقرآن مليء بالنصوص الدالة على مكر اليهود. والجدير ذكره أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدرك طبيعة وأخلاق اليهود، لكنه مع ذلك جعل دستور المدينة آلية مشتركة مفهومها "حماية حقوق كل من وقّع على الدستور".

- النفاق: تحدث القرآن كثيرا عن النفاق والمنافقين - تعرية مواقفهم السياسية الصادرة عن خبث طوية.

المنافقون في المدينة كانت خلفيات موقفهم سياسية وإن ظهرت بأنها مصالح شخصية فتلك طبيعة السياق التاريخي والثقافي.

باختصار، نفذ المنافقون طعنات سياسية أبرزها:
- خيانة عسكرية يوم أحد.
- الدعوة إلى الانقلاب ضد الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليخرجن الأعز منها الأذل".

- اتفق المنافقون على اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك، وقد سجل القرآن ذلك: "يحلفون بالله ما قالوا وقد قالوا كلمة الكفر وهمّوا بما لم ينالوا"... إلخ.

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اتسع صدره لتلك التصرفات الرعناء وما أكثرها.

- إجلال كرامة الإنسان - الخصم:
الرسول صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن.. هذا الخلق النبوي السامق، تبلورت عنه قيمة خلقية إنسانية تمثلت في "شرف الخصومة"، حيث نجده صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن جثث قتلى قريش يوم بدر في قليب - بئر مهجورة، إعلاء منه صلى الله عليه وسلم لمبدأ كرامة الإنسان، فمن أين جاءت ثقافة ذاك قنديل وذاك زنبيل؟

سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ملأى بالتشريعات المؤسسة للتعددية السياسية المنبثقة من ميثاق المثل العليا.

ثانيا، العهد الراشدي:
- الخليفة الراشد الصّدّيق رضي الله عنه اعترض على بيعته عدد من كبار الصحابة أولهم زوج ابنته أسماء (الزبير بن العوام) وسعد بن عبادة وآخرون.

- كان سعد بعدما يؤدي الصلوات خلف الصديق يقول له: أدائي للصلاة خلفك لا يعني رضاي بأنك خليفة. فيبتسم الصديق ولم يزد، لكن الخسة الفارسية زورت أن سعد بن عبادة اغتيل في الشام بسبب عدم بيعته، ألا لعنة الله على الكاذبين.

الغريب أن مفكرين إسلاميين كبار انطلت عليهم خساسة الفرس التي أضاعت مفتاح الفهم لدى المسلم عموما والسني خصوصا.

الخليفة الفاروق رضي الله عنه:
- الفاروق رسخ مفهوم الدولة، والتي من مبادئها إعلاء مبدأ التعددية السياسية وحرية الرأي.. نقتطف أمثلة بإيجاز شديد.

- المستشرق الألماني أفريتش شتيبات في كتابه بعنوان "الإسلام شريكا" قال: لا شك أن النبي محمد قد وضع بذرة الدولة، لكن الذي عمل على نمو شجرة الدولة هو عمر، فقد تنامى ساق شجرة الدولة وامتدت فروعها عالية وأوراقها وثمارها اليانعة فكان بحق هو مؤسس الدولة.

وأضاف شتيبات كلاما طويلا خلاصته تدور حول النضج الإنساني السياسي الحضاري الذي يقرر حق التعددية واحترامها كدين - ثقافة سياسية عملية، في مفهوم صغير المبنى كبير المعنى - مبدأ خالد أنتجته عقلية عمر الفاروق: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".
3- أصابت امرأة..
- المثقف د. أحمد شوقي الفْنجري، رحمه الله، قال في كتابه "الحرية السياسية في الإسلام" إن مقولة الفاروق (أصابت امرأة وأخطأ عمر) تحمل في طياتها حق الاعتراض على إصدار القوانين، ذلك أن الفاروق قدّم مشروع قانون من على منبره يوم الجمعة حول تحديد المهور، لكن المرأة اعترضت، فكانت مقولته الخالدة تحمل دلالة على سحب مشروع القانون.

الجدير ذكره أن عمر لم يقل لها: أنت امرأة.. أو لم يسأل الصحابة من منكم مع رأيها؟ لقد اكتفى باستدلالها بظاهر النص القرآني.

ما يحز في النفس أن هذه القضية الحضارية المشرقة وأمثالها أربكتها أصابع منظومة الرفض السلالي الفارسي بعشرات من الروايات عصفت بالعقل السني فأغفل -من حيث لا يدري- كل المفاهيم الحضارية التي استلهمها الصحابة من القرآن في وقت مبكر.

- تحرير الأنباط
هذه قضية ثرية بالأبعاد الحضارية، نكتفي بما يتصل بمبدأ الحرية والتعددية السياسية.

- انتزع الفاروق ملكية الأرض من إقطاعية الفرس وجعلها بيد العاملين الذين كانوا يكدحون ليل نهار مقابل لقيمات تسد رمق الجوع.

- قرر الفاروق تمليك الشريحة النبطية - أوسع الشرائح وطلب منهم شيئا نسبيا لبيت مال المسلمين.

- هنا صنع الفاروق هوية الدولة الإسلامية التي حققت العدل والمصلحة قائلا لهم إن دخولكم في الإسلام وعدمه لن يغير ما أنتم عليه من حرية شاملة.

- شهادة خصم ألدّ:
هنتنغتون الصهيومسيحي، صاحب نظرية صدام الحضارات، سجل في كتابه الضخم "النظام السياسي عبر العصور وعصر الانحطاط"، حيث قال كلاما كثيرا هذا فحواه: بعد أن كان الأنباط في نظر الفرس مجرد كائنات بشرية دورها تجفيف المستنقعات وتحويلها إلى مزارع لكبار الإقطاع، أصبح الأنباط علماء وأصحاب مواقف سياسية وتجارا ووزراء وأدباء في البلاط العباسي وقادة جيش، وهذا تحوّل (انقلاب كبير) أحدثه الإسلام الذي جاء به محمد في الحجاز والذي كسر احتكار السلطة في شريحة محددة.

وأضاف: أصبح الأتراك يتمتعون بقيادة الدولة وحماة للخليفة، إنها نقلة يصعب تخيلها في ذلك السياق.

- معارضة سياسية بامتياز:
القرار الفاروقي الآنف لاقى اعتراضا كبيرا من غالبية الصحابة فاتحي بلاد الفرس، انطلاقا من تقليد متبع مفاده أن الأرض المفتوحة يتم تقسيمها بين الفاتحين.

- اشتدت المعارضة السياسية واستمرت 65 يوما، لكن الفاروق استدعى فقهاء الصحابة من الأقاليم، وبعد تقليب الآراء استقروا على رأي الخليفة عمر.

- ابن مسعود فقيه الكوفة: سجل الفقه الإسلامي 96 موقفا لابن مسعود خالف فيها الخليفة الفاروق - مواقف في الفتوى، ووافقه في 4 مواقف لأنها قرارات سياسية (مصلحة عامة) مثل تمليك أرض العراق للأنباط نموذجا.

- مواقف الفاروق يصعب استقصاؤها.

ثالثا، الخليفة عثمان رضي الله عنه:
-الخارجون عليه هم من شذاذ الآفاق - قطّاع طرق، عبّاد أهواء، استقبلهم عثمان وسمع منهم وقارع الحجة بالحجة وأبطل دعاواهم وأخيرا خطب وأثنى عليهم أنهم أفضل وأنبل شباب خرجوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وكتب لهم صكوك تمكين قيادي في الأقاليم التي اختاروها.

- إنها أعلى درجات المعارضة السياسية - خروج مسلح ضد الخليفة الشرعي.

السؤال: هل أقصاهم الخليفة؟ هل حكم عليهم بالتمرد؟ هل...؟ هل...؟ ماذا لو أمر الخليفة بقتالهم؟ كيف سيكون موقف المليشيا الانقلابية الإرهابية؟ كيف سيكون موقف الجلادين العلمانيين؟

رابعا، الخليفة علي رضي الله عنه.. موقفه من الخوارج مشهور.. الخوارج كفّروا الخليفة وخصومه وخلعوا بيعته، فقال لهم: لكم علينا ألا نبدأكم بقتال، وألا نمنعكم من العطاء، ما لم تقطعوا سبيلا أو تبدؤونا بقتال.

- تقول بعض الروايات إن قاتل علي ظل أياما يطلق التسريبات أنه سيقتل عليا، فقام علي وقال: لماذا يهددني بالقتل؟ هل هضمنا حقه؟ ما الذي جنيته أنا كي استحق القتل؟ والكلام طويل.

الخلاصة، إن المعارضة السياسية حضرت في العهدين النبوي والراشدي وبلغت حد الخروج المسلح.. البغاة على عثمان وعلي نموذجا.

خامسا، العهد الأموي:
الخليفة معاوية رضي الله عنه قال كلمتين خلدهما التاريخ وأصبحتا بمثابة دستور للملوك والساسة العظماء.

الكلمة الأولى: والله لأعيرنّ المتحدث دبر أذني.. المقصود بالمتحدث: المعارض السياسي.. ووالله لا أحمل السيف على من لم يحمل السيف.

الكلمة الثانية، شعرة معاوية:
قال رضي الله عنه: بيني وبين الناس شعرة إن أرخوها شديت، وإن شدّوها أرخيت.

وهذه أعلى درجات القبول بالآخر - المخالف الناقم.

- في كتب الأدب أن عبد الله بن الزبير لم يبايع معاوية، وحصل أن عمال معاوية خاضوا في الطين بمزرعة ابن الزبير فكتب إلى معاوية رسالة قاسية، فرد معاوية جوابا قال فيه: هيّن يا رجل ضم مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك والسلام.. هنا بكى الخصم واتجه فورا إلى دمشق وحيا معاوية بصفته "أمير المؤمنين".

الجدير ذكره أن مواقف معاوية كثيرة جدا وفيها دلالة على نضوج سياسي رشيد جعل معاوية في مقدمة فرسان السياسة عبر التاريخ اللاحق.

سادسا، العصر الأموي:
- اتسعت الدولة، ونظرا لحضور ثقافة الحرية والتعددية السياسية والفكرية، فقد اتسعت إلى حد التعصب الجهوي - التشيع السياسي بين الكوفة، والشام، بين الشام والحجاز - مكة والمدينة. بين الكوفة والحجاز، بين القيسية واليمانية، ناهيك عن الجانب الفكري الذي اتسعت ميادينه إلى حد كبير.

- نواة الفرق الإسلامية: المعتزلة، الجبرية، الجهمية، أهل السنة.. الأسوأ هو ظهور دعوة الفرس إلى الشعوبية - تفضيل الفرس على العرب، وهذا تحريض سياسي ضد الدولة، ومع ذلك تعاملوا معه بالصمت حتى أعمال الخروج المسلح.

- الحرية الفكرية:
سجل التاريخ أن الأخطل (شاعر نصراني سكير) كان من رواد بلاط عبد الملك بن مروان، فقال قصيدة مطلعها بيت اعتبره الخليفة أنه موجه إليه فردها على الشاعر فقط ولم يزد، يقول البيت:
أتصحو أم فؤادك غير صاحي؟ فرد الخليفة: بل فؤادك أنت.

استمر الشاعر حتى قال بيتين من ألعن الأبيات في تاريخ الشعر اللامعترف بالإسلام.
يقول البيتان:
ولست بصائم رمضان عمري
ولستُ بآكلٍ لحم الأضاحي
ولستُ بقائم كالعير يرغو
قبيل الفجر حي على الفلاحِ

ضحك الحاكم وضحك الحاضرون ولم يقولوا شيئا انطلاقا من مفهوم ليس بعد الكفر ذنب، ومن مفهوم "حرية التفكير والتعبير" المكفول بنصوص القرآن والسنة.

سابعا، خامس الراشدين:
- القبول بالرأي المخالف:
لقد اتسع الخلاف الفكري في تلك الفترة وتم نقل كثير من اختلاف الصحابة والتابعين فكريا وفقهيا وسياسيا... إلخ، فقال الخليفة: هذا الخلاف أفضل عندي من ملء الدنيا بحُمُر النعم.

- التديّن الأعور:
بعض فرق الخوارج كانت موجودة قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، ولم يسجل التاريخ اعتراضها على الحكام، فلما تولى عمر بن عبد العزيز أعلنوا خروجا مسلحا في حدود العراق وغيرها، فأرسل الخليفة لقائد الجيش ألا يقاتلهم أبدا وإنما يحاورهم فإذا عجز القائد فعليه إرسال ممثلين عنهم إلى دمشق.

باختصار، وصل ثلاثة ممثلين إلى الخليفة فسألهم: ماذا تنقمون علينا؟ أجابوا: أنت ظالم بقبولك بخلافة هشام بن عبد الملك بعد وفاتك.. فرد عليهم: هذا ليس عملي، إنه فعل متوارث بين آباء وأبناء وأنا لا مكان لي اللهم سوى أنني أقحمت في مكان ليس لي.

فكثرت لجاجتهم بوعظ سمج، فصرفهم بلباقة قائلا لهم: أعطوني ثلاثة أيام.. فخرج الثلاثة مزهوّين، فسألهم الناس عما توصلوا إليه؟ فقالوا إن "الخليفة وعدنا أنه بعد ثلاثة أيام سيعزل هشام".

النتيحة، تم دس السم للخليفة ومات في اليوم الثالث.. إننا أمام حرية سياسية وفكرية... إلخ.

ثامنا، العهد العباسي:
أحب أن أسجل هنا الحقيقة التالية حول التعددية:
- التعددية الفكرية التي ظهرت وأطلق عليها مصطلح الفرق الإسلامية، هذه الفرق ليست سياسية بالمعنى المتعارف عليه في واقعنا المعيش ولكن أستطيع القول إن الفرق الإسلامية كانت خلفياتها سياسية بامتياز.

- السبب هو أن الثقافة كانت مشتبكة مع الدين، فكل قضية فكرية يجب أن يتم فهمها بين فرقاء الصراع الفكري من خلال الدين، هنا ظهرت الفرق بثوب ديني بحت، وبالتالي لا ننكر على من يرفض تسمية الفرق الإسلامية بأنها تعددية لأنه نظر للنتائج ولم ينظر للأسباب.

باختصار، نحن نقول نعم ليست تعددية سياسية بالمعنى المتعارف اليوم، وإنما هي فرق فكرية، خلفياتها ودوافعها سياسية.

العصران العباسيان الأول والثاني اتسعت فيهما التعددية السياسية والفقهية والفكرية، ولكن مطلع القرن الرابع اتجهت السياسة نحو التضييق، ومع ذلك ظلت التعددية حاضرة بصورة أو بأخرى.

تاسعا، استخلاص المبادئ:
بناء على ما سبق نستطيع تقرير المبادئ التالية:
1- التعددية سنة كونية اقتضتها حكمته سبحانه ثم أرستها معارف الوحي وقررتها بأنها كلمات الله التامة.

2- نزوع الإنسان إلى الاختلاف اقتضته حكمة الله، وقررته النصوص الكثيرة، منها قوله سبحانه: "ولا يزالون مختلفين"، وقوله "ولذلك خلقهم".

ودلّت تقلبات التاريخ أن سنة التعددية الفكرية عندما تعاطى الساسة معها وفقا لتعاليم الإسلام صنعت مجتمعا إنسانيا مشرقا بالقيم السامية، وخلقت نهوضا حضاريا استفاد منه العالم.

3- كرامة الإنسان هي محور التعددية الشاملة.

4- الحريات العامة تجسيد عملي لاحترام كرامة الإنسان.

5- المساواة في الكرامة تتجسد عمليا في نيل الحقوق.

6- السنن الكونية وظيفتها بناء المجتمع ليقوم الناس بالقسط،
وإهمال السنن المتصلة في هذا الصدد يعني تدميرا للاجتماع الإنساني.

7- الدستور، والعدل في الحكم هما أبرز آليات حماية الكرامة والحرية والمساواة.

8- حرية الاعتقاد تفكيرا وتعبيرا، هي الأساس الذي تقوم عليه بقية أنواع التعددية، ومنها التعددية السياسية.

9- المساس بأي مظهر من مظاهر كرامة الإنسان - حرية أو حقوقا للفرد أو للجماعة أو للشعب يعني مصادمة للسنن الحاكمة والنتيجة تدمير المجتمع - المليشيا الانقلابية الإرهابية نموذجا.

10- الاعتداء على السنن الكونية الحاكمة للاجتماع صنفه القرآن بأنه علو في الأرض وصنفه بأنه الطغيان الذي يقسم الناس إلى شيع -طبقية- سادة وعبيد.. يؤدي حتما إلى الفساد المهلك للحرث والنسل.

11- الذي يرفض "سنة التعددية" ويكرس ثقافة إقصاء الآخر، ويصادر حريات الأمة بهدف إعلاء الفردية أو السلالية أو تحت أي مبرر كان، فحكمه كمن يمنع الصلاة أو الصيام أو ينتهك الأعراض أو يسفك الدماء أو يقطع الأرحام، والقرآن صنفه قطع لما أمر الله به أن يوصل وإفساد في الأرض، قال تعالى: "والذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" (سورة الرعد). إذن، نص القرآن صريح وهو يرشدنا إلى أن ننظر في المآلات والنتائج وسنجد النتيجة واحدة هي الإفساد في الأرض.

12- كل الروايات في كتب الحديث المصادمة للسنن الكونية المنصوص عليها في القرآن، هي روايات لا عبرة بها بإجماع فقهاء الأصول، فحاشا الرسول المعصوم أن يخالف الوحي المعصوم.

وعليه، فما يخالف القرآن هو من عند غير الله وصدق الله: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".

تلك هي نعمة التعددية كسنة كونية، بقي أن نتحدث عن نقمة التفتيت، هذا سيكون موضوع الحلقة 4.. نلتقي بعونه سبحانه