الخميس 02-05-2024 22:22:26 م : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تجنيد الحوثيين للأطفال.. جرائم حرب تفخخ الحاضر والمستقبل

الأربعاء 20 يوليو-تموز 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبد السلام الحاتمي

 

 

زادت مليشيا الحوثيين الإرهابية من جهودها في تجنيد الأطفال والدفع بهم إلى جبهات القتال، ورغم أن تجنيد الأطفال بدأ منذ سنوات، لكن المليشيا كثفت من ذلك منذ مطلع العام الجاري، ثم ازداد التجنيد أكثر منذ بداية الهدنة التي دعت لها الأمم المتحدة في مطلع أبريل الماضي. ويستخدم الحوثيون ما يسمونها "المخيمات الصيفية" لنشر أيديولوجيتهم الإرهابية وتجنيد الأطفال للقتال، وتُقام هذه المعسكرات في المدارس والمساجد في المحافظات التي يسيطرون عليها.

وتأتي حملة التجنيد الحوثية الأخيرة لتعويض خسائرها البشرية الكبيرة بعد تكرار محاولاتها الفاشلة للسيطرة على مدينة مأرب طوال ما يقارب عامين، وهي بذلك تعد العدة لجولة جديدة من الصراع والعنف وسفك الدماء، وتجعل من الأطفال وقودا لمعاركها العبثية، رغم أن القانون الدولي الإنساني يحظر تجنيد الأطفال، ويعد ذلك جريمة حرب. وبنفس الوقت تحتفظ المليشيا بعدد كبير من مقاتليها المدربين والعقائديين شديدي الولاء لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، ليتولوا مسألة الحسم في نهاية المطاف كما يخطط قادة المليشيا، ويكون الأطفال وقودا للمعارك باعتبارهم مقاتلين غير مؤهلين ولا مدربين وعديمي القيمة.

- ارتفاع وتيرة التجنيد

مؤخرا، وثقت منظمة "ميون لحقوق الإنسان" 2000 حالة تجنيد أطفال في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية خلال أول شهرين من الهدنة، وهو ما يؤكد ارتفاع وتيرة التجنيد، ويكشف عن مدى جدية الحوثيين في تنفيذ التزاماتهم حيال خطة العمل التي أبرموها في مارس الماضي مع الأمم المتحدة، وتلزمهم بتسليم بيانات جميع الأطفال المجندين في صفوفهم والعمل على تسريحهم خلال 6 أشهر من التوقيع على الخطة.

وبالإشارة إلى الطريقة التي يتخذها الحوثيون للدفع بهذه الأعداد الكبيرة من الأطفال إلى محارق القتال وكيفية تقبل أهاليهم للأمر، يوضح رئيس منظمة ميون عبده محمد الحذيفي -في تصريح له- أن "مليشيا الحوثيين تعتمد في عمليات تحشيد الأطفال وتجنيدهم من مناطق سيطرتها قبل الزج بهم إلى جبهات القتال على أساليب عدة تتراوح بين الاستدراج والإغراء والابتزاز والإرغام (الاختطاف)، كما تستخدم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الحكومية في مناطق سيطرتها والإذاعة المدرسية والمنهج الدراسي والزوامل والشيلات (الأغاني الشعبية) الحماسية ولوحات الإعلانات في الشوارع في إغواء الأطفال للالتحاق بمعسكراتها، كما تقدم المليشيا المسلحة وعودا للأطفال بمنحهم سلاحا شخصيا ورتبا عسكرية في حال التحاقهم بمعسكرات التجنيد، ثم يتم إرسالهم للقتال في الجبهات.

وقال الحذيفي: "رصدنا قيام الحوثيين بابتزاز الأهالي المُعدمين بمنحهم المساعدات الغذائية الشهرية (السلة الغذائية) مقابل الموافقة على ذهاب أطفالهم للقتال في صفوفهم، وإلا يتم قطعها عنهم في حال رفضهم، وتلزم مليشيا الحوثيين عقال الحارات والمشايخ القبليين بحشد عدد معين من المقاتلين يتراوح بين 5 - 15 بين حين وآخر، ما يضطرهم في أحيان كثيرة لأخذ أطفال بطرق بعضها أقرب ما تكون للاختطاف".

ويؤكد الحذيفي أن لجان المليشيا الميدانية في الحارات والمدن والأرياف تباشر بأخذ الأطفال أولا إلى المراكز الصيفية لمدة شهر أو أكثر من الدورات الدينية (الطائفية)، وهناك يتم حشد أفكارهم بالدعاء لكل من يخالف عقيدة الجماعة، كما يتم التغرير بهم بأنهم سيجاهدون ضد اليهود والنصارى على خُطى الجهاد لتحرير القدس.

- انتهاكات جسيمة

ومنذ بداية اندلاع الحرب، ارتكب الحوثيون انتهاكات جسيمة بحق الأطفال، حيث تسببت الصواريخ التي أطلقها الحوثيون، وهجماتهم المدفعية العشوائية، واستخدامهم الألغام الأرضية، في سقوط آلاف الضحايا من الأطفال، كما هاجموا عشرات المدارس والمستشفيات، واستخدموا المدارس لأغراض عسكرية، ومنعوا المساعدات الإنسانية.

وقال أحد الأطفال لـ"هيومن رايتس ووتش" إنه جُنّد في سن 13 عاما، وأصيب برصاصة في صدره أثناء قتاله ضد الجيش اليمني. وأفاد شهود عيان أنهم رأوا أطفالا مسلحين لا تتجاوز أعمارهم السابعة عند نقاط التفتيش.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 10200 طفل قُتلوا أو شوهوا في الحرب، رغم أنه من غير الواضح عدد الذين ربما كانوا من المقاتلين.

كما قتل ما يقرب من ألفي طفل جندهم الحوثيون في ساحة المعركة بين يناير 2020 ومايو 2021، وفقا لخبراء الأمم المتحدة.

وكانت لجنة خبراء الأمم المتحدة قد قالت في وقت سابق من هذا العام إن الحوثيين لديهم نظام لتلقين الأطفال الجنود، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية للضغط على الأسر، ويتم أخذ الأطفال أولا إلى المراكز لمدة شهر أو أكثر من الدورات الطائفية.

كما وجد الخبراء أن الأطفال في سن السابعة يتعلمون تنظيف الأسلحة وكيفية تفادي الصواريخ.

- توقيع خطة عمل ثم الالتفاف عليها

في منتصف أبريل الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن مليشيا الحوثيين وقعت "خطة عمل" مع المنظمة الدولية تنص على وقف تجنيد الأطفال في الحرب التي أشعلها الحوثيون منذ أكثر من سبع سنوات، وجاءت عقب تحقق الأمم المتحدة من تجنيد الحوثيين نحو 3500 طفل في الحرب.

لكن الحوثيين لم يلتزموا بخطة العمل التي وقعوا عليها، حيث واصلوا تجنيد الأطفال، وقال مسؤولان حوثيان لـ"أسوشيتد برس"، في 18 يونيو الماضي، إن الحوثيين جندوا عدة مئات من الأطفال، بينهم أطفال في عمر 10 سنوات، خلال شهري أبريل ومايو الماضيين، ونشروهم على خطوط الجبهات ضمن حشد للقوات خلال الهدنة التي توسطت بها الأمم المتحدة، والتي بدأت منذ أبريل الماضي.

المسؤولان الحوثيان اللذان وصفتهما الوكالة بـ"المتشددين"، قالا إنهما لا يريان مشكلة في هذه الممارسة، وجادلا بأن الأطفال من عمر 10 أو 12 عاما يعتبرون رجالا.

وأضاف أحدهما: "إنهم ليسوا أطفالا، إنهم رجال حقيقيون يجب أن يدافعوا عن أمتهم"، حسب تعبيره.

- المعسكرات الصيفية

تستخدم مليشيا الحوثيين ما تطلق عليها "المعسكرات الصيفية" لنشر أيديولوجيتها الدينية الطائفية المتطرفة وتجنيد أطفال للقتال.

وقال أربعة عمال إغاثة من ثلاث منظمات دولية تعمل في مناطق يسيطر عليها الحوثيون، إنهم لاحظوا تكثيفا في جهود الحوثيين لتجنيد الأطفال خلال الأسابيع الأخيرة.

وتحدث عمال الإغاثة مع "أسوشيتد برس" شريطة كتمان هوياتهم خوفا على سلامتهم، وأوضحوا أن الحوثيين ضغطوا على الأسر لإرسال أطفالها إلى معسكرات يتعلمون فيها كيفية التعامل مع الأسلحة وزرع الألغام مقابل خدمات منها تقديم حصص غذاء من منظمات دولية.

ووصف أحد عمال الإغاثة الذي يعمل في مناطق شمالية نائية، رؤية أطفال بعمر 10 سنوات يحرسون نقاط تفتيش على الطريق وبنادق كلاشينكوف معلقة على أكتافهم. وأُرسل آخرون إلى خط الجبهة، كما عاد بعض الأطفال مصابين من القتال في مأرب، وفقا للعامل.

وفي سياق متصل، قال اثنان من سكان محافظة عمران إن ممثلي الحوثيين جاؤوا إلى منازلهم في مايو الماضي وطلبوا منهم إعداد أطفالهم للمخيمات في نهاية العام الدراسي.

وتحدث السكان، وهم مزارعون، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم خوفا من الانتقام، وقالوا إن أطفالهم الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و16 سنة، نُقلوا في أواخر مايو الماضي إلى مركز تدريب في مدرسة قريبة. وقال أحد الآباء إنه قيل له إنه إذا لم يرسل أطفاله فلن تحصل عائلته على حصص غذائية.

وفي إقرار ضمني جديد يعد دليلا إضافيا حيا على استمرار المليشيا الحوثية في تجنيد الأطفال وتعبئتهم بالأفكار الطائفية التي تهدد النسيج الاجتماعي اليمني، نشر القيادي الحوثي، محمد البخيتي، الذي يشغل منصب محافظ محافظة ذمار، في مطلع يونيو الماضي، مقطع فيديو من زيارة قام بها إلى أحد المعسكرات بمحافظة ذمار، ويظهر من خلاله مئات الأطفال في الزي العسكري يقفون في تشكيل صباحي يشبه الطابور العسكري، ويعلنون ولاءهم لقائد المليشيا، عبد الملك الحوثي، ويصرخون: "جنود الله"، و"نحن قادمون".

- تقرير فريق الخبراء

في مطلع يناير الماضي، جدد تقرير جديد لفريق الخبراء في شأن اليمن التابع للأمم المتحدة، تسليط الضوء على انتهاكات مليشيا الحوثيين، بما في ذلك استغلال أنشطة التعليم لدفع الأطفال إلى تبني أفكار محرضة على الكراهية والعنف، وصولا إلى تجنيدهم في جبهات القتال.

وتضمن التقرير السنوي لعام 2021 الذي سلم إلى مجلس الأمن، في الفقرة المتعلقة بتجنيد الحوثيين للأطفال، معلومات حول استغلال الحوثيين للمعسكرات الصيفية والدورات الطائفية للحشد والتشجيع على الانضمام للقتال، إذ رصد فريق الخبراء في بعض المدارس وأحد المساجد التي يستخدمها الحوثيون لنشر عقيدتهم بين الأطفال، ترويج هذه المناشط لخطاب الكراهية والعنف ضد مجموعات معينة.

وذكر الفريق في تقريره أنه في "أحد المعسكرات يتم تعليم أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات كيفية تنظيف الأسلحة والهرب من الصواريخ".

وأشار إلى استغلال الحوثيين المساعدات الإنسانية من خلال توفيرها أو منع الأسر من الحصول عليها على أساس مشاركة الأطفال في أنشطة الحوثي، لافتا إلى مشاركة البعض خوفا على حياتهم أو منع الحوثيين وصول المساعدة الإنسانية إليهم.

ومن المعسكرات الصيفية إلى جبهات القتال، وثق التقرير مقتل 1406 أطفال زجّ بهم الحوثيون في ساحات المعارك عام 2020، و562 طفلا بين يناير ومايو عام 2021، مشيرا إلى أن أعمار الأطفال تراوحت بين 10 إلى 17 سنة، ومعظمهم قتلوا في محافظات عمران وذمار وحجة والحديدة وإب، إضافة إلى صعدة وصنعاء.

- آلاف الأطفال في محارق الموت الحوثية

في 2 يونيو الماضي، قال ماجد فضائل، وكيل وزارة حقوق الإنسان اليمنية وعضو اللجنة الإشرافية لتبادل الأسرى والمختطفين، إنه لا توجد إحصائية دقيقة بعدد الأطفال المجندين ولكن التقديرات تشير إلى أن العدد يفوق 30 ألف طفل زجت بهم مليشيا الحوثيين في جبهات القتال.

وأضاف فضايل في تصريح لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية: "هناك أعداد رصدت وقيدت من قبل منظمات المجتمع المدني وهم أكثر من 6 آلاف طفل في أول عامين للانقلاب ولكنه عدد قليل جدا مقارنة بالواقع".

وتابع: "توجد إحصائية بعدد من قتلوا في الجبهات بالاسم والعمر والتفاصيل التي أعلنت في قنوات ووسائل إعلام الحوثي فاق عددهم 1400 طفل".

وأشار ماجد فضائل إلى أن الأطفال المستهدفين بالدعوات للانتساب إلى المراكز الصيفية التي تعتبر بيئه خصبة لـ"تلغيم الأطفال بالفكر المتطرف"، يتراوح من 500 إلى 600 ألف وهو عدد كبير، موضحا أنه سيتم إخراج عشرات آلاف المقاتلين الأطفال من هذه المراكز.

وأكد أن هناك أطفالا تم إخراجهم من منازلهم بالقوة أو الترهيب للالتحاق بجبهات القتال، تطلق عليهم مليشيا الحوثيين "أشبال المسيرة" ويطلق عليهم تنظيم القاعدة "أشبال الخلافة"، وجميعها أوصاف تؤدي بهم للتهلكة وتدمر جيلا بأكمله، كما أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها معظم أبناء الشعب اليمني لعبت دورا محوريا في انتشار وتفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال لدى المليشيا الحوثية.

بدورها، تحدَّثت منظمة "سياج لحقوق الأطفال" عن استقطاب المليشيا الحوثية أكثر من نصف مليون طفل في عام 2020، عبر 6 آلاف مخيم صيفي، متوقعة إشراك عدد منهم في معاركها.

- تنديد رسمي بتجنيد الأطفال

في 12 مايو الماضي، طالب وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حماية الطفولة بإصدار إدانة واضحة لتصعيد مليشيا الحوثيين عمليات تجنيد الأطفال، وممارسة ضغط حقيقي لوقفها، وملاحقة المسؤولين عنها من قيادات وعناصر المليشيا في المحاكم الدولية باعتبارهم مجرمي حرب، وإعادة تصنيفها في قوائم الإرهاب الدولية.

وحذر الإرياني من استمرار مليشيا الحوثيين الإرهابية التابعة لإيران في عمليات تجنيد الأطفال دون سن 18 عاما عبر استدراج عشرات الآلاف منهم في المناطق الخاضعة لسيطرتها لمعسكرات تدريب تحت غطاء ما يسمى "الدورات الصيفية"، وغسل عقولهم بالأفكار الطائفية الدخيلة في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية.

‏وأكد وزير الإعلام -في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ"- أن إطلاق مليشيا الحوثيين حملة تجنيد واسعة للأطفال بمناطق سيطرتها تمهيدا للزج بهم في جبهات القتال، يكشف عن نواياها المبيتة لجر البلد لدورة جديدة من الدم، دون اكتراث بحياة أولئك الأطفال، والأوضاع الإنسانية الكارثية للمواطنين الذين يعانون ويلات الحرب منذ 7 سنوات.

وأهاب الإرياني بالآباء والأمهات ومشايخ وأبناء القبائل في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين مقاطعة معسكرات تجنيد الأطفال، والحفاظ على أبنائهم وعدم الزج بهم وقودا لمعاركها العبثية، وتحويلهم إلى قرابين لتنفيذ الأجندة الإيرانية، وقنابل موقوتة لنشر الفوضى والإرهاب وتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

كلمات دالّة

#اليمن