الجمعة 29-03-2024 12:42:19 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

إيران واليمن.. تصدير الثورة الخمينية والإرهاب (الحلقة الرابعة)

الأربعاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 04 مساءً / موقع الإصلاح – خاص – فهد سلطان

 

"منذ ما بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وما مثلته من بروز لمتغير إقليمي جديد ممثلاً بجمهورية إيران الإسلامية كقوة صاعدة على المشهد الدولي والإقليمي، كان ثمة شيء ما غير مألوف تزامن ظهوره مع قيام هذه الجمهورية "البراغماتية"، ألا وهو مبدأ تصدير الثورة الذي كان بمثابة حبات اللقاح أو الإخصاب لما بات يطلق عليه اليوم بالطائفية السياسية في العالم العربي" ئ(1)


لا يفوت الدارس للشأن اليمني هنا من التأكيد على أن الطائفية أو المذهبية لم تكن ضمن الخلافات بين تركيبة السكان اليمنيين على مدى قرون، رغم تعدد الأسباب والعناوين التي اختلفوا عليها عبر التاريخ, الى جانب محاولات محدودة من قبل السلطة السياسية ممن حكموا اليمن من المذهب الزيدي, كمحاولة لبث نفس طائفي وممارسته ضمن سياسة فعلية على الارض في بعض الاوقات, إلا أن اليمنيين, لم يكونوا ينساقون وراء تلك الممارسات, فقد كانت الاهتمامات والخلافات تأخذ طابعاً اخر, ليس من بينه الطائفية أو المذهبية. بيد أن المراقب للتطورات السياسية والعسكرية والأمنية الأخيرة في البلاد, ابتداء من الحروب الست ضد التمرد الحوثي 2004م وصولاً الى اندلاع الثورة الشبابية الشعبية 2011م, وصولاً الى الانهيار الكبير للدولة 2014م, في أن يجد المتابع محاولات عدة لمنح الصراع السياسي الحالي صبغة طائفية، يعزز من فرصها انهيار الدولة في سبتمبر/ ايلول 2014م لحظة سقوط العاصمة صنعاء، والتراجع الخطير في فرص العمل السياسي السلمي، في ظل هيمنة السلاح على المشهد العام في البلاد.


الدستور وحماية البلاد من الخطر الطائفي
شكلت ثورة سبتمبر الخالدة 1962م واحدة من أهم المحطات التاريخية في حياة اليمنيين, والتي انتقلت بالناس الى وضع جديد, وفتحت أمامهم أفاق واسعة, بعد أن ضلوا لعقود طويلة معزولين في جنوب الجزيرة العربية, ومنذ إقرار الدستور اليمني المرافق لقيام الوحدة, فقد حافظ على نوع جيد من التوازن, وابعد أي محاولات من شأنها أن تعزز الطائفية أو المذهبية, في حين أن النظام ذاته كأسلافه من الائمة الذين حكموا اليمن استعلموا النفس الطائفي بحدود لتثبيت سلطتهم وبقائها لفترة اطول.


وبالعودة الى الدستور نجد أن المادة الثانية تنص على أن الإسلام هو دين الدولة, وتكفل المواد (41) و(42) و(48) تساوي المواطنين وحرية الفكر والحرية الشخصية, ويحدد القانون الحالات التي يجب فيها تقييد حرية المواطن, كما لم تشر إلى دين المواطن بالتحديد, ايضاً كانت الشريعة الإسلامية تمثل المصدر الأساسي للتشريع, وعليه فإن قانون الأحوال الشخصية وحقوق الأقليات يخضع لتفسيرات الشريعة ذاتها" (2) والتي خففت أو حدت من أي احتقان طائفي أو مذهبي في البلاد وسمحت بنوع من التلاقح الفكري بين المذاهب.


ومن الحقائق التي يجب أن تفهم في هذا السياق هو أن اليمنيين منقسمين الى مجموعتين رئيسيتين, فصيل السنة الشافعية والشيعة الزيدية, حيث تبلغ نسبة الشافعية حوالي75 -80% مقابل زيدية 20 - 25%, الى جانب مجموعات اخرى صغيرة كمذاهب وفرق, وطائفة صغيرة لليهود تناقصت مع الهجرات المتكررة حتى بات المتواجدون حالياً لا يتجاوزن 50 فرداً فقط.


لقد كان صعود نجم المتمردين الحوثيين المدعومين إيرانياً وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية, الخطوة التي بدأ الحديث عن الطائفية يبرز الى المشهد السياسي والفكري، بما تمثله هذه الجماعة من تهديد وجودي للدولة - في المقام الاول - وقبل ذلك للجمهورية التي مثلت الاساس الحاضن للدولة على مدى خمسة عقود ماضية.


النفس الطائفي الجديد
على ضوء ما سبق يمكن القول بالنظر الى الجانب التاريخي أو القانوني, يلاحظ أن النفس الطائفي لم يكن حاضراً, كما لم تتواجد الممكنات الداعية لنشوئه أو البناء عليه, غير أنه وبالعودة الى أن الحروب الست التي نفذتها السلطة ضد التمرد الحوثي في عدد من مديريات وقرى صعدة, مثل البذرة الاولى التي نفذت منها دولة إيران الطائفية الى اليمن, حيث تمثل ذلك الدعم جانب ديني طائفي وجانب اخر مرتبط به من خلال تهريب السلاح وعمليات تدريب لمليشيات الحوثيين داخل البلاد, وهو ما سينشط في سنوات الحرب التي تخوضها الشرعية منذ بداية 2014م في مواجهة التمرد عقب الانتهاء من مخرجات الحوار الوطني.


إيران وتلقيح اليمن طائفياً

مع قيام ثورة الخميني في إيران واتباع قادتها نهج تصديرها إلى مختلف البلدان، سارع عدد من السياسيين الإمامين الذين أطاحت ثورة 26 سبتمبر بحكمهم في شمال اليمن، إلى إيجاد قناة اتصال مع طهران. ومع بداية التسعينيات وقيام الدولة اليمنية باتحاد شطري اليمن كانت بيروت محطة الإدارة والتنسيق لهذه الجماعة وعمل بدر الدين الحوثي وأبنائه وأتباعه بدأب على استغلال المناطق النائية في محافظة صعدة منطلقاً لنشر أفكاره وإرسال أتباعه إلى بيروت وطهران لتلقي تدريبات عسكرية وسياسية.


وبالتالي فـ "الدعم الإيراني يتسم في اعتماده الاول على نشر التشيع الاثني عشري, والذي يقوم على تركيبة طائفية بحته كما هو الحال في عدد من الدول التي وصلها هذا الغزو الجديد, كما حصل في لبنان وسوريا والعراق بالدرجة الأساسية, وصولاً الى الكويت والسعودية والبحرين, والشيء الجديد الذي يمكن ملاحظته أن النفس الطائفي في التشيع الفارسي يختلف عنه بالتشيع العربي, وهو ما يعكس فارق في المعادلة, فعدد من الدول العربية يتواجد فيها الشيعة منذ قرون طويلة, بل بعضها قديماً بقدم المذهب نفسه, فيما الجديد تغذية ذلك التواجد بالنفس الإيراني الفارسي الذي يحمل بذرة ثورية, لا تكتفي بالممارسات الدينية كحال باقي المذاهب الدينية الشيعية, بل بالانقلاب على السلطة وخلق نوع من الفساد والحرب على الدولة وبداية لهدمها على رؤوس سكانيها. (3)


ومنذ نحو ثلاثة عقود بدأت إيران مهمة إيجاد ذراع طائفية داخل اليمن عقب وصول بدر الدين الحوثي في العام 1985 إلى مدينة قم برفقة عدد من أتباعه الذين أسّسوا فيما بعد «منتدى الشباب المؤمن» الذي تحوّل بعد ذلك إلى حركة مسلّحة يقودها نجله حسين حتى العام 2004م.


هوامش ...............
1- مقالة للكاتب السياسي نبيل البكيري " حقيقة التدخل الإيراني في اليمن" الجزيرة نت نشر بتاري 25 ابريل/ نيسان 2013م.
2- الموسوعة الحرة
3- الحوثيون دراسة منهجية شاملة.. الدكتور محمد الدغشي