الخميس 02-05-2024 09:07:43 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الدولة وشرعيتها في الإسلام.. قراءة منهجية لمعارف الوحي ومقاصده

الإثنين 13 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي
 

 


أولا، ضبط المفاهيم:
المقصود بالدولة الشرعية، أو الشرعية السياسية في المفهوم الثقافي المعاصر، هي الدولة التي اختارها الشعب دون تسلط أو إكراه أو تزييف أو مصادرة لإرادته.

- المقصود بالمنهجية مجموع الطرق والآليّات الذهنية والعملية التي يسلكها الباحثون عند بحث قضية ما دونما تحيّز أو قناعات مسبقة حتى يصل إلى النتيجة أيّا كانت.

- المقصود بمعارف الوحي- مقاصد الوحي ، دلالةً أو تعليلا أو سياقا أو ظلالا أو غايات.

- لماذا معارف الوحي؟
اختار الكاتب -عامدا- أن تنطلق دراسة أسس الدولة ومبادئها والقيم والأخلاق السياسية من الأصول الأولى المعصومة والتي وضعت الأسس النظرية لشرعية الدولة.

- المقصود بالأسس أي القواعد الثابتة الراسخة المتضمنة لروح الأهداف والغايات.

- المقصود بالمبادئ: كليات الشرع ومقاصده التي استهدفت الصلاح الإنساني الشامل إنسانيا وحضاريا.

- المقصود بالقيم:
أ- منظومة القيم الإسلامية العالمية الكبرى المتفق عليها عالميا عبر العصور، والتي سنذكرها في مكانها.

ب- منظومة القيم الخلقية والتي انضوى في إطارها "التزكية الخلقية" وعلاقتها بالقيم السياسية والسنن الحاكمة للاجتماع: بناء، وتنمية، وترسيخا للسلام، والاستقرار، وصولا إلى النهوض الحضاري والرفاه.

ثانيا، تبيان معارف الوحي:
القرآن نص بوضوح تام لا يحتاج لإجهاد ذهن، بل تكرر النص أنه قرآن ميسّر.
- "ولقد يسرنا القرآن..".
- "فإنما يسرناه بلسانك..".
- "قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد..".
- "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم..".
- "قد تبين الرشد من الغي..".
- "تبيانا لكل شيء".
- "ما فرطنا في الكتاب من شيء".

ثالثا، غاية خلق الإنسان:
حدد القرآن غايتين قصويين من خلق الإنسان هما عبادة الله وعمارة الأرض وفق منهج الله.

وعليه، بما أننا مؤمنون بالله وكتبه ورسله، وأن قول الله أصدق وهو فوق كل الأقوال الصادقة.
- "ومن أصدق من الله قيلا".
- "قل صدق الله...".
يجب علينا أن نسلّم بأن القرآن فيه منظور شامل استوعب أسس الدولة، كما تضمن نظاما شاملا عقيدة وتزكية وتشريعا للأسرة وتضمن قواعد الصلاح - المصلحة دنيا وأخرى.

رابعا، منهجية معارف الوحي:

إذا تأملنا المنهجية النظرية التي أرستها بل ورسختها معارف الوحي في بناء عقلية مجتمع الرشد والوعي، وذلك قبل وأثناء وبعد التنصيص على أسس الدولة ومبادئها والقيم السياسية.

كيف لا والقرآن زاخر بالتزكية العقلية الهادية والكاشفة لأسس الإنحراف وعوامله التي دمرت المجتمعات عبر التاريخ.
- "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".
- "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى".
- "فاعتبروا يا أولي الأبصار".

إذن نحن أمام منهجية معرفيه عقلية سياسية وتزكية خلقيه وتنمية مجتمعية متجذرة في القيم العقدية متعانقة متداخلة لا يمكن الفصل بينها إلا عند التدرج التربوي الهادف إلى بناء التصور الكلي المتكامل.

خامسا، كتلة مفهوم الاعتبار:

التاريخ أبو العلوم، والهدف منه وضحه القرآن: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".

والذي يمكننا استخلاصه من معطيات منهجية معارف الوحي هو أن مفهوم الاعتبار يمثّل كتلة مفهومية لافتة للنظر مفادها:
الاعتبار.. الاستثمار..
العزيمة.. والاستبصار..
الهدف.. المسار..

هذه الكتلة المفهومية تكررت في القرآن 17 مرة تقريبا، الأمر الذي يعني أنها مقصد قرآني يجب التزامه -ضرورة- كونه الأساس الخطير والأبرز في تدمير السنن الحاكمة للاجتماع، كيف لا والقرآن كرر هذا المفهوم موضحا ذلك حرفيا أن المجرمين أعداء الأنبياء - قاتلي الأنبياء وقاتلي القائمين بالقسط هم "الملأ" الذين يقتلون النبيين ويقتلون الذين يأمرون بالقسط.

سادسا، مفهوم الملأ:

مفهوم الملأ يعني ثلاثة أشخاص: سياسي طاغي، وغني مترف، ومنافق عليم اللسان، والأخير ينضوي في إطاره فقيه السوء والإعلامي المرتزق وكل لاهث لاعق أحذية الطغاة.

مفهوم الملأ ورد في قصص القرآن في عصور ما قبل الدولة - عصر نوح وهود وصالح، وقد وضع لها القرآن مصطلحا معرفيا "الأحزاب"، وأما بعد الدولة فقد بدأ بعصر إبراهيم- النمرود.. وموسى.. وتوقف القرآن هنا طويلا حتى قال البعض إن القصص أخذ حيّزا بلغ ثلث القرآن.

 

سابعا أسس الدولة الشرعية:

معارف الوحي صادرة من لدن حكيم عليم خبير.. رسمت منهجا عقليا يستثير الأسئلة المعرفية، أسئلة يجب علينا اليوم طرحها بشجاعة، و"الحذوة" الملهمة لنا هي منهجية معارف الوحي.

وعليه، نحن أمام أسئلة كثيرة جدا في صدد أسس ومبادئ وبناء الدولة الشرعية، لكننا سنشير إلى سؤالين بارزين كون بقية الأسئلة منبثقة عنهما.

السؤال الأول: لماذا أنزل الله سورة الشورى مبكرا في العصر المكي- سنة 6 أو 7 للبعثة.. وذلك قبل تشريع تفاصيل الصلاة والصيام والزكاة والحج والأسرة والجهاد... إلخ المعاملات؟ أليس هذا دليل قاطع وبرهان ساطع أن القرآن جاء يرسي سنن الاجتماع السياسي الهادفة إلى حماية مصلحة الفرد والمجتمع؟

السؤال الثاني: ما هي العلاقة بين مفهومي الاعتبار والملأ؟
الجواب: منهجية معارف الوحي وضعتنا أمام جذور الفساد المجتمعي ومنابعه- تحديدا.. أنه طغيان الملأ المترفين.. وأنهم أكابر المجرمين.

شلة مارقة تنكبت الطريق فظلمت الإنسان أولا، وواجهت الأنبياء الداعين إلى القيام بالقسط "قال الملأ".. الأكثر غرابة هو أن هذا المفهوم ورد 99% في سياق الذم، مقابل 1% في سياق المدح.. "يا أيها الملأ أفتوني في أمري...".

إذن.. نستنتج مفهوم الاعتبار من فساد الملأ عبر التاريخ:
1- أن الملأ هم بؤرة الفساد الاجتماعي أرضا وإنسانا.

2- أن منهجية معارف الوحي تقول لنا إن الأمة هي صاحبة المصلحة من قيام الدولة.

3- دفن الظلم ومحاربة منابع الفساد وإرساء مصالح الأمة وحمايتها لم ولن يكون إلا أن تكون الأمة هي مالكة القرار في بناء الدولة وتحديد وظائف الدولة وصياغة القوانين.

وهنا نكون قد وصلنا إلى الأساس الأول لبناء الدولة الشرعية القانونية كما يلي:

ثامنا الشورى أساس الدولة:

1- اتضح جليا أن أم القيم السياسية في الإسلام هي الشورى.

2- أن المبادئ والقيم السياسية الحامية للحقوق -نظريا وعمليا- أدوات وآليات تنبثق عن هوية الأمة - عقيدة وهوية وحضارة حسب الزمان والمكان.

3- تغيير زاوية التنظير التأصيلية للفقه السياسي -وجوبا ضرورة- وذلك من زاوية منهجية معارف الوحي ومقاصده التي نصت بوضوح أن الشورى من سنن الاجتماع وشروط قيام الصلاح الإنساني، وهذا يعني أن الفقه السياسي الموروث غير ملزم لنا فهو اجتهاد ذهب بعيدا عن معارف الوحي ومقاصده، ذلك أن الاجتهاد الفقهي الموروث هذه السنة الاجتماعية والسياسية الخطيرة -بوعي أو بدون وعي- أزاحها إلى مكان لا وجود له في منهجية تكاليف ومقاصد معارف الوحي لا الكلية ولا الجزئية -مكان اسمه- معلمة لا ملزمة.

وعليه، بات من الضرورة إعادة التأصيل من الزاوية المعرفية، ولا تكفي هذه السطور الموجزة، علما بأننا نزعم -في حدود علمنا- أن هذا التأصيل غير مسبوق.

تاسعا مبادئ الدولة:
1- الإنسان مكرّم..
هذه المبادئ تكون قبلية كما تكون بعدية، أعني أنها تفسر لنا منهجية معارف الوحي التي أرست أساس بناء وإقامة الدولة بيد الأمة، ذلك أن مبدأ كرامة الإنسان هو أساس الحقوق كلها.

2- الحرية والمساواة والعدل القيام بالقسط.
الإحسان بمعناه الحضاري.
هذه المبادئ وإن شئت سمها القيم، فلا مانع، فالمهم هو تحقيقها واقعيا وتحويلها إلى آليات ذات فاعلية تحمي كرامة الإنسان وحقوقه..

كلمات دالّة

#اليمن