الخميس 02-05-2024 09:37:27 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

صناعة الموت والدمار.. الانقلاب الحوثي يدمر حياة اليمنيين

الإثنين 13 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين
 

 

بعد بضعة أشهر، تدخل اليمن عامها الثامن في صراع دام وحرب ضروس تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية بلا هوادة على اليمن واليمنيين، أرضها وشعبها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، مخلفة دمارا هائلا في الأرض والإنسان، وتاركة جراحا غائرة لا تندمل، في وطن أنهكه الفقر وهده المرض.

انعكاسات خطيرة ومدمرة تركتها الحرب التي ما زالت في أوجها وتصاعد مستمر منذ أكثر من سبعة أعوام، تاركة أسوأ ما تخلفه الحروب الأهلية وبأبشع صورة في مختلف المجالات وكافة المستويات.

الحرب الاقتصادية:
فعلى المستوى الاقتصادي، وصل الوضع في اليمن إلى حد غير مسبوق بفعل الحرب التي شنتها وتشنها المليشيا الحوثية في أكثر من محافظة وأكثر من جبهة منذ أكثر من سبعة أعوام.
وبحسب تقرير صادر في وقت سابق عن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، فإن الصراع في اليمن تسبب في تراجع التنمية البشرية بمقدار عشرين عاما، وخلف عواقب مدمرة في البلاد، منها مصرع حوالي 250 ألف شخص سواء بسبب العنف بشكل مباشر أو لانعدام الرعاية الصحية وشح الغذاء، وهو ما أكده مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير "عبد الله السعدي" بالقول "إن الدمار الذي ألحقته حرب مليشيات الحوثي لم يقتصر على البنية التحتية فقط، بل طمست إنجازات الماضي، وعقّدت خطط المستقبل التنموية".

تعطيل التنمية:
ونتيجة الحرب الدائرة في اليمن "لم تتعطل التنمية البشرية في اليمن فحسب، لكنها تراجعت بالفعل سنوات إلى الوراء"، كما أكد الممثل لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن "أوك لوتسما"، الذي قال: "لو تحقق السلام غدا، فقد يستغرق الأمر عقودا حتى يعود اليمن إلى مستويات التنمية ما قبل الصراع، هذه خسارة كبيرة للشعب اليمني".
ويقول تقرير آخر صادر عن البرنامج الإنمائي (UNDP) التابع للأمم المتحدة أواخر نوفمبر الماضي تحت عنوان "أثر النزاع في اليمن.. مسارات التعافي"، إن الحرب الدائرة في اليمن ألحقت خسائر كبيرة بالاقتصاد اليمني. ووفقا للتقرير فقد قدر البرنامج خسائر اليمن الاقتصادية جراء الحرب الدائرة منذ سبع سنوات بحوالي 126 مليار دولار.

تحذيرات دولية:
وقد حذرت الأمم المتحدة على لسان المتحدث باسمها "ستيفان دوجاريك" في سبتمبر الماضي من خطورة الوضع الاقتصادي في اليمن جراء الحرب الدائرة فيه على نطاق واسع، مشيرة إلى أن "الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار الكامل، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويقترب خمسة ملايين شخص من المجاعة".

ارتفاع الصرف وغلاء الأسعار:
ويعاني المواطن اليمني من أزمة اقتصادية خانقة وتقلبات لأسعار صرف العملات أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبقية المواد الأخرى، والتي لا تنخفض بانخفاض الصرف وارتفاع قيمة الريال والسبب -كما يقول اقتصاديون- يعود إلى خشية التجار من استمرار تقلب أسعار الصرف من يوم لآخر، وعدم وصولها إلى مرحلة استقرار واضح يقوم على إجراءات اقتصادية حقيقية.
وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أوضاعا اقتصادية أكثر صعوبة بفعل الحرب التي يشنها الحوثيون على مناطق يمنية عدة والتي أدت إلى شلل شبه تام نتيجة توقف جزء كبير من النشاطات الاقتصادية في القطاعات العامة والخاصة، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، وجزء كبير من الاستثمارات الخاصة، وانسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وهروب رأس المال المحلي إلى الخارج للبحث عن ملاذات آمنة، وانعدام فرص العمل وتوقف الرواتب وارتفاع جنوني للأسعار وإيقاف الكثير من المنظمات الإغاثية لعملها وأنشطتها وخدماتها الإنسانية، في ظل تجاهل المليشيات الحوثية معاناة ملايين اليمنيين في مناطق سيطرتها وحرمانهم منذ الانقلاب من الحصول على أبسط الحقوق وأقل الخدمات، مما فاقم الأزمة وأدى إلى ارتفاع ملحوظ لمعدل الفقر وارتفاع لحالات سوء التغذية وازدياد أعداد النازحين والمشردين.

شهادات:
ويكشف النائب في برلمان صنعاء غير الشرعي "عبده بشر" أن نسبة الفقر وصلت في مناطق سيطرة الحوثيين إلى 90% من السكان، وهو انعكاس طبيعي للسياسات الحوثية لإفقار المجتمع.
وفيما يواجه الشعب اليمني الجوع والفقر والبطالة وسوء التغذية في ظل اتساع رقعة الفقر وانعدام فرص العمل وغياب الرواتب منذ أكثر من 6 سنوات وأشكالا عديدة من المآسي، كشفت وسائل إعلام يمنية إنفاق المليشيا الحوثية نحو 2.75 تريليون ريال يمني على وزارة دفاع الانقلاب خلال الأعوام الثلاثة: 2019-2020-2021.

وتشير التقارير إلى أن القيادات الحوثية جمعت خلال السنوات الماضية أموالا ضخمة تقدر بنحو 14 مليار دولار لاستثمارها محلياً وخارجياً، في الوقت الذي يحاصر فيه الفقر 80% من اليمنيين.

ارتفاع البطالة:
وتفيد التقارير بأن نسبة البطالة في اليمن منذ انقلاب المليشيا ارتفعت إلى 95% عن السنوات الماضية التي كانت لا تتجاوز نسبة الـ40%، فيما تضاعفت نسبة الفقر لتصل إلى 79%.
وقد حذرت الأمم المتحدة في وقت سابق من أن اليمن سيصبح أفقر بلد في العالم في عام 2022، إذ يعيش 79% من السكان تحت خط الفقر، ويُصنف 65% منهم على أنهم فقراء جداً، مؤكدة على انتشار الأمراض والأوبئة وغياب الأمن الغذائي.

التصدعات الاجتماعية:
لم تقتصر الآثار السلبية للحرب على الوضع الاقتصادي فحسب، بل تعدى الأمر ذلك لتلقي بظلالها القاتمة على أكثر من صعيد، مخلفة المزيد من الأضرار والمشاكل والتصدعات.
هذه الحرب عكست أوضاعا اجتماعية أكثر خطورة وضاعفت حالة التوتر بين المواطنين وتسببت بالكثير من الانقسامات والتشظي في أوساط المجتمع وزادت من نسبة الجريمة بمختلف أنواعها، وخلقت الكثير من المشاكل والأزمات الاجتماعية في أوساط اليمنيين.
فقد سعت المليشيا إلى تفخيخ المجتمع اليمني من خلال نشر الكثير من الأفكار الطائفية والدعوة إلى الكراهية وزرع الأحقاد والضغائن بين أبناء المجتمع، مما ضاعف من حدة الانقسام وخلق بؤر التوتر التي لا يمكن محوها أو الخلاص منها بسهولة في أي مرحلة كانت نتيجة تعميقها بين اليمنيين ونشرها على نطاق واسع.

وقد أسهم الصراع الدامي في اليمن والذي تسببت به مليشيا الحوثي منذ الانقلاب والفوضى التي أحدثتها في 21 سبتمبر 2014 في إحداث انقسام وتفكك اجتماعي عميق، سواء بين القبائل على طرفي النزاع، أو داخل القبيلة أو الأسرة الواحدة، وتزايد مشاعر الكراهية والعداء وإذكاء الثارات فيما بين اليمنيين.

وتتعمد الجماعة الحوثية -المسيطرة عسكريًّا على محافظات عدة- تعزيز التمييز العنصري السلالي بين من يسمون الهاشميين وغير الهاشميين الذين يتعرضون للتهميش والتمييز وانتهاك الحقوق، وتعميق الانقسام المذهبي والطائفي، وتكريس العنصرية السلالية بين المواطنين على أساس الانتماء المذهبي الطائفي، حيث تراجعت بشكل كبير مساحة التسامح تجاه المعارضين والمخالفين، وأصبحوا عرضة لانتهاك الحقوق والإقصاء والتمييز، مما ولد استياء كبيرا لدى غالبية المواطنين من خارج السلالة الذين يتم إقصاؤهم اجتماعيا وإبعادهم عن وظائفهم ومناصبهم وحرمانهم من الكثير من الحقوق والامتيازات التي تم الاستحواذ عليها وتخصيصها للمنتمين والموالين للجماعة.

قطع الرواتب والنزوح:
وتتعدد حالات المأساة بين المواطنين نتيجة انقلاب المليشيا الحوثية في مناطق سيطرتها متمثلة بقطع الرواتب والاستبعاد من الوظائف والنزوح والتعذيب في السجون وممارسات القمع والإهانة للمواطنين من قبل المشرفين ومسلحي الجماعة والتضييق عليهم وصعوبة العيش وتدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة وفقدان الأهل والأحبة وارتفاع عدد الأيتام وازدياد نسبة الأرامل نتيجة لمقتل أزواجهن والذين يتم الزج بهم في جبهات القتال تحت تهديد السلاح.
وتقدر تقارير محلية صدرت في وقت سابق نسبة الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن خلال عامين فقط بسبب الحرب الدائرة في البلاد بأكثر من 10 آلاف امرأة، معظمهن دون الـ30 من العمر، الكثير منهن خضعن للزواج من أشقاء أزواجهن بالإكراه، سواء من قبل أهاليهن أو من قبل مشرفي الجماعة.

توقف الخدمات:
ونتيجة للانقلاب وسيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد وغياب الدولة وإحلال سلطة الحوثيين بديلا عن الحكومة الشرعية وتوقف المؤسسات والمرافق الخدمية العامة والخاصة، فقد ولد ذلك إحباطا واسعا وعقدا نفسية وفقدان للأمل بين قطاع واسع من اليمنيين، لا سيما بعد قيامهم بالثورة السلمية في 11 فبراير 2011 التي كلفت المزيد من التضحيات، والتي كانت بارقة أمل نحو حلم منشود متمثل بدولة مدنية تكفل الحقوق والحريات وتضمن المساواة بين أبناء البلد الواحد.
غير أن الوضع الذي آلت إليه البلاد شكّل صدمة كبرى لغالبية اليمنيين الذين كانوا يحلمون بغد أفضل، قبل أن يعود بهم الانقلاب الحوثي عقودا إلى الوراء، ليجدوا أنفسهم في وضع أسوأ من حاضرهم الذي ثاروا عليه بحثا عن الحرية والكرامة.

الوضع الاقتصادي المتردي وانعدام فرص العمل واتساع رقعة الفقر وحالة النزوح وصور الخراب والدمار ومشاهد القتل والدماء وارتفاع أعداد القتلى وفقدان الأقارب واستمرار أمد الأزمة وغياب آفاق الحلول، تركت آثارا سيئة في المجتمع اليمني وولدت أضرارا صحية وحالات نفسية متدهورة في أوساط الشعب بمختلف شرائحه.

اضطرابات نفسية:
وتكشف دراسة نشرت في وقت سابق أن إجمالي عدد اليمنيين الذين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الانقلاب والحرب بلغ 5.5 ملايين شخص.
وتوصّلت الدراسة التي أجرتها "مؤسّسة التنمية والإرشاد الأسري" اليمنية وحملت عنوان "تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضرّرين من الحرب في اليمن" إلى أن النسبة العامة لانتشار الاضطّرابات النفسية بين اليمنيين المتضرّرين من الحرب بلغت 19.5%، وهي من أعلى النسب في العالم ومشابهة لنسب الدول التي تمر بظروف طارئة.

وتقول مصادر إعلامية نقلا عن طبيب نفسي في المستشفى العسكري بصنعاء، إن قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى استقبل نحو 5 آلاف حالة تشكو من اضطرابات نفسية وعصبية وقلق نتيجة الحرب بعضها في وضع صحي ونفسي سيئ جداً، تقرر إعطاء أدوية مهدئة قوية لقرابة 1500 حالة.
وقد انتشرت في الآونة الأخيرة حالات تعاطي العقاقير والأقراص المهدئة نتيجة نوبات القلق والاضطرابات النفسية مثل أقراص "الديزبام" و"البنادول نايت" وأقراص "رستل" ، وغيرها من العقاقير التي تزايد تعاطيها على نطاق واسع وبشكل ملفت، وإقبال ملحوظ على الصيدليات للغرض ذاته، وبقدر ما تعمل تلك الأدوية على التقليل من نسبة الخطر الآني أو العاجل للحالة، لكن إدمانها يعد خطرا مستقبليا مؤكدا على تلك الحالات.

كلمات دالّة

#اليمن