الخميس 28-03-2024 16:00:30 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون يقتلون الحاضر ويفخخون المستقبل بتجنيد الأطفال!

الثلاثاء 28 فبراير-شباط 2017 الساعة 11 مساءً / التجمع اليمني للإصلاح - خاص

 

توفيق السامعي

حينما نقرأ ظاهرة تجنيد الحوثيين للأطفال قراءة عميقة، ندرك حجم وهول المأساة التي تسببها هذه الجماعة في تدمير الوطن حاضره ومستقبله، كما دمرته من قبل أيديولوجيتهم الإمامية التي يجتهدون بكل السبل للعمل على إعادتها حاضراً.

ومن خلال هذه القراءة المتأنية سندرك الكثير من الأبعاد الاستراتيجية الخبيثة والتدميرية على كافة المستويات العلمية الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ودعونا نفند هذه الأبعاد بنداً بنداً، على النحو التالي:

  • أولاً: تدريب جيش مستقبلي:

هذه النقطة الأولى تعد أخطر العوامل على الإطلاق؛ كون هذه الخطوة هي بذرة لجيش مستقبلي تدميري ستؤتي ثمارها في المستقبل حينما ينشأ جيش قاتل بلا رحمة، كتكرار وتقليد للجيش الصفوي الذي تربى في المحاضن الفكرية الأيديولوجية الصفوية التي ركزت على تفريغ الأطفال منذ البداية وتنشئتهم نشأة عقائدية قتالية دون رحمة ولا التفات لأدنى وازع من دين أو خلق، عمل فيما بعد على قضية التطهير الطائفي في إيران، وكون أهرامات من رؤوس المسلمين السنة التي قامت عليها الدولة الصفوية الأولى بقيادة مؤسسها إسماعيل شاه الصفوي.

وإن لم يتم التنبه إلى هذه المخاطر منذ هذه اللحظة فإننا سنضيع وطناً وأوطاناً أخرى من قبل هذه المليشيات؛ إذ سيتعدى دورها الوطن القطري اليمني إلى الوطن الإقليمي العربي، والدليل على ذلك هو مليشيات حزب الله التي استولت على لبنان ثم زحفت نحو سوريا مؤخراً، ولن تقف في سوريا إذا لم يتم إيقافها هناك.

 
  • ثانياً: الإبقاء على الاحتياطي العسكري الاستراتيجي لهم:

إذ يعمد الحوثيون إلى تجنيد الأطفال للقتال معهم في الجبهات المختلفة للزج بهم إلى محارق الحرب وإبقاء الاحتياطي المليشوي له من الذين تم تدريبهم في إيران كقوة احتياطية لا يتم المساس بها، فإن نجحت في الحرب وانتصرت راكمت قوة إلى قوتها الحقيقية والاستراتيجية، لتكون جيشاً مليشوياً في المستقبل تربى على الأسس الأيديولوجية الحوثية، ما يعني بناء مليشيات عقائدية طائفية ستؤتي ثمارها في المستقبل المنظور في إطار خطة طويلة الأمد؛ كونه مشروعاً أيديولوجياً وليس مشروعاً سياسياً يحقق من خلاله مكاسب سياسية.

  • ثالثاً: الخفة النشاط والتحرر من الثقالات الاجتماعية:

حين تجند هذه المليشيات الأطفال يكون هؤلاء الأطفال متخففين من الحمل والتبعات التي عادة ما تثقل تحركات المقاتلين كالأعباء الأسرية أو الخوف على المصالح التي تعيق وثبتهم إلى الحروب، وكذلك لا يتم تحميل الحوثي تبعات نفقات الأسر وذوي القتلى من الأطفال بعكس لو كانوا أصحاب مسؤوليات عائلية، التي تكون حركتهم بطيئة ومحسوبة العواقب تشدهم إلى الخلف لا تدفعهم إلى الأمام، وبالتالي لا تحقق انتصارات سريعة ولا تمددات أسرع على الأرض. وأيضاً يكون الأطفال أو الفتيان نشيطي الحركة في الحروب، متقدي الذهن نظيفي العقول لم تؤثر فيهم الثقافات الاجتماعية أو القيود التعليمية أو الأيديولوجيات الأخرى التي تحرر العقل وتدفعه للتفكير ملياً قبل الإقدام على أية خطوة يخطوها، وسرعة الفهم والتلقي للتعليمات المختلفة والتدريبات العسكرية.

 
  • رابعاً: تعامل طرف الشرعية بمسؤولية تجاههم:

 تجنيد الأطفال من قبل الحوثيين كنوع من أنواع التمويه العسكري المليشوي تحديداً، بعكس النظامي المعروف، بحيث أن هؤلاء الأطفال لو واجهوا الجيش النظامي الذي يكون أكثر مسؤولية لا يعمد إلى قتل هؤلاء الأطفال باعتبارهم مغرر بهم، وقصرأ لا يجوز قتلهم، وحتى إن وقعوا أسرى حرب يتم العفو عنهم وإعادتهم إلى ذويهم، كما فعل الجيش الشرعي أكثر من مرة في مارب وتعز وعدن وغيرها من المناطق، إذ أطلقوا الأسرى من الأطفال وأكرموهم بالمصاريف المختلفة وتعاملوا معهم بحسن نية، بعكس المليشيات التي تأسر الأسرى وتعمد إلى قتلهم أو تعذيبهم أو مساومة أهاليهم أو إخفائهم قسراً.

وتعتبر هذه النقطة الأخلاقية للشرعية ثغرة عند المليشيات يتسللون منها في أكثر من مرة، ولذلك نجد كثيراً من هؤلاء الأطفال الذين يتم إطلاقهم يعودون للجبهات مجدداً.

  • خامساً: تفخيخ المستقبل وتدمير الأجيال :

يترتب على تجنيد الأطفال تدمير الأجيال الصاعدة نفسياً وعلمياً، وتدمير الوطن الذي يخسر من خلال الطاقات الشابة والانصراف عن التعليم والإبداع وخدمة المجتمع سعياً لهدفهم العام هو إيجاد شعب جاهل تابع لهم فقط وينفذ أوامرهم؛ فهم أيديولوجيا تعشعش حيث يكون الجهل، ولذلك عمدوا إلى تدمير المدارس والمحاضن الفكرية وإخراج الأطفال من المدارس وإلحاقهم بالجبهات منذ ظهورهم الأول عسكرياً عام 2004، حينما استقطبوا طلبة المدارس للتجنيد والقتال في صفوفهم والصرف عليهم برواتب تفوق رواتب الجنود النظاميين منا دفع كثيراً من طلبة المدارس في صعدة، ويتكرر اليوم في محافظات أخرى، إلى الالتحاق بصفوف هذه المليشيات.

إذاً هي خطوات بعيدة الأمد ستؤتي ثمارها مستقبلا في تدمير الجيل الناشئ في الوقت الذي يركزون فيه على تعليم أبنائهم وإرسالهم إلى دول خارجية للتعليم ليعودوا أسياداً على غيرهم وأطفال العوام من الناس يلقون بهم في محارق الحروب. الأمر الذي ينشئ أجيالاً جاهلة وتبقى مفخخة قابلة لاشتعال الصراعات المختلفة والمتجددة بين فترة وأخرى بسبب أن هذه الأجيال المفخخة عسكرياً ستلجأ إلى الريع في اجتياح المناطق بحثاً عن المال والثراء كما فعلت الأجيال السابقة، وإذا كنا ما نزال نعاني من مئات السنين من ثقافة الفيد والنهب التي عرفت بها بعض المناطق في شمال الشمال ولم يتم الانتقال بها إلى وعي القرن الحادي والعشرين، نجدها تتكرر مع هذه المليشيات اليوم، وستظل مشكلة مؤرقة لليمن دولة وشعباً وثقافة وسلوكاً مستقبلاً.

تكاد تكون المدارس اليوم خالية من مرتاديها ليس فقط بسبب عوامل التجنيد وحسب، بل حتى من خلال الكارثة الاقتصادية التي تسببت بها هذه المليشيات، ما جعلت المواطنين غير مقتدرين على مواصلة تعليم أبنائهم من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ترك المعلمين التعليم للبحث عن لقمة عيشهم وأبنائهم وهم يمضون الشهر السادس على التوالي بدون رواتب في ظل أزمة اقتصادية خانقة في اليمن.

  • سادساً: خلية جبايات:

يستغل ما يسمى بالمشرفين الحوثيين من الكبار الذي يحولون المجندين إلى جباة لأموال المواطنين أو المؤسسات والمناطق التي يسيطرون عليها ويمنحونها لهؤلاء المشرفين الذين أثروا ثراءً فاحشاً من وراء هؤلاء المجندين الذين لا يستطيعون مقاسمتهم تلك (الغنائم) أو الجبايات، فقط يكونوا مجرد لصوص لها بينما يستفيد من ريعها اللصوص الكبار. ومن خلال التقارير المختلفة رأينا كيف أن لصوص المجلس السياسي أو اللجنة الثورية الحوثية كوموا الثروات الهائلة من عقارات وسيارات وشركات تجارية وأموال نقدية، وبرزت الكثير من الأسر التي اغتنت غنى فاحشاً جراء السلب والنهب التي قامت بها المليشيات من كل مكان.

 
  • سابعاً: التهرب من الملاحقات الدولية:

عند الملاحقات المحلية أو الدولية قضائياً لهذه المليشيات، تبرز السن القاصرة لهؤلاء الأطفال، مهما كانت جرائمهم، عاملاً معيقاً أمام محاسبتهم أو محاسبة منشئيهم الكبار الذين عادة ما يتخلصون من المواجهة القضائية أو السياسية بالتسويات السياسية المختلفة التي ترحل المشكلة ولا تقضي على جذوتها، لتتجدد دورة الصراعات من جديد، وهذا ما نعانيه في اليمن منذ مئات السنين.

وبسبب هذا كله تصرخ المنظمات الدولية والمحلية على السواء من عملية تجنيد الأطفال، وإن كانت غير مدركة كل الإدراك ما ترمي إليه هذه المليشيات وأثر ذلك على المستقبل الكارثي لليمن.

 
  • ثامناً: الأثر النفسي:

حتى إذا افترضنا جدلاً أن هؤلاء المجندين الأطفال، والذين زج بهم في المعارك، تخلوا يوماً عن صفوف المليشيات الحوثية وتركوا القتال، فإن الأثر النفسي سيظل مهيمناً عليهم طيلة حياتهم، ما يخلق شخصية معقدة نفسياً وغير سوية في المجتمع ستعمل على كثير من الانحرافات المجتمعية، أو القضاء على كينونتها الإيجابية في البناء والتنمية وقيادة الأسر الخاصة بها التي ستنشئ جيلاً آخر من المعقدين أو من العالة الذين لن تستطيع تربيتهم تربية حسنة سوية.

وتتفاخر الشخصية الشمالية بتنشئة أبنائها على ثقافة جمل السلاح والعيش في ظروف المعارك والشدائد، ما جعل ثمرة تلك الثقافة العامة السائدة في الشمال تثمر اليوم في هذه الصراعات وإعادة دورة الصراع التاريخية مجدداً. وكما كانت في الماضي هي نفسها تلك المناطق والمحافظات هي الغازية للمحافظات الأخرى وسلبها ونهبها وتفيدها، هاهي تعيد الكَرَّة من جديد، متلبسة هذه المرة ألبسة متعددة.

تذكر لنا المصادر التاريخية أن الأئمة كانوا يقحمون أبناءهم في الحياة العسكرية والحروب منذ نعومة أظفارهم حتى نتجت عن ذلك شخصيات معقدة قامت بمجازر تاريخية في اليمن ظلت صداها حتى اليوم. وحتى لا يتكرر الماضي بكل سيئاته علينا اليوم الوقوف ضد كل هذه التصرفات الرعناء التي تدمر حاضرنا وتفخخ المستقبل والأجيال اللاحقة.