الجمعة 03-05-2024 10:27:18 ص : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتجريف التعليم وتطييفه.. تفخيخ المجتمع اليمني بثقافة القتل والكراهية

الأحد 20 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبدالسلام الغضباني

لم يكتفِ الحوثيون بتدمير العملية التعليمية في اليمن، من خلال إيقاف رواتب المعلمين وتفجير بعض المدارس أو إغلاقها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية أو مأوى للنازحين وإيقاف طباعة الكتاب المدرسي، ولكنهم يعملون على إحلال تعليم طائفي بديل يحرض على القتل والعنف الطائفي والكراهية، ويفخخ المجتمع بالفكر الحوثي الإرهابي، ويشوه الدين الإسلامي من خلال تحويله إلى مجرد دعوة للحكم السلالي، ويتم ذلك من خلال تغيير المناهج الدراسية وتعيين معلمين من بين صفوفهم لا علاقة لهم بالتعليم ونشرهم في العديد من المدارس الواقعة في المحافظات التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى إقامة دورات طائفية يستقطبون إليها الطلاب وكبار السن والشباب الذين تجاوزوا مرحلة الدراسة.

ويسعى الحوثيون -من خلال تدمير التعليم وإحلال تعليم بديل ينشر ثقافة العنف والقتل والنهب ويحرض على الكراهية- لأجل تغيير هوية المجتمع اليمني على المدى الطويل، استغلالا لطول أمد الحرب وتأخر الحسم العسكري ضدهم، وتحويل جزء كبير وحيوي من اليمن ليصبح مصدر خطر يهدد الشعب اليمني كافة ويهدد دول الجوار ويهدد أيضا الاقتصاد العالمي من خلال استهداف ناقلات النفط والسفن التجارية المارة عبر مضيق باب المندب، خدمة لإيران وأهدافها التخريبية والتوسعية في المنطقة.

 

- تدمير ممنهج

منذ بداية الحرب في مارس 2015 وحتى الآن وبسبب توقف المدارس عن التعليم، حرم مئات الآلاف من الأطفال من الدراسة لينضموا إلى نحو 1.6 مليون طفل لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع. وحذرت وكالات الأمم المتحدة من عواقب اجتماعية وأمنية وخيمة قد تستمر لعقود جراء ذلك، كما قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن هناك جيلا بكامله يخشى أن يخسر مستقبله.

ويؤكد تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام التربوي أن عدد الأطفال خارج المدرسة منذ بداية الحرب وحتى الآن وصل إلى 1.4 مليون طفل في سن التعليم العام، إضافة إلى 1.7 مليون طفل قبل اندلاع الحرب، وبذلك يرتفع عدد الأطفال المحرومين من التعليم إلى 3.1 ملايين طفل.

كما أشار التقرير إلى أن الحرب أدت إلى إغلاق 1400 مدرسة في عموم المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، بالإضافة إلى أن تأثير انهيار التعليم في اليمن لا يهدد مستقبل البلاد فحسب وإنما ستمتد مخاطر ذلك إلى المجتمع الإقليمي والدولي، وعلى المجتمع الدولي ودول التحالف العربي تحمل مسؤولية إنقاذ التعليم في اليمن.

واتساقا مع سعي المليشيات الحوثية إلى نسف العملية التعليمية برمتها وعرقلة المساعي الإنسانية للإبقاء على هذا القطاع في حدود عمله الدنيا، حرصت على عرقلة صرف الحوافز النقدية المقدمة عبر "اليونيسف" للمعلمين في مناطق سيطرتها ومقدارها 50 دولارا كل شهر، حيث فرضت -بحسب اتهامات حكومية وأخرى تربوية- استقطاع جزء من الحافز لمصلحة قياداتها في قطاع التربية، وأحلت المئات من عناصرها للحصول على الحافز بدلا من المعلمين الحقيقيين.

كما دفع سلوك المليشيات التدميري آلاف المعلمين إلى ترك مدارسهم والتوجه للبحث عن مهن بديلة لسد رمقهم وتوفير القوت الضروري لذويهم بعد أن قطعت المليشيات رواتبهم عنوة، في حين بقي البعض الآخر يكافح من أجل القيام بدوره التعليمي في الحد الأدنى، لكن تحت رحمة قادة الجماعة وعناصرها.

- انتهاكات بلا حدود

وكانت إحصائية حكومية قد ذكرت أن مليشيات الحوثي ارتكبت في العاصمة صنعاء وحدها أكثر من 28 ألف انتهاك بحق قطاع التعليم خلال عام واحد بين الفترة من أكتوبر 2018 وأكتوبر 2019.

وتوزعت هذه الانتهاكات بين القتل خارج القانون، والاعتداءات، والتعذيب، والاعتقالات، ونهب الرواتب والمساعدات الإنسانية، وتجنيد الأطفال من المدارس، وفرض الفكر الطائفي وشعارات الجماعة، إلى جانب تغيير المناهج الدراسية وزرع ثقافة الموت والكراهية.

وأوضح التقرير الحكومي أنه خلال الفترة المذكورة قتلت المليشيات 21 معلما، وأصدرت أحكاما بإعدام 10 من مديري المدارس والمعلمين والطلبة، فضلا عن قيامها بـ157 عملية اقتحام لمنشآت تعليمية، وكذا تجنيد نحو 400 طالب، وفصل قرابة 10 آلاف معلم، وتنظيم أكثر من 3 آلاف فعالية طائفية لاستقطاب الطلبة.

كما كشف تقرير حكومي حديث، صدر في أكتوبر الماضي، عن تزايد انتهاكات مليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء ضد العملية التعليمية.

ووثق التقرير الصادر عن مكتب حقوق الإنسان اعتداءات المليشيات الحوثية بحق التعليم في أمانة العاصمة، والتي بلغت نحو 8 آلاف و140 انتهاكا خلال عام واحد في الفترة من 5 أكتوبر 2019 حتى 4 أكتوبر 2020.

وأفاد التقرير -الصادر بعنوان "التعليم بين التجريف والتطييف"- بأنه خلال ست سنوات منذ سيطرة المليشيات مارس الحوثيون فيها كل أشكال القتل والتجويع والتدمير والتعذيب والنهب وتعطيل حركة الحياة بالكامل، وتحديدا في صنعاء، موضحا أن انتهاكات المليشيات بحق التعليم في أمانة العاصمة تمحورت حول عمليات القتل والوفاة تحت التعذيب، إلى عمليات الفصل والتعسف الوظيفي للمعلمين وتغيير المناهج وخصخصة المدارس وفعاليات وأنشطة تطييف التعليم.

وذكر أن مليشيات الحوثي تجاوزت كل وصف فيما ترتكب من جرائم بحق الشعب اليمني، بما فيها من اعتداءات على العملية التعليمية والمعلمين، داعيا الجهات المعنية داخليا وخارجيا إلى الوقوف بجدية أمام هذه الانتهاكات الجسيمة.

وتظهر إحصائيات نشرتها نقابة المعلمين اليمنيين في وقت سابق أن الحوثيين قاموا منذ سيطرتهم على عدد من المناطق اليمنية بقتل 98 معلما خارج نطاق القانون، سبعة منهم قتلوا تحت التعذيب، وأن قرابة 2500 إطار تعليمي تعرضوا لاعتداء جسدي من قبل المليشيات، فيما صدرت عشرة أحكام بالإعدام على خلفيات سياسية لمدراء مدارس ومدرسين وطلاب.

كما ورد في نفس الإحصائيات أن الحوثيين نفذوا أكثر من 1200 عملية اختطاف شملت مدراء مدارس ومعلمين وطلبة، وقرابة 150 حالة إخفاء قسري لمعلمين وطلاب وأنهم عذبوا مدرسين وطلبة من مختلف المستويات والاختصاصات بتهم كيدية تحوم حول عدم ولائهم للجماعة أو اعتراضهم على أفكارها وسياساتها.

أما ما تم تدميره من مدارس ومرافق تعليمية، إما بشكل مباشر من قبل الحوثيين وإما بسبب الحرب التي أشعلوها وبسبب احتمائهم بالمنشآت التعليمية، فتجاوز 1700 مدرسة ومؤسسة، بينما قام المتمردون بإغلاق أكثر من 3500 منشأة تعليمية وتحويل البعض منها إلى ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح.

- تجريف وتطييف التعليم

وفي سياق سعي المليشيات لاستكمال تجريف التعليم وحوثنته وتطييفه، فقد فرضت، مع بدء العام الدراسي الجديد، 2020 - 2021، قيودا جديدة على المدارس الأهلية في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها، وتسخيرها لخدمة مشروعها الطائفي المدعوم إيرانيا.

وكشفت مذكرة صادرة عن وزارة التربية والتعليم في حكومة الانقلاب في صنعاء (غير معترف بها دوليا) عن توجيهات بتغيير أسماء المدارس الأهلية التي تحمل أسماء لدول أجنبية، أو أسماء لدول تحالف دعم الشرعية في اليمن.

ووفقا للمذكرة، فإن وكيل وزارة التربية لقطاع التعليم المعين من الحوثيين، عبد الله النعيمي، وجه مديري مكاتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة والمحافظات التي تسيطر عليها المليشيات بـ"تغيير مسمى المدارس الأهلية ذات المسمى الأجنبي، أو التي تحمل اسم دولة من دول العدوان (تحالف دعم الشرعية)".

ومن ضمن التوجيهات في المذكرة، منع إقامة الرحلات المدرسية المختلفة خارج المدينة التي تتواجد فيها المدرسة، والالتزام بعدم إقامة الحفلات المدرسية المختلفة خارج الحرم المدرسي.

وفي يوليو 2019، كشف تحقيق صحفي أعدته شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، عن قيام الحوثيين بتحويل التعليم والمؤسسات التعليمية إلى منصة للتعبئة الطائفية والقتالية في أوساط الطلاب.

وتطرق التحقيق إلى الكثير من الوقائع والشواهد التي تكشف حجم التدمير الممنهج الذي لحق بالتعليم على يد الحوثيين، وكيف تحولت المدارس إلى ساحات للفعاليات الطائفية، بعد صدور تعميم لجميع مدارس أمانة العاصمة صنعاء بفرض إقامة وقفات احتجاجية في طابور الصباح.

- دعوات للتعصب وحمل السلاح

وتتضمن الأنشطة غير المنهجية للحوثيين دعوات للتعصب وحمل السلاح، ودفع طلاب إلى جبهات القتال، فضلا عن إساءات لرموز وقناعات عقيدة الطلبة ممن لا يتبعون المذهب الديني للحوثيين.

واستقطب الحوثيون خلال تلك الفترة عددا كبيرا من المدرسين وعينوا مديري مدارس موالين للمليشيات، مما أسهم في نشر الفكر الطائفي المستقى من ملازم مؤسس المليشيات حسين الحوثي.

كما تطرق التحقيق إلى قيام المليشيات بتنظيم دورات طائفية للمدرسين، ومن يرفض يتم إجباره بالقوة على حضور الدورة التي تستمر عدة أيام.

وبحسب أحد مدراء المدارس الذين حضروا إحدى تلك الدورات بالقوة، فإن معظم المحاضرات التي شارك فيها على مدى أسبوع مع 27 من مديري ووكلاء مدارس أخرى، تركز على "حق الولاية للإمام علي بن أبي طالب" وأبنائه من بعده (يزعم الحوثي أن أصوله ترجع إلى سلالة علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله)، كما تحث على نصرة المليشيات الحوثية بالمال والرجال وحشد الشباب للالتحاق بالقتال.

كما يطالب المحاضرون بتوظيف الأنشطة والإذاعة المدرسية في تعزيز هذا التوجه وغرس الولاء في نفوس الطلاب للحوثي الذين يعتقدون بأن الله "ولاه على المسلمين".

وتطرق التحقيق أيضا إلى معاناة ملاك المدارس الخاصة، والذين يتعرضون لضغوط كبيرة من قبل الحوثيين، لتنفيذ أنشطة تسهم في تحويل الطلبة إلى عناصر متعصبة لا يمكن أن تساعد في خدمة المجتمع، مما دفع البعض إلى التفكير في إغلاق مدرسته وتسريح المعلمين والموظفين.

- مساعي التدمير الشامل

ويأتي سعي مليشيات الحوثيين لتدمير العملية التعليمية في مناطق سيطرتها، وإحلال تعليم طائفي بديل يحض على القتل والعنف والإرهاب ويروج للكراهية، ضمن مساعيها لتدمير ومسخ الهوية اليمنية، والتدمير الشامل لكل مقومات المجتمع اليمني والدولة اليمنية، وتفخيخ المجتمع اليمني وجواره الإقليمي بجيل جديد متشرب لثقافة الإرهاب والعنف الطائفي، وبالتالي تحويل اليمن إلى بؤرة توتر مزمنة خدمة للمشروع التخريبي الإيراني في اليمن ومنطقة المشرق العربي بشكل عام، ما يعني أن الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية وقطع يد إيران في اليمن ضرورة لحفظ الأمن القومي العربي قبل أن يكون ضرورة لحفظ الأمن والاستقرار في اليمن.