السبت 20-04-2024 13:44:33 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

أنماط جديدة للتهديدات الحوثية على الحدود السعودية

الخميس 23 فبراير-شباط 2017 الساعة 02 مساءً / التجمع اليمني للإصلاح - متابعات

   

 علي محمد الذهب

 

في أوائل مارس/آذار 2015، فسر محللون عسكريون وسياسيون النشاطات العسكرية غير المألوفة لوحدات من الجيش اليمني، التي سيطر عليها الحوثيون في مناطق الحدود الجنوبية الغربية بين اليمن والمملكة العربية السعودية، بأنها عمل عدائي يستهدف الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية، وقد كان هذا شعور القيادة السعودية كذلك، لا سيما بعد أن آلت السلطة في اليمن إلى جماعة الحوثيين، عبر الانقلاب المرحلي، الذي أطاحوا بموجبه بالرئيس عبدريه منصور هادي، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، واستكمل ذلك بالإعلان الدستوري الصادر في 6 فبراير/شباط 2015، علاوة على ارتباطها الوثيق بإيران وحزب الله اللبناني، واتفاقهم جميعا في العداء الصريح تجاه المملكة.

فبعد أيام قليلة من إصدارها الإعلان الدستوري، دشنت الجماعة مناورة عسكرية في منطقة كتاف بالبقع، المحاذية لمنطقة نجران السعودية، بواسطة وحدات من الجيش اليمني المرابطة هناك، وبمشاركة تشكيلات رمزية من مقاتلين حوثيين، ورافق ذلك جلبة إعلامية كبيرة، واستفزازات شديدة اللهجة تجاه المملكة، تصدرها تصريح الناطق باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، الذي كان حينها في بغداد؛ حيث اتهم المملكة بـتقديم المال والسلاح والدعم اللوجستي لمن وصفهم بـالتكفيريين والقاعدة، في تناقض واضح مع مبادئ الإعلان الدستوري المكمل للانقلاب، الذي نص على "الالتزام بمبدأ حسن الجوار" في إدارة السياسة الخارجية لليمن.

لو سلمنا، جدلا، أنه من حق أية دولة، أن تمارس سيادتها على أراضيها، وتجري ما تراه من أنشطة عسكرية وأمنية تكفل حماية أمنها الوطني وسلامة أراضيها، فإن من حق الجيش اليمني أن يقوم بذلك، دون أن يكون القصد منها التهيئة لعمل عسكري معادٍ ضد أيٍّ من جيران اليمن، بوصفها دولة تحترم الأعراف والمواثيق الدولية، وتقدر التزاماتها تجاه محيطها العربي والدولي؛ إلا أنه خلافاً لهذا المفهوم جاءت تلك الأنشطة تماما، ولو أنها رمت، في حدها الأعلى، إلى استفزاز المملكة، والاستعراض بالقوة، بما يشي أن جماعة الحوثيين باتت سلطة الأمر الواقع، التي يجب أن تعترف بها المملكة وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.

الآن، ومع دنو العام الثالث للحرب، وبقاء هذا التهديد، الذي تمثله هذه الجماعة، قائما ما بقي الانقلاب، ومع ما يلمس من تطورات في أدوات ووسائل وطرق استهداف الأمن الوطني السعودي، يتضاعف معها خطر التهديدات الأمنية التقليدية، التي تثيرها الحرب القائمة، بسبب استمرار إطلاق الحوثيين الصواريخ الباليستية، والصواريخ الموجهة ضد سفن التحالف، وإطلاق الطائرات دون طيار؛ ثمة تهديدات أمنية أخرى فوق تقليدية، تجسدها أنشطة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية؛ كتجارة وتهريب المخدرات والأسلحة، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وكذا أنشطة الإرهاب العابر للحدود؛ لتمثل جميعها أدوات تهديد جديدة يستغلها الحوثيون وفق صفقات تخادمية متبادلة مع جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومع جماعات الجريمة المنظمة الداخلية، على نحو أكثر تطورا مما اتبعوه خلال السنوات الأخيرة من الحروب الستة، التي دخلت فيها المملكة كطرف، خلال عامي 2009 و2010.

حتى أواسط يونيو/حزيران 2015، كانت مناطق البقع، ومندبة، وحرض، تمثل ثلاثة أسواق ساخنة للاتجار وتهريب المخدرات والأسلحة إلى المملكة، لكن دورها تراجع قليلا بفعل الحرب الدائرة. حينها كان الحوثيون يعمدون إلى إرغام متسللين أفارقة ويمنيين على تهريب الأسلحة وإدخالها إلى مناطق في العمق السعودي. ولعل مما يؤكد ضلوع الحوثيين في عمليات التهريب، عودة هذا النشاط من جديد؛ حيث أعلنت قيادة الجيش اليمني الموالي للرئيس هادي، في يونيو/حزيران 2016، عن إحباط محاولة تهريب كميات من المخدرات في منطقة ميدي الحدودية، وسبق ذلك بأشهر إحباط تهريب نصف طن من الحشيش، كانت قادمة من مناطق سيطرة الحوثيين.

 في فبراير/شباط من هذا العام 2017، أشارت تقارير صحافية إلى استمرار توافد مهاجرين أفارقة ويمنيين إلى المناطق الحدودية بين اليمن والمملكة، واستدراج البعض منهم كمقاتلين في صفوف الحوثيين، وقيام جماعات متخصصة بعمليات التهريب، بالتنسيق مع عناصر من الحوثيين، بوصفهم من يسيطرون على المناطق الحدودية التي يمكن التسلل من خلالها. فيما رصدت تقارير إعلامية متلفزة جموعا غفيرة من المتسللين اليمنيين قاصدين الأراضي السعودية، بعد وقوعهم في قبضة حرس الحدود السعودي، وتحدث البعض عن دفعهم مبالغ مالية يبدأ حدها الأدنى من 2000 ريال سعودي، وأشارت تلك التقارير إلى أن ما يقرب من 500 متسلل، يجتازون، يوميا، المناطق الحدودية مع جازان، وأن منهم -على سبيل المثال- 150 متسللا يتم توقيفهم يوميا في مركز نيد العقبة، بمحافظة الداير بني مالك، شرقي جازان.

من ناحية أخرى، وكما هو معلوم، أن العائدات المالية لهذه العمليات، وغيرها من عمليات التهريب والاتجار غير المشروع، تمثل مصدرا تمويليا للجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة المتمردة، وتوصف هذه العمليات وعوائدها، عندما تقوم بها جماعات إرهابية، بـ"اقتصاد الإرهاب"؛ حيث تتنامى عائداتها، التي قد تدار بواسطة رجال أعمال وشركات، بطرق مشروعة، فيما يعرف بـ"تبييض الأموال"، وتعد هذه العملية إحدى أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، التي تستفيد منها تلك الجماعات في تمويل عملياتها الإرهابية والقتالية، وأنشطتها التدريبية، ودعم قدراتها التسليحية والبشرية، وبما يمكنها من الصمود طويلا أمام الضربات التي تتعرض لها، وهو ما يبدو واضحا في حالة الحوثيين، الذين يبحثون عن أي مصدر لدعم حربهم في مختلف الجبهات، وتعزيز نفوذهم في مناطق الحدود السعودية بوجه خاص، بوصفها ورقة ضغط قوية يعتقدون أنها قد تحمل المملكة على التخلي عن موقفها الداعم للرئيس هادي.

في هذا الصدد، كذلك، يجدر الإشارة إلى أنه من غير المستبعد أن تكون عصابات الجريمة المنظمة التي يرتبط بعضها بعناصر حوثية، وعناصر أخرى سعودية داعمة لها داخل المملكة، قد استفادت من اتفاقيات ظهران الجنوب بين ممثلي الجبهات العسكرية وشخصيات اجتماعية مشتركة، التي أبرمت في إبريل/نيسان 2016، وأدت إلى فتح الطرقات والممرات، حيث باتت طرق التهريب في صعدة وحجة، آمنة نسبيا، فاستأنف بعدها تهريب المخدرات والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين، ولا يزال الحال قائما بحسب ما تثيره وسائل إعلامية متعددة.

إلى ذلك، فسرت عمليات التدفق للمتسللين بأنها تندرج تحت "سياسة الحدود المفتوحة" التي انتهجها الحوثيون؛ لخلق حالة إنهاك لدى حرس الحدود السعودي، وتشتيت انتباههم وقدراتهم، وبما يتيح للمقاتلين الحوثيين اختراق الحدود والتسلل من خلالها لشن هجماتهم على المواقع العسكرية السعودية، وليدفع هؤلاء المتسللون حياتهم في حال اندلاع المواجهات بين الطرفين، من حيث لا يعلمون أنهم كانوا مجرد دروع بشرية في زمن سقطت فيه أخلاقيات الحرب، وعلت المصالح على القيم.

خلاصة القول، لن تكون هناك حدود آمنة من أشكال الجريمة المنظمة والإرهاب العابر للحدود بين اليمن والمملكة، والتوظيف العسكري والأمني لها، ولن يتوقف طابور الهجرة والنزوح تحت وطأة الفقر والحرب والقمع السلطوي الحوثي، ما لم يحل السلام، وتنشط التنمية في اليمن من جديد؛ فالأمن، كما يوجزه روبرت ماكنمارا، لم يعد القوة العسكرية وحدها وإن كان يشملها، بل إن الأمن هو " التنمية". ولكن هل يعي ذلك الحوثيون وحليفهم صالح؟!