الجمعة 29-03-2024 02:38:35 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الوحدة اليمنية من أدبيات الثورتين الى صراع المصالح

الأحد 08 أكتوبر-تشرين الأول 2017 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص

رحلة استكشافية


اولا: تتفق رؤية الكتاب والمفكرين والمؤرخين في عموم الوطن اليمني ان ثورة الرابع عشر من اكتوبر 1963 هي الوليد الشرعي -إن لم تكن التوأم لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962ـ والدليل الأبرز على هذه الصلة بين الثورتين هو ان ثورة الرابع عشر من اكتوبر تبنت اهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر؛ فالتحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما كان هدف الثورتين جميعا في الشمال والجنوب على مختلف توجهاتهم ـــ هذا الاتفاق بين اليمنيين ـ صناع الثورتين مثّل الأرضية بل المنطلق الفلسفي المستبطن في اللاوعي الجماهيري; وان شئت فقل انه الصوت الوحدوي الضارب في اغوار اللاوعي اليمني ـ صوت يحدو اليمنيين بلا استثناء نحو التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما.


كما أن الهدف الخامس من أهداف ثورة 26 سبتمبر نص حرفياً على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.


أيضاً: المشير عبدلله السلال -رحمه الله- سئل قبيل وفاته عن مدى حضور الوحدة اليمنية لدى حكومته الأولى فقال الوحدة كانت حاضرة في هاجس الثورة كبديهة مسلّمة لا نقاش حولها، مؤكداً أن تشكيل أول حكومة في الجمهورية العربية اليمنية تضمنت حقيبة وزارية اسمها وزارة شؤون الجنوب.
أيضاً من الأمور الشاهدة على حضور قضية الوحدة: إن أبناء الجنوب من مختلف الفصائل انطلقوا أعداداً بالمئات دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر ومقاتلة فلول الملكيين.


شاهد آخر: الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن قام بإنشاء ثكنات لتدريب مرتزقة وملكيين في مناطق الجنوب لتكون هذا العناصر خنجرا يطعن ثورة 26 سبتمبر وإرباكها من الخلف.

 

إستدعى المشير السلال مقاتلي الجنوب الذين يواجهون فلول الملكيين في شمال الشمال وعقد مؤتمراً معهم تمخض عن توجيه مقاتلي الجنوب إلى عدن ليشعلوا فتيل الثورة إرباكاً لسياسة الاحتلال البريطاني.


نجحت الفكرة بقيادة البطل ( لبوزة) والذي اشتبك مع جنود الاحتلال في أول مصادمة بين الثورة والاحتلال على إثرها استشهد البطل (لبوزة).
قبل كل هذا كان جنوب الوطن ملجأ لثوار الشمال الناقمين على حكم الإمام يحيى وولده أحمد ياجناه.


بعد قيام الثورتين كانت (تعز) هي الحاضن لثوار الجنوب ــ تدريب عسكري، اجتماعات لقاءات مؤتمرات حزبية، بل ولجان صلح فصائل الجبهة القومية وجبهة التحرير.


الدعم المصري لثوار الجنوب ـ خلال فترة حرب التحرير كان يأتي عبر حكومة الشمال.


وعليه:
فإن ما سبق هو دلالات من بين مئات الدلالات ـ على حضور قضية الوحدة اليمنية دلالات في غاية الوضوح على مدى حضور الوحدة اليمنية ومكانتها ورسوخها كبدهية مسلّمة نظرياً وأدبياً وممارسة.

ثــــانــــــيــــاً: الوحدة اليمنية وصراع المصالح

وأين ذاك الذي يا أنت أين أنا؟
والآن يا أين ما بعد الذي أنا؟
البردوني -رحمه الله-

قلنا آنفاً أن قضية الوحدة اليمنية حاضرة في الأذهان راسخة رسوخ جبال شمسان وصبر ونقم وعيبان.
أبرز دليل بما فيه الكفاية أنها الهدف الخامس لثورة سبتمبر.
غير أن السؤال المُلح بقوة في الأوساط السياسية والثقافية والفكرية والذي لا يكاد يختفي حتى يظهر بقوة متجدداً بتجدد الأحداث والمستجدات، بل مصحوباً ومشحوناً بمضامين وملابسات الأحداث المستجدة، محملاً بالأوهام والحقائق والمخاوف المختلفة.
يقول السؤال:
بما أن قضية الوحدة اليمنية قبل ثورة 26سبتمبر 14 اكتوبر; وخلال فترة حرب التحرير طيلة ثماني سنوات كان لها هذا الحضور الراسخ نظرياً وممارسة، فما الذي حال دون تحقيقها بعد انسحاب الاحتلال من الجنوب وبعد انتصار الشمال في حرب السبعين.
بصيغة أوضح: ما هي العوائق التي حالت دون تحقيق الوحدة؟
الجواب:
لا ندعي أننا في هذه السطور قادرون على استعراض جميع المعوقات، غير أن الذي يمكننا قوله وتقديمه للقارئ سيكون بمثابة مفاتح فكرية يمكن للقارئ أن يبني عليها مفاهيم ثقافية وفكرية يستلهمها ويستأنس بها عند استدعاء المستقبل.

المعوق الأول:

الأمية الثقافية والفكرية: هذا المعوق كان حاضراً بقوة في الوسط الثوري في الشطرين.
تولد عن هذا المعوق قصور قاتل تمثل في:
1ـ عدم دراسة الوقع الاجتماعي في الشطرين ـ الواقع بعمومه في كل المجالات وكذا عدم مراعاة البعد الخارجي عربيا ودوليا
2ـ كما تولد عنه:
غياب الفكرة ( المرحلية ) في التحرير ثم التطبيق.

المعوق الثاني:
التقليد: وأعني بها التأثر بالزخم الثوري القومي العربي ـ مصر العراق سوريا ـ الزخم الاشتراكي الماركسي وكذلك ثورات شرق آسيا في وجه الاحتلال البريطاني ـ سنغافورة، إندونيسيا، الهند، ماليزيا.
هذا التقليد يعني نقل الوصفة الجاهزة عن الغير وتطبيقها على الواقع اليمني المختلف جملة وتفصيلا ابتداءً من الجهل الحرفي فالأمية الثقافية الخ.

 

المعوق الثالث: التركة الثقيلة أعني سياسة

التمزق والشتات الذي رسخها الاحتلال المجرم في الجنوب والاستبداد السلالي العفن في الشمال ـ تمزيق النسيج الاجتماعي وعزل المجتمع عن بعضه مع فارق أن الاحتلال احتفظ بعدن كمستعمرة لبضاعته ونفوذه الاقتصادي.


هذا المعوق الخبيث الضارب الأطناب في الوسط الثوري شمالا وجنوبا ناهيك عن عامة الشعب، على أن من يقرأ أو يطلع على أدبيات تلك المرحلة سيجد اختلافاً شاسعاً بين الكبار تمثل هذا الاختلاف في غياب المعنى الحقيقي لمفهوم الوطنيةـ هذا الغياب حل محله مصالح شخصية ذات شعارات عجيبة مثل: (عدن للعدنيين) أيضاً السلاطين يرفضون قيام دولة مركزية ويدعون لاتحاد فيدرالي حفاظاً على مراكزهم وكراسيهم في الولايات، وكذا دعوة حضرموت للحضارم.
نموذج آخر يؤمن بوحدة الجنوب الشاملة والدولة المركزية وعاصمتها عدن في ظل نظام اشتراكي عائم الوجهة ـ نموذج قيادة الجبهة القومية والى اتحاد العمال كان يقف مع هذا الرأي ـ دون وعي بمعنى الاشتراكية. المهم هو الحصول على حقوقه التامة في الأجور والتأمينات.
النموذج الاشتراكي يؤمن بالتأميم التجاري والزراعي وفي الوقت نفسه يعتمد على الدعم المادي للثورة من التجار والقبائل الملاك كوسيلة للكفاح المسلح.
فريق آخر يدعي إلى تحرير الجنوب ليس بالسلاح ولكن بالحوار ويرى بقاء الولايات بيد السلاطين كما يرى عدن لا تكون مستعمرة بريطانية وإنما يمكن تأجيرها لبريطانيا لزمن محدد.


فريق آخر: جيش التحرير في الجنوب مكون من القبائل المختلفة مشايخ وبعض السلاطين يرى طرد الاحتلال بقوة السلاح ويدعو إلى التعاون مع مصر والسعودية ومع الشمال اليمني أياً كان نظامه.


فريق أقوى حضوراً وكفاحاً: الجبهة القومية تتبع قيادتها (ناصر) وقواعدها ماركسية، والأخيرة تريد تتجاوز اشتراكية ناصر إلى اشتراكية استالين.
هذا الجبهة القوية حضوراً نضالياً ترفض الطرف الداعي إلى التعاون بين مصر والسعودية واليمن، كما ترفض دعوة الاتحاد الفيدرالي السلاطيني لأن السعودية هي ملجأ السلاطين النازحين إلى السعودية وإلى شمال اليمن.


هناك فريق متوغل في وسط الفرقاء لا يريد وحدة مع الشمال لأنهم زيدية ـ مخالفين مذهباً وسوء إدارة.

 


الخلاصة:
ــ قضية الوحدة اليمنية التي كانت حاضرة وراسخة على النحو الذي ذكرنا آنفاً: نجدها قد دخلت (سديماً ضبابياً) وصولاً إلى الموت السريري على مستوى الجنوب ـ وأي حديث عن الوحدة هنا سيكون للمزايدة.


المعوق الرابع:
قضية الوحدة اليمنية عند ثوار الشمال:
الصراع بين الجمهوريين العسكريين والجمهوريين المدنيين: هذان الفريقان تداخلت رؤاهما؛ فمثلا هما يلتقيان مع ناصر ضد القومية الماركسية في الجنوب وفي الوقت نفسه يختلفان فيما بينهما إزاء تحكم وتعسف الجيش المصري في الشمال ـ إداريا وسياسيا.


فريق ثالث يريد طرد الجيش المصري مطلقا من الشمال وفريق رابع يريد الجيش المصري مطلق التصرف ـ وفريقاً يريد الجيش المصري يقف على الحدود اليمنية دفاعا عن اليمن وإخراجه من المدن.

 

فريق القبيلة في الشمال يستقبل القبيلة النازحة من الجنوب ويتلقى الدعم من السعودية رسمياً ومن تجار الجنوب في السعودية ضد الماركسية والقومية الناصرية في الجنوب.


هنا غابت قضية الوحدة اليمنية لدى الشمال خوفا من سيطرة الماركسية كما غابت لدى الماركسية في الجنوب خوفا من سيطرة الرجعية القبلية في الشمال ومثلها الناصرية القومية الماركسية في الجنوب.


المعوق الخامس:
هزيمة مصر 1967:
على إثر الهزيمة ظهرت الجمهورية الثانية في الشمال ـ جمهورية الاتجاه المدني: اتفق فيها القبائل والبعثيون والشيوعيون نكاية بحكم السلال وخضوعه لناصر؛ ناصر عدو البعثيين والماركسيين على السواء.


الماركسيون في الشمال تجمعهم الفكرة مع قواعد القومية في الجنوب إلا أن كليهما ضد تحقيق الوحدة لان الحكم بالشمال بيد القبيلة والبعث وعليه فالوحدة وقضيتها إن لم تنس فحتماً أن يتناساها الفريقان.


القبيلة والبعث في الشمال يرفضون اشتراكية ناصر واستالين على السواء وهل يعقل بالقبيلة المالكة والتجار بل وعلى مستوى المواطن أن يقبلوا بالتأميم الذي وصل إلى حد مصادرة البقرة والمحراث؟!


أتباع ناصر في الشمال يكرهون جداً قيادة القومية في الجنوب وقواعدها الماركسية لأنها نكلت باتباع ناصر بالجنوب وشردتهم وغيبتهم قسراً الى الآن.


القبيلة البعثية في الشمال لا تحبذا التقارب مع السعودية ـ وفي الوقت نفسه توافق على دعم السعودية ومحاربتها للقومية والماركسية في الجنوب. فريق آخر من القبيلة في الشمال يحبذا التقارب مع السعودية ويكره التقارب مع البعث ويتفق مع البعث القبلي في الشمال على محاربة القومية والماركسية في الجنوب.


باختصار:
تلك لمحة حول المعوقات تحقيق الوحدة لاحظنا فيها تشابكا معقداً ـ حد الذهول ــ مع إكراهات الواقع بمتناقضاته اجتماعياً؛ هذا المتناقضات والمعوقات رسخت وكرست لدى الكل ضد الكل (عقلية الإقصاء).
والمحصلة النهائية: المصلحة الشخصية والحزبية والجهوية والقبلية سيدة الموفق.

المعوق السادس: (الكارثة)
ـ معوق التصفيات الجسدية.. تكنيس في الشمال والجنوب ليس بالاغتيالات فقط وإنما مطاردات اعتقالات محاكمات إعدامات.
استتب الأمر للبعثية القبلية في الشمال فتم مطاردة الجيش الذي كان يحمل قضية الوحدة ومحاكمتهم باسم الدستور انه (يحرم الحزبية)، وكان خميس المدعي العام ورئيس جهاز الأمن الوطني ـ الأمن السياسي ــ والقاضي (غالب عبدالله راجح) رئيس محكمة امن الدولة ـ الأمن السياسي- فحوكمت شخصيات وأعدمت وهمشت.


كان الحمدي نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية لشؤون الأمن ولديه تخويل عالي بتنقية الجيش والأمن فأعد الملفات لخميس وراجح.
في الجنوب وتحت الشعار ـ تحريم الحزبية ثم الانقلاب على قومية قحطان الشعبي ورئيس الوزراء فيصل عبد الطيف وإعدام الأخير ـ تم تصعيد محسن الشرجبي رئيساً لمحكمة أمن الدولة وأجريت المحاكمات لكل الوحدويين قوميين مشايخ مثقفين ـ مقايضة ـــ صراع مع الشمال، وهكذا تم دفن قضية الوحدة لحساب مصالح شخصية ضيقة ـ إعدامات بالجملة تغييب قسري لهامات وطنية كان لها الدور النضالي البارز في الشطرين.


فترة رئاسة الحمدي:
كانت هي الأخرى قد أماتت قضية الوحدة اليمنية فبها ذلك أن الحمدي قبل رئاسته كان قد أسهم الى حد كبير في إعداد ملفات المحاكمات لشخصيات عسكرية وأمنية وقدمها (ل)خميس وراجح فأعدمت وبالتالي: فإن تقارب الحمدي وسالمين بشأن الوحدة كان هشاً نظراً لما قام به الحمدي قبل رئاسته على النحو الآنف.


وعليه:

فكل حديث عن الوحدة قبل أو بعد حتى قيام الوحدة 1990 هو مزايدة حتى بعد عام 1990 ظلت المزايدة حتى لحظة استحواذ حرب 94 وتبعها الإلحاق التام وظهرت فكرة شعار تصحيح مسار الوحدة ـ احمد الصوفي والمسدوس وباعوم ــ نماذج وجاء الحراك ـ أبناء الأمميين ليكرس الانفصال القروي ـ شلال والزبيدي نموذجان- وها هو الحراك الجنوبي يقعد في حضن الإمارات ويعلن عدن للعدنيين كما نسمع ونرى، فأين الوحدويون؟ سحقوا وبقي المصلحيون!