الخميس 02-05-2024 13:33:12 م : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تفشي الفقر والجوع والبطالة.. كيف دمرت إجراءات الحوثيين الاقتصاد الوطني؟

الإثنين 05 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص/ اسماء محمد
 

 

تسببت مليشيات الحوثي بانهيار الاقتصاد الوطني، ووصوله اليوم إلى مراحل خطيرة، تنذر بارتفاع أعداد المصابين بسوء التغذية الحاد (المجاعة) بنسبة كبيرة، بسبب تراجع قيمة الريال اليمني بشكل كبير خلال الأيام الماضية.

تستمر المليشيات بالضغط على الحكومة الشرعية والتلاعب بالورقة الاقتصادية، ولا يبدو أنها تكترث لمصير قرابة 25 مليون يمني، يعيشون واقعا مزريا، وينتظرهم مستقبل غامض ووضع أسوأ بكثير مما هم عليه الآن بسبب الانهيار الاقتصادي الحاصل.

 

بداية الأزمة

منذ أن تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في العام 2016، انقسمت السياسة المالية في اليمن، بسبب رفض مليشيات الحوثي الخضوع لذلك القرار، ورفضت تسليم إيرادات المحافظات الواقعة تحت سيطرتها للبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن.

وخلال فترة إدارتها للبنك في صنعاء، لم تعمل المليشيات على تحييده كما كان متفق على ذلك، وقامت باستغلاله ونهب الاحتياطي النقدي فيه المقدر ب 5.7 مليار دولار، وبدأت الأزمة الاقتصادية في البلاد تتفاقم ليس فقط بسبب إيقاف تصدير النفط الذي تعتمد اليمن عليه في ميزانيتها بل لأسباب كثيرة أخرى من أبرزها السوق السوداء والمضاربة بالعملة التي غذتها الجماعة لتحقق من وراءها مكاسب مالية كبيرة لها. بذلك بدأت معاناة موظفي الدولة الذين حرموا من مستحقاتهم المالية، بالتزامن مع موجات الغلاء وارتفاع الأسعار بشكل كبير، حتى أصبح أغلب السكان عاجزين عن توفير متطلبات الحياة.

 

إجراءات مدروسة

قامت مليشيات الحوثي بإجراءات عديدة كما يتضح، تهدف إلى ممارسة الضغط على الحكومة مهما كان الثمن الذي سيدفعه المواطن، وذلك لفرض نفسها والقبول بالبنك الخاضع لسيطرتها والإجراءات التي ستصدر عنه.

لم يكن عدم تعاون المليشيات مع البنك المركزي بعدن أولى خطوات ضغطها وتدمير اقتصاد البلاد، فقد تبعته كثير من الممارسات التي أنهكت الاقتصاد، حيث نفذت كثيرا من الممارسات التي كان أبرزها منعها تداول العملة ذات الطبعة الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

كما حاولت بشتى الطرق منع المسافرين إلى المحافظات التابعة للشرعية إدخال أي أموال من الطبعة القديمة، حتى تمكنت من سحبها من الأسواق واقتصر التداول بها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط، ثم بدأت بعمل فارق بالسعر بين الطبعتين لصالح القديمة، ساعدها على تنفيذ ذلك استمرار سيطرتها على ميناء الحديدة الذي يتم من خلاله استيراد معظم البضائع التي يحتاجها التجار في مناطق الحكومة.

استغلت ذلك، وسرعان ما بدأت رسوم التحويلات بين مناطق سيطرة الحوثيين والأخرى التابعة للحكومة ترتفع أكثر وأكثر، وحاولت بذلك المليشيات الحفاظ على استقرار سعر صرف العملات الأجنبية في مناطقها، ونجحت بذلك بسبب اتباعها نظام مراقبة النقد، بحيث تصبح هي البائع والمشتري الوحيد للعملات، وفق اقتصاديين.
أثر ذلك بشكل كبير على الحياة المعيشية للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة بعد أن تجاوز سعر الدولار الواحد 852 ريالا، يقابله في صنعاء 612 ريالا، وتأثرت كثيرا أسعار المواد الغذائية أيضا.

واستطاعت المليشيات أن تحصل على "الخُمس" الذي تدعي أحقيتها به، لكن ذلك المبلغ بدأ يرتفع أكثر فأكثر بسبب إصرارها على فرض فارق بين طبعتي الريال المختلفتين، وتكسب ملايين الريالات يوميا من الرسوم التي تفرض على التجار والمواطنين عبر التحويلات المالية وفارق السعر وغيره.
وتفرض العصابة المليشاوية قيودا عديدة على البنوك والمؤسسات العاملة في المجال المصرفي، ويضطر كثير منهم لدفع مبالغ كبيرة للمليشيات كإتاوات، ومؤخرا أغلقوا فروع شركة الكريمي في الحديدة وصنعاء، بدا لبعض المراقبين أن ذلك تمهيدا من قبلهم للسطو عليها.

 

صراع البنكين

أدى ذلك إلى اشتداد الصراع بين البنكين في صنعاء وعدن، ووصل ذروته مؤخرا، فكل إجراء يقوم به أحدهما يقابله إجراء آخر أيضا، فصدر خلال الشهر الجاري العديد من القرارات المهمة.فمؤخرا، وضمن محاولات البنك المركزي بعدن إيقاف تدهور قيمة الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة، أصدر تعميما إلى كافة الشركات ومنشآت الصرافة، بتحديد سقف محدد للحوالات المالية، على ألا تتجاوز الحوالات النقدية مبلغ 500 ألف ريال يمني أو 2500 ريال سعودي، أو 800 دولار للعملية الواحدة للشخص، وطالب منشآت الصرافة الفردية القيام ببيع فائض النقد الأجنبي المتوفر لديها في نهاية كل يوم إلى شركات الصرافة التضامنية، وأن تتوقف عن تنفيذ أي أنشطة صرافة بعد العاشرة مساء.

وأوقف البنك المركزي في عدن كذلك تراخيص بعض الشركات، ونفذ حملات تفتيش عديدة لضبط المخالفات والمضاربة بالعملات، إلى حين إنشاء شبكة مالية موحدة تعمل تحت إشراف البنك. كما أصدر تعميما وجه فيه بوقف التحويلات المالية الداخلية بالعملة الأجنبية بشكل كامل، وتنحصر الحوالات الداخلية فقط على العملة المحلية.

أما أبزر القرارات التي خرج بها قبل أيام في محاولة للحد من المضاربة بالعملة، فكانت توفير العملة الصعبة لمستوردي المشتقات النفطية مقابل توريدهم ما يقابلها بالريال إلى البنك المركزي أو حساباتهم في البنوك التجارية التي سيتم من خلالها تحويل الأموال إلى البنك بعدن.

وجاءت هذه الإجراءات بعد تجاوز سعر الدولار الواحد في مناطق سيطرة الحكومة 850 ريالا، وردت عليها مليشيات الحوثي بإجراءات أخرى، فقد طالب البنك المركزي التابع لها كافة البنوك بوقف أي عملية تحويل مالية من فروعها في مناطق الحكومة إلى مناطق سيطرتها، كما وجه البنوك والمصارف بإلغاء سقف الحوالات الشخصية إلى الخارج.

وبدأت قيمة الريال بالتحسن الطفيف وأصبح سعر صرف الدولار 820 بعد أن وصل إلى 860 ريالا، لكن هل سيكون هناك تأثير إيجابي بشكل كبير للإجراءات التي تقوم بها الحكومة، هذا ما لم يتضح بعد. ويطالب اقتصاديون بإعلان حالة طوارئ لإعادة استقرار الريال، بعد الانهيار الذي حدث مؤخرا، والتعامل بجدية حتى لا تحدث كارثة إنسانية غير مسبوقة في البلاد، ورفض تصدير النفط والغاز إلى الجماعة إلا بالعملة القديمة، على أن يتم ضخ المبالغ تلك في الأسواق وليس للاستفادة منها بشكل شخصي عبر الاستفادة من فارق سعر بين مناطق الشرعية والمليشيات.

وتأثر القطاع المصرفي في اليمن بشكل كبير، بعد تراجع الحوالات المالية الواردة من الخارج بنسبة 70%، جراء تداعيات فيروس كورونا، وساعد ذلك في تدهور قيمة الريال، كون حوالات المغتربين بالعملة الصعبة كانت تشكل رافدا مهما لاقتصاد البلاد المنهار مع استمرار الحرب.

 

مآسٍ وكارثة

في ظل الارتفاع الحالي للأسعار، لا يزال كثير من موظفي الدولة لا يحصلون على رواتبهم بانتظام، ومستحقاتهم بالعملة المحلية التي تراجعت بشكل غير مسبوق، الأمر الذي جعلهم مع عامة الشعب في وضع مزري ويقترب أكثرهم من المجاعة، ومن المتوقع أن يزداد الوضع تدهورا في اليمن، بسبب الإنهيار والركود الاقتصادي الذي تعاني منه دول عديدة بسبب جائحة كورونا.

وفي اليمن الذي تجاوزت فيه نسبة الفقر والبطالة 80%، القادم يبدو أسوأ، فقد حذرت الأمم المتحدة عبر برنامج الأغذية العالمي، من التدهور المعيشي في البلاد، مضيفة إن اليمن قد لا يتمكن من استيراد المواد الغذائية بسبب قرب نفاد احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، الأمر الذي يهدد بتعرض الملايين من المواطنين للمزيد من الجوع.

وأكد البرنامج في بيان له، أن النزاع والمشكلات الاقتصادية تدفع البلاد نحو حافة المجاعة، وأن أكثر من 20 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يحتاج 13 مليون شخص إلى مساعدات غذائية لتلبية احتياجاتهم اليومية، ويتعرض ثلاثة ملايين شخص آخرين لخطر تفشي الجوع في ظل انتشار جائحة كورونا في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب البيان، فقد زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين من 28 إلى 43 بالمئة، بسبب العراقيل التي تضعها مليشيا الحوثي على خطط البرنامج الإغاثية، مشيرا إلى أن البرنامج قد يضطر إلى خفض مزيد من المساعدات التي يقدمها بسبب نقص التمويل.

بينما ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن "أوتشا"، أنه وبسبب نقص التمويل أغلق 15 برنامجا من أصل 41، وقد يرتفع العدد خلال الأسابيع المقبلة. وبات يتكرر هذا الأمر كثيرا مؤخرا، بسبب الأزمة التي حدثت بعد تفشي كورونا في مختلف دول العالم، في حين لم تفِ الدول المانحة بدفع المبالغ التي تعهدت بها.
وتشهد اليمن أوضاعا إنسانية غاية في السوء منذ بدء الحرب، وساهمت المنظمات الإغاثية في حل جزء من المشكلة، لكن حجم الاستفادة من جهود المنظمات ضئيل مقارنة بما تحصل عليه من دعم، وذلك بسبب الفساد الحاصل في هذا المجال.

كلمات دالّة

#اليمن