الأربعاء 24-04-2024 23:37:48 م : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

البناء الفكري.. مكوناته وأهدافه (1-3)

الخميس 13 أغسطس-آب 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

  


مقدمة لا بد منها:
أولا: دواعي الكتابة حول البناء الفكري:
1- تعيش الأمة العربية والإسلامية رازحة تحت جبال مركومة من التخلف القاتل.. والسبب يعود إلى غياب الفكر الناقد.
2- يتفق علماء الاجتماع على معادلة مفادها: إذا رأيت مجتمعا ناهضا فقل هنا مجتمع يفكر.. والعكس صحيح تجاه المجتمع المتخلف.. هو مجتمع لا يفكر.

3- مقاصد القرآن:
أول مقاصد القرآن المركزية هي إصلاح الأفكار والتصورات في مجال الاعتقاد.. فكانت أول توجيهات القرآن ترسيخ عقيدة التوحيد كونها "القيمة المركزية" التي تنبثق عنها كل القيم المركزيه الإنسانية العليا والأبعاد الحضارية وقيم الحق والخير والجمال.

وقد رسم القرآن بعمق ووضوح قاعدة معرفية منهجية فلسفية في إصلاح الاجتماع في كل مجالاته.. والتغيير نحو الأفضل.. قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

هذه القاعدة القرآنية الصادرة عن خالق النفوس وسنن الاجتماع هي الآلية الأولى في مجال "البناء الفكري" الهادف إلى التغيير والإصلاح المجتمعي.

4- حاجة أمتنا العربية والإسلامية اليوم أكثر من أي وقت مضى للبناء الفكري المسؤول -دينا وشرعا وخُلْقا- بناء للفكر يستهدف انتشال الأمة من هوة تخلفها.. كما سنوضح لاحقا..

5- التفكير الديني والتفكير العلمي الرامي إلى التغيير وصولا إلى النهوض الحضاري: لم ولن يكون.. بدون منظومة (منهجية) واضحة.. متسقة الأسس والمعالم والمكونات والأهداف.. والأولويات.

6- مكانة المنهج:
د. محمد عابد الجابري، رحمه الله، لفت النظر إلى "أهمية ومكانة
المنهج" وذلك في كتابه "تكوين العقل العربي" قائلا ما خلاصته: لو قُدّر لي أن أفعل تمثالا للشافعي لفعلت، موضحا أن هناك رجلين فقط صنعا منهجا خلال 13 قرنا.. الأول الشافعي.. في كتابه "الرسالة".. والثاني هو الفيلسوف الألماني كانط.. الذي وضع منهجا للفلسفة الحديثة.

7- تغيير آليّات التفكير:

بما أن لكل زمن همومه وتطلعاته الفكرية والثقافية والسياسية.. إلخ.. ربما أن الانقلاب الشامل الذي طرأ على حياة أمتنا.. وبدون إرادتها بل دون أن تقدم أي إسهام في صناعة واقعها - سوى الاستهلاك.

إذن فالضرورة تقضي بإعادة النظر في آليّات تفكيرنا.. ولنأخذ هذا المثال من الواقع المعيش.. جهاز أشعة "التشخيص" بدأ جهازا عاديا محدود الصورة.. ولأن الأمراض تعقدت أكثر.. فالضرورة اقتضت استحداث جهاز أشعة ملوّن.

ارتقى العقل الطبي طامحا إلى تشخيص أكثر دقة.. فتم استحداث جهاز الأشعة "المحورية" يلتقط الصورة من ثلاثة أبعاد.. ثم الرنين يلتقط الصورة من أربعة أبعاد..
غير أن النقطتين الأهم في هذا المثال هما:

- "تغيير الجهاز" كليّا مواكبة للطموحات والأهداف الرامية إلى تشخيص أكثر دقة.
- فيلم النايلون هو هو لم يتغير.. لكن تم تغيير الجهاز.

8- معارف الوحي:

إذن أمتنا بحاجة لتغيير الجهاز المفاهيمي المتمثل في عملية البناء الفكري.. انطلاقا من معارف الوحي المعصوم وإعمالا بالقاعدة القرآنية: "حتى يغيروا ما بأنفسهم".

** نكتفي بهذه النقاط.. لأنها ستساعدنا كثيرا على تلخيص الموضوع.. وعليه نكون قد وصلنا إلى السؤال:
- ما هو مفهوم البناء الفكري؟
- ما هي مصادره؟
- ما هي مستوياته؟
- ما هي مجالاته؟
- ما هي أدواته؟
- ما أهداف البناء الفكري؟

الجواب:
1- مفهوم البناء الفكري يعني أن "من يريد إقامة بناء" مكون من عدة طوابق لا بد أن يكون قائما على خطة هندسية صادرة عن متخصصين، وفق خرائط.. تحديد قوة الأسس ومتانتها..
واختيار جودة المواد.. باختصار، لا مكان للعشوائية.

2- مصادر التفكير:
مصادر الفكر والتفكير ثلاثة: الوحي.. الإنسان.. الكون.. وسنقدم لاحقا مزيدا من الإيضاح حول هذه المصادر.

3- مستويات التفكير:
- الثقافة أحد مستويات التفكير.
- العلم العام- المطالعة في العلوم والتجارب.
- التخصص العلمي الدقيق.. وهذا المستوى أعلى مما سبق.
- التخصص الفكري القائم على أسس معرفيه وفلسفية.

وهذا مستوى أعلى من التخصص في جزئية محددة.. وهذا هو محور حديثنا في هذه الحلقات.. وأمتنا متعطشة إلى هذا المستوى من البناء
الفكري.

4- مجالات البناء الفكري:
يمكننا تلخيص مجالات البناء الفكري في جملة "كل مجالات الحياة" إنسانا وحضارة.

5- أدوات البناء الفكري:
- (اقرأ) اقرأ أولا للمطالعة.. واقرأ ثانيا لفهم مقاصد الكاتب..
واقرأ ثالثا للنقد..
- القراءة المقارنة المقترنة بطرح الأسئلة.. فالأسئلة هي دينمو الفكر تطوي لك المسافات..
- التأمل الفردي والثنائي (أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..).
-المناظرات.. الندوات.. الحوار..
- البحث العلمي بالمعنى الإدراكي عمقا وإحاطة..
- صحبة النوابغ وذوي التجارب العلمية.
- التخصص الدقيق والمخدوم منهجيا ومعرفيا ومقاصديا - أي الناظر في المآلات والنتائج والآثار.

نلتقي بعونه سبحانه مع أهداف البناء الفكري.