الأحد 05-05-2024 15:32:26 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

صناعة الفوضى.. لماذا تحاول بعض الأطراف فصل مديرية المخا عن تعز؟

السبت 25 يوليو-تموز 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص/ أسماء محمد

عادت مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز إلى الواجهة، عقب التحركات الأخيرة التي حدثت في منطقة الحجرية، وزادت المخاوف من إمكانية استمرار مخطط تقسيم اليمن الذي يعني إضعاف الشرعية في البلاد أكثر، ونمو المليشيات على حساب قوات الشرعية.

لا يزال مصير تلك المديرية بتعز غامضا، لكن كما يبدو فمن الصعب تنفيذ أي مخطط فيها، بسبب الوعي الذي تشكل لدى اليمنيين طوال فترة الحرب، وإدراكهم أهمية مدينة المخا بسبب الميناء الذي يوجد بها.

مخطط فصل المخا

قبل أشهر، أثيرت وبشكل علني قضية المساعي الهادفة لفصل المخا ومناطق ذوباب وموزع وباب المندب يضاف لها رأس عمران وجزر أخرى، وتشكيلها في إقليم خاص ربما يطلق عليه "إقليم المخا".

لكن وقبل انفجار الأوضاع مجددا في التربة، دار الحديث بشكل أكبر عن مخطط فصل مديريات ريف تعز، وتشكيل محور عسكري (محور الحجرية) خارج إدارة وسيطرة هيئة أركان الجيش، وبالتالي منفصل عن محور تعز.

محاولة إشعال الصراع

ما حدث قبل أيام في التربة، هو أن بعض الأطراف السياسية المؤيدة لطارق صالح شرعت برفض قرار تعيين العميد الركن عبد الرحمن الشمساني قائدا للواء 35 مدرع، الذي قتل قبل فترة قائده عدنان الحمادي.

تم تغذية ذلك التوجه، وخرجت مظاهرة هزيلة قبل أيام اعتراضا على قيام الجيش بعمل نقاط (حواجز تفتيش) لملاحقة المطلوبين أمنيا في ريف تعز (الحجرية)، أعقبها محاولات تأجيج الصراع هناك، واندلعت اشتباكات بين قوات من الجيش وبعض الجنود (المتمردون) من اللواء 35 مدرع ومليشيات طارق صالح الذين قاموا بالهجوم على منزل عبده نعمان الزريقي القائد باللواء الرابع مشاة جبلي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فقد قام جنود متمردون من اللواء 35 مدرع يقودهم العقيد عادل الحمادي بمحاصرة القائد في الجيش حبيب السامعي في مديرية المواسط، وتعرضت في ذلك اليوم بعض المناطق هناك للقصف جراء الاشتباكات.

وتجري محاولات لإنهاء التوتر الحاصل في التربة الذي اشتد منذ تعيين الشمساني. ودعا قائد مقاومة الحجرية وقائد الكتيبة الأولى في اللواء الرابع مشاة جبلي العقيد عبده نعمان الزريقي إلى القضاء على كافة أشكال الفوضى والانقلاب، وضرورة تعزيز حضور الدولة، مؤكدا دعمه أي اتفاق يفضي إلى إعادة الهدوء في مديريات الحجرية، وتفويت الفرصة على كل من يحاول تشويه صورة الجيش والأمن في تلك المناطق.

ولم تكن تلك أول محاولة لخلق الفوضى والصراع في الحجرية، فخلال سنوات الحرب الماضية، دعمت بعض القوى التحركات الخارجة عن إطار الجيش، واستماتت في جر ريف تعز إلى مربع الانقسامات في محاولة لإضعاف تعز أكثر ليسهل السيطرة عليها.

وأدى ما حدث في التربة إلى تنامي الوعي بشكل أكبر بأهمية إخراج قوات الجيش من أي مواقع غير عسكرية، وضرورة بقائها فقط في جبهات القتال ضد مليشيات الحوثي.

كما بدأت شرطة تعز بتنفيذ خطة العمليات المشتركة بين الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة في المحافظة، لتثبيت الأمن والاستقرار، ورصد الخلايا النائمة عبر التنسيق المستمر وتبادل الدعم بين المؤسستين.

من المستفيد؟

كما يتضح، فمن شأن خلق أي صراعات في الحجرية سيؤدي إلى إضعاف تعز بشكل كبير، وجعل منطقة جديدة من المحافظة تعيش ويلات الحرب، وبالتالي تصبح المدينة مقسمة بعضها بيد المليشيات الحوثية أو غيرها، وتكون بذلك هشة ويسهل اختراقها ولن تشكل أي قوة يمكن الرهان عليها في تغيير مجريات الأوضاع في اليمن وباتت التعقيدات أبرز عناوينها.

إضافة إلى ذلك، ففصل ريف تعز عن باقي المحافظة، يعني وبشكل كبير خنق للمحافظة التي تُعد المخا أبرز مديرياتها، بسبب ميناء المخا الذي تعمد النظام السابق برئاسة علي عبد الله صالح تهميشه وإلغاء دوره -برغم أهميته - لإضعاف تعز.

وسيستفيد بشكل كبير من كل ذلك، طارق صالح الذي يتم محاولة فرضه من جديد وجعله أحد اللاعبين في المشهد اليمني بعد أن كان قد خرج منه، وتم إعطاؤه فرصة للتواجد في منطقة المخا وباب المندب، وبالتالي فالحجرية ستساعده على تأمين نفوذه هناك.

وباستمرار ذلك الوضع، تحصل مليشيات الحوثي على فرصة ذهبية للبقاء في مواقعها في تعز، وإعاقة أي تحركات لتحرير أي مناطق جديدة في المحافظة، والتوجه نحو صنعاء لاحقا.

ورقة قوية بيد الشرعية

حتى الآن، يُلاحظ استمرار تطبيق سيناريو إضعاف السلطة الشرعية التي باتت محاصرة بمليشيات كثيرة أعاقتها عن قتال مليشيات الحوثي، وبالتالي فبقاء أي منطقة تحت سيطرتها يعني مزيدا من القوة لها لتتمكن من استعادة الدولة.

تشكل حتى الآن تعز واحدة من أبرز المحافظات التي يمكن أن تقلب مجرى الأمور تماما في اليمن، ليس فقط لوجود دعم قوي من أبنائها للسلطة والدولة المدنية، بل لإيمانهم أيضا بالمشروع الوطني، ووجود ميناء المخا فيها.

خلال الفترة الماضية واجهت الشرعية مرارا ضغوطا من قِبل المليشيات المتحكمة بالموانئ الرئيسية في الحديدة أو عدن، وتم إعاقة وصول سفن أو السطو على محتوياتها خاصة أموال البنك المركزي، فضلا عن إيرادات تلك المؤسسات المهمة.

بناء على ذلك، باتت الحاجة ملحة لوجود ميناء مهم كالمخا تحت سيطرة الشرعية، لتتخلص من قبضة وكماشة المليشيات التي تمارس عليها الضغوط الكثيرة، وكسر العزلة المفروضة على تعز، وسيكون الميناء ورقة السلطة الرابحة التي ستزيدها قوة.

إمكانية تفعيل ميناء المخا وأهميته

كما هو معروف لا يعمل ميناء عدن بكامل قدرته حتى اليوم وهو في قبضة مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، بينما يخضع ميناء الحديدة لسيطرة مليشيات الحوثي، أما ميناء المكلا وغيره فأدوارهم محدودة، ونظرا لأهمية مدينة كتعز تمكنت من لعب دور محوري مرارا في تاريخ اليمن، فتفعيل ميناء المخا يمثل أهمية بالغة، كونه سيخلص المواطنين أيضا من الأعباء المالية التي تفرض عليهم بسبب وصول مختلف البضائع إلى صنعاء من ميناء الحديدة، ويضطر التجار لدفع مبالغ باهظة تحت مسمى "الخمس" للحوثيين، وتسبب ذلك بزيادة كبيرة في الأسعار بسبب عمولات التحويل وغيره.

سابقا كان ميناء المخا أهم موانئ اليمن، لكن التهميش الذي طاله بشكل متعمد، جعله يقوم بدور بسيط للغاية كاستقبال بواخر زيت الطعام والحيوانات والديزل، ولم يتم تطويره برغم أنه من خلال موقعه والناحية الطبيعية أفضل من ميناء الحديدة، وليقوم بدور محوري يحتاج لتطويره وإعادة تأهيله وتوفير الرافعات المطلوبة وتعميق رصيفه لاستقبال سفن أكبر، وبالتالي تخفيف الضغط بشكل كبير على الشرعية والمحافظة.

وتقع مدينة المخا على البحر الأحمر جنوب غربي اليمن، وهي إحدى المدن التابعة لتعز، كما تبعد عن باب المندب الإستراتيجي 75 كيلومترا شمالا، وعن الحديدة 170 كيلومترا، وتطل على خطوط الملاحة الدولية، ويوجد بها كذلك ميناء المخا المفتوح من جميع الجوانب الذي تبلغ مساحته 466.350 مترا مربعا، والذي اشتهر وارتبط بالبن اليمني، الذي عرفته كثير من الدول الأوروبية وغيرها بعد تصديره من اليمن عبر ذلك الميناء، الذي ظل مشهورا وفاعلا حتى تم الاعتماد على موانئ أخرى كميناء عدن. وبها شواطئ عديدة جميلة، ومواقع أثرية عديدة بينها مسجد الشيخ الشاذلي، الذي يُنسب للشيخ المعروف بأبي الحسن (علي بن عمر الشاذلي).

وتعيش تعز حتى اليوم في ظل حصار مليشيات الحوثي ، الذي يفاقم معاناة المواطنين بشكل مستمر، وسيزيد الأمر فداحة إذا ما ظلت المخا تحت سيطرة المليشيات، دون أن تستفيد منها المحافظة والحكومة الشرعية.

كلمات دالّة

#اليمن