الخميس 18-04-2024 19:52:02 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

النكف القبلي.. وسيلة الحوثيين لحشد المواطنين إلى محارق الموت

السبت 11 يوليو-تموز 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

 

تتخذ مليشيات الحوثي من مسمى "النكف القبلي" وسيلة لحشد المواطنين إلى محارق الموت، وتجعل من بعض الحوادث الجانبية بسبب الحرب وسيلة لتمرير "النكف" والتمويه على أهدافها الرئيسية من إشعال الحرب واستمرار الانقلاب، خاصة أن أي دعوة لـ"النكف القبلي" تلقى قبولا لدى أبناء بعض المناطق التي ينتشر فيها الجهل على نطاق واسع، لأن داعي "النكف" كافٍ لإثارة حميتهم وبالتالي اندفاعهم للقتال في صفوف المليشيات الحوثية، بصرف النظر عن الأهداف الحقيقية للمليشيات من ذلك.

وكانت آخر دعوة من قبل المليشيات الحوثية للنكف القبلي تلك التي أطلقتها قبل أيام ردا على تمكن الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب من اقتحام وكر خلية حوثية في المحافظة والقضاء عليها، وضبط بعض عناصرها بوادي عبيدة، بزعامة المتهم محسن صالح سبيعيان، وهذه الخلية سبق لها أن تورطت في ارتكاب جرائم تمس بأمن الدولة والمصلحة الخاصة وفي جرائم قتل ونهب وحرابة واغتيالات، وشاركت مع المليشيات الحوثية في ارتكاب عدد من الجرائم والتخطيط لزعزعة أمن واستقرار محافظة مأرب والاعتداء على السلطات الدستورية والتزعم لعصابة مسلحة بهدف إحداث اختراق لمصلحة المليشيات، حسب ما ورد من توضيحات من قبل الأجهزة الأمنية في مأرب بعد القضاء على الخلية المذكورة.

- "النكف" كوسيلة للتعبئة

لم يكن مسمى "النكف القبلي" منتشرا على نطاق واسع قبل انقلاب مليشيات الحوثي على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، وكانت بعض القبائل نادرا ما تلجأ له في حال تعرض شخص أو فئة للظلم وأرادت قبيلة ما نجدته، لكنه انتشر بكثرة بعد الانقلاب واندلاع الحرب، وكان أول من استخدم "النكف القبلي" الرئيس السابق علي صالح فور اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، في أواخر مارس 2015، عندما قال: "من رضي لأرضه رضي لعرضه"، وردد إعلام الانقلابيين وأجهزتهم الأمنية والعسكرية هذه العبارة على نطاق واسع، وكان لها دورها في حشد كثير من المقاتلين القبليين الذين ساندوا الانقلابيين، سواء في الجبهات الداخلية أو في الجبهات الحدودية مع السعودية، بل فإن تلك العبارة موهت على البسطاء والأميين حقيقة الحرب ودور الانقلابيين في إشعالها.

وبعد نجاح الرئيس السابق علي صالح في دعوته للنكف القبلي بصورة تثير الحمية القبلية واستقطاب مقاتلين قبليين ضد الحكومة الشرعية والتحالف، سلكت المليشيات الحوثية نفس المسلك، حيث وظفت مسمى "النكف القبلي" لحشد المزيد من المقاتلين في صفوفها وتعويض النقص الحاصل في عدد مسلحيها كلما تكبدت خسائر بشرية في جبهات القتال، وأيضا عندما تصل محاولات الحشد العشوائي للمقاتلين إلى طريق مسدود، وتتراجع الاستجابة المجتمعية لدعوات التعصب المناطقي والمذهبي الهادفة لحشد المقاتلين في صفوف المليشيات الانقلابية ضد خصومها، فيكون "النكف" وسيلتها لاستثارة حمية بعض رجال القبائل والزج بهم في جبهات القتال.

والملاحظ أنه منذ بدء الحرب قبل أكثر من خمس سنوات وحتى الآن، ارتكبت المليشيات الحوثية العديد من الجرائم الأخلاقية وجرائم الحرب في عدة محافظات، ثم تحمّل التحالف العربي أو القوات الحكومية مسؤولية ذلك، مثل قصف أسواق شعبية أو أعراس أو تجمعات للمدنيين أو ارتكاب جرائم اغتصاب ضد فتيات، ثم تتخذ من ذلك وسيلة للحشد باسم "النكف" و"الدفاع عن الأرض والعرض" وغير ذلك، وتحول المعركة من معركة بين سلطة شرعية ومليشيات انقلابية إلى معركة أخلاقية للتغرير على البسطاء وخداعهم بافتعال الأكاذيب وحشدهم باسم "النكف" للقتال في صفوف المليشيات.

- دعوة قبائل مأرب للنكف

لم تكتف المليشيات الحوثية باتخاذ "النكف القبلي" وسيلة للحشد والتعبئة ضد خصومها في المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها، بل فإنها مؤخرا أخذت تدعو لـ"النكف" في مناطق تسيطر عليها الحكومة الشرعية، مثل محافظة مأرب، بهدف تأليبها ضد الحكومة الشرعية وتفخيخ مناطق سيطرتها من الداخل، حتى يسهل على المليشيات الحوثية التقدم عسكريا نحوها وبالتالي السيطرة عليها، متخذة من تمكن الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية القضاء على خلية حوثية في مأرب وسيلة للدعوة لـ"النكف"، علما بأن الدعوات لـ"النكف" طالت محافظة مأرب ومحافظات أخرى، لدرجة أن المليشيات أخذت تدعو لـ"النكف" ضد مأرب حتى في المناطق التي تسيطر عليها بمحافظة تعز.

كما أن دعوات المليشيات الحوثية للنكف القبلي ضد محافظة مأرب لم تكن بهدف الانتقام لخلية إرهابية تتبعها هناك، وإنما بهدف اقتحام المحافظة الغنية بالنفط والغاز بعد أن ظلت عصية على المليشيات الانقلابية منذ أكثر من خمس سنوات، وتكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة على تخومها، ولذا تراهن المليشيات على السلاليين داخل محافظة مأرب لزعزعة أمن المحافظة من الداخل، بينما تتولى هي الحشد للمعركة في مناطق سيطرتها، وتتوهم بأنها من خلال ذلك ستتمكن من تحقيق نصر ضد مأرب عجزت عن تحقيقه منذ بداية الحرب، وتتعمد تزييف الحقائق في إطار الحشد لـ"النكف"، وتوهم المواطنين أن هدفها من ذلك نصرة مواطنين أبرياء ونساء وأطفال تم الاعتداء عليهم وهم آمنون في بيوتهم.

- نكف أم تفخيخ المجتمع بالثأر؟

سلكت المليشيات الحوثية عدة أساليب للحشد العسكري منذ بداية انقلابها على السلطة الشرعية والتوافق السياسي المتمثل بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، يتمثل ذلك في تفخيخ المجتمع بقضايا ثأر لن يتعافى منها لعدة سنوات مقبلة، ذلك أنه في بداية انقلابها وزحفها للسيطرة على المدن الواحدة تلو الأخرى، كانت تتعمد أن تجعل في كل مدينة أو منطقة الموالين لها يتقدمون الصفوف للقتال ضد أبناء مناطقهم، فتترسخ ثارات لدى الأطراف الرافضة للانقلاب لن يمحوها الزمن بسهولة، وها هي اليوم تحاول المليشيات الحوثية جعل السلاليين والموالين لها من أبناء مأرب يشعلون فتيل المعركة بالمحافظة ضد أبناء محافظتهم، بداعي "النكف القبلي"، ثم تأتي المليشيات لتحصد نتائج تلك الأعمال المخلة بالأمن والاستقرار في المحافظات التي لم تتمكن من السيطرة عليها.

غير أن الدعوات لـ"النكف القبلي" لا تأتي أكلها دائما، ذلك لأن أساليب المليشيات الحوثية في الحشد والتعبئة باتت مكشوفة، وهدفها من إشعال الحرب لم يعد خافيا على أحد، ولذا فهي تسلك طرقا مختلفة لحشد المقاتلين في صفوفها، من أهمها التعبئة الطائفية والمذهبية والمناطقية، وأحيانا تتفنن في ابتكار أساليب جديدة للحشد من خلال الإغراء، حيث تعد من سينخرطون للقتال في صفوفها بالحصول على كميات كبيرة من "غنائم الحرب" و"المنهوبات" في حال السيطرة على مناطق جديدة، فيغري ذلك سيئي الأخلاق أو ضعاف النفوس ممن تقطعت بهم السبل وضاق بهم الحال بسبب سياسات الإفقار والتجويع التي تنتهجها المليشيات الحوثية ضد المواطنين في مناطق سيطرتها، فيندفعون للقتال في صفوف المليشيات تحت ضغط آلام الجوع والفقر.

وفي كل الأحوال، تستخدم المليشيات الحوثية كل أساليب وطرق التعبئة وحشد المقاتلين في صفوفها، ولا تتورع حتى عن اختطاف الأطفال وتعبئتهم طائفيا والزج بهم في جبهات القتال، كما أنها مؤخرا بدأت باستقطاب فئة المهمشين للقتال في صفوفها، وستظل هكذا تدفع بالبسطاء والأبرياء والمغرر بهم إلى الجبهات كوقود لمعارك عبثية، بينما قادة المليشيات الكبار متفرغون للنهب والسلب وبناء الفلل والقصور والمشاريع الاستثمارية وتكديس الأموال، وهكذا تتحول دماء البسطاء والمغرر بهم إلى ثراء فاحش ينعم به قادة المليشيات.

كلمات دالّة

#اليمن