الجمعة 19-04-2024 07:24:17 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بناء دولة الحكم الرشيد.. تأصيل مقاصدي (الحلقة الثانية والأخيرة) 

الثلاثاء 23 يونيو-حزيران 2020 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

 


تنويه:

• مجالات حياتنا الدنيوية سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وتربويا يجب أن تبنى على منهج التأصيل المقاصدي المستند إلى وعي رشيد بالسنن الحاكمة للاجتماع الإنساني كما رسم أسسها القرآن العظيم.

• الأسس النظرية للحكم الرشيد ومعالم تطبيقاته الأولية المنطلقة من سنن الاجتماع حاضرة بقوة في مصادرنا المعصومة المتمثلة في مقاصد القرآن ومقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلافة الراشدة. 

إذن، مصطلح دولة الحكم الرشيد وإعادة بنائها والتأصيل لها من خلال المنهج المقاصدي هو من صميم ثقافتنا الإسلامية إنسانيا وحضاريا. 

أولا: الدواعي والمبررات 

كثيرة هي دواعي التأصيل المقاصدي ومبرراته لأجل إقامة دولة الحكم الرشيد، لكننا سنشير إلى أبرزها
وذلك على النحو التالي: 
 
1- تغيير مفهوم الدولة: 

مفهوم الدولة دخلت عليه تغييرات شاملة، بدءًا من مفهوم الدولة، وأسسها، وقيمها، وكيفية بنائها، وتحديد وظائفها وأجهزتها، تنظيرا، وأداء... إلخ.

2- هذا التغيير الشامل لمفهوم الدولة جاء من تجدد الأعراف الفكرية، والمسارات الثقافية التي عكست هموم وتطلعات المجتمعات الغربية المعاصرة. 
 
3- اتساع وظائف الدولة الحديثة إلى حد الهيمنة على كافة مرافق حياة المجتمعات، بل إن بعض المرافق الأهلية تقوم الدولة بوضع القوانين واللوائح أو تكون -على الأقل- قوانين الدولة ولوائحها هي المرجع عند الخلاف.

ثانيا: صراع القيم

1- المفهوم الحديث للدولة هو مفهوم قادم من وراء الحدود، وبصيغة أكثر وضوحا، المفهوم الحديث للدولة خرج من تحت عباءة الاحتلال الأوروبي للوطن العربي. 

2- الدولة الوطنية التي تسلمت مقاليد الحكم بعد طرد الاحتلال الخارجي أو القضاء على المستبد الداخلي، فقد أخذت تلك الحكومات من كل نظام أسوأ ما فيه لاعتبارات أيديولوجية وثقافية. بجملة واحدة هي: التقليد للوافد كان سيد الموقف، تمثل في استيراد وصفات جاهزة، استهلاكا لثقافة الغير، وهيهات للعقل المستهلك للثقافة أن يبدع.

3- تغول السلطات: 

السلطات التي أطلقت على نفسها مصطلح الحكومات الوطنية، تغولت إلى الحد الذي تخندقت فيه السلطات ضد الأمة، فصادرت حق الأمة وزورت إرادتها بدلا من الولاء للأمة واحترام إرادتها، منصِّبةً نفسها وصية على الأمة كاتمة أنفاسها.

4- فساد شامل: 

الحكومات الوطنية فرضت قيما غريبة على المجتمع العربي تحت مسميات الحداثة والديمقراطية والدولة المدنية، وصادرت الحريات تحت شعار "التنمية أولا".

4- أفضل ما قدمته الحكومات الوطنية تعليما أنتح موظفين، وتكريس ثقافة الاستهلاك لمنتجات الغير. 

5- فرضت قيم الآخر وثقافته المجتمعية تحت مبرر أنها قيم كونية، وهيهات.

6- اغتراب ثقافي وسياسي، انتهى إلى قطيعة بين السلطات والشعوب العربية، وحسب الصحفي اللبناني د. منح الصلح، فإن نخبة الحكم الوطنية فرضت العلمانية كشرط لوجود الديمقراطية، قامعة للمتسائل، إذا كانت العلمانية قيمة كونية كالديمقراطية، والنتيجة حسب د. الصلح، فإن الحكومات الوطنية اكتفت بنسبة 20-21% هم رجالات الحكم والإدارة، تاركة 80% من الشعب أداروا الظهر للحكومة وهنا أصبحت الحكومات في عزلة عن الشعب.

وحسب د. غليون، فإن السلطات كانت توغل في فسادها وقمعها للشعب المعرض عنها، مفسرة هذا الإعراض الشعبي أنه تحدٍ للدولة.

7- قانون رد الفعل: 
الإعراض الشعبي الآنف صاحبه تشبث غريب بالموروث التاريخي للثقافة السياسية الإسلامية، حيث كانت الدولة في التاريخ لا تتعدى أربع وزارات، وكان الشعب العربي يمتلك مساحات واسعة من الحرية تعليميا
وتنمويا واقتصاديا وصحيا... إلخ. بفضل المؤسسات الأهلية الوقفية الناجحة، علما أن تلك المؤسسات هدمتها السلطات الوطنية كونها رمز التخلف وضد الحداثة، علما أن السلطات عجزت عن تقديم البديل الأفضل، والنتيجة: طغيان واستبداد وفجور سياسي خلف فسادا مهلكا للحرث والنسل.

8 - النظم الملكية: 

الدول العربية الملكية والأميرية كانت شعوبها تعيش أكثر حرية، بل فتحت صدرها للناجين بجلودهم من السلطات التي تدعي أنها جمهورية وديمقراطية.

9- إعادة إنتاج الموروث: 
رافق ذلك طفرة نفطية ريعية ولدوافع سياسية وثقافية تم توظيف ذلك الريع الفائض في إعادة إنتاج الموروث السياسي والذي يدغدغ وجدان المحتمع، دغدغة مصحوبة بمساحة من الحرية الموجهه ضد النظم الوطنية، فهي الوجه القبيح لمفهوم للدولة الحديثة بكل مكوناتها.

 ثالثا: الربيع العربي

1- انقلابات عسكرية خلال 60 عاما قاربت 67 انقلابا في الدول ذات النظم الجماهيرية، فازداد الموقف قتامة وظلاما، قتلا وقمعا ونفيا وسجنا.

2- الدين يكرس الاستبداد: السلطات القمعية وظفت الدين لخدمة إجرامها وأيديولوجيتها، فوجد المثقف العربي نفسه محاطا بتقليدين قاتلين، تقليد للظلام القادم من الغرب، وتقليد للموروث الذي يجالد باسم الدين محاميا أمينا للفحور والطغيان السياسي، وأن ذاك الإجرام هو الإسلام، حسب الفهم المريض، وأن من يقول "لا للظلم" هو المبتدع والفاسق والضال والجاهلي. 

3- الربيع العربي الديمقراطي

سنن الله الحاكمة للاجتماع تفرض نفسها، فخرج الشباب العربي سلميا، وبوعي تام لأساليب الفجور والطغيان السياسي واعيا حقيقة موروث الفكر السياسي الإسلامي بأنه يحمل بذور قيم دولة الحكم الرشيد، وأن التطبيقات التاريخية هي تجارب عكست ظروفها وسياقاتها التاريخية.

4- الثورة المضادة واختلاس الثورات: 

 انطلق الشباب العربي مجسدا خطواته الأولى نحو الانعتاق من أسار التخلف الشامل، فإذا بشباب الربيع العربي يجد نفسه في خط شلليات غريبة (داعش ودولة إسلامية... إلخ.)، إلى جانب تفجير حرب طائفية، نفخ فيها إبليس عنصرية التسيد والسلالية، والتزمت الديني والتطرف، ليلتقي فرقاء الفجور والطغيان السياسي المهلك للحرث والنسل، في خندق الإمعان في القتل وسفك الدماء البريئة وبدعم المال العربي المدنس. 

5- غير أن ثورة الشباب العربي السلمية واعية تماما بالحركات الملتوية لأفاعي الطغيان والاستبداد والفساد مهما تبدلت لبوسه، وها هو الشباب وبوعي تام، يسطر أسمى وأرقى البطولات باذلا دمه رخيصا، متقدما واثق الخطوات في سبيل الحرية والديمقراطية وبناء دولة الحكم الرشيد. 

رابعا: القرار

كانت تلكم الدواعي والمبررات أمام شباب الربيع العربي، فاتخذ قراره التاريخي بعزم وتصميم على إعادة بناء دولة الحكم الرشيد انطلاقا من المنهج المقاصدي الإسلامي المرتكز على فقه جلب المصلحة ودفع المفسدة، مثبتا للشعب بأن عمروا قد شب عن الطوق رافضا الوصاية على العقل باسم الدين، معتبرا تلكم المبررات والدواعي كافية لضرورة إعادة التأصيل المقاصدي لدولة الحكم الرشيد، واضعا مكونات الحكم الرشيد، مفهوما، وتنظيرا، ونظما، وتنظيما، وأجهزة، ومؤسسات، ووظائف، على محك المنهج المقاصدي، وذلك لعلم الشباب ووعيه بأن بناء دولة الحكم الرشيد له ما بعده.

خامسا: معالم التأصيل 

1- الانطلاق من السنن الحاكمة للاجتماع السياسي التي تضمنتها نصوص القرآن. 

2- استحضار مقاصد القرآن وكلياته وسنن الله في النفس والاجتماع. 

3- تمليك الشعب حقه في الشرعية السياسية، وذلك من خلال إعادة تسكين الشورى في السياق الذي وضعه خالق الإنسان العالم بمصالحه.

4- تحويل مبدأ وفكرة الشورى إلى مؤسسة تلبي هموم وتطلعات الشعب المعاصرة وتجسيدا عمليا لمقاصد الشريعة الإسلامية. 

5- إعادة بناء الثقافة الإسلامية الرامية إلى إعلاء كرامة الإنسان على أسس عقدية وشرعية وثقافية مستندها مقاصد القرآن في الاستخلاف السماوي للإنسان الرامي إلى عمارة الأرض. 

6- اعتماد الدفاع عن الحريات وحق التعايش والمساواة مكونا أصيلا من مكونات التوحيد وأبعاده الإنسانية والحضارية.

7- اعتبار رسالة ربعي بن عامر أمام رستم هي محور التشريع الإسلامي تدينا ومقاصدا واجتماعا وإنسانا، 
"جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".. نكتفي بتلك المعالم.

نلتقي بعونه سبحانه مع النظرية السياسية الإسلامية وأحسبها جهدا غير مسبوق.

كلمات دالّة

#اليمن