الخميس 18-04-2024 07:01:06 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإدارة بالأزمات.. ماذا أبقى الحوثيون للمواطنين في مناطق سيطرتهم؟

الثلاثاء 23 يونيو-حزيران 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني
 

تتوالى الأزمات بشكل متواصل ومفتعل في مختلف المحافظات والمدن التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، وكلما أتت أزمة كانت أسوأ من سابقاتها، وكلما انتهت أزمة تحل بدلا منها عدة أزمات، وهكذا يعيش المواطنون في المحافظات غير المحررة أزمات متجددة، ولا ينتهي الأمر عند التضييق على معيشة المواطنين بكل السبل، بل فالانتهاكات التي تطال مختلف فئات المجتمع، والقبضة الأمنية الحديدية للمليشيات الحوثية حولت حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، وزاد الطين بلة تخلي المليشيات، كسلطة أمر واقع، عن مسؤوليتها الاجتماعية، حيث نهبت رواتب الموظفين، وحولت عدة خدمات عامة إلى وسائل للاستثمار، بينما الخدمات التي ليس لها مردود على المليشيات جعلتها عرضة للدمار والخراب، مثل التعليم وشبكة الطرقات وغيرها.

والمتأمل في طريقة إدارة المليشيات الحوثية للمحافظات التي تسيطر عليها، سيجد أنها تنتهج أسلوب عصابات اللصوصية والسرقة والنهب، وتتعامل مع السلطة والحكم كفرصة للفيد وليس كمسؤولية تجاه الشعب، بل فهي تنظر لتمكنها من السيطرة على عدد من المحافظات كفرصة ثمينة لا تعوض للثراء غير المشروع، لإداركها بأن المدة الزمنية للانقلاب محدودة، طال الزمان أو قصر، ولذا فقد نسفت مفهوم الدولة ومسؤوليتها الاجتماعية من أساسه، ولم تقدم أي شيء إيجابي للمواطنين لتلميع ذاتها أمامهم وتطمينهم والإثبات لهم أنه يوجد بين قادتها رجال دولة وليس كلهم مجرد لصوص وزعماء عصابات فيد ونهب، كما أنها لم تقدم أي شيء للمواطنين تستطيع أن تفاخر به أو على الأقل تمن به عليهم أو وضعه كنقطة بيضاء في سجلها الأسود.

وحتى الأزمات العابرة للحدود، مثل فيروس كورونا، والتي يفترض أن تقوم سلطات الأمر الواقع الحوثية بدورها في التخفيف من وطأتها على المواطنين، إلا أنها حولتها إلى أزمة مضاعفة على المواطنين، حيث ضاعفت من الإتاوات تحت مسمى مواجهة كورونا، وفي نفس الوقت تركت الحبل على الغارب ولم تقم بأي إجراءات احترازية لمحاصرة الفيروس، بل فالقبضة الأمنية الحديدية للمليشيات عكست نفسها على أدائها في تعاملها مع الفيروس والمشتبه بإصابتهم به، ويبدأ الأمر بتطويق المكان أو الحي الذي يوجد فيه المصاب أو المشتبه بإصابته بالفيروس بالمسلحين والعربات العسكرية، وينتهي بالقضاء عليه من خلال الإبر القاتلة ودفنه في مكان مجهول بعد إبلاغ ذويه بأن قريبهم مات بمرض فيروس كورونا وأنهم سيدفنونه بطريقتهم.

- أزمة الوقود

تعد أزمة الوقود من أكثر الأزمات المتجددة بدون مبررات في المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، وفاقم من تلك الأزمة عدم وعي المواطنين بخطط المليشيات لنهب أموالهم بأي طريقة، وجعلهم يدفعونها لها بأيديهم عن طيب خاطر، ولتحقيق ذلك يكفي أن تخفي المليشيات مشتقات البترول، وبث شائعات بأنها منعدمة، وترفع أسعارها، وتتعمد إثارة الهلع في أوساط المواطنين بأن مدة الأزمة ستكون طويلة، وإذا بمحطات التعبئة تزدحم بطوابير السيارات بحثا عن البنزين والديزل ولو بسعر مرتفع، وتزدهر السوق السوداء، ويستمر الأمر هكذا حتى يكتفي المستهلكون بما اشتروه، ويتخفف الزحام وطوابير السيارات، فتعود الأسعار إلى طبيعتها، وهكذا تتكرر هذه الظاهرة منذ أكثر من خمس سنوات، وأحيانا يتم إغلاق محطات البترول تماما، لتنتعش السوق السوداء، ويدفع المواطنون ثمن الرصاصات والأسلحة التي تقتلهم بها المليشيات الحوثية.

- أزمة الغاز المنزلي

أزمة الغاز المنزلي هي الأخرى من الأزمات المتجددة والمفتعلة، ويتم توظيفها لأغراض أمنية، حيث تحتكر المليشيات توزيع الغاز عبر عقال الحارات، وتجمع كشوفات المستفيدين التي تتضمن عدة معلومات عنهم، ثم تحليل تلك البيانات في جهاز الأمن السياسي التابع للجماعة، والهدف تتبع من تصفهم بالمطلوبين أو المعارضين لها، وعمل مسح لمعرفة حركة التغيير الديمغرافي في صنعاء، ويتم تجديد هذه الكشوفات كل بضعة أشهر، وفي الأوقات الأخرى لا يتم صرف الغاز بواسطة عقال الحارات، ولا يسمح لمحطات الغاز أو التجار ببيعه في محال معروفة، وإنما يحتكر بيعه قادة المليشيات ومشرفيها في السواق السوداء وبأسعار مرتفعة، كل ذلك من أجل تحقيق الثراء لقادة المليشيات وتمويل حروبهم العبثية ضد الشعب من خلال احتكار السلع الأساسية والتحكم بأسعارها في السواق السوداء.

- انقطاع الرواتب

أوقفت المليشيات الحوثية رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأحالت عددا كبيرا من الموظفين إلى رصيف البطالة، في ظل انعدام فرص العمل في القطاعات الأخرى جراء الحرب، وخلف ذلك مآسٍ كبيرة في أوساط آلاف العائلات التي تشردت وتفككت، وأقدم عدد من أوقفت رواتبهم على الانتحار، وبعضهم اضطروا للعمل في أعمال شاقة، مثل حمل الأحجار والبلك وجمع الخردوات وبيعها رغم ضآلة مردودها، بينهم أكاديميون ومعلمون وضباط في الجيش وغيرهم، كما تسبب ذلك بالعديد من حالات الطلاق، والمحظوظ من الأكاديميين والأطباء هو من حالفه الحظ وحصل على فرصة عمل خارج الوطن.

- نهب وجبايات غير مشروعة

اتخذت المليشيات الحوثية من الحرب وما تسميه "المجهود الحربي" وسيلة للنهب والسلب وفرض الجبايات غير المشروعة، وطال ذلك الشركات التجارية وشركات الاتصالات والجامعات والمستشفيات والمدارس الأهلية، كما طال حتى صغار التجار والباعة المتجولين والعقارات المؤجرة والمزارعين، وفي كثير من الأرياف يجبرون حتى المواطنين البسطاء على دفع مبالغ محددة كمجهود حربي ومن لا يستطيع الدفع فعليه تقديم مقاتل من أبنائه، وتحول الأمر في بعض الأرياف إلى فوضى، حيث يفرض المشرفون الحوثيون على المواطنين مبالغ باهظة بذريعة المجهود الحربي، ويصرفونها هم ومرافقوهم ولا يدفعون منها شيئا لقادة المليشيات الكبار، وأحيانا تتسبب الأموال المنهوبة والجبايات في اشتباكات بين القادة الحوثيين أنفسهم، ويسفر عن ذلك سقوط قتلى وجرحى، علما أن كل الجبايات يدفعها المواطن البسيط من قوت أطفاله، فمن ناحية، يتعمد التجار زيادة أسعار السلع الغذائية والكماليات لتعويض ما يدفعونه من إتاوات كمجهود حربي، ويؤول تحمل عبء ذلك إلى المواطنين، وفي نفس الوقت يدفع المواطنون إتاوات إضافية، وهكذا يظل المواطن ضحية جشع المليشيات والتجار على حد سواء.

- انهيار النظام الصحي

تحولت المستشفيات الحكومية في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية إلى خراب، بعد أن غادرها الأطباء بحثا عن فرص عمل بديلة بسبب قطع المليشيات الحوثية رواتبهم، بينما تعاني المستشفيات الأهلية من الإتاوات الباهظة التي تفرضها عليها المليشيات بذريعة المجهود الحربي، مما أثر على أدائها. أضف إلى ذلك، أن المليشيات الحوثية أسست شركات استيراد أدوية، وضيقت الخناق على الشركات التي كانت قائمة، وعبثت بسوق الأدوية من خلال إغراقها بأدوية ومستلزمات طبية مقلدة، ورفعت أسعار العديد من الأصناف الدوائية الأكثر طلبا في السوق، وبنفس الوقت انتشرت العديد من الأمراض والأوبئة التي تخلص منها العالم منذ عشرات السنين، مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك وغيرها. ومع تفشي فيروس كورونا، ازداد الوضع الصحي انهيارا في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية، وأصبح الناس يعانون من أمراض مختلفة ويموت بعضهم بصمت في بيوتهم ولا يجرؤون على زيارة المستشفيات، بسبب المخاوف من أن تظهر الفحوصات إصابتهم بفيروس كورونا، وبالتالي القضاء عليهم من خلال الإبر القاتلة التي خصصتها المليشيات للتعامل مع المصابين بوباء كورونا.

- انهيار التعليم

تسبب انقطاع الرواتب وعدم طباعة الكتاب المدرسي في انهيار النظام التعليمي في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث ترك معظم المدرسين مهنتهم وتحولوا للعمل في مهن شاقة أخرى لإنقاذ أطفالهم من الموت جوعا، وتسبب نقص المدرسين وانعدام الكتاب المدرسي في تسرب كثير من الطلاب من المدارس، كما أن ملشنة الحياة العامة، واتخاذ المدارس وسيلة للحشد والتعبئة الطائفية، جعل العديد من الأسر تحجم عن تدريس أبنائها. أما الجامعات فقد غيرت المليشيات إداراتها، وفرضت أشخاصا فيها لا علاقة لهم بالتعليم الجامعي، واتخذتها مسرحا للتعبئة الطائفية وإجبار الطلاب في مختلف الأقسام على دراسة مناهج طائفية مثل ملازم مؤسس المليشيات حسين الحوثي، وأثقلت المدارس والجامعات الأهلية بالإتاوات الباهظة بذريعة المجهود الحربي، ونهبت بعض مؤسسات التعليم الأهلي، وعبثت بالبعض الآخر، كما هو الحال بالنسبة لجامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء.

- الإدارة بالأزمات واستمرار الحرب

تحرص المليشيات الحوثية على إدارة المحافظات التي تسيطر عليها بالأزمات واستمرار الحرب، باعتبار ذلك فرصة تاريخية لا تتكرر لتحقيق الثراء غير المشروع، وانتهاء الحرب يعني بالنسبة لها انتهاء مصادر دخل وسلب ونهب لا تنضب، واتخذت المليشيات من مسمى "المجهود الحربي" سلاحا لإشهاره في وجوه الجميع كمبرر لنهب أموالهم إجباريا وبدون أدنى اعتراض. وعلى الجانب الآخر، تسببت الحرب بقلق وانهيار نفسي لدى المواطنين البسطاء ممن تقطعت بهم السبل وانقطعت مصادر دخلهم وتحولت حياة أسرهم إلى جحيم لا يطاق، وزاد الطين بلة القبضة الأمنية الحديدية للمليشيات، واعتقال بعض المواطنين وسجنهم وتعذيبهم لمجرد وشايات كاذبة بأنهم معارضون للمليشيات ومؤيدون للحكومة الشرعية والتحالف، وهكذا تحولت الحرب إلى قلق وإجهاد نفسي وفقر وجوع للمواطنين، ووسيلة للثراء غير المشروع لقيادات المليشيات الحوثية.

كلمات دالّة

#اليمن